تجارب ومواقف غريبة

قطار الأشباح الملعون

كنا في بيت جدتي ذات ليلة، وقد كنا نحب حكاياتها التي كانت تحمل بين ثناياها ذكريات الماضي الجميل. كنا نشاهد التلفاز لكن التيار الكهربائي انقطع فجأة فشعرنا بالذعر والتففنا حول جدتي التي بدأت تضحك من خوفنا وتوترنا الطفولي، ثم قالت لنا سوف أحكي لكم قصة حدثت في قريتنا قبل أن تتحول إلى مركز حضري.

أصغينا لها فبدأت بسرد القصة بعد أن أوقدت الشموع وقالت:

كانت قريتنا مليئة بالأشجار الضخمة والنخيل فارع الطول، وكنا ونحن أطفال نلعب أسفل شجرة التوت، ولأن أخي الأكبر كان يدرس في الأزهر فقد كان يستيقظ قبل مطلع الفجر ليركب القطار المتجه نحو القاهرة للذهاب إلى المعهد الأزهري، ولكن أبي كان فى كل مره يحرص على ألا نشاهد أخي قبل أن يذهب لكي لا نقول له أننا نريد الذهاب بصحبته، وخصوصا أننا كنا نعرف أن القاهرة مدينة مليئة بالعجائب مثل المتاحف والمباني المعمارية الجميلة والألعاب والملاهي التي لطالما سمعنا عنها ولم نشاهدها من قبل، فكان يحرص على أن يتاكد من نومنا قبل أن يغادر..

لكن لسوء الحظ تسلل ذات يوم وكنت أتظاهر بالنوم فغافلت أبي وركضت خلف أخي لأنني كنت أريد أن أذهب لرؤية القطار الذي كان يوصف كمدينة متحركة فبداخله مقهى ومقاعد والدرجة الفاخرة منه فيها أسرة وحمامات. وطبعا كنت أسمع من أخي مغامراته التي كانت يصف لنا فيها ما يحدث معه داخل القطار من أحداث، أحيانا تكون مضحكة وأحيانا غريبة.

تسللت خلفه وأنا أنوى أن أتبعه للقطار لكنني رأيت الطرق موحشة وغريبة، فكما ذكرت آنفا أن الطرق كانت محاطة بالنخيل من كلا الجانبين، وكانت هذه الليلة بلا قمر، وكانت السماء مظلمة والجو موحش فلم يكن هناك كهرباء، كان عليّ الاعتماد على أضواء الشموع التي وضعها الأهالي أمام منازلهم، وبالرغم من أن صوت البوم والذئاب وصرار الليل كان يجعل من المشهد مخيفا أكثر، إلا أنني استجمعت شجاعتي وواصلت السير خلفه.

لكنني لاحظت من بعيد ظلالا لأشخاص طويلي القامة بشكل مبالغ فيه يتحركون من بيت النخل، وكان من الواضح أن أخي أيضا قد لاحظهم، فقال بتذمر: لا ليس ثانية! من الواضح أنني قد نسيت أذكار الصباح اليوم..

وبدأ أخي يكبر فابتعدت عنه تلك الظلال الغريبة لكنها هرولت فى جهة كنت أسمع أن بها طريقا قديما لقطار يطلق عليه الفلاحون طريق القطار الشبح، وأحيانا يقولون القطار الملعون كان الطريق مليئا بالطحالب الخضراء كالتي تنمو على ضفاف الأنهار أو البحار..

فجأة سمعت صوت طفلتين تلعبان وكانتا ترتديان فساتين جميلة بألوان زاهية، ولا أدري من أين أتى النور الذي كان يحوط المكان، ولكن بمجرد أن اقتربت من إحداهن وقلت لها هل ممكن أن ألعب معكن؟ وإذا بها تنظر ناحيتي وتتحول ابتسامتها إلى وجه مظلم وتصرخ فى وجهي صرخة مرعبة ويقف شعرها، ويظهر من خلفها شريط للقطار وتعبر هي والأخرى باتجاهين متعاكسين، وحينما تكونان أمام القطار مباشرة إذا بهن تصطدمن بالقطار وتقعن تحت عجلاته وتتناثر أشلائهن ثم يمر القطار عليها، ولكن قطع هذا المشهد لأنني شعرت بضربة قوية على رأسي وصوت يقول كفاكِ تلصصا علينا.

أفقت على صوت أخي وهو في المشفى يقول: أفيقي يا مريم، ماذا كنت تفعلين عند بركة شبح القطار الملعون؟ قلت: هل حدثت هناك حادثة كانت فيها طفلتان تلعبان؟ قال: نعم ولكن من أخبركِ؟ قلت: لقد رأيت بنفسي ما حدث. قال: باستطاعتي أن أكمل لك باقي الأحداث..

منذ عشر سنوات كان هناك طفلة تحب أن تلاعب الضفادع التى فى البركة قرب طريق القطار، وشاهدت صغيرة اخرى تعبر أمام القطار فخافت وهرعت لإنقاذها لكن للأسف توفيت هي الأخرى بعد أن أصبح جسدها أشلاء، إذ حطمها القطار من شدة سرعته. ولكن والد الطفلة حينما ذهب ليبلغ عن اختفاء ابنته وجد أنه لم يكن هناك شخص آخر، وحينما سأل عن الطفلة الأخرى التي شاهدها الناس وهي تعبر الطريق قال له المحقق لم نجد سوى جسد ابنتك فجن جنونه فهو يعلم أن أهل القريه لا يكذبون.
عاد للبحث على طول الطريق لكنه فشل فشلا ذريعا بأن يعثر على أي شيء، وبالطبع أخذ يسال عن سائق القطار فى تلك الليلة حتى علم من هو، لكنه كان رجلا مغرورا رفض نصيحة أبي أن يترك تلك المهنة بعد أن علم والدي أن تلك الطفلة لم تكن من البشر ولكن من الجن.

صرخ الرجل أنه سوف يعود لممارسة عمله بشكل طبيعي، بل لقد استهزئ بالأمر وقال مثل يوم الحادث هذا سوف أقول لكل أقاربي وأصدقائي أن يأتوا للقطار. شعرت بأن نبرة صوته فيها الكثير من الاستخفاف وقال لهم: موعدنا يوم ذكرى الأربعين للحادثة وجاء هذا اليوم وصعد الجميع على متن القطار ولكن ما حدث كان مروعا، لقد كانوا يتحدون الجن وكان صوتهم مزعجا، وفى لحظة واحدة وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم.

حاول الأهالي أن يجدوا جثامين الضحايا لكن دون جدوى، ومنذ ذلك اليوم والقطار يظهر والفتاتان في ذكرى الحادث فث كل عام وكأنهم يرثونها وقالت جدتي وهي تنظر إلينا: هكذا انتهت قصة اليوم والهدف منها هو ألا تتحدى الجن أبدا وأن تذكر الله لتكون فى حرز دائم من الشياطين والجن.

guest
4 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك