أدب الرعب والعام

للكفن حكايا..

كان كل شيء كما السحر في حياتي؛ اختفت أشياء كما لو أنها لم تكن يوما، وظهرت أشياء كأنها كانت موجودة طوال الوقت.

لم أستوعب لحظتها أي شيء، وما زلت لم أفعل حتى بعدما عصفت بي السنين لأبواب العشرين. كنت مجرد طفل صغير أهوج، يقطر خدّاه المنتفخين براءة، وتلمع عيناه بالدموع لأدنى حركة أو كلمة.

أحببت الحلوى، وأحببت الركض بين الأحياء، أحببت أبسط الأشياء وتعلقت بها، لكن حتى وأنا طفل صغير لم أسلم من العواصف، وكانت العواصف التي تهب في حياتي عبارة عن أصوات انفجارات مرعبة تهدد نومي، وتدخلني في نوبات رعب.

ما تعلمته من تفحصي للعالم بعيناي الواسعتين كان شيئا واحدا لم أدرك أهميته إلا بعدما فقدته. جدران البيوت وأسقفها ليست آمنة، يمكنها دوما أن تسقط فوق رأسك فجأة، وأنت تأكل، وأنت تستحم، وأنت نائم، في الحالات كلها. قد تخلفك أشلاء لا تجمع، وقد تخلفك جسما مثخنا بالجروح، وقد تخفيك للأبد فلا يعلم أحد بمكانك.

فقط الأيادي الطرية للآباء، الأذرع المصنوعة من اللحم والدم، والتي قد تنفجر وتمزق بسهولة، هناك يكمن الأمان لأي طفل، ولأي بالغ. جدران من لحم ودم، دمجت بمشاعر جياشة وجففتها المعاناة.

لم أدرك أنني إذ ما فقدت جداري لن أشعر بالأمان قط.

كان والدي ناظرا للمدرسة التي أدرس بها، بينما كانت أمي ربة بيت ككل أمهات العالم. لم يكن لهما طفل غيري، وقد كنت أبلغ آنذاك إحدى عشرة سنة بالضبط -رغم أني دوما ما تبججت وتفاخرت أنها اثنتا عشر-

كوني الطفل الوحيد في العائلة لم يكن راجعا لعدم قدرة والداي على إنجابي غيري، إنما لإصرارهما على عدم إنجاب غيري. وأنا كطفل وحيد لم أفهم ذلك الإصرار يوما، لقد كنت أتوق لأخ صغير أربت على رأسه، لصغير أرعاه بيدي، وأكون له سندا. كنت أعلم أنه كان لي أخ أكبر مني، الفارق بيننا سنة واحدة. لكنه مات متأثرا بنزيف قوي وهو بعد في الثالثة من عمره، وظلت أمي تعالج هذا الجرح المفتوح في قلبها، وهي مرعوبة من أكون أنا لها جرحا ثانيا.

لم أفهم يوما لأي مدى الفقدان مرعب بالنسبة لأمي، ولأي مدى خشيت علي، بل لو أتيح لها أن تعيدني لرحمها لما توانت.

بالنسبة لي كان صوت الصواريخ مرعبا، لكن سيان بينه وبين صوت الرعد، يختفي كلاهما عندما تبدأ أمي بالغناء… لا! في الحقيقة فهمت معنى الفقدان، أبكر من هذه اللحظة بكثير، وبعد تلك اللحظة، عرفتها يوم سقط منزلنا وحينا القديم تحت وابل من الصواريخ المتطايرة.

عرفت الحقيقة البشعة التي أخفتها أمي دوما عن طفل مثلي، حقيقة الموت! بل عرفتها حين جرني أبي من خارج المنزل المهدم، مخلفين جسد أمي على طرف العتبة.

وعرفتها حين لفظ أبي أنفاسه متأثرا بنزيفه، وحين حضرت جنازة مقبرة دفن فيها كل زوج مع زوجته، وعرفتها حين سقط مخيمنا تحت نيران أخرى، لأترك وحدي في ساحة ملأى بالجثث.

بالنسبة لإنسان فلسطيني للموت نوعان، موت يبشر بلقاء مع خالق الأكوان فتلك شهادة ننالها، وموت هو كالنار يظل يتلوى داخل أحشائك، دون أن يطفأه شيء، عطش لن يروى أبدا.

ولكني رأيت ذلك العطش، ظللتني غيمة ضخمة وأمطرت فوقي، فكان ذلك حين انتشلني صديق بعيد لوالدي من حضن التشرد واعتبرني ابنه.

لم يكن لعمي وزوجته أولاد، لذا عندما احتضناني اعتبراني ابنا لهما، وأغدقا علي من الحب ما أنساني معاناتي وألمي كله، حتى أني نسيت والداي، ولم يعد يذكرني بهما سوى خاتم فضي أخرجته من إصبع والدي، خاتم ظل لوقت طويل مخبأ في صندوق للأشياء القديمة في غرفتي.

لم أسمع من بعدها صوت الصواريخ قط، وكان آخر همي أن تخر الجدران فوقي، وبهذا سمحت لنفسي، بأقصى قدر من الأنانية أن أنسى فلسطين، وأنسى أمي وأنسى كل شيء عن إحدى عشرة سنة مرت من حياتي.

لكن… ويا لها من كلمة!

حدثتني نفسي، وراودتني، ولمع الاسم في عقلي حين بلغت الرابعة والعشرين من عمري، كنت قد تخرجت لتوي من جامعة طب، وما يزال أمامي مسار طويل أمشيه لأسمى (طبيبا)

فلسطين يا أمجد، فلسطين.. غزة يا أمجد، غزة، غزة، غزة!

غزة الحبيبة، غزتي، حيث عشت، حيث ولدت، المدينة الجميلة التي كنت أستيقظ فيها على صوت الصواريخ، وعلى صورة أمي، غزة وطني الذي هربت منه مع أنه محفور في داخلي.

انتشلت خاتم والدي من تحت أنقاض الغبار، ونظفته حتى لمع، ثم علقته بسلسلة، وتركته يلامس صدري، برودته ذكرتني بأمطار المخيم التي سقطت فوقي، وبدموع والدي ونحن نركض بعيدا عن جسد أمي، وبتراب القبر المشترك الذي رأيته بأم عيني يغلق على جسديهما.

كان ذلك الخاتم لوقت طويل مجرد دائرة جوفاء بالنسبة لي، لكن حين سمحت له أن يعانقني مجددا اشتعل بذكريات لم تنتهي، وهكذا شددت عزمي.

خضت حربا مع خالتي التي ربتني، فقد كانت ثائرة ثورة لم أعهدها عليها، ولم يجد أي رفق في تليين موقفها.

«يا أمي الحبيبة، إنه أسبوع وأعود إليك. اشتقت يا أمي، اشتقت إلى وطني، غزة حيث عشت، غزة في قلبي يا أمي».

«غزة! غزة يا أمجد؟ حيث الرصاص والصواريخ، حيث ستتقطع ولن يجدوا منك سوى الأشلاء. ولأنها غزة يا أمجد، فجوابي هو لا! تريد عطلة، اذهب للكويت، المغرب، الجزائر، إنما غزة لا، غزة لا!»

احتدت نبرتي:

«ولم لا؟ إنها حيث ولدت، إنها حيث أمي التي أنجبتني، مهما هربت فإني سأعود يوما، إنها محفورة على كل إنش من جسدي، فدعيني أذهب الآن برضاك وإلا فبسخطك».

«سخطي! أهذا جزائي بعد سنين طوال ربيتك فيها كأنك ابني، بعدما مزقت من لحمي لأطعمك، وزهدت في نومي لأسهر عليك، أهذا جزائي حين اعتبرتك ابن بطني! إذا اذهب، اذهب لغزتك».

كنت أعز خالتي معزة عظيمة، فأين أجد امرأة قد تطعم طفلا بيديها، وتسقيه من حبها:

«أمي يا حبيبة قلبي، يا خالتي التي سهرت علي، واقتطعت من راحتها لأجل راحتي. إني أناديك بأمي وهو أحب الأسماء لقلبي، كله إلا سخطك فلا تغضبي مني بسبب زلة لسان خرقاء. انظري إلي، أنا ابنك ولن أذهب دون رضاك. فإذا قلت لا، فهي لا..

لكن اسمعيني، إن لغزة علي حقا، وإن لم أذهب الآن، فسأذهب في يوم آخر، أعدك بشرفي، بحق فاطر السماء أني لن أعود إليها قط بعد زيارتي هذه، كله إلا رضاك! فدعيني أذهب وأرى غزتي لآخر مرة، أقبل تراب قبر والدي، وأريهما جسد ابنهما الذي كبر، دعيني أشم ريح وطني لآخر مرة، وألمس تراب الشوارع الطيبة. وبعدها، بعدها يا أمي لن تعرفني غزة قط».

نظرت إلى عينيها:

«دعيني، لآخر وأول مرة، دعيني أرى غزة».

تنهدت، وكان لتنهيدتها بالغ الأثر في قلبي.

«لمرة واحدة، واحدة فقط»

ابتسمت وضممتها إلي:

«لمرة واحدة»

«وستعود إلي»

لثمت رأسها:

«وسأعود إليك، أعدك»

حين رأتني خالتي، لم تكن تعلم قط أنها تأوي جرحا سيفتك بقلبها، وحين ربتني أمي لم تكن تعلم أنها ستكون جرحا بقلبي، وحين أقبلت لغزة لم أكن أعلم أن المزيد من الجروح ستتوالى علي.

في الأول من أكتوبر سنة 2023 غادرت عتبة منزلٍ أواني ثلاث عشرة سنة.

شددت الرحال، حجزت لي رحلة لفلسطين ولأني أملك جنسية كندية دخلت بسهولة للأقصى. لكن عندما شددت الرحال لغزة بدأت معاناتي، أوقفت في الطريق مع مجموعة من المسافرين، سحبت مني حقيبتي، وحجزت مع الأسرة التي كانت معي في المعتقل لبعض الوقت.

وبقيت حوالي ساعتين جاثيا على أرض رمادية اللون، برودة الأرض تخللت لعظامي ولفحني هواء بارد دخل إلي عبر النافذة، وارتعش بدني، عند تلك اللحظة علمت هول ما أقدمت عليه بتركي لمنزلي وخروجي باحثا عن سراب وأشباح، لكن لم يكن هناك وقت للتراجع، أنا هنا الآن، سأصمد كأي فلسطيني يقدر موطنه.

ناداني جندي، فأخذني لخيمة أخرى أوسع كان فيها مكتب خشبي لعبت به سنين الزمان، وخلفه يجلس رجل ضخم عينيه كعيني غراب حاد، اعترتني رجفة أخرى، وجلست للكرسي الذي كان بجانب المكتب بصمت مسدلا عيناي.

«أمجد عبد الجبار، أليس كذلك؟»

«بلى يا سيدي»

«أأنت عربي؟ جنسيتك تقول أنك كندي»

ابتسمت باهتزاز:

«أنا فلسطيني مهاجر»

لمعت عيناه بسخرية لاذعة:

«ولماذا يريد هارب العودة لغزة؟»

هارب! ما أقسى هذه الكلمة، ولكنها الحقيقة كلها.

ابتسمت:

«حتى إن هرب الطفل من أمه يا سيدي ستظل دماؤها تجري في دمه. لا بد له من يوم يعود فيه لأحضانها غصبا كان أم طوعا».

سحب شيئا من خلف المكتبة ووضعه أمامي، كان حاسوبي الخاص.

«اسمع يا فتى، وجدنا كثيرا من الصور الشائنة في حاسوبك، لقد فعلنا لك خيرا بتصفيتها. أنت شاب في ريعان الشباب عليك بالدراسة والاجتهاد. ابتعد عن مثل هذه الأمور التي قد تضعك تحت الشبهات».

أملت رأسي مستنكرا:

«أنا قبل كل شيء مسلم يا سيدي؟! أي صور شائنة قد يحتويها حاسوبي؟»

فتح صورة في حاسوبي، وظهر أمامي ملثم تنطق سماته بالقوة، ملثماً لم يعرف منه العالم سوى صوته.
بعد عزمي للعودة لفلسطين سمحت لنفسي بتفقد خيط أخبارها، وكأي شاب مفعم بالحماس أخذتني قصص المقاومة بعيدا.

كدت أقهقه ضاحكا:

«أهذه صورة شائنة يا سيدي! أخفتني»

طرق على المكتب بقوة:

«يمكنني أن أزج بك في السجن باعتبارك إرهابيا يا فتى، كان حاسوبك مرتعا لمثل هذه الصور».

قلت بإصرار:

«أنا فلسطيني، وهذه الصور تمثل كل هويتي»

«أي هوية هذه؟ أما تعرف أن هؤلاء الفئران يتسببون في مقتل شعبكم؟؟»

صمت ثم بعد برهة نبست بهدوء:

«لم أر يوما صاروخا يحمل علم فلسطين، وهو يسقط فوقنا».

بصق وقال شيئا ما لكني كنت مركزا مع الصورة التي اختفت من على الحاسوب. ابتسمت أيظنون أن حذف الصور كفيل بحذف فلسطين من القلب؟

«كما قلت أنت شاب صغير، ادرس واجتهد ودع عنك هذه التخاريف، لا تدعنا نتخذ معك تدابير سوف نندم عليها. نحن نحاول تقدير شبابك».

«أشكركم يا سيدي»

استغرق الأمر لحظات أخرى قام فيها الضابط بمراجعة حاسوبي ومسحه تماما، ثم قدمه لي قائلا:

«سنعيد لك باقي حاجياتك. فكر جيدا بما قلناه لك»

استأنفنا الرحلة مساء ذلك اليوم، ومع حلول الثامنة ليلا كنت قد دخلت غزة. ترجلت من السيارة، ونظرت حولي مبهورا، كانت غزة مختلفة عما أتذكره، مدينة ضخمة تعج بالناس والمحلات التجارية، طرقها معبدة وأنوارها مضاءة. كانت عروسا تلمع تحت النجوم.

بعد موت والدي لم يعد لدي منزل أعود إليه، ولست أدري إن كانت عائلة أبي ما تزال هنا أم هاجرت، لا أعرف عنهم شيئا، ولا يعرفون عني شيئا، شعرت بغصة تجتاحني بينما أنا أقف على رصيف الطريق، هذه بلدة ضخمة وجميلة، لكن لا مكان لي فيها.

بدأت أمشي على الرصيف جارا حقيبتي الضخمة خلفي، بلا هوادة وبلا أي هدف. أنظر إلى الطرق لعلي أرى فيها ماضي البعيد، ولم تكن الساعة تتجاوز التاسعة والنصف ليلا حين وجدت قدمي الهائمتان قد قادتني للمقبرة. كانت مقبرة جماعية قد أغلقت بسبب عدم توفر مساحة جديدة لدفن الجثث. حدقت في السور الضخم الذي يفصلني عنها، ودفعت الباب برفق، فانفتح وكأنه كان بانتظاري.

مشيت بين شواهد القبور هائما على وجهي، تشابهت علي الأتربة والشواهد، واختلطت الطرق برأسي، رفعت وجهي للسماء المتشحة بالنجوم، وخنقت الغصة حلقي، فوجدتني أسقط على قدمي أمام حقيبتي الضخمة أتنهد بمرارة، لماذا جئت لغزة؟ ما الذي أريده من غزة؟ أظننت أن ذاكرة طفل قد تساعدني لأتعرف على قبر قديم؟ وماذا أريده من قبر بالكاد أتذكر وجه أحبابه؟
أعلي أن أتذكر وجه امرأة كثيرا ما أطعمتني خبزا ساخنا يقطر بزيت الزيتون، أم أتذكر أيا كان يضحك مني كلما جئته هاربا من الحصص الدراسية، ثم يغضب مني ويعاقبني بالمسطرة؟

هل أتذكر مشهد كفنين أبيضين قد حشرا معا في قبر واحد؟ أم أتذكر برودة خيام التشرد؟ ما الذي جئت لغزة كي أتذكره؟

دفعت جسدي ووقفت، حدقت في القبور التي تحيط بي، ثم خطوة خارجا، جئت لأدفن ذكريات طفل غزاوي، جئت لأودع غزة.

قصدت فندقا صغيرا في بعض جوانب المدينة، ومكثت فيه ليلتي مستمتعا تماماً الاستمتاع بكل هذه اللهجة العربية التي تحيط بي بشكل مكثف لم أعتده. وفي الصباح تجلدت ببعض القوة، وقررت الذهاب لحينا القديم، لعلي أجد شيئا، ولم أكن أعرف ما الذي أريد إيجاده، لكني قصدته على كل حال.

ودعوني أسأل نفسي مجددا، ماذا ظننت قد أجد؟ مدرسة جميلة البنيان كتب على حيطانها بالطبشور أم بقايا منزل مهدم؟! لم أجد أيا من ذلك، بل وجدت مبان ضخمة تصطف أمام بعضها بشموخ، وترتفع بكبرياء حاجبه غيوم السماء ونور الشمس. اختفت جدران الحوش، وسقطت المدرسة، ابتلعت الأرض الدماء، وما عاد إلى ماض من وجود.

بدأت أتمشى بين الطرقات على غير هدى، أداعب أطفالا ولدوا بين حيطان أمان مزيف، وأباء عصبوا رأسهم بالقوة والصمود، ينتظرون الصاروخ التالي كي يسقط فيدفنون جثثهم، ويبنون مجددا منازلا بانتظار الهدم. شعب مقاوم لا يعرف السقوط.

تذكرت عبارة قد كتبت في رواية عائد إلى حيفا حينما تساءل سعيد..

«ما هي فَلسطينُ بالنّسبة لخالد؟ إنّه لا يعرف المزهرية، ولا الصّور، ولا السُّلم ولا الحَليصة ولا خلدون. مع ذلك فهي بالنّسبة له جديرةٌ بأن يحملَ المرءُ السّلاحَ، ويموتَ في سبيلها»

هل أكون مثل خالد؟ لا أتذكر من ماضي شيئا سوى أشباح متفرقة، اختفت الطرق التي عشت فيها، وتلاشت رائحة الدماء المخلوطة بماء المطر، لكن مع ذلك ما تزال فلسطين بداخلي، وما يزال جزء مني يريد الصمود لأجلها. ما زلت أجدها جديرة بحمل السلاح في سبيلها!

«هل أنت زائر جديد؟ لم يسبق لي رؤية وجهك؟»

استدرت ببطء، ووجدت شابا طويل القامة يقف ورائي، ينظر إلي متفحصا، ولم تخف عني نظرة عينيه المتقدة، أجل إنه شاب ولدته فلسطين وربته فلسطين. شاب مستعد ليفدي وطنه بروحه.

ابتسمت:

«أهلا»

ترددت للحظة في الإجابة عن سؤاله، ماذا أكون؟ زائرا أم ابنا لفلسطين؟

فتح فمه للحظة متذكرا ثم قال:

«هل أنت مهاجر؟ من أولئك الذين يأتون من خارج البلاد بحجة الاشتياق لفلسطين؟»

قضمت شفتي، فاحتدت نظراته أكثر وهسهس:

«من أين؟ أمريكيا؟ فرنسا؟ لا بد أنك جئت من إحدى تلك البلدان الخسيسة التي تدعم من لا اسم لها».

«حسنا…»

عاجلني ساخطا، وهو يمر من أمامي دافعا كتفي بقوة:

«عد لبلدك، فلسطين لا تحتاج شبابا تخلوا عنها».

لاحقته ركضا:

«انتظر…»

لكنه كان كمن انشقت الأرض وابتلعته، دلف لأحد الدروب الضيقة، فما عاد إليه أثر.

عدت من طريقي، وقد سقط ثقل كبير على قلبي، وارتفعت غصة قاسية لحلقي، وظننتني قد أسقط في الطريق مغمى علي من كل ذلك الضغط.

قضيت الأيام التالية هائما في شوارع غزة، أدخل للمحلات وأحيي الناس، ولأني لم أجد أثرا لعائلتي، فقد قضيت كل أيامي في الفندق، وقررت أني سأغادر بعد أسبوع واحد فقط كما وعدت أمي.

لذا مرغما جمعت حاجياتي ووضبت ثيابي، دفعت فاتورة الفندق، وخرجت ناويا الحصول على سيارة تقلني خارج غزة، ومنها انطلق عائدا لكندا.

لكن كان من الصعب جدا إيجاد سيارة مغادرة، وبقيت طوال فترة الصباح أبحث في كل مكان رافعا ثمن الأجرة لعل أحدا يقلني للخارج، وقد بدأت أعي أن غزة يصعب الخروج منها.

كلت قدماي، وزقزقة عصافير بطني، فتركت البحث ساخطا، وقررت الحصول على وجبة في مطعم قريب، وإن لم تتح لي الفرصة لأغادر اليوم، فسأحاول غدا مجددا.

رن هاتفي، فكتمت سخطي واجبة، كانت والدتي تطمئن علي، ولما علمت أنني لم أخرج بعد كادت تثور علي، وقضيت عشر دقائق أعدها بأني سأحاول جهدي لأخرج من المكان قريبا. خرجت مني تنهيدة طويلة حين أغلقت الخط، ونظرت إلى الساعة في هاتفي، كانت الواحدة نهارا، وسيؤذن الظهر بعد ثلاثين دقيقة تقريبا. مرت عيناي على التاريخ، إنه السابع من أكتوبر؛ مما يعني أنني قضيت خمسة أيام هنا في غزة هائما، ولم أحرز أية نتيجة.

«ما هو طلبك؟»

رفعت رأسي فإذا بالشاب الذي تشاجرت معه سابقا واقفا أمامي، غضن جبينه بعبوس، لكنه ظل يرسم تلك الابتسامة على شفتيه، وخيل لي أنه يود لو ينقض على عنقي ليمزقه، ترددت للحظة وقلت:

«أريد بعض ورق العنب ومعه عصير غازي من فضلك».

هز رأسه، وغادر في حركات واثقة، ثم عاد بعد حوالي سبع دقائق يحمل صحنا به طلبي، وضعه على طاولتي بعنف.

«آه! شكرا لك»

لم أنتبه لكوني نطقت كلماتي بالإنجليزية إلا حين تطاير الشرر من عينيه مجددا، فأشحت ببصري نحو طبقي.

«ما خطب هذا الرجل بحق خالق السماء!؟»

وضعت شوكتي في ورق العنب الملفوف بقوة، فتطاير الأرز منها للصحن، حوقلت ورفعت اللقمة لفمي محاولا التجاوز عن كراهية هذا الرجل لي، لقد كنت غاضبا بما فيه الكفاية؛ بسبب تعبي ومكالمة أمي.

فجأة دوى صوت مدوي قربي وتداخل الكون ببعضه البعض، وحين فتحت عيني مجددا لم أر سوى ضبابا ضخم من الغبار الرمادي الخانق، كان هناك ألم حارق يتصاعد في معدتي وقدمي، وشعرت بسخونة غريبة على جبيني، لم يكن بإمكاني تحرك جسدي بسبب الثقل الضخم فوق ظهري.

جاهدت رغم ألم أضلعي كي أسحب نفسا عميقا، لكن الغبار الذي دخل رئتاي تسبب لي في نوبة سعال قوية كادت تزهق روحي.

قضيت بعض الوقت أحاول استيعاب الوضع الذي أنا فيه، لكن تفكيري كان مشوشا، وبعد جهد جهيد تركت الظلام يبتلعني.

استفقت حوالي ثلاث مرات خلال تواجدي تحت الأنقاض، فقط هذه المرات الثلاث كنت فيها واعيا. أما المرات الأخرى فلا أذكر شيئا منها. واستطعت جمع الخيوط رويدا رويدا، هذا ليس حتما بزلزال عادي، أنا واثق أن الأرض اهتزت تحتي قبل أن تنشق وتبتلعني، وذلك الصوت الرهيب الذي طغى على كل شيء، وكأنه نفير يدعو القوم حشرهم.

قنبلة! آه منك يا غزة بماذا جئتنا الآن؟ أليس لك إلا أن تذكريني بماض جاهدت لدفنه؟ ألا يوجد فيك يوم سلام؟ ألا تتعب أرضك من شرب الدماء؟ وألا تكتفي سماؤك من صوت الانفجارات؟ وألا يكتفي تاريخك من أرقام الشهداء؟!

فقط في غزة يمكنك أن تأكل ورق العنب، ثم تبتلعك الأرض.

«هل يوجد أحد هنا؟ أيسمعني أحد؟ أجيبونا».

حركت رأسي ببطء، ولاحظت شعاعا من الضوء يتسلل إلى، رويدا رويدا كبر ذلك الشعاع، ورأيت أمام عيني المتعبتين شابا مألوفا يحمل صخرة ضخمة، نظر إلي ثم رمى الصخرة من يده بسرعة، وحمل أخرى فأخرى حتى وصلت يده لي، صاح.

«يوجد واحد هنا»

تسللت يده إلى عنقي المدفون، وتحسسه ثم زفر نفسا.

في ساعة ونصف اختفى الثقل الضخم الذي كان جاثما على ظهري، ونقلت عبر الأيدي لسيارة إسعاف، وبعد مدة علمت كم كنت محظوظا؛ لأن الأنقاض فوقي لم تكن كثيرة، واستطاعوا إيجادي سريعا.

بمعجزة ربانية فقط كنت حيا، وبمعجزة أخرى كانت أضراري لا تتجاوز خلعا قويا في في الساق وطعنة في البطن؛ بسبب دخول أحد عواميد البناء فيها، وبعض الرضوض المؤلمة في صدري.

بعض المحن التي يلقيها الله علينا عطف ورحمة، كنت حيا من بين خمسة آخرين، من بين سبعة وثلاثين شهيدا داخل المطعم كنت حيا!

أربعة نجاهم الله فهربوا سريعا، والخامس استخرج من تحت الأنقاض يتنفس!

بقيت في المشفى ليومين أتماثل للعلاج لكني بعدما رأيت كثرة الجرحى الذين توافدوا للمبنى خلال ذلك تركت السرير لغيري.

التقيت الشاب الذي أنقذني في ردهة المشفى، كان يحمل طفلا مرعوبا بين يديه. نظر إلي ولم أر نظرة الكراهية في عينيه بل قال:

«حمدا لله على سلامتك»

«شكرا لإنقاذي. سأبقى ممتنا ما دمت حيا»

«بل هو من فضل من الله»

وقفنا خارج المشفى سامحين لبعض الناس بأخذ مكاننا في الداخل:

ترددت في استدراك حديثٍ معه، لكني قلت أخيرا:

«ألا يزالون يستخرجون الناس من تحت الأنقاض؟»

هز رأسه بصمت، وقال وهو يشد من احتضان الصغير

«البناية التي سقطت فوقها القنبلة كانت بقربنا، وقد تسبب انهيارها في قتل كل من كان بداخلها، أما البنايات التي أمامها، ومن بينهم مطعمنا عانوا أيضا من عدد الشهداء والجرحى».

تنهد وقال:

«لقد وصل مجموع الشهداء لمئتين خلال اليومين الماضيين، مع حوالي خمسين جريحا، ونحو ذلك ناجون مشردون».

قضمت شفتي متوترا:

«هل كانت قنبلة واحدة فحسب؟»

نظر إلي ساخرا:

«لا أعتقد أنك ظننت من لا اسم لها بهذا البخل! لقد سقطت خمس قنابل في أماكن متفرقة. عدد الشهداء في بقعتنا فقط مئتان ولا نعلم كم سيصل قريبا. أما في البقع الأخرى فقد سمعت أنه تجاوز الألف مجتمعا».

«ليتهم يحتفظون بكرمهم لنفسهم»

قضم الشاب شفتيه حانقا:

«ليت صاعقة من السماء تصيبهم»

نغزني الألم في بطني؛ بسبب وقوفي الطويل، فضغطت بيدي على جرحي:

«ما قصة هذا الطفل الصغير؟»

ابتسم:

«هذا أسامة، إنه طفل جميل أليس كذلك؟»

رفعت بصري له:

«عائلته؟»

هز الشاب رأسه:

«لا نعلم عن أي منهم شيئا»

انحنيت ببطء على الأرض وجلست:

«فهمت. ستكون هناك الكثير من القصص مثله قريبا، فهذه هي غزة التي أذكرها. إنها أم اليتامى»

نظر إلي بجمود:

«هل أنت بخير؟»

ابتسمت

«سأكون بخير»

سحبت نفسا عميقا

«إذا لكم سيستمر هذا؟»

«حتى ينزل عيسى ليحررنا، سنبقى صامدين»

ابتسمت:

«ليت لي ربع إيمانك يا…؟»

شد من احتضان الطفل إليه:

«عمر»

«إنه يناسبك. أنت قوي مثله»

هز رأسه:

«لست أرقى لأكون قويا مثله، لكنه قدوتي. نحتاج جميعا أن نكون مثل عمر أقوياء أشداء، نحتاج أن نستل السيوف دوما».

هززت رأسي:

«لقد جعلتك غزة عمرا»

«إن بكل داخل طفل أنجبته غزة عمرا، وحمزة، وأبا بكر. غزة ليست مكانا للضعفاء».

هزني قوله فنكست رأسي، نظرت إلى يدي التي تضغط على جرحي، ثم رفعت بصري له، فلاحظت أخيرا تلك الضمادة التي ربطت فوق يده اليمنى.

«ما خطب يدك؟»

ابتسم مرحا كأنه يقول نكتة:

«مكسورة»

صرخت:

«وتحمل عليها طفلا!»

«سأحمل فوقها غزة كلها»

كدت أصاب بالجنون، أنقذني بيد مكسورة؟! هل حمل عني صخرة وزنها ضعف وزنه بيد مكسورة؟ لم أسمع عن مثل هذا الجنون إلا في معارك الجهاد الكبرى قبل قرون مضت، لكن هل هذا جنون حقا؟ أم بسالة وقوة فقدها عالمنا حتى أصبحت بنظرنا مجرد مبالغة؟ نهضت واقفا فجأة بسرعة فأجفل، قلت بحدة:

«لست مثلك، ولست عمرا، لست حمزة، ولست أبا بكر. لكني سأكون رقما».

دخلت للداخل فلحقني سريعا، كنت قد شمرت عن يدي، وبدأت أجيل النظر من حولي.

«ماذا ستفعل؟»

«اسمي أمجد. وأنا طبيب متدرب. لم أحصل على شهادة الطب لأخزنها في درجي».

بدأت أعرض المساعدة على الناس، كنت قد خضت تدريبات مختلفة في أثناء فترة دراستي بكل شيء يتعلق بالطب، لست طبيبا على نحو رسمي، لكن لدي ما من المعرفة ما يمكنني من التعامل مع إصابات الحرب.
حصلت على حقيبة ضمادات وتعقيم من طاقم المشفى، وبدأت أساعد الناس في تضميد الجروح. المشفى تتعامل الآن مع الحالات الخطرة لذا كل من لديه جروح صغيرة يترك في الردهة ليتعامل معه طاقم التمريض.

لحقني عمر في كل خطوة ولانهماكي الشديد لم أنتبه أنه ترك الطفل في رعاية شخص آخر وبدأ بمساعدتي.

وما كدت أظنني انتهيت حتى سمعنا دويا ضخما قادما من مكان ما، خرجت مع عمر ركضا ووقفا ننظر إلى الدخان الذي تصاعد في السماء. كانت القنبلة بعيدة عنا بما يكفي كي لا يصلنا خطرها، لكن صوت الصراخ وصلني من مكاني فارتجفت. حتام سيستمر هذا؟

صاح عمر بي بسرعة، وهو يخلع قفازاته الطبية:

«سأذهب لأساعد على إخراج الناس. ابق هنا يا أمجد».

أمسكت بيده، لقد كان الوجه الوحيد الذي أعرفه الآن في غزة، وكانت خيوط المودة تنسج بيننا، المصائب تجمع القلوب أكثر مما تفعله المواقف كلهم.

«يدك مكسورة!»

«حملت بها صخرة وأنقذتك. وسأحمل بها صخورا أخرى لأنقذ ناسا أخرى».

«عد حيا»

ابتسم لي، وربت على كتفي:

«سأعيش عمري كله دون نقصان، ولن تمنع قنبلة قدر الله لي».

بقيت للحظة واقفا في مكاني مررت يدي على ذراعي وأنا أنظر إلى الدخان المتصاعد في السماء، قلبي كان ينبض في قلبي كالعصفور المرعوب، أنا لست من أهل غزة، أنا لست قويا…لست قويا.

شعرت بشيء يرتطم بساقي، فأخفضت بصري لأجد الصغير الذي كان يعتني به عمر يلتصق بي مرتجفا. دوى صوت قصف آخر في السماء، فانهمرت دموع الصغير وارتفعت شهقاته. انخفضت متحاملا على ألمي وسألته:

«هل أنت خائف؟»

«أنا لا أخاف من صوت القصف، قال لي عمر أن لا شيء يستحق أن أخاف منه سوى صوت بوق الحشر»

«إذا لم تبكي؟»

«عمر لن يعود»

ضغطت على ظهره بقوة:

«بل سيعود، فهو رجل ربته فلسطين»

في تلك اللحظة بدأ رسميا تاريخ جديد سيخلد في مجلد فلسطين الضخم، بدأ طوفان جديد، طوفان أكتوبر.


توافد عدد هائل من الجرحى في الأيام التالية على المشفى، حتى لم يعد هناك أسرة كافية، استعنا بأغطية طبية خاصة لوضع المرضى على الأرض، امتلأت الغرف بالدماء، وامتلأ الممر بالصرخات، ومضت أيام أخرى متوالية عندما بدأ المشفى يشتكي من احتمالية نقصان الموارد الطبية، أصيب الأطباء بالهلع، فما هي إلا أيام أخرى، حتى يصبح هذا النقصان حقيقيا ظاهرا لا يمكن منعه.

كنت أساعد على قدر استطاعتي وبقدر ما تسمح لي معرفتي، التردد الذي كان يعتريني من أن أخطئ في العلاج تبخر فلم يعد هناك قيمة لشيء لدي سوى أن أغلق أكبر عدد من الجروح، وأوقف هذه الدماء الحمراء عن السيلان.

انفتق جرحي بسبب جلوسي القرفصاء كثيرا أمام المرضى لكني حشوته بضمادة، وشددته بأخرى كاظما ألمي بقوة مجددا.

لم أعلم قط من أين جاءتني هذه القوة، لكن ما هزني كثيرا خلال عملي هذا لم يكن فقط منظر الأطفال التي تيتمت والأمهات الثكالى، ولا وجوه الرجال النازفة. بل عمر! شتان بيني وبينه!

أذكر بوضوح حين تعرضت البلدة لقصف آخر قريب من المشفى كان هو أول من بادر إلى إنقاذ الناس، وأذكر أيضا أنه حين عاد كان يحمل نظرة فارغة في عينيه وكفاه مضجرتين بالدماء، وليست هناك بقعة نظيفة في ثيابه، ويسيح على وجهه عرق أسود اختلط بالغبار والدموع. كان كلما دخل للمشفى يبحث عني، ثم يجلس قربي على الأرض، ويضع كفه على رأسه ليغرق في صمت طويل.

إلا أنه في ذلك اليوم خرج عن طوره، حينئذ كان دوي الإسعاف ما يزال يصدح بقوة خارجا، والشمس احمرت مائلة للغروب. جلس عمر القرفصاء قربي واضعا يديه على صدغه، عيناه تراقبان عملي، ولكنهما لا ترياني حقا، سحبت الإبرة برفق من يد المريض الذي كان بجانبي، ووضعت فيها خيطا جديدا، ثم قلت برفق:

«كيف أبليت؟»

فتح فمه، ثم ابتلع لعابه كمن يزيح غصة مريرة:

«ليس جيدا، أتمنى لو لدي قدرة خارقة، أو أذرعا أخرى».

«هل أصبت بالإحباط؟ يجب أن تكون فخورا بنفسك، لقد انتشلت ما يقارب خمسين ضحية وحدك في ظرف أيام!»

«انتشلت خمسين، وتركت مئة يا أمجد. هل تعلم إلى أي درجة يؤلمني رؤية أياد مدفونة في التراب لكني لا أعلم موقع رأسها؟ ولا أعلم حتى إن كنت سأذكر موقعها إن عدت إليها مجددا لانتشالها».

أطبقت شفتاي بحزم، وغرست الإبرة مجددا في الجرح المفتوح أمامي. تباطأت يداي قليلا بسبب انشغالي بكلام عمر. لم أخرج قط من المشفى منذ دخلتها لكني أعي جيدا ما يحاول عمر أن يوصله لي. كم جرحا فقدت السيطرة عليه، وكم مريضا وضع بين يدي ميتا؟ أحاول الاعتياد، لكنه أمر مستحيل. يعطونني مريضا لأخيط جروحه، لأنعش قلبه فأجده باردا، مبتسما.
صدر تأوه من مريضي فقلت:

«تحمل قليلا، لربما المخدر بدأ يفقد مفعوله، سأنتهي في غضون دقيقة واحدة».

حين كنت أضع الضمادة على الجرح سألني عمر فجأة:

«لم عدت لفلسطين يا أمجد؟»

توقفت يداي عن العمل، نهض المريض من أمامي، وجلس غيره قبالتي، حدقت في عيون المرأة الواسعة، وللدماء التي تسيل من جبهتها، بين يديها رضيع صغير ملفوف في خرقة صفراء، هل هو ميت؟ هل هو حي؟ هل فُحِص؟

رفعت الضمادة بيدي، وأفرغت فوقها بعض المطهر، ثم بدأت أمسح الدماء عن جبهتها:

«لست أدري، لمَ تسألني الآن؟»

«لقد كرهتك حين رأيتك في الحي متأنقا تحمل نظرة ذهول في عينيك. أنا لا أحب أولئك الذين يهربون من فلسطين، ثم يعودون إليها بدعوى الاشتياق».

ابتسمت ساخرا:

«أنا واثق أنك وضحت رأيك بي منذ اليوم الأول. حتى أنا فاجئني تغير موقفك، فلم أصبحت تحبني فجأة؟»

«لا يمكنني أن أكره شخصا انتشلته من تحت الأنقاض. كان علي أن أعاملك بمودة لأني خشيت أنك كنت مصدوما، لكن بعدما رأيت موقفك، وكل ما فعلته خلال الأيام الماضية بدأت فعلا أشعر أنني أميل إليك. أنت أخ أنجبته لي الحرب».

ابتسمت:

« لنقل أنني عدت لفلسطين اشتياقا، لقد هربت منها في خضم الحرب قبل عشر سنوات وعدت لها الآن، فاستقبلتني بحرب أخرى».

قطبت جبيني:

«عندما غادرت فلسطين كنت طفلا، كل ما أردته هو الهروب من الدمار وإيجاد لقمة عيش. لقد تبناني صديق لوالدي، وعشت في رغد مدة طويلة. لكني وجدت شيئا ذات يوم أيقظ بداخلي الرغبة لأعود لفلسطين. لقد وعدت أمي، أنها ستكون الزيارة الأخيرة».

«إذا عدت لتودع؟»

«أجل، هذا هو اللقاء الأخير…»

سحبت القطن الأحمر عن جرح السيدة، وقلت بمرح:

«إن خرجت حيا، لن تراني فلسطين أبدا. حينئذ لن ألومك لكرهي لأني سأكون فارا هاربا بالفعل»

صمت عمر للحظة ثم قال:

«هل تعلم كيف هي مواقع التواصل حول العالم؟»

«لا أملك أدنى فكرة، لا يسعفني الوقت للتنفس».

«إنهم يتظاهرون، العالم بأسره يتحرك، لكن إلى متى تظن ذلك سيستمر؟ أعرف هذا جليا، لقد عشته العديد من المرات. الأمر بالنسبة لهم ترند لينشروه في المواقع. لا أقول إن جميعهم كذلك، لكن معظمهم. أغلبهم لن يتحمل مشاهد الدماء، وسيفضل ألا يشاهد شيئا كي لا يؤلمه قلبه، ثم عندما لن نظهر له مجددا خلف الشاشات سينسى. صدقني يا أمجد إن الأمر أشبه بالحليب الذي يفور بقوة حين توقد تحته نارا قوية، لكن ما دمت تحمله بعيدا عن النار فسينطفئ، لن تهمه النار ولو كانت على قرب إنش منه، هكذا هم الناس معنا، إنهم يعتادون وينسون».

تمتمت:

«الاعتياد خطيئة»

«لا أريد أن ألوم أحدا. شتان بين من ينام تحت سقف ثابت وبين من يجاهد للبقاء حيا تحت سقف منهار. لن يفكر أحدهما بالآخر، فكل منهما يغرق في حياته الخاصة».

ابتسم رافعا رأسه:

«بالنسبة لي كل منهما يجاهد بطريقة مختلفة»

«ليتني مثلك، لا أحقد على أحد»

«وهل أنت حاقد عليهم؟»

«لست أدري، لقد كنت منهم يوما، وأغمضت عيني قسرا عن غزة. هل من حقي أن أحقد عليهم؟»

«نحن لا نحتاج أحدا، غزة تقاتل بمفردها من آلاف السنين، وما تزال صامدة، كل ما تراه من عذاب الآن هو مقدر لدى حاكمها. صدقني لن تموت روح لم تقدر لها الموت، ولن تهدم فلسطين ما دامت القدس راسخة فيها. حريتنا هي أن نبكي في السجود، وإن كانت الصواريخ فوقنا. التضرع لإله واحد يحمينا، تلك منتهى الحرية»

نظرت إليه مبتسما، وأقفلت جرح المرأة بحركة سريعة، لكني حين عدت إلى فحص ابنها وجدته ميتا! كان منظر وجهه المزرق خير دليل على أنه مات مختنقا من آثار الدخان.

لكني عندما قلت ذلك للمرأة حدقت بي بعيون فارغة، ثم ضمته إليها واشتمته:

«لقد انتظرت سبع سنوات لأنجبه، ملأت جسدي بالإبر، وتناولت طنا من الأدوية. إنه ما يزال صغيرا، لقد أنجبته منذ ثلاثة أشهر فقط. ما يزال يرضع مني، ما يزال لم يفتح عينيه وينظر إلي. يا حبيب أمك».

ضمته لها مجددا، ثم فاضت دموعها كالودق.

أخرج عمر تنهيدة قوية من أعماق قلبه، ثم وقف بقوة.

«أفخر به، ولد ليكون شهيدا. هذا قدره، هذا قدرنا جميعا. كوني أما فخورا، أنجبت بطلا».

قضمت شفتي بشدة، وأنا أراقب انهيار المرأة الجاثية قربي، طفل وحيد عانت لأجل إنجابه منذ سنوات، ثم جاءت الحرب لتسرقه منها في غمضة، أي حرقة هي هذه؟

وضعت يدي على عنقي، ونظرت إلى الخارج، لم أكن أعلم ما ينتظرنا، لا أستطيع التكهن مطلقا.

همهم عمر قليلا، كان يدور كأسد حبيس، إنه هادئ دائما، لا يشتكي ويتحمل بقلب صلب، ما به؟

«قد تكون خالتك قلقة جدا عليك الآن، الأخبار انتشرت بكل مكان، والصحافة تغطي غزة».

«آه؟ أظن ذلك»

طرق عمر الأرض بقدمه:

«بناء على الوضع الراهن، لا نعلم متى ستغلق الخطوط. سأجد لك هاتفا لذا حاول استذكار الرقم».

«فهمت»

استدار ليغادر، لكنه التفت قليلا، وسألني:

«ذلك الخاتم حول عنقك، هل هو ما دفعك للعودة؟»

«أجل»

شيعته بنظرة حيرة، ثم عدت إلى عملي.

أوفى عمر بوعده لي، ودبر لي هاتفا به رصيد كاف، أخطأت في الرقم مرتين، وفي المرة الثالثة سمعت صوت رجل أجش أعرفه حق المعرفة.

«أبي؟»

تبادر لي صوت ارتطام، ثم أصبح الصوت لاهثا ذاهلا:

«أمجد؟ أهذا أنت يا أمجد؟»

وضعت يدي على جسر أنفي، وحدقت بظهر عمر الذي كان يراقبني بحذر:

«أجل يا أبي، هذا أنا»

«الحمد لله، الحمد لله، أنت حي!!»

ضممت شفتاي:

«كيف حالك يا أبي؟ ماذا عن أمي؟»

«وهل هذا يهم؟ ماذا عنك؟ أين أنت؟ هل جرحت، هل تأذيت…»

سمعت صوت أمي بعيدا ثم في لحظة دوى صوتها في الهاتف كالرعد.

بعد حملة من الصراخ والبكاء الهستيري صاحت أمي في عصبية:

«أين أنت؟ أنا وأبوك نعمل على إخراجك من هناك، لكننا لم نصل لك قط. أخبرنا أين أنت، وسنرسل حتما من يخرجك في أقرب فرصة. أتسمعني يا أمجد؟»

تنهدت:

«أمي، لحظة، كيف ستخرجينني؟»

«سنرسل شخصا، والدك قادر على هذا، لذا فقط أعطنا موقعك».

تنهدت:

«أمي، اسمعيني أنا لا أريد الخروج من هنا»

«ماذا تقول؟!»

عاد صوت والدي يسألني:

«ما الذي تهذي به يا أمجد؟ المكان هناك خطير، الناس تسقط ميتة كالفراش، لقد ظننا أنك فعلا ميت وأنت الآن تقول إنك لن تخرج من هناك؟!»

«أشعر أنني إذ خرجت الآن سأكون نذلا يا أبي»

«إلى الجحيم أنت ومشاعرك. هل أصابتك لوثة يا فتى؟ سوف تموت هناك، ستتمزق لأشلاء»

«أبي.»

«اسمع أنا لم أنقذك لكي تطلب الموت بنفسك الآن؟ ما الذي يجري معك هناك؟»

سقطت دموعي أخيرا:

«الناس تموت من حولي يا أبي، بل في يدي، الأطفال الصغار، الكبار، الدماء في كل مكان. كيف أهرب وأترك هؤلاء الناس؟ إذا خرجت سأعتاد وأنسى»

«ذاك قدرهم»

«وقد أصبح قدري منذ عدت لغزة من جديد»

صاح أبي ساخطا:

«لا، بل ستعود، أفهمتني، سأرسل لك شخصا وستعود وان لزم الامر أن أنزل بنفسي»

صحت:

«لن أعود»

عم صمت على ممر المشفى للحظة، واتجهت العيون إلي فخطوت مبتعدا وقلت بصوت خافت:

«أبي، أمي. لم أتصل لأجل هذا، لقد فكرت بالأمر كثيرا، منذ بدأ الأمر وأنا أفكر، كنت أعلم أنكما لن تتوانيا عن إعادتي ما إن أتصل بكما لذا لم أفعل عاجلا. اسمعا، أنا لن أنسى أبدا اليوم الذي ضممتماني فيه لحضنكما، لن أنسى قط أنكما كنتما لي أبا وأما خلال كل هذه السنوات، وأنكما اقتطعتما من راحتكما لأجلي، سأذكر ذلك طول حياتي الباقية. أعلم جيدا أن ما سأقدم عليه سيكون نغزة في قلبيكما، لربما سأكون أنانيا إن طلبت منكما عدم الغضب لأجلي. هذا ليس انتحارا، أؤكد لكما أن لا رغبة لي في الموت، أريد العيش، أريد العودة إليكما، لكن لا أستطيع، أنا فقط لا أستطيع…»

تنهدت:

«أشعر أنني لن أستطيع العيش بحرية إن لم أصمد ها هنا وأقاتل. لقد أحياني الله كل تلك السنوات لكي أصمد اليوم. هذا قدري، هذا هو الوداع، سامحاني»

لم أملك القوة لأسمع كلاما إضافيا، أطفأت الرقم بسرعة وجثوت على الأرض. وللمرة الأولى منذ بدأ كل شيء، بكيت بحرقة حقيقية.

بعد مدة طويلة وقف عمر فوق رأسي فقلت بصوت خافت:

«لقد أصبحت يتيما من جديد يا عمر»

انحنى عمر لمستواي ووضع يداه على كتفي:

«إذا اسمح لي أن أكون عائلتك»

ابتسمت:

«شكرا لك»

ضغط على كتفي وقال:

«يمكنك أن تبكي»

«أليس هذا ضعفا؟»

لم أر ابتسامته لكني سمعتها في صوته:

«لا مكان للضعيف في غزة، دموعنا قوة، وصراخنا قوة، وغضبنا قوة. قد نبكي لكننا في أعماقنا صامدون حامدون»

قضمت شفتي ودفعت رأسي على كتفه:

«_ما شفتو ابني، أبيض وحلو، شعره كيرلي؟ ما شفتو ابني؟

_ لقد كانت تلك أمي، أعرفها من شعرها.

_ ركضت بقوة لأحميه، لقد عانيت سنوات لأنجبه!

_أريد أمي، أريد أمي.

_لا تبكي يا رجل، نحن مشاريع شهداء، كلنا شهداء.

_أحضروا قلما، لدينا جثث مجهولة ونفذت الأقلام منا.

_تلك محفظتي، أحمل بها أشلاء أخي…..»

هزني عمر بعد دقائق فاستفقت من شرودي، قال مازحا:

«لا تمت مكتئبا»

«ألن أموت في النهاية؟ ألا تظن أن بقائي هنا جنون؟»

«كلنا سنموت، سواء أماتت أجسادنا أم مات أحد فينا»

«عدني إنني إذا مت ستجدني. لا أريد أن أصبح مجهولا»

«مجهول في الأرض معروف في السماء»

رفعت رأسي وضحكت:

«لديك لكل كلام جواب»

هززت كتفي ونهضت ثم قلت:

«إذا مت ووجدتني خذ خاتمي وأبقه لديك»

«أليس عزيزا عليك؟»

«إذا مت قبلك أخشى أنك ستكون حزينا، خذ خاتمي وإذا انجلت غيوم الحرب اعتبره هدية زواج»

«وهل ستسمح لي الحرب بأن أتزوج؟»

لم أعلم إلى أي مدى كان الموت قريبا مني. فبعدها بأيام فقط اهتزت غزة والعالم بأسره على خبر قصف المستشفى، ولم يكن بوسعي آنذاك، وأنا أشاهد الجدارن تنقض فوقي إلا أن ركضت نحو الصغير أسامة، ورميت نفسي فوقه بقسوة، كان كلانا يرتجف وكان كلانا ينزف ولم يمض وقت قليل حتى ما عدت أشعر بأنفاس الصغير اللاهثة، وبعدها بهنيات خيل لي أن أنفاسي أيضا انقطعت.

ولأول مرة أجدني ممتنا؛ لأن قنبلة أخرى سقطت ليلا دفعت بعمر للخروج من المستشفى، كما كنت ممتنا؛ لأنني استطعت قبل كل شيء أن أودع عائلتي، كنت ممتنا لأني عدت إلى غزة.

ما جئت لهنا إلا لأموت، هذا قبري، ظلت غزة تناديني طوال ثلاث عشرة سنة، وعندما لبيت النداء ما كان لها إلا أن احتضنتني. بالنسبة لي، وإن علمت أن غزة قبرا، فسأعود إليها مرة تلو الأخرى، فلا أحد قادر على الهروب من وطنه.


عمر

كنت ما أزال أشعر بدفء يد أمجد حين شد على يدي قبيل خروجي من المستشفى، وما تزال جملته ترن في أذني:

«خذني يا عمر»

أردت أن أسخر منه، أن أخبره أن كل هذا الاكتئاب ليس من شيمه بعد القوة كلها التي أظهرها لي سابقا.

شعرت بخيوط قوية من المودة تنسج بيننا، شعرت بي أحبه كأن الدماء أنفسهم تجري فينا، كان حقا أخ لي في محنتي هذه، لم أخبره أني عدت إليه، وقد دفنت أمي وأختي، أني عدت إليه مضرجا بدماء عائلتي، وأن والدي في عداد المفقودين تحت أنقاض بنايتنا، لم أخبره.

كان أمجد أقوى مني أنا الذي سميت عمرا، نزف جرحه كثيرا، وسقط منهارا من التعب والسهر على المرضى، لكنه مع ذلك وقف مجددا ليعالج الناس على قدر استطاعته، هي فقط ستة عشر يوما منذ بدأت الحرب، لكنها كانت سنة.

الآن، بعد كل هذا الوقت أقف أمام أنقاض المشفى لأنقب عن عضو جديد من عائلتي، لأنقب عن أخي، أمجد!

ركضت كالمجنون بين الصخور المتكسرة، والجثث الممزقة، أرى وجها فينتابني الشك، أمزق صدره بحثا عن سلسلة من الفضة.. كنت كوحش مفترس ينقض على الجثث، لم يسلم مني صدر أي منها ولأول مرة في حياتي لم أهتم لحرمة الموتى. جذبني بعض الرجال بقوة، فرفست الأرض بقدمي.

«دعوني، يجب أن أجد أخي، يجب أن أجد أخي».

«اهدأ، السلطات ستبحث معنا. سنجده بإذن الله».

لقد تيتمت في يوم واحد، وعندما أصبحت لي عائلة جديدة سرقت مني، ظلت هذه الفكرة تلوي أحشائي، واشتعلت النار في كياني، فبدأت أضرب والطش وأعض، وما زاد إصراري إلا من قيد الرجال فوقي، حتى صرخ بهم أحد ما:

«دعوه، لن يهدأ رجل قوي مثله. دعوه فإن قلبه مفطور».

انطلقت أعدو بين الأنقاض، وأنقب بين الجثث مجددا، في منظر مرعب، أمزق الصدور وأبحث في الوجوه، أتفرس وأتفرس لعلي أهتدي.
«يا الله. تلك كانت وصية يا الله، دلني عليه»

لست أدري ما الذي أفاض كأسي، منظر المشفى المنهار وانعدام الإنسانية؟ أم فكرة أنني أصبحت يتيما مجددا، وحيدا دون رفيق. أم أنني لم أستطع قط نيل الشهادة التي أردتها، رغم أني رميت نفسي في الخطر عديدا من المرات، بينما نالها أمجد وهو الذي هرب من فلسطين. كنت غيورا، لكني كنت مفطور القلب. لقد تمنيت دوما أخا مثل أمجد، رفيقا يفهم روحي، ويطبطب على جروحي، رجلا أضعف مني بنية، لكن روحه أشرس مني.

لست أدري كم الأصدقاء دفنت في هذه الحرب، لكن أمجد مختلف، إنه صديق لن يكرره الزمن، فنحن لم نتشارك برد الخيام، ولا قلة الطعام، لم يهرب من القنابل معا، ولم ننشر في خيمة واحدة. لا يعرف عني شيئا، ولا أعرف شيئا، لكنه طوال هذه الأيام استقبل صمتي بابتسامة. إن أمجد مجرد نسيم خفيف مر علي، لكنه نسيم من الجنة.

على الأقل، تكفيرا عن اليوم الأول لنا معا، أريد تنفذ وصيته.

دخلت للمشفى غير مهتم بالجدران المهددة بالسقوط ولا بالصراخ من خلفي، وكان أول ما رأيته في الممر جثة شاب يرتدي مئزرا أبيض، يضم بذراعيه جسما، بينما قدماه قد بترتا تماما، ولم تعد سوى الأوتار ملتصقة ببعضها، أما الصخور فقد شوهت معظم وجهه.

تقدمت إليه، وأزحت التراب عن وجهه يائسا، حدقت بالنصف المشوه بحسرة، ثم قلبته برفق فلم يتحرك، كان ثقل الجسم الثاني يضغط عليه، لكن الجسم الصغير لم يبق منه سوى جسم دون رأس.

سحبت الجسد بقوة أكبر، ففكت من حضنهما، نظرت إلى العين المغمضة وحسدتها. تفقدت صدره وأخرجت السلسلة المضرجة بالدماء، ولففتها على رسغي بإحكام، وبقيت للحظات أراقب تأرجح الدائرة في الهواء.

أخرجت من جيبي قلما كنت أحمله معي دوما، وكتبت على ذراعه بخط واضح:

«أمجد عبد الجبار»

ضغطت على شفتي بقوة، لقد نفذت وصيته، حتى إن تركته الآن، وغادرت لن يصنف مجهولا. لكن قدمي أبت أن تتحرك، بقيت أحدق في وجهه المشوه بشرود تام:

«أريد الشهادة أيضا، لم لا أنالها؟»

«انتهت»

رنا رشاد

المغرب
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى