قتلة و مجرمون

مارك بوتنام: العميل القاتل

لا تسير الحياة دوما في خط مستقيم، بل هناك الكثير الكثير من المنعطفات، ويجب عليك أن تسلك بعضها وإلا ستبقى دائما في نفس النقطة، هذا إن لم تصبح حياتك أسوا. بعضٌ منها قد يجلب لك الثروة أو الحب أو الاستقرار والبعض الآخر قد يجلب لك التعاسة والفشل، وربما الموت.
بالنسبة لي، أنا من الناس التي ترفض أن تغامر، ولكن بطل قصتنا اليوم مارك بوتنام من النوع الطموح الذي يريد كل شيء تقريباً، ولا يتوانى عن سلك منعطفات خطيرة في الحياة.

مارك بوتنام

هو مارك ستيفن بوتنام، ولد في ٤ يوليو ١٩٥٩ في كونيتيكت الولايات المتحدة، والده كان سائق شاحنة، بينما والدته ربة منزل.. درس علم الجريمة في جامعة تامبا، وتخرج من الكلية بامتياز، والتحق بمكتب التحقيق الفيدرالي في أغسطس ١٩٨٢. وأصبح كاتباً في المكتب حتى عام ١٩٨٦ عندما خضع لامتحان القبول ونجح في الحصول على شارة مكتب التحقيق الفيدرالي الذهبية، وقد ختم كل ذلك بنجاحه بخطف قلب كاثي بونتيسيلي ابنة أحد المطورين العقاريين الأثرياء، وتزوجها في العام نفسه الذي حصل فيه على الشارة، ورزق منها بطفلين. باختصار كان يقفز من نجاح إلى نجاح آخر.

blank
حصل على الشارة الذهبية من مكتب التحقيق الفيدرالي
blank
مارك بوتنام مع زوجته وطفلتهما الأولى

والآن دعوني أحدثكم عن البطل الثاني في قصتنا اليوم، وهي عكس حياة بطلنا مارك تماماً.

سوزان دانيلز سميث

ولدت سوزان عام ١٩٦١ في فيرجينيا الغربية لأب عاطل عن العمل، وعامل في منجم فحم سابق وأسرة تعاني دائما من نقص الموارد المالية وحصولهم الدائم على الإعانات. وكانت سوزان هي الطفل الخامس من تسعة أطفال، وقد انتقل والدهم إلى ولاية كنتاكي عسى أن يجد عملا هناك، وتتحسن أحوال الأسرة، ولكن ذلك لم يحدث مما جعلها تترك الدراسة في الصف السابع.

وفي عام ١٩٧٧ التقت سوزان بتاجر مخدرات يدعى كينيث سميث وهي في الخامسة عشرة من عمرها. وبدأت معه علاقة عاطفية انتهت بالزواج، وأنجبت طفلين. إلا أن كينيث رفض العثور على عمل آخر غير ترويج المخدرات، فزادت المشاكل بينهما بسبب سلوك كينيث المسبب لسوزان وأطفاله المشاكل ودخوله السجن أكثر من مرة لذلك انفصلت عنه. ولكنهم استمروا في مشاركة المنزل واستمرت سوزان في الإنفاق على الأسرة بما في ذلك زوجها السابق، وقد كانت دائما مفلسة.

في ذلك الوقت كانت على علاقة وثيقة بنائب العمدة المحلي ألبرت هارتفيلد، الذي كان يَعرف بسوء وضعها المادي لذلك اقترح عليها أن تجني بعض المال الإضافي لتعديل وضع الأسرة، وذلك عن طريق العمل مخبراً سرياً مع المباحث الاتحادية -الفيدرالية- ، وقد تعرفت بمارك بوتنام الذي كان قد استلم توا أول قضية له، لذلك عليه أن ينجح بها حتى يثبت كفاءته، وانتمائه إلى مكتب التحقيقات وهي قضية سرقة البنك المتورط بها إدوارد لوكهارت وذلك عام ١٩٨٧.

blank
سوزان سميث.. أصبحت فيما بعد عشيقة لمارك بوتنام

بدآ في اللقاء المتكرر لتبادل المعلومات حول خطط وأنشطة لوكهارت فقط، وقد أثمر هذا التعاون عن نجاح ساحق استطاع بها مارك أن يثبت نفسه داخل مكتب التحقيقات، وقد أشاد به الرؤساء قبل الزملاء. أما لوكهارت فقد حصل على سبعة وخمسين عاماً في السجن وسوزان حصلت على مكافأة مالية قدرها خمسة آلاف دولار نظير مساعدتها لهم، وقد تبدو تلك نهاية سعيدة تقريبا، ولكن القصة بدأت للتو.

مارك بوتنام يتجاوز الخط الأحمر

بالرغم أن القضية انتهت، لكن مارك وسوزان ظلاّ يلتقيان، فقد كان مارك معجباً بذكاءها. أما هي فقد كانت تحب مارك لأنها يمثل الصفات كلها التي كانت تتمنى أن تتواجد في زوجها.. وقد ظل الاثنان يلتقيان حتى شعر مارك أن سوزان قد تتسبب في طلاقه وتسبب الأضرار غي حياته العملية، وخصوصاً أنه أحس أنها أصبحت متشبثة بها على عكسه هو الذي كان يتسلى ولا يأخذ الموضوع بشكل جاد، لذلك قدم طلبا لنقله إلى فلوريدا، وقد تم قبول طلبه وبما أن زوجته تكره مدينة كنتاكي، فقد كان الأمر يسيراً.

ولكن لسوء الحظ، فقد عاد مجددا، لأنهم كانوا يريدون منه إنهاء تحقيق في قضية سرقة سيارات. وعندما عاد طلبت سوزان أن تلتقيه خارجاً، فانطلقوا بالسيارة ناحية طريق ريفي معزول في ٨ يونيو، وظلا صامتين لفترة من الوقت وما حدث لاحقاً هي الرواية التي رواها مارك بوتنام في قاعة المحكمة وهي غير مؤكدة.

يقول أنه ظل يقود حتى قطعت سوزان هذا الصمت بإعلانها أنها حامل، هنا أوقف مارك السيارة لمناقشة الموضوع، فقال لها إنه هو وزوجته سيتبنيان الطفل، ولكن سوزان بدأت في الصراخ، وشتمه وتهديده وصفعه على وجهه. وهنا فقد مارك أعصابه، وبدأ في خنقها ولم يتركها إلا جثة هامدة داخل السيارة.

بعد ذلك عاد إلى صوابه وحاول إنعاشها لكنه فشل في الأمر، وهنا عرف أن لا جدوى من ذلك، فسحبها خارج السيارة، ووضعها في الصندوق الخلفي، وعاد بالسيارة إلى البيت، وعند حلول مساء اليوم التالي قاد السيارة ناحية طريق منجم فحم مهجور وهناك ألقى بجثة سوزان، وعاد بالسيارة إلى منزل أسرته في فلوريدا وكأن شيء لم يكن.

في ذلك الوقت أبلغت شقيقة سوزان عن اختفائها، وقد استمر التحقيق في القضية لأكثر من عام، وبدأت الشكوك تحوم حول مارك بوتنام ببطء، حتى أجري له اختبار كشف كذب فشل فيه بامتياز، واعترف تحت وطأة الضغوط النفسية المستمرة من جراء التحقيق أنه هو من قتلها، وأخبرهم بالمكان الذي ألقى الجثة فيه.

المحاكمة

عُثِر على الجثة أخيرا، وفي المحكمة أظهر التشريح أن سوزان لم تكن حاملاً. وفي النهاية اعترف مارك بالذنب بتهمة القتل غير العمد من الدرجة الأولى، وحصل على ١٦ عاماً في السجن قضى منهم عشر سنوات فقط. أما زوجته كاثي، فقد وقفت إلى جانبه أثناء وجوده في السجن، ولكن بسبب حالتها النفسية وإدمانها للكحول وتوفيت بأزمة قلبية مفاجئة عن عمر ثمانية وثلاثين عاماً.

كان مارك داخل السجن يلقب بالسجين النموذجي، وبعدما قضى عقوبته تزوج مرة أخرى وأصبح يعيش في جورجيا، و يعمل كمدرب شخصي.

مارك بوتنام هو العميل الفيدرالي الأول والوحيد المدان بارتكاب جريمة قتل.. وتعد جريمته الأكثر شهرة في تاريخ مكتب التحقيقات الفيدرالي.

في عام 2019 أُطلق فيلم الجريمة فوق الشبهات Above Suspicion استنادًا إلى كتاب ألفه الكاتب الأمريكي في مجال الجريمة جو شاركي عام 1993 ويحمل نفس العنوان، والذي يروي في سياق درامي قصة مارك بوتنام وسوزان سميث. الفيلم من بطولة النجمة إيميليا كلارك، وجاك هيوستن.

blank
المصدر
WikipediaTuko
guest
2 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى