عالم الجن

كائنات اسطورية من التراث العربي

في ظلمة الليل الحالك، حيث يغرق الجميع في سبات عميق، تنبثق مخلوقات من عالم آخر، عالم غامض يلفّه الغموض والخوف، عالم الجن .. فمنذ فجر التاريخ، حيكت حول الجن الأساطير والحكايات، بعضها مرعب وبعضها غريب، لكنها جميعًا تُشعل خيالنا وتُثير فضولنا .. أجسادهم من لهب، وأعينهم مُشتعلة، وأصواتهم كأزيز الرياح أو صراخ الذئاب .. يقال أنهم يتواجدون في الأماكن المظلمة والمهجورة، مثل المقابر والغابات والأنهار .. كما يُعتقد أن الجن قادرون على فعل أي شيء، من الخير إلى الشر .. يُمكنهم شفاء المرضى وإعطاء المال، لكنهم أيضًا يُمكنهم إلحاق الأذى بالبشر، وإصابتهم بالمرض أو الجنون، بل حتى قتلهم .. في هذا المقال، سنغوص في عالم الجن، ونستكشف أساطيرهم وحكاياتهم، ونُحاول فهم طبيعة هذه المخلوقات الغامضة .. كما سنروي قصصًا عن لقاءات البشر بالجن .. وكيف ستتأكد من أنّ هذا الكائن الذي يجلس خلفك الآن، ويقرأُ نفس الكلمات، ليس جنيًا يتربص بك!

الداهوث .. لا داعي للخوف من الشياطين، هم يركبون النعام!

دعنا نتحدث عن الداهوث (أو الداهاك، أو الداهاما حسب مزاج المؤرخ!)، هذا الجني الذي يبدو أن له أزمة في هويته .. فأول من ذكره هو أبو يحيى زكريا القزويني رحمه الله، لكن يبدو أن الذاكرة خانت البعض، فجاء أبو البقاء كمال الدين محمد بن موسى الدميري ليسميه الداهاما، أما بوخارت فحدث ولا حرج، أطلق عليه اسم الداهاك وكأنها ماركة مسحوق غسيل! المهم، أعطينا الأولوية لمسمى القزويني لأنه أقدم طبعا، وليس لأن أحدًا منهم رأى الداهوث يوماً ليحسم الجدل!

في حين أن الوصف الأصلي يبدو أنه يعود للقزويني، إلا أن أصل جنس الداهاث يعود على الأرجح إلى الجن الذين يظهرون على شكل حيوانات – وفي هذه الحالة، يكون عفريت على هيئة نعامة .. وهذا بدوره أدى إلى وصف القزويني للداهاث بأنه شيطان يوجد في الصحراء، ويشبه رجلاً يركب نعامة .. كما يأكل لحم البشر أحياء أو أمواتا .. ويغزو الداهاث السفن للبحث عن فريسته، وعندما يتعرض للهجوم من قبل البحارة يتحدث بصوت عالٍ بنبرة متبجحة، مما يجعلهم يسجدون أمامه .. يعتقد بوخارت أن “الصوت المتبجح” ربما كان خطأ في الترجمة ناتجاً عن حكايات عن حوريات البحر، الذين يستخدمون أصواتهن لإغواء البحارة وليس لإخضاعهم.

blank
يقترب أبو الفوارس وطاقمه من جزيرة جاوة الإندونيسية حين يلمحون رجلا عارياً….

يا ترى، من أفضل من يصف لنا الداهوث أكثر من البحار الرائع أبو الفوارس؟ لا يوجد، لكن للأسف يصعب الجزم بما يقوله لأن المخلوق المسكين لم ينل حتى شرف التسمية! ولكن، تصرفاته تتطابق بشكل مثير للريبة مع وصف القزويني الغامض للداهاث .. تخيل عزيزي القارئ، الداهاث الذي صادفه أبو الفوارس كان يبدو كرجل في الأربعين من العمر، لكنه كان أقرب إلى خلطة سرية بين العِفْريت وقرد البابون! رأس ضخم، شعر كثيف وقصير يوحي بأنه يقصه بنفسه لأجل توفير النقود!، فم كبير جدًا مليء بالأنياب .. أما عيناه، فكانت كعينيِ نمرٍ ثائرٍ تتربع فوق أنف أفطس ذو فتحتين تشبهان مدخنة مصنع! .. أما عن جسده، فحدث ولا حرج .. ذراعان عصبيتان، وقدمان كبيرتان، وأصابع مسلحة بأظافر معقوفة كأنها أدوات تقليم أشجار!

يقترب أبو الفوارس وطاقمه من جزيرة جاوة الإندونيسية حين يلمحون رجلا عارياً يتشبث بلوح خشبة في عرض البحر ويصرخ طلبا للنجاة .. ظناً منهم أنه رجل مسكين تَعِيس، قام البحارة بسحبه على متن السفينة، لكن مظهره أثار الرعب في نفوسهم .. وعندما أخبروه بأنه أنقذوه بمشقة من الغرق، ابتسم الرجل الغريب وقال: “بإمكاني البقاء في البحر لسنوات دون أن يزعجني شيء، ولكن الجوع هو ما يعذبني حقاً .. لم آكل منذ اثنتي عشرة ساعة .. أرجوكم أحضروا لي شيئا لأتناوله، أي شيء، فأنا لست خجولاً!” .. حاولوا إحضار بعض الملابس له، لكن الداهاث شرح لهم أنه دائمًا ما يتجول عاريًا! .. وأضاف مهدداً: “لا تقلقوا، سيكون لديكم متسع من الوقت لتعتادوا على الأمر”، وهو يدق الأرض بقدمه بفارغ الصبر .. قدموا له كمية من الطعام تكفي لإطعام ستة رجال جوعى .. التهمها الداهوث كلها وطلب المزيد .. فأحضروا له نفس الكمية مرة أخرى فاختفت في غمضة عين، ثم طلب حصة ثالثة وهكذا .. لكن أحد الرجال، أصيب بالصدمة من وقاحة هذا المخلوق، فحاول ضربه، لكن الداهوث أمسكه من كلا الكتفين ومزقه نصفين كرغيف خبز! .. تخيل عزيزي القارئ، موقف البحارة المساكين وهم يشاهدون رفيقهم يتحول إلى وجبة خفيفة! فبدلا من إنقاذ رجل تائه، اصطادوا على ما يبدو وحشا له شهية لا تشبع ومزاج مقرف .. صار وقت العشاء على متن سفينة أبو الفوارس حدثا غريبًا ومليئا بالمخاطر، فإما أن تطعم الداهاث حتى يرضى، وإما أن تصبح أنت المقبلات!

طبعًا قامت القيامة وانقض أبو الفوارس والبحارة والعبيد عن بكرة أبيهم على الداهوث بسيوفهم البراقة، عزيمة هؤلاء الرجال تتوعد بإنهاء مسيرة هذا الوحش .. ولكن جلد الداهاث تجاوز صلابة الماس، حيث تهشمت السيوف وتناثرت النبال كالفشار على جسده .. حاولوا جره خارج السفينة، فغرس مخالبه في سطحها كأنه يزرع شجرة! أصبح البحارة في مأزق لا يُحسد عليه، أما الداهاث فحدث ولا حرج، فقد أمسك بأحد البحارة المساكين وجعله وجبة خفيفة بمخالبه الحادة .. ثم خاطبهم بلكنة آمرة: “أصدقائي الأعزاء، أنصحكم بالانصياع .. لقد روضت أشخاصا أكثر عنادا منكم، ولا أتردد في أن تشاركوا زميليكما المصير ذاته إن لم تتحلوا بالطاعة!” ..

blank
“الداهوث” رسمة تخلية حسبما جاء وصفه

وهكذا بدأت سيطرة الداهوث على السفينة تماما، بينما كان يتلذذ بالطبق الرابع له وطاقم البحارة يشاهدونه في صمت يقطعه الرعب .. كان أبو الفوارس يأمل أن يؤدي الطعام والثرثرة إلى غفوة الداهاث، لكنه ذكرهم بغطرسة أنه لا ينام، وأن كل القصص التي سيحكونها واهمين أنها تسبب النعاس لن تؤثر عليه بشيء .. أو بمعنى آخر، كانوا يحاولون ترقيد الوحش بحكايات أم وليد، وكأن الداهوث يخشى البعبع! ..

وحينما ظن الجميع أن الفناء هو المصير المحتوم، ظهر فجأة المنقذ من السماء! رفع البحارة رؤوسهم مذعورين ليروا رخاً عملاقاً يحلق فوقهم .. أما الداهاث البطل، فلم ينتبه للطائر الضخم وكان يقف بكل ثقة في وسط المركب، حتى أنه أصبح فريسة سهلة لا تُعلى عليها .. فانقض الرخ كالصاروخ خاطفاً الداهاث قبل أن يمسك بأي شيء .. لكن الفريسة اللذيذة لم تستسلم بسهولة، وشرعت تقضم وتخدش بطن الرخ المسكين .. فما كان من الرخ إلا أن رد الهجوم بغرز مخالبه في عيني الداهاث .. فرد عليه الداهاث بشق طريقه إلى القلب .. ومع اقتراب أجل الرخ، أمسك برأس الداهوث بقوة وطحنه كأنها قشرة بيضة .. وهكذا سقط وحشا البحر معاً في الأمواج، وغابا عن الأنظار إلى الأبد .. المعركة كانت ملحمية وانتهت بانتصار من؟ لا أحد! .. فالبحارة كانوا مشغولين بتنظيف السفينة من هذا الريش والوبر المتناثر في كل مكان!

القطرب .. وحش يهدد الأحياء ويرعب الأموات ويهزّ عرش “فاينل فانتسي”!

هل قرأتَ أيها القارئ الكريم عن “القُطرُب”؟ ذلك الكائن المثير للرعب، المُقنع بِعَباءةٍ من الأساطير العربية القديمة؟ .. إنّه ليس مجرّد جنيّ أو شيطانٍ مستذئبٍ عاديّ، بل هو وحشٌ يجمع بين شراسة الغول وقساوته، ومفاجأة المستذئب وتحوّله .. يتسلّل القُطرُب خلسةً في عتمة الليل، باحثًا عن فريسته من الأحياء بين أزقّة المدن المهجورة، أو فريسته من الموتى بين شواهد القبور الباردة! .. يُقال أنّ القُطرُب يُحبّ لحم الموتى بشدة، ولا شيء يُشبع نهمه سوى أجسادهم المُتحلّلة .. فهل تتخيّلْ عزيزي القارئ شعور الرّعب الذي ينتابُك وأنت تسيرُ وحيدًا في ليلةٍ مظلمة، وتسمعُ همسًا خافتًا ينبعث من بين القبور؟

blank

ولم يقتصر وجود القُطرُب على صفحات الكتب القديمة، بل تجاوز حدود الخيال ليظهر في عالم ألعاب الفيديو! ففي لعبة “فاينل فانتسي 5” الشهيرة، واجه اللاعبون وحشًا شرسًا يُسمّى “قطرب” يُشبه إلى حدٍ كبيرٍ وصف الوحش الأسطوريّ .. فهل كان ظهور القُطرُب في اللعبة مجرّد مصادفة؟ أم أنّ هناك صلةً خفيةً بين عالم الجنّ والأشباح وعالم الألعاب الإلكترونية؟ .. يبقى هذا السؤال لغزًا يُحيرُ عقولنا، بينما يظلّ القُطرُب رمزًا للرّعب والخوف في التراث العربيّ، مُذكّرًا إيّانا بِعوالمٍ غامضةٍ تكمنُ وراء الظلام، وتنتظرُ من يجرؤ على استكشافها .. من يجرؤ!

أرجو أيها القارئ الكريم أن تكون قد استمتعتَ بهذه الرحلة القصيرة في عالم القُطرُب المُخيف .. تذكر أنّ الخيال أحيانًا أقوى من الواقع، وأنّ الظلام قد يُخفي وراءه أسرارًا لا نستطيعُ تخيّلها .. فاحذرْ خطواتك في الليالي المظلمة، ولا تدعِ الخوف يتسلّل إلى قلبك، وإلّا قد يُصبحُ القُطرُب ضيفًا ثقيلًا عليك!

أبو مغوي .. وحش القطيف ذو النداء الساحر والمصير المروع!

في خورٍ مظلم، بين تاروت والقطيف، يسكن عفريتٌ ماكرٌ اسمه أبو مغوي .. ينتظر هذا المخلوقُ الماكرُ انحسارَ المدّ، ليُصبح البحرُ ضحلاً، فيُطلِق نداءً ساحراً بلهجاتٍ مختلفة، يُغري بها كلّ عابرٍ يطمعُ في عبورِ المسافةِ مشياً .. يُناديكَ أبو مغوي بلهجتكَ، بصوتٍ عذبٍ يُداعبُ أذنيكَ، كأنّهُ صديقٌ قديمٌ ينتظركَ بفارغِ الصبر .. “تعال منِّيه،” أو “تعال منَّه،” أو “تعال منّا” كلماتٌ بسيطةٌ تُشعِرُكَ بالأمانِ والثقة، وتُغرِيكَ بالاقترابِ منه .. ولكن حذارٍ من الاستجابةِ لندائهِ المُغرِ! فما إن تقتربَ منه، حتى يُطبقَ عليكَ شِراكهَ .. فيُغرِقُكَ في أعماقِ البحرِ، ثم تصبحُ طعاماً للأسماكِ الجائعة .. لونُهُ أحمرٌ قانٍ، كلونِ الدماءِ التي يمتصُّها من ضحاياه.

blank

يُشبهُ أبو مغوي مصاص الدماء “دراكولا” الغربيّ، إلا أنه قد يكون من صنعِ خيالِ مجتمعنا .. نُحذّرُ بهِ أطفالنا، ونُخيفُ بهِ العابرينَ، ونُذكّرُ الجميعَ بمخاطرِ البحرِ .. فهل تُجرؤُ على عبورِ خورِ أبو مغوي؟ هل ستُقاومُ نداءَهُ المُغرِ؟ أم ستُنصتُ إلى صوتِ العقلِ وتبتعدُ عن الخطر؟ وبحسب ما يروي البعض فإن حكايةُ أبو مغوي ليست مجردَ خرافة، بل هي درسٌ في الحذرِ من مخاطرِ الاستسلامِ للإغراءاتِ .. فكثيراً ما تُخفي الكلماتُ الجميلةُ نوايا خبيثة، والطريقُ السهلُ قد يُؤدّي إلى الهلاك.

أخيرًا ما علي سوى تحذيرك من مغبّةِ الاستجابةِ لِنداءِ هذا العفريتِ ، لئلا تكونَ ضحيّتهَ التالية!

أهل التراب .. الصحراء لا تحوي مياه جوفية فقط!

في قلب الصحراء الكبرى، حيث رمالها الذهبية تحرقُ العيون، ونسيمها الساخن يُلهبُ الأجساد، تُروى حكاياتٌ مُرعبةٌ عن كائناتٍ خارقةٍ تسكنُ عالمًا غامضًا تحت الأرض تسمى “أهل التراب” .. تُحذرُ قبائلُ الطوارقَ المسافرينَ من شرورِ هذه الكائنات، وتُنذرُهم بِأرواحٍ خبيثةٍ تُلحقُ بهم الأذى .. تُعرقلُ هذه الأرواحُ سيرَ القوافل، فتُصيبُ الإبلَ بالأضرارِ وتُجففُ ينابيعَ المياهِ قبل وصولِ المسافرينَ إليها.

ويُقالُ أنّهُ في بعضِ الليالي المقمرة، يرى المسافرونَ أعمدةً من الرمالِ تتراقصُ في سماءِ العاصفة، ويُعتقدُونَ أنّها أشباحُ تلك الكائناتِ تُحذّرُهم من الاقترابِ من عالمِها السري .. فهلْ هي حكاياتٌ خرافيةٌ تُروى لإخافةِ المسافرينَ؟ أمْ أنّهُ ثمةَ حقيقةٌ غامضةٌ تُخفيها رمالُ الصحراء؟ .. يُقالُ أنّ بعضَ المغامرينَ ذوي الجرأة قد حاولوا النزولَ إلى عالمِ تلك الكائناتِ، لكنّهم لم يعودوا أبدًا!

احذرْ خطواتك عزيزي القارئ، لا تنظر للأمام أبدًا وأنت تمشي بل انظر للأسفل دائمًا .. فكلّ حبةِ رملٍ قد تُخبئُ وحشًا! ..

الغدار .. من نسل إبليس فهل سيكون أمينًا؟!

في أعماق الصحاري القريبة من البحر الأحمر، حيث الشمس تحرق الرمال، يختبئ مخلوق جحيمي يُعرف باسم “الغدار” .. هذا الجني اللئيم، ذو الشكل القبيح والمزيج البشع بين الماعز والكلب، يتربص بالمسافرين العابرين، مُستمتعًا بتعذيبهم بأساليب وحشية لا تخطر على بال بشر .. يُقال أن الغدار هو ابن إبليس وزوجته، وقد خرج من بيضة غامضة يعتقد البعض أنها “البيضة الكونية” نفسها، حاملًا معه لعنة الشر والدمار .. يظهر الغدار عادةً في صورة عملاق ضخم، ذو جلد أحمر داكن وأظافر حادة كالمخالب، وعينان متوهجتان بالخبث إلا أنه عادة ما يكون ذلك المخلوق أنثى!

كما يُروى أن الغدار يحب اللعب بالنار، فيُشعل الصحراء بأكملها، ويُجبر المسافرين على الرقص بين ألسنة اللهب الحارقة .. ثم، عندما يُنهكهم الرعب والتعب، يتركهم في مهب الرياح، ليموتوا عطشًا وجوعًا .. لا أحد يعرف أصل الغدار الحقيقي، أو ما الذي دفعه إلى هذا الشر المُفرط .. لكن الجميع في تلك الصحراء يخشون ذكره، ويحذرون بعضهم البعض من خطره .. فحتى أشد الرجال شجاعةً يرتجفون خوفًا عندما يُذكر اسمه .. يُقال أن بعض المسافرين تمكنوا من النجاة من قبضة الغدار، لكنهم عادوا مُحطمين نفسيًا، مُطاردين بذكريات الرعب والتعذيب .. بعضهم فقد عقله، بينما تحول آخرون إلى أشباح يتجولون في الصحراء، يروون حكاياتهم عن وحشية الغدار وشروره.

ولكن، على الرغم من كل هذا، هناك من يعتقد أن الغدار ليس مجرد وحش قاتل، بل هو رمز للقسوة التي تخبئها الطبيعة وراء جمالها الخادع .. فصحراء البحر الأحمر، على الرغم من سحرها، هي مكان قاسٍ لا يرحم، حيث يُمكن للموت أن يُتربص بك في أي لحظة .. لذلك تذكر عزيزي القارئ، إن شعرت يوماً بوجود أحد ما يراقبك في رحلتك عبر الصحراء، أو سمعت أصواتاً غريبة تُحيط بك، فلا تَتَسرَّع في اتهام الغدار، فقد يكون الأمر مجرد عطشٍ يُؤثّر على تفكيرك!

بنت الخرساء .. لا تضحك على طريق أبها فقد تكون آخر ضحكة!

على دروب أبها والجيزان واليمن، تسكن جنية غريبة تُعرف باسم “بنت الخرساء”. لا نطق لها، ولا عيون تبصر بها، ووجهها مشوه بعقدة من الزمن .. قد تبدو لك ككائن مرعب، لكن انتظر، فطريقة قتلها غريبة ومضحكة في آن واحد! .. تتسلل بنت الخرساء خلسةً إلى المسافرين، وتبدأ بلمسهم برفق بريش ناعم .. لمسة تلو الأخرى، ثم يتحول اللمس إلى دغدغة هستيرية، تُطلق العنان لضحكات مجنونة لا تنقطع .. يضحك المسافرون حتى يختنقوا، وحتى تنفجر أمعاؤهم من فرط الضحك، تاركين وراءهم أجسادًا هامدة تُرسم عليها ابتسامات عريضة.

blank
التعذيب بالدغدغة او الزغزغة : احدى وسائل التعذيب التي استخدمت عبر التاريخ، خاصة في عصور الظلام الاوروبية. وقد يظن البعض انها طريقة تعذيب ظريفة، الا انها طريقة وحشية بامتياز

يُقال أن ضحك بنت الخرساء نفسه مُعدٍ، وأن من يسمعه يصاب بداء قهقهة لا شفاء منه، ينتهي به الأمر ميتًا غرقًا في بحر من الضحك! .. فهل تجرؤ على السفر عبر طريق أبها والجيزان واليمن؟! هل تملك قلبًا قويًا بما يكفي لمقاومة دغدغات بنت الخرساء القاتلة؟!

أم السعف والليف .. حين تتحول النخلة إلى وحش مرعب!

في رحلة مرعبة، نغوص في عالم الأساطير العربية، لنكتشف حكاية “أم السعف والليف” التي روعت أجيالًا من الأطفال في الخليج .. تخيل نخلة عادية، تلك الشجرة المألوفة التي ترمز للخير والكرم، تتحول في مخيلة الصغار إلى وحش مرعب يهدد سلامتهم! .. “أم السعف والليف”، هكذا أطلق عليها الأهالي، لربطها بأغصان النخيل وأليافها .. حكاية خيالية نسجت خيوطها من خوف الأبناء ورغبة الأهالي في حمايتهم .. ففي ليالي الشتاء الباردة، عندما تهب الرياح وتتراقص أغصان النخيل، كان الأهالي يهددون أطفالهم الأشقياء بـ “أم السعف والليف”.

blank

يُقال إنها امرأة عجوز قبيحة ذات شعر أشعث، تسكن بين أغصان النخيل وتخرج في الليل باحثة عن فريسة، أي طفلٍ يجرؤ على الخروج من المنزل .. فيما تُحكى قصص مرعبة عن مظهرها المخيف وصوتها المبحوح، وكيف أنها تخطف الأطفال وتختفي معهم في الظلام .. ولكن، لا داعي للقلق فأم السعف والليف ليست حقيقية، بل هي مجرد حكاية اخترعها الكبار لتخويف الصغار ومنعهم من الخروج في الليل.

لكن انتبه! ففي الظلام، قد يختبئ الخطر الحقيقي، لذا التزم بالتعليمات ولا تترك أطفالك يخرجون بمفردهم .. وإذا سمعت صوتًا غريبًا أو رأيت شيئًا مخيفًا، تذكر أن آية الكرسي محصنة لك .. فمع القرآن الكريم والأذكار، ستكون في مأمن من أي وحش، حتى لو كان مصنوعًا من سعف النخيل وليفها! ..

أبو السلاسل .. عندما تصبح السلاسل أداة للرعب وليس للزينة!

تُحكى في أرجاء الخليج العربي حكايات مرعبة عن كائن غامض يُعرف باسم “أبو السلاسل” .. يقال أنه عملاق أسود قاتم، مُغطى بالسلاسل الحديدية التي تصدر صريراً مخيفاً عند حركته .. يُشاع أن هذا الوحش يتربص بالأطفال ليلاً، مُستخدماً سلاسله الثقيلة لسحبهم إلى الظلام، ليُصبح مصيرهم مجهولاً .. يُرسم “أبو السلاسل” في مخيلة الناس كوحشٍ كريه المنظر، بجلدٍ محروق ومخالب حادة ووجهٍ بشع ينبعث منه رائحة كريهة .. يُعتقد أنه من الجن المردة أو من أتباعهم، ويقال أنه يتجول على شواطئ الخليج، مُهدداً راحة الأهالي.

blank

تتنوع روايات “أبو السلاسل” بين مختلف البلدان، ففي بعضها يُحكى أنه يحمل سلسلة حديدية ضخمة على كتفه، يُجرّها على الأرض مُحدثاً صريراً يُرعب الصغار .. وعندما يسمع الأطفال صوت السلاسل، تُحذّرهم أمهاتهم من الخروج من المنزل، خوفاً من أن يسحبهم “أبو السلاسل” ويُغيبهم إلى الأبد .. يُقال أيضاً أن “أبو السلاسل” يختبئ خلف بيوت العريش – مساكن تقليدية على ساحل الإمارات – مترقباً أي طفلٍ يجرؤ على الخروج ليلاً .. وبمجرد أن يرى ضحيته، يرمي عليه سلسلته الحديدية، ليُصبح الصغير أسير الوحش ويختفي معه في ظلمة الليل.

ولكن، لحسن الحظ، نجا بعض الأطفال من قبضة “أبو السلاسل” .. فُعثروا عليهم فاقدي الوعي أو مُصابين بالهلع، غير قادرين على تذكر أي شيء عن ما حدث لهم .. ولذلك، يُستخدم اسم “أبو السلاسل” كفزاعة لتخويف الأطفال من مغبة الخروج ليلاً، حفاظاً على سلامتهم من هذا الوحش المرعب .. فكلما سمع طفلٌ صوت الأمواج تتلاطم على الشاطئ، يُسارع إلى الدخول خوفاً من أن يكون ذلك صوت سلاسل “أبو السلاسل” قد اقترب منه!

أما عن مصدر الأسطورة فيحكى – فيما يحكى – عن “أبو السلاسل” أنه لم يكن مجرد خيال يُخيف الصغار، بل كان حقيقة واقعة عانت من ظلم البشر .. فكان “أبو السلاسل” – كما يزعمون – عبداً لدى تاجر قاسي القلب في إمارة الشارقة، ذاق الأمرّين من التعذيب على يد سيده .. فكان ذلك التاجر اللعين يقيده بالسلاسل، ويُثقل نهايتها بـقلولة – وهي قذيفة مدفع حديدية- لئلا يفكر العبد المسكين في الهروب .. وبعد موت التاجر، ظنّ “أبو السلاسل” أنّه تحرر من قيوده، لكنّ الأسر الحقيقي كان قد سكن روحه، ففقد عقله وتجول في الأرجاء كالمجنون .. ومن هنا جاءت تسميته بـ”أبو السلاسل” أو “العبد المزنجل”

وأما عن مقابلاته الشخصية مع البشر يُحكى أنه في ليلة حالكة، اشتدت الريح كأنها ثور هائج، وارتفع الموج كجبال شاهقة، فخاف أهل الحارة ، ظنًّا منهم أن البحر سيبتلع بيوتهم .. ومن بينهم كان راشد، البحار المتهوّر، الذي لم يخيفه عويل الرياح، ولا هُول الأمواج، ولا حتى حكايات “أبو السلاسل” المرعبة، ذلك الكائن الشيطاني الذي يحوم حول البحر ليلاً، يبحث عن ضحية يمزقها بسلاسله الحديدية .. تجاهل راشد تحذيرات جده، وركب مركبه العتيق، مُصّرًا على خوض غمار البحر في تلك الليلة العاصفة .. وما إن ابتعد عن الساحل، حتى ثارت الطبيعة ثورة عارمة، فانهالت الأمطار مدرارًا، وازدادت حدة الرياح، وتلاطمت الأمواج بعنف، حتى كادت تُغرقه .. أدرك راشد حينها حماقته، فاتجه خائفًا عائدًا أدراجه إلى الشاطئ، لكن القدر كان له بالمرصاد، حيث اصطدم مركبه بصخرة ضخمة، وتحطّم إلى أشلاء.

نجا راشد بأعجوبة، ليجد نفسه على شاطئ مهجور، وحيدًا في الظلام الدامس، لا مأوى له سوى بعض الصخور المتناثرة .. وفجأة، سمع صوت سلاسل حديدية تصطدم بالأرض، فاتّجهت أنظاره نحو مصدر الصوت، ليُصعق برؤية “أبو السلاسل” يقف أمامه، بعيونه المتوهجة كالجمر، وسلاسله الضخمة تتراقص في الهواء .. حاول راشد الهرب، لكن “أبو السلاسل” كان أسرع منه، فقبض عليه بيديه العظيمتين، ورفعه عالياً، ثم رماه على أقرب جدار، مُصدرًا صرخات مرعبة أيقظت كل نائم في الحارة .. توسّل راشد “أبو السلاسل” أن يرحمه، لكن دون جدوى، فبدأ الوحش يشدّ عليه سلاسله الحديدية، تاركًا ندوبًا عميقة على جسده .. ومع طلوع الفجر، اكتشف البحارة جثة راشد مُعلّقة على شجرة سدر، وقد فارق الحياة، تاركًا وراءه قصة عن مغامرة متهوّرة، ووحش لا يرحم .. فهل يتعلم من هذه الحكاية المتهورون أمثال راشد، أم ستظل مغامراتهم تُغريهم بالمخاطر، وتُقودهم إلى نهايات مأساوية؟

بعد موت راشد، عاش “أبو السلاسل” سعيدًا هانئًا، يتناول وجباته المفضلة من لحم البحارة، ويستمتع بمشاهدة الرعب في أعينهم كلما خرجوا إلى البحر .. وحتى يومنا هذا، لا يزال البحارة يتذكرون حكاية راشد، ويرددون مقولته الشهيرة: “أنا نوخذة هالبحر وما أخاف من الريح والموت”، بينما يبتسم “أبو السلاسل” في سره، مدركًا أنّ الرياح والموت هما أضعف أسلحته، وأنّ خوف البحارة هو أقوى سلاح لديه.

فيما تحكي سيدة وتقول “بين جدران بيتنا المصنوع من جريد النخل، وفي ظل عريش صغير في فناءه، حاربتُ جيشاً من النوم المُتمرد بقيادة ابني العنيد الذي رفض الاستسلام لوساوس النعاس! .. في خضمّ هذه المعركة، تسللت إلي فكرة شيطانية، فقلتُ له: نام يا ولد، وإلا سأرسل عليك أبو السلاسل ليأكلك! .. لم أكد أنهي جملتي حتى اهتزّت أركان العريش، وسمعتُ وراء جدران جريد النخل صوتاً أشبه بزئير وحش غاضب، يرافقه قرقعة سلاسل حديدية ثقيلة .. في تلك اللحظة، كاد قلبي يقفز من مكانه، وسيطرت عليّ موجة من الخوف والفزع .. حتى أنني نسيتُ كلّ ما علمني إياه أستاذي في الكتّاب، وتلعثمتُ في قراءة آيات من القرآن الكريم، وأدعية كنت قد حفظتها عن ظهر قلب .. لم أهدأ حتى تلاشت الأصوات المخيفة، واختفى “أبو السلاسل” المزعوم .. ومنذ ذلك اليوم، أقسمتُ ألا أذكر اسم “أبو السلاسل” على لساني أبداً، حتى لو كان ذلك ثمن نجاتي من الجن!”

كما يروي أحدهم حكاية أخرى عن أبو السلاسل، ذلك الكائن الغامض ذو السلاسل الثقيلة، قائلاً:

“لا ينجو من أبو السلاسل إلا من فطن لِحِيَله ورغباته، فهو – على عكس ما يظن البعض – ليس مؤذيًا بطبعه، بل يُشكل خطراً فقط على الجهلاء الذين لا يعرفون كيفية التعامل معه .. ففي أحد الأيام، ظهر أبو السلاسل لقريبي في أحد الأزقة الضيقة، فاعترض طريقه مُمدًا رجله الضخمة وسط الزقاق لمنعه من المرور .. لم يجد قريبي بُدًا إلا من القفز عالياً فوق ساق بو السلاسل ليُواصل سيره، لكن ما إن دخل الزقاق التالي حتى وجد “المصنقل” – كما يُطلق عليه البعض – يقف أمامه مرة أخرى، فكرر قفزته مُتفاديًا ساقه الضخمة .. وهكذا استمرت المطاردة، كلما ظن قريبي أنه أفلت من أبو السلاسل، يظهر أمامه من جديد، حتى أعياه التعب ولم يعد يقوى على القفز .. في آخر مرة، عندما مدّ أبو السلاسل ساقه الضخمة كالمعتاد، لم يقفز قريبي هذه المرة، بل زحف بذكاء من تحت ساقه، فاختفى العبد المزنجل في لمح البصر، تاركًا قريبي ينطلق مسرعًا وقد ارتاح من رعبه أخيرًا” .. لتكون الفطنة وهدوء الأعصاب هما مفتاح النجاة من المواقف الصعبة، حتى لو واجهنا وحوشًا غريبة الأطوار مثل أبو السلاسل!

رواية أخرى ..

في ليلة حالكة، خرج بحارنا البطل من بيته قاصداً مركبه الراسية على شاطئ البحر .. بينما كان يمشي في الظلام، سمع صوتاً غريباً ينبعث من إحدى الخرائب المهجورة .. فضوله دفعه للتوجه نحو مصدر الصوت، وفجأة، هبط ضباب كثيف على المكان، ليُخفي كل شيء عن ناظريه .. وفجأة، انقشع الضباب، ليظهر أمام البحار كائن غريب لم يتخيله في أحلامه! كان ذلك الكائن عبداً مزنجلاً ضخمًا، ذو عينين ملتهبتين وابتسامة شريرة .. دون سابق إنذار، هاجم العبد المزنجل البحار، محاولاً قتله بكل قوته .. قاوم البحار بشجاعة، ودخل في صراع عنيف مع العبد .. حتى تمكن من طرحه أرضاً، وجثم على صدره محاولاً خنقه بيديه .. لكن لحظة اليأس اقتربت، وفجأة، تذكر البحار آية الكرسي، فقرأها بصوت عالٍ .. وفي لمح البصر، اختفى العبد المزنجل وكأنّه لم يكن موجودًا من الأساس .. نهض البحار من على الأرض، منهكاً لكن منتصراً .. ثم عاد إلى منزله، حاملاً معه قصته التي رواها للجميع .. لم يصدق أحد ما قاله، حتى رأوا الجروح والكدمات التي ملأت جسده .. ومنذ ذلك اليوم، أصبح البحار معروفاً بقصته البطولية، وقيل أنّه لم ير أحد جروحاً مثل جروحه، وأنّه هزم عبداً مزنجلاً بآية الكرسي!

حكاية أحمد بحاوي مع “أبو السلاسل” ..

في قرية نائية بجازان، حيث كانت الظلمة تسيطر على المكان مع انعدام الكهرباء، عاش صبي يُدعى أحمد بحاوي تجربة مرعبة في ليلة ممطرة، حفرت ذكرياتها في ذاكرته إلى الأبد .. كان أحمد يبلغ من العمر 12 عاماً حينها، عندما انتشر هدوء غريب في القرية بعد توقف المطر .. فشعر برغبة عارمة تدفعه للخروج من المنزل، فسلّل خطاه خلسةً بين النائمين من أهله، متوجهاً نحو مقبرة قديمة قريبة .. سار أحمد بخطى حذرة داخل المقبرة، المحاطة بسور حديدي يلفّها .. لم يكن هدفه سوى البحث عن أي شيء يصنع منه لعبة، مستغلاً عادة بعض الجيران في رمي مستهلكاتهم هناك .. جلس أحمد وحيداً في أحد أركان المقبرة، قاتلاً الوقت حتى منتصف الليل.

فجأة، سمع صوت والدته تناديه من بعيد .. عاد أحمد مسرعاً، حاملاً في قلبه خوفاً خفياً من عقاب والده .. مع مرور الوقت، اعتاد أحمد على التسلل ليلاً للقاء أصدقائه، مستمعاً بشغف إلى قصصهم المخيفة .. ومن بين تلك القصص، برزت حكاية “أبو السلاسل” ذلك الكائن المرعب الذي يسكن بالقرب من منزلهم، ويقوم بجر السلاسل ليلاً، مؤذياً من حوله .. ازداد خوف أحمد مع سماع روايات عن “أبو السلاسل” من أقاربه، الذين زعموا أنه قام بحمل أحد جيرانهم ليلاً إلى مقبرة بعيدة .. وفي إحدى الليلة المشؤومة، شعر أحمد بشعور غريب، فبينما كان يسير عائداً إلى المنزل سمع صوت جرّ سلاسل قادم من الخلف، فالتفت ليُلقي نظرة، لكن الظلام الحالك منعه من رؤية أي شيء.

هرع أحمد مذعوراً إلى باب منزله، ليجده مفتوحاً لحسن حظه .. دخل مسرعاً، وأغلق الباب بإحكام، تاركاً الظلام والوحوش وراءه .. لكن لم يهدأ قلب أحمد بعد ذلك .. ففجأة، سمع صوت ضربة قوية على باب المنزل الحديدي، تبعه صياح جاره مرات متتالية .. ثم ساد الصمت المطبق، وكأن شيئاً ما قد خنقه .. في الصباح، خرج أحمد متوجهاً إلى المدرسة، ليجد جثة جاره ملقاة على الأرض بالقرب من باب المنزل، وعليها آثار جروح غامضة .. أصيب أحمد بصدمة شديدة، وازدادت مخاوفه من “أبو السلاسل” .. ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ على الخروج ليلاً مرة أخرى.

أخيرًا يُحكى عن “أبو السلاسل” ذلك الكائن الغامض، أنه حين يُطل برأسه نهاراً، يكون ضرره طفيفًا ولكن، عندما تُغَلِّفُ الشمسُ وجهها بِبُرقعِ الليل، ويُسْدِلُ الظلامَ ستارَهُ الحالك، يتحوّلُ “أبو السلاسل” من وحش هادئ إلى مُفْتَرِسٍ مُرعب .. فتُسمعُ أصواتُ سلاسله تصطكّ كأصواتِ الرّعد، وتُرى عيونهُ تتوهّجُ كَالجمرِ في الظلام .. فمن يجرؤ على الخروج ليلاً، قد يصبحُ فريسةً لأنيابِ “أبو السلاسل” الحادة، أو مخالبِهِ الطويلة، أو سلاسلهِ الثقيلة .. ويُقالُ أنّه لا نجاةَ من قبضتهِ، وأنّ مَنْ يقعُ في شراكهِ، يلقى مصيراً مأساوياً أو دموياً.

تذكر، عزيزي القارئ، أنّ “أبو السلاسل” ليس مجرّدَ حكايةٍ خرافية، بل هو كائنٌ حقيقيٌّ يَسْكُنُ الظلام .. فاحذرْهُ، ولا تُغامِرْ بِمُواجهتهِ، وإلاّ فاستعدّ لمصيرٍ لن تُحبّ أن تُشاهدهُ عيناك! ..

ختامًا ..

فقد حان وقت وداع عالم الجن وأسراره، ولا يسعني إلا أن أُكَلل جبينك بالشكر الجزيل على صبرك عزيزي القارئ، وأؤكد لك أن هذه المخلوقات، على الرغم من هالات الرعب التي تُحيط بها، إلا أنها ليست كما تُصورها الأفلام والروايات، بل هي كائنات عاقلة تتعايش معنا في هذا الكون الفسيح، ولها عالمها الخاص وثقافتها وتاريخها .. فلا تَخَشَاها، بل تعامل معها باحترام وتقدير، واحرص على عدم إزعاجها أو التعدي على أماكنها، واعلم أن الجن لا تُؤذي إلا من يؤذيها، وأن أغلب – وأقول أغلب – ما يُحكى عن شرها وأذيتها مجرد خرافات وخزعبلات لا أساس لها من الصحة.

ولكن، قبل أن أختم المقال وأودع عالم الجن نهائياً، دعني أخبرك بحادثة غريبة حدثت مع صديق لي، ففي إحدى الليالي، بينما كان نائماً في بيته، سمع صوتاً غريباً يناديه باسمه، فاستيقظ مذعوراً وتسلل الخوف إلى قلبه، وبدأ ينظر حوله خوفاً من أن يرى شيئاً مخيفاً، وفجأة، لاحظ وجود ظل غريب يقف على حافة سريره، فصرخ صديقي صرخة مدوية، وركض من الغرفة كالمجنون، ولم يهدأ إلا بعد أن تأكد من أن الظل قد اختفى .. ولكن، بعد مرور بضعة أيام، اكتشف صديقي أن ذلك الظل لم يكن جنياً كما ظنّ، بل كان قطته التي تمشي على حافة سريره في الظلام!

ولكن تذكر دائماً عزيزي القارئ أنّ عالم الجنّ مليءٌ بالمفاجآت .. فبينما كنت تقرأ هذا المقال، ربّما كان جنٌّ يراقبكم باهتمام، وهو الآن معجبُ بذكائك وفطنتك .. فلا تَستغرب إنْ شعرت بِهَبةِ ريحٍ خفيفةٍ أو سمعت صوتَ همسٍ خافتٍ .. فهذا قد يكون دليلاً على وجودِ جنٍّ قريبٍ منك! .. وأخيراً فإن ما نعرفه عن هذه المخلوقات لا يزال قليلاً جداً، وأن هناك الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد، فكن على استعداد دائم للمفاجآت، ولا تُغلق عقلك أمام الاحتمالات، فربما ما تراه خيالاً اليوم قد يصبح حقيقةً غداً.

تمنياتي لك بنوم هادئ خالٍ من الأحلام المزعجة ..

المصدر
Book of creatureWikipedia qatifscienceWikipediajinn.fandomrayaarabnaWikipediaThelastlegendHakawina

تامر محمد

مصر/ للتواصل : https://www.facebook.com/tamerasfour1996
guest
7 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك