قتلة و مجرمون

مقتل كارول ديمايتي ستيوارت

The murder of Carol DeMaiti Stewart

إن القصة التي تدور حول مقتل كارول ديمايتي ستيوارت والتي أتحدث عنها اليوم قد تعطيك لمحة خاطفة عن طبيعة الأشخاص، وأن ما نراه أحياناً يكون مغايرا للحقيقة جملةً وتفصيلا ً.
المهم ألا نتعامل مع توقعاتنا و انطباعتنا كحقيقة ثابتة .

البداية

أقيم حفل زفاف مبهر بكنيسة سانت جيمس بين مدير لشركة فرو يدعي تشارلز ستيوارت المولود فى 18 ديسمبر عام 1959 وحبيبته المحامية ذائعة الصيت كارول ديميتي المولودة فى 26 مارس عام 1959.

blank

التقى الحبيبين أثناء عملهما في مطعم دريتفود سنة 1980 إلى جانب دراستهما الجامعية؛ حيث كان كان تشارلز الشاب الوسيم و الحاصل على منحة دراسية لكرة القدم لتوه يعمل طاهياً، بينما كانت كارول تعمل كنادلة.

و بطبيعة الحال، كان الزوجين الثريان من بوسطن محط أنظار و غبطة المحيطين بهم، كونهما نموذج يحتذى به في النجاح على الصعيد الشخصي و العملي. و لتكتمل سعادة الثنائي المحظوظ، بعد أربعة سنوات من زواجهما، حين يتلقيا خبراً يفيد أن عدد أفراد العائلة سيزيد واحداً و سيكون طفلهما الأول . أنهالت عليهما التهاني و التمنيات الحارة من جميع أفراد العائلة.وقد أعلنت كارول أنه سوف تعطي اهتمامها لتربية ابنها القادم و الاعتناء به وسوف تحصل على استراحة من العمل لبعض الوقت، لاسيما أن زوجها وحده يربح سنويا حوالي 100 ألف دولار من إدارته لشركة الفِراء، وهو ما يعد مبلغاً معتبرا أنذاك.

فى 23 أكتوبر 1989، حضر تشارلز وكارول فصلاً إرشادياً حول الولادة في مستشفى بينغهام؛ وذلك الإلمام بأدق تفاصيل عملية الولادة، كحجم الجنين الطبيعي و ما شابه ذلك. و أثناء تلك الفترة كان كل من تشارلز و زوجته كارول يتبادلان النظرات و الأبتسامات في سعادة واضحة للعيان، و بعد نهاية الفصل غادرا سويا متشابكي الإيدي، و أتخذا طريقهما عبر حي روكسبري في بوسطن للعودة إلى المنزل

المأساة

وبينما كانت سيارتهما تقف في إحدى إشارات المرور، باغتهما رجل أسود بصوت أجش يرتدي بدلة رياضية مقتحماّ السيارة. انتاب الفزع الزوجين، و سأله تشارلز عما يريده، لكن الرجل صرخ في وجهه يطلب إليه أن ينطلق إلى منطقة ميشن هيل. أمتثل الزوج للأوامر وهو يزدرد ريقه خوفاً على حياته وحياة كارول وطفلهما الصغير الذي لم تبصر عينيه نور شمس هذا العالم بعد.

وحين أوصلاه إلى المنطقة المنشودة، قام الرجل الأسود بسرقتهما. وحين ظنا أنه سيطلق بعدها سراحهما صوب مسدسه بإتجاهما وأطلق النار على كارول فى رأسها بينما أصاب تشارلز فى بطنه، ثم لاذ بالفرار، وهما غارقين في دمائهما .

وبجهد جهيد تمكن الزواج المكلوم من رفع يديه والاتصال من هاتف سيارته برقم الطوارئ و بالكاد تحدث في صوت لاهث:

“لقد أصيبت زوجتي برصاصة. لقد أصبت برصاصة يا رجل، سأفقد الوعي الأمر مؤلم، وتوقفت زوجتي عن الشكوي وتوقفت عن التنفس”

blank
السيارة مكان توقفهما وحدوث الجريمة


ذهبت الشرطة إلى مكان الحادث، و تصادف وجود طاقم تصوير مسلسل تلفزيون الواقع Rescue 911 على متن سيارة مع أفراد من خدمات الطوارئ الطبية في بوسطن، وتمكنوا من تصوير المشهد الدموي للسيارة الملطخة بالدماء بينما كان رجال الشرطة ورجال الإسعاف يساعدون تشارلز وزوجته.

نقلت كارول إلى غرفة العمليات في مستشفى بريغهام نفسه الذي كانت فيه بصحبة زوجها، قبل الحادث ببضعة ساعات فقط. ولكنهم فشلوا في إنقاذ حياتها وماتت فى الصباح الباكر لليوم التالي متأثرة بجراحها. وأما الطفل، فقد ولد بعملية قيصرية قبل موعده بشهرين وتم تسميته كريستوفر وقد كان هناك أمل أنه سوف ينجو، الإ أنه لم يصمد سوى سبعة عشر يوماً ليموت هو الآخر بسبب الصدمة ونقص الاكسجين و يلحق بأمه.

أما تشارلز المفجوع، فقد كان يمكث فى مشفى آخر يتلقى الصدمة تلو الصدمة، من فقدان امرأته وطفله الرضيع، ناهيك عن حالته الصحية الحرجة و خضوعه لعمليتين جراحيتين، ليخرج بعدها من المسشفى بعد ستة أسابيع، و هو لا يزال يعاني من الآثار الجانبية للعمليتين؛ ولكنه مع ذلك يستميت للصمود كي يشهد بأم عينيه الشخص الذي دمر حياته و هو ينال العقاب الذي يستحق.

وقد دفنت كارول بينما كان لا يزال محتجزا في المشفى، ولكنه أثناء تلقيه العلاج كتب لها تأبين مقتضب ليُقرأ فى جنازتها يودع به حبيبته “نامي مع الملائكة يا حبيبتي”

البحث عن الفاعل

فى أثناء وجود تشارلز فى المشفى، وقبل أن يتعافى كانت الشرطة تقلب المدينة رأسا على عقب للبحث عن مهاجم العائلة.وقد تعالت أصوات الناس لإعادة تطبيق عقوبة الإعدام. و ذهب أكثر من مائة شرطي لتمشيط كل الاحياء المختلطة للبحث عن الفاعل

عانى بعض الرجال السود من الإيقاف المستمر والتفتيش الدقيق لهم؛ لأن المواصفات التي وصفها تشارلز تنطبق عليهم إلى حد كبير. و بالتالي، كانت هناك أكثر من مائة وخمسون حالة توقيف فى الاحياء الفقيرة للسود!

blank
عانى الرجال السود من الإيقاف المستمر والتفتيش الدقيق

إلى أن ألقي القبض على أول مشتبه به؛ وهو رجل يدعى آلان سوانسون. مشرد بلا مأوى يقيم فى مشاريع الإسكان التي لا تزال تحت الانشاء. وبرغم أن الشبه بين المهاجم و الآن لم يكن كبيراً، لكن وجود بدلة رياضية بحوزته تماثل البدلة التي كان يرتديها المشتبه به وقت الهجوم وحالة الرجل المسكين وتشرده جعلت الأنظار تتجه إليه بدون وجه حق. و هكذا ظل محتجزاً، حتى ظهر رجل ملائم فى المواصفات والسجل الجنائي عن الآن فاطلقوا سراحه في نوفمبر!

القبض على القاتل

كان الرجل الذي تم القبض عليه فى حادثة إطلاق النار، هو ويلي بينيت. مجرم يملك تاريخاً عتيداّ في عراك الشوارع و السطو المسلح. وكانت آخر مرة دخل فيها إلى السجن، هي عندما تهور وأطلق النار على شرطي، بينما كان يسرق متاجر لألعاب الفيديو. و بالنسبة لملامحه، فحدث ولا حرج؛ إذ أن الرجل يشبه المشتبه به الي حد كبير. والآن، أصبح كل ما عليهم فعله هو عرضه على تشارلز، ليغلق ملف هذه القضية المأساوية نهائيا.

أما الرجل المسكين تشارلز، الذي كان وقتها لايزال طريح الفراش في المشفى، فإن رجال الشرطة و رغم سوء حالته الصحية و النفسية، كانوا حريصون أيما حرص على تحقيق العدالة له و لزوجته المغدورة؛ و لهذا قاموا بزيارته و عرض صورة المشتبه به، و قد أبدى لهم رد فعل قوي فور رؤيته، و هكذا، و للتحقق التام، قرروا الانتظار ريثما يتماثل للشفاء حتى يشاهد المشتبه به وجهاً لوجه. و احتجزت الشرطة ويلي بينيت، رغم أحتجاج أمه و صراخاتها المتوسلة التي تكرر أن ابنها لم يرتكب ما يتهمونه به؛ كيف له ذلك، وهو لم يكن متواجداً في المدينة في هذا اليوم بالذات؟!

blank
ويلي بينيت

لكن، و بأي حال، تنهد الرأي العام أرتياحا، بوقوع صاحب هذه الجريمة البشعة في قبضة العدالة، ليسدل الستار أخيراً على هذه المأساة الرهيبة، ما أن يصدر الحكم العادل و الرادع. فقط، شخص واحد أنذاك، كان يمرر يديه على وجهه في عصبية، و الذنب يفترس قلبه، وهو يسأل نفسه بإلحاح، مستنكرا:” ما الذي اقترفته بحق الجحيم؟”

و ما كان هذا الشخص سوى ماثيو ستيوارت شقيق تشارلز!

الذي يعذبه ضميره و يجلده بلا رحمة، حتى أذعن له أخيراً، و راح يحكي لعائلته كل شئ، ليتوجه بعدها طواعية إلى مركز الشرطة فى 3 يناير عام 1990، و أعترف لهم بما سيقلب كل القضية رأسا على عقب!

المخادع

و يمكن أن نقول أن الطمع هو المفتاح الحقيقي لتلك الحادثة المؤسفة التي راحت ضحيتها تلك المرأة الثرية العصامية؛ فقد كانت كارول كمحامية ضرائب تتقاضى مبلغاً مالياً كبير، وتسهم بنصيب الأسد منه، للإنفاق على المنزل. لذلك، عندما أعلنت حملها، ساورت الظنون زوجها تشارلز على الأعتقاد بإنها سوف تتوقف عن العمل نهائيا، ومعه يتوقف هذا التدفق السخي من الأموال اللازم للحياة المترفة الرغيدة التي ليس بوسعه أن يعيش أدنى منها ولو قليلاً . كما أنه ليس مولعاً بكارول إلى الدرجة التي تجعله يرغب بأطفال منها، بل أنه كان يعيش علاقة غرامية مع امرأة غيرها داخل شركة الفراء حيث يعمل!

و لم يبذل أقل مجهود في محاولة أخفاء حقيقة مشاعره تجاه حمل زوجته، و أخذ بمشاجراتها طوال الوقت حتى تجهض الجنين، و كانت دائما ترد عليه بالرفض القاطع نفسه، و تؤكد احتفاظها به.
فلما يئس منها أخيراً، تظاهر بالرضوخ وقبول الأمر الواقع، حتى لا يلاحظ أحد خلافاتهما إلى أن يجد حلا. وقد جاءه على هيئة فكرة مروعة، بأن يتخلص منها ومن جنينها، كي يزيح هما ثقيلاً عن كاهله، وفي نفس الوقت تكون نقود التأمين من نصيبه بعد موتها .

blank
ماثيو الشقيق الأصغر للزوج لتشارلز

ومن يا ترى أفضل من أخيه ماثيو ابن الثالثة والعشرين كي يشاركه في هذه العملية المصيرية مقابل عشرة آلاف دولار ؟
صحيح أن الشكوك قد روادته في أحتمالية أن يشي به؛ فهو يدرك جيداً كم هو ضعيف الشخصية، لكن الأ يحتاج هو الآخر إلى بعض المال كي يتخفف من أزماته المالية التي يزرح تحتها ؟

في بادئ الأمر، ظن ماثيو أن أخيه تشارلز سيدعي سرقة المجوهرات، ويطالب بمبلغ التأمين. و قبل الحادث بيومين أخذ الأخير زوجته فى نزهة واصطبحها إلى متجر مجوهرات و أشتري لها هدية من هناك في محاولة منه لتأكيد حبه المزيف. و كما عرفنا في بداية حكايتنا فإنه قد أخذها إلى المشفى استكمالاً للعب دور الزوج المثالي من جهة، و لتنفيذ خطته الخبيثة من جهة أخرى.

و في طريق الرجوع تعمد أن يتوجه إلى منطقة تعج بالأمريكان من أصول إفريقية، مستغلا ً تفشي العنصرية و التمييز، وواثقاً من أن أحداً لن يشكك في كلامه لاحقا. أوقف السيارة و أطلق الرصاص على زوجته، ثم على نفسه مغامراً بفقدان حياته.
و قبل أن يتصل بالطوارئ ، أنتظر شقيقه بسيارته حتى جاء، ثم ناوله تشارلز من النافذة حقيبة بداخلها مسدس و خواتم الزفاف و محفظته هو و زوجته و بعض الحلى التي كانت تتزين بها كارول. أخذها ماثيو و ألقى بها من فوق جسر باينز ريفر، و قد عثرت عليها الشرطة فيما بعد.

و بمجرد أن عرف تشارلز أن ماثيو قد أعترف بكل ما حدث، أخذ سيارته و توجه إلى منتصف جسر ميستيك. ترجل بعدها، و كتب ملاحظة يقول فيها، أنه لا يستطيع التعامل مع الإتهامات الموجهة إليه!

و يقفز بعدها فوراً إلى النهر من ارتفاع حوالي 145 قدمًا ليلقى حتفه، وانتشل رجال الإنقاذ جثته في اليوم التالي.
ومع وفاة تشارلز ستيوارت، تمت تبرئة ساحة ويلي بينيت. وذلك بعد أن أخبر شهود هيئة المحلفين أن الشرطة ضغطت عليهم للتعرف على بينيت ‏فتم إطلاق سراحه.
لكنه سرعان ما عاد الى السجن مجدداً بعد إرتكاب جريمة سطو مسلح فى مدينة بروكلين وحصل على حكم اثنتي عشر عاماً، ثم أطلق سراحه في عام 2002.
وقد أدلي ويلي فيما بعد بتصريح قائلا”

“أعلم أنني لم أفعل ذلك، وهم يعلمون أنني لم أفعل ذلك، وأنه لو لم يعترف ماثيو، لم يكن عندي أدنى شك في أنه سينتهي بي الأمر في السجن بتهمة قتل كارول”

وقال بينيت عن تشارلز: “ليس لدي ما أقوله عن هذا الرجل، أنه وحش لقد فعل ما فعله والآن رحل،
سأراه في الجحيم، إذا كان هناك جحيم”

أما ماثيو شقيق تشارلز فقد أُدين سنة 1991 بتهمة عرقلة العدالة والاحتيال على التأمين وفقد مستقبله المهني وتوفي في ملجأ للمشردين في 3 سبتمبر 2011 بسبب جرعة زائدة من الكحول والكوكايين.

و تم تغيير شاهد قبر كارول، وابنه كريستوفر، تحت اسم كارول قبل الزواج، ديمايتي، في مقبرة هولي كروس في مالدن.

وقامت عائلتها بإنشاء مؤسسة كارول دي مايتي ستيوارت ، التي أنشئت خصيصا لإعطاء المنح الدراسية الجامعية للطلاب من منطقة ميشن هيل.

blank
قضت كارول مع ابنها على يد أكثر الاشخاص قرباً منها

في النهاية, أود أن أقول أن هذا الرجل كادت أن تكون جريمته البشعة جريمة كاملة، و كان ليفلت من العقاب، لولا الضمير الحي لماثيو الذي أجبره على الأعتراف بالحقيقة و لو عنى ذلك تدمير حياته و مستقبله. كما أنه ولدهاءه الشديد، أصاب نفسه إصابة خطيرة، جعلته في منأى عن أي شبهة؛ إذ أن الطبيب المقيم على حالته أثناء تلقيه العلاج بالمشفى، نفى للشرطة نفيا ً قاطعا ً أحتمالية أن تشارلز هو من أصاب نفسه بهذه الأصابة المميتة

لا تدري هل ذكاءه شيطاني أم مجرد شخص معتوه ومتهور.. فقد كان من الممكن أن يموت هو وتنجو زوجته أو يموتا معاً.

فى النهاية لو كان هناك جائزة لاسوأ زوج وأخ ومواطن عنصري فإنه سوف يحصل عليها بجدارة!

المصدر
harvardwcvbbostonglobewikipedia
guest
6 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك