الثكنة التي أرعبت الجيش
كان من أكثر المباني المسكونة شهرة في البقاع .. |
تكون تحت إشراف ضباط أغلبهم يتّصفون بالقسوة .. |
ولكن كل هذه التدريبات والشجاعة والقسوة والتجرّد من المشاعر، لم تعد بالفائدة على أبطال قصتنا ولم تسعفهم ، فترى عزيزي القارئ جيشين من أشجع جيوش العالم ، يفرّان هاربين بلا عودة ، بسبب قدرة شيطانية وكائنات ما ورائية رأت فيهم مغتصبين لأرضها ، ومحتلّين لموطنها فطردتهم بلا رأفة وأرعبتهم حتى الموت .
هيّا بنا إلى أرض البقاع اللبناني ، أرض الخصوبة والجمال ، حيث تمتدّ مساحات خضراء شاسعة ، ترى أوّلها ولا ترى آخرها ، حتّى تظن لوهلة أن لا نهاية لها ! ، هناك وتحديداً في مدينة “شتورة” البقاعية ، ينتصب مبنى ضخم ، له بوابة بيضاء كبيرة تسد مدخله ، فتظن لبرهة أنه مكان مهجور خالٍ من الحياة ، لكن لا تخدعنك المظاهر، فهذا المبنى هو من أكثر المباني المسكونة شهرةً في البقاع ، فأبناء البلدة يتجنبون المرور من أمامه حتى ، وإن اضطّروا لذلك تراهم يمرّون مسرعين دون حتى الالتفات أو التجرّؤ على النظر إلى الداخل.
وتعود قصة هذا المبنى إلى فترة بين سنة 1990 و 2004 للميلاد ، فقد اتّخذ منه الجيش السوري ثكنةً أثناء تواجده في لبنان ، وقد تخلّى عنه فيما بعد لأسباب غامضة ، إلى أن عاد الجيش اللبناني وسكنه ، لكنه أيضاً تركه بعد فترةٍ قصيرة ، أما عن الأحداث التي أدت إلى تخلّي جيشين موصوفين بالشجاعة والبسالة عن هذا المبنى ، فسنترك الحديث لجندي لبناني ليخبرنا عمّا كان يحدث هناك :
“منذ الليلة الأولى التي نقلنا فيها أغراضنا بدأت تحدث الأمور الغريبة ، بدأت أغراض الجنود بالاختفاء ، وأحياناً كنا نضع حقائبنا في غرفة في الطابق الأول لنعود ونجدها في الطابق الثالث من المبنى ، وقد ظننّا في بادئ الأمر أن شخصاً ما يقوم بدعابة سخيفة بغرض إغاظتنا ، لكن مع تكرار تلك الحوادث ، ومع أشخاصٍ عدّة ، بدأنا نشعر بأن شيئاً مرعباً يحدث لنا.
في الأسبوع الثاني من إقامتنا في ذلك المبنى ، تطوّرت الأمور حتّى بتنا نسمع أصوات خطى أقدام مجهولة المصدر ، وبدأت المصابيح تُضاء وتُطفئ من تلقاء نفسها ، في الأسبوع الثالث عشنا كابوساً مرعباً فكانت الآليات العسكرية في الباحة المقابلة للمبنى تدور وتمشي دون سائق ، يتخلل ذلك سماع دوي انفجارات وطلقات نارية و انفجار ذخائر ، يا للرعب ! .
أمّا الليلة التي حسمت أمر خروجنا سريعاً من ذلك المكان ، فقد كانت حين غفونا كالعادة في أسرّتنا ، لنستيقظ على أصوات حرّاس المبنى المذعورين ، ونجد أنفسنا مع أسرّتنا في ساحة الثكنة الخارجية ، لقد طردونا من المبنى ونحن نيام ، وتكفّلوا بنقلنا خارجاً ! .. يا لسخائهم!”
كانت هذه شهادة أحد الجنود الذين عاشوا أقلّ من شهرٍ واحدٍ في ذلك المبنى الذي يعجّ بالأرواح ، وتقول الإشاعات أن هذا بالضبط ما حدث للجيش الأخر ، وهو الجيش السوري ، وكان السبب في مغادرته المكان ، أمّا في وقتنا الحاضر فلا يسكن المبنى سوى أرواحه وأشباحه وعجوزٌ مشرّدٌ شائب ، أشعث الشعر ، يجوب شوارع المدينة في النهار سارحاً ، ويلقّب بـ”مجنون شتورة” ، أمّا في الليل فيبيت في ذلك المكان الموحش ، لا يؤنسه سوى أطياف الموتى والأرواح التي تتجوّل بحرّية في منزلها الآمن .
وفي منطقة قريبة، تسمّى “فاعور العرب” ، كان لقسم آخر من الجنود نصيبهم من الخوف والحيرة ، فبينما كان أربعة جنود يقفون في نقطة مقابلة للجبل الذي يفصل بين لبنان و سوريا أثناء نوبة حراسة ، رأوا دخاناً متصاعداً على أطراف مستنقع كان يبعد عنهم مسافةً ليست بقريبة ، وبدأ الحريق بالامتداد حتى طال قصب السّكر ، وكان ينتشر بسرعةٍ جنونيّة ، فطلب الجنود وحدة الإنقاذ ، فأتى رجال الإطفاء ووصل الدّعم ، وتوجّه الجميع إلى مكان الحريق ، حتى وصلوا وتفاجأوا لعدم وجود أي آثارٍ تدلّ على اندلاع حريق، اختفى الدخان فجأةً ! ، وزالت الرائحة ، مع العلم أنّ أكثر من عشرين شخصاً أجمعوا على رؤيتهم لألسنة النار المتصاعدة ، جُنّ جنونهم وأعلنوا فوراً أنّ منطقة المستنقع هي من بين أكثر المناطق المأهولة بالجنّ والأشباح .
—
* تنقيح موقع كابوس
تاريخ النشر : 2015-08-18