أدب الرعب والعام

كابوسي الأبدي

عبد الرحمن – سوريا

كابوسي الأبدي
تلك الفتاة تؤرقني , من هي يا ترى ؟ ..

عمل يجني لي الكثير من المال, زوجة جميلة ومحبة, أطفال جميلون ورائعون, هذا ما تمنيته لنفسي, ولكن تمشي الرياح فيما لا تشتهي السفن, عمل سيء مدير أسوء راتب ****, زوجة بشعة وتكرهني (قاسمنا المشترك), أولاد مدللون بدينون وبليدون, وكل ما تفعله عائلتي هو الشكوى والشكوى والشكوى, أريد في يوم من الأيام أن يحبوني لكي أحبهم.

كل ما أردته هو الهرب من هذا البؤس, كنت مستعدا لفعل المستحيل للهرب من حياتي المملة, إلى أن…

في ليلة ككل الليالي خلدت إلى النوم وبجانبي ذلك الوحش, نبدو كالوحش والجميلة (أنا الجميلة), كنت مرهقاً جداً من العمل ومن سماع شكاوى العائلة, خلدت إلى النوم فغفيت في ثوانٍ معدودة.. نظرت إلى تلك الفتاة الجميلة, شعرها الطويل الرائع وجلدها الناعم الصافي وكل شيء فيها يجذبك لها, ضحكتها تعيد الحياة إلى الميت, فقالت لي أنها معجبة بي, وأنها ترى أني ظريف وأنها تريد قضاء اليوم كله معي, لو أخبرتها بما أريد لأصابتها صدمة مدى الحياة, ولكنها قالت بأنها لا تستطيع البقاء وقضاء وقت معي,

نظرت إلي وعيناها يغمرهما الدموع, سألتها لماذا لا تستطيعين؟ فلم تجبني بل انكبت على بكاء يحرق القلب, أردت البكاء معها أيضاً لولا أنها سُحبت, سحبتها تلك الأيدي المشعرة السوداء الشريرة (أيعقل أن تكون هذه أيدي زوجتي؟) فصرخت طلباً لمساعدتي فصرخت بدوري (لربما يخاف الوحش), صَرخت وصرخت وصرخت إلى أن رأيت أيدي مشعرة وسوداء مخيفة تحيط بصدري, لقد أمسكني الوحش أنا أيضاً, صرخت بكل ما أوتيت, حتى فتحت عيناي لأرى زوجتي تهدأني وتقول لي بأنه كان مجرد كابوس, أوه يا له من حلمٍ غريب, وبعد أن هَدأتُ خَلدتُ إلى النومِ مجدداً.

استيقظت في الصباح ارتديت ملابسي, وخرجت ذاهباً إلى العمل, كان صباحاً ممطراً ومرعداً بشدة, وبعد أن وصلت إلى العمل بدأ مديري يوبخني, على ماذا؟ حتى هو لا يعرف المهم فقط أن يتم توبيخي!

جلست إلى مقعدي وبدأت بالطباعة والكتابة على الشاشة (عملي المعتاد), ولكن بعد عشر دقائق بدأت اسمع صوت بكاء, لقد سمعته من قبل ولكني لا أذكر متى, نظرت حولى لأبحث عن مصدر الصوت, لم يكن هناك من أحدٍ يبكي, تجاهلت الصوت وأكملت عملي, ولكن البكاء لم يتوقف بل استمر بحرقةٍ أكبر, فسألتُ زميلي إن كان يسمع هذا الصوت, فقال لي بأن أتوقف عن إطلاق الغازات (نكتة قديمة بيني وبينه), فقلت له أن الصوت المقصد هو صوت البكاء هل تسمعه؟ فأجاب بالنفي,

فعدت إلى العمل متجاهلاً الصوت, ولكن الصوت كان عند أذني حرفياً, فنظرت وبحثت عن مصدره ولم أرى شيئاً, فعدت لإكمال الطباعة ولكن الشاشة كانت مطفأة, ضربتُ الحاسبَ مرتين ولكنه لم يعمل, وفجأةً ظهرت امرأة على الشاشة, أنا أذكرها إنها تلك الجميلة من الكابوس/الحلم, ولكن ما الذي تفعلينه داخل حاسبي بحق الجحيم؟ نظرت إلي عيني مباشرة, في الخلف كان صوت البكاء قد توقف وأخيراً, وسألتني إن كنت أشتاق لها, جاوبتها بنعم, ولكن ما الذي يحدث؟ فقالت بأنها اشتاقت لي ولكنها لا تستطيع البقاء معي, وبدأت بالبكاء, إنه نفس البكاء الذي كنت أسمعه منذ قليل,

ظهرت الأيدي السوداء مرة أخرى ولكن هذه المرة من حول رأسها, وخرجت بعض الأيدي من الشاشة بأتجاهي, لا أذكر بأننا نملك شاشات “3D”, وأمسكت بكتفي وبدأت بسحبي إلى داخل الشاشة, فصَرَختُ واستَنجَدتُ وصَرَختُ بهستيريةٍ شديدة, حتى سقطت من على كرسيي, وكل زملائي في العملِ واقفون حولي وينظرون إلي, فجاء مديري ورأى ما حدث, ووبخني وكان يبدو غاضباً جداً (سعيداً من الداخل لإيجاده سبب لتوبيخي), حاولت الشرح لهم بأنه كان هناك أيدٍ خارجة من الشاشة وتحاول سحبي إلى الداخل, وسألتهم إن كانوا رأوها, ولكنهم استغربوا, فمديري وبخني على هذا الكلام, وبعضهم ضحك علي وقال بأني جننت, والآخر قال بأن هذا أثر العمل الطويل, فوبخه مديري لتلميحه لي لطلب عطلة أو استراحة.

انتهى العمل وعُدتُ إلى المنزلِ, ولكن في طريقي للمنزل رأيتها مرة أخرى, تلك الجميلة من الحلم, كانت تجلس وحدها على أحد المقاعد في الشارع, ولكن هناك أيادي سوداء حولها, فنظرت حول ويبدو أنه لا أحد يستطيع رؤيتها, حسناً إنني أعرف ما الذي سيحدث تالياً, لذلك أكملت طريقي إلى المنزل بدون أن ألتفت إليها.

حاولت الخلود إلى النوم في الليل ولكن ما زالت تلك الفتاة تؤرقني, من هي يا ترى؟

فذهبتُ لشربِ الماءِ, ورأيتُ شيئاً من نافذةِ مطبخي, كانت تلك الفتاة موجودة في حديقتي الأمامية, خَرجتُ إليها, واقترَبتُ منها, وقُلتُ لها, من أنتي؟ وماذا تريدين؟ نَظَرَت إليَ بنظرةٍ حزينة, وقالت بأنها عاشقتي, وهي تريدني أنا, في الأمس كُنتُ أُعجبُها والآن هي تُحِبُني! قلت لها بأني أحبها أيضاً (خرجت جزافاً) فقالت لي بأنها لا تستطيع البقاء, لماذا لا تستطيعين؟ قالت بأنها… فخرجت تلك الأيدي اللعينة مرةً أخرى, يجبُ عليَ مساعدتها, فبدأت بالركض إلى المنزل لكي اختبئ تحت سرير نومي (زوجتي ستخيف الوحوش بالتأكيد), ولكن عندما وصلت لباب منزلي لم يفتح معي! ضربت الباب بقوة أفتحوا الباب أفتحوا الباااااب, ولكن لم يرد علي أحد, وتلك الأيدِ المخيفة بدأت تقترب مني, نظرتُ إلى اليمين وإلى اليسار وأيقنتُ بأنه علي الهرب…الآن!!!

فركضت بأتجاه الشارع, وبدأت بالركض كعداءٍ ماراثوني, ركضت وركضت وركضت بأقصى ما أوتيت من سرعة, ولم أنظر حتى لخلفي, ولكن كان علي النظر فقط لكي أتأكد, فلم أرى شيئاً خلفي لا بد من أنني أضعتها, فأستدرت لأكمل الركض… فكانت تلك الأيادي المخيفة في وجهي تماماً, فركضت في الأتجاه الآخر, وهذه المرة استمريت في الركض حتى كدت أموت (ليس حرفياً), ووقفت لكي أتنفس, ونظرت أمامي وخلف ولم أرى شيئاً, ولكن هناك عند زاوية الشارع كانت الأيدي تتحرك بأتجاهي!!

ولكن هذه المرة قد أيقنت بأنه من المستحيل الهرب منها, فتوقفت ونظرت إليها وقلت لها هاتي ما عندك, فتحركت باتجاهي ببطئ, حتى أقتربت مني وأمسكت بي, وسحبتني إلى داخلها إلى داخل تلك الغيمة السوداء التي كانت الأيدي خارجةً منها.

لا أرى أي شيء, كل شيءٍ مظلم, صرختُ وصرختُ وصرختُ, ولم يرد علي أحد, حتى بدأ السواد بالإختفاء وظهر مجموعة صور, هذا أنا عندما كنت صغيراً, والداي يحتضنانني وعائلتنا سعيدة, يا إلهي ما الذي أوصلني لهذه الحياة البائسة؟ ومن ثم ظهرت في مراهقتي, وكانت تلك الفتاة الجميلة هناك أمامي, تباً إني أعرفها! إنها نفس الفتاة من الحلم, ومن ثم ظهرت صورة أخرى لي في سنتي الثانوية الثانية, وكنت معها! الآن تذكرت إنها نفس الفتاة التي كنت معجباً بها في الثانوية, كيف لم أنتبه إلى هذا؟

فظهرت صورةً ثانية وثالثة ورابعة, وكلها تجمعني بها, وأخيراً ظهرت صورة أخيرة لي وحدي أرتدي الأسود مع أناس آخرين أيضاً.

أذكر كل شيء أذكر كل ما حدث, فهي كانت صديقتي بالثانوية وكنا واقعان بشدة في الحب, وأمضينا سنواتٍ طويلة معاً, حتى فرق بيننا الموت في سنة التخرج, فلقد أختفت في إحدى الأيام ولم نجدها أبداً, وكانت عمليات البحث حولها تتم, حتى وُجدت جثتها في يومٍ من الأيام في الغابة, مقطعة بتساوي ومرمية في حفرة, وقلبها مفقود من مكانه ولم يُعرف الفاعل أبداً, دمرتني تلك الحادثة تماماً فتخليت عن كل شيء في حياتي, لأن لا شيء يستحق العيش له الآن, لقد ذَهبت وتَركتني, والآن عادت لتلم شملنا.

ظهرت أمامي وقالت لي بأن أتبعها, فهي أشتاقت لي, ولكننا لا نستطيع البقاء معاً, بسبب أنها ميتة وأنا حي, فسألتها عما أستطيع فعله لنعود معاً, فقالت بأنه علي الموت.

فجأة عدت إلى منزلي وكنت مستلقياً على سريري, فنهضت ونزلت إلى الأسفل, أنا لا أريد هذه الحياة التافهة لا أريد أن أعيش, أريد العودة والبقاء مع حب حياتي, حبي الوحيد والأبدي, نزلت إلى المطبخ وأمسكت بالسكين… سمعت صوتاً خلفي… كانت هي واقفة ورائي مبتسمة بطريقة تخيفني وقالت بأنه علي الموت لكي يلتئم شملنا. لكن يجب أن يتم قتلي مثلما قَتَلتُها.

نعم عندما رأيتها تنظر لذلك الأحمق الوسيم أغضبني هذا, عندما رأيتها تقبل أحمقاً وسيماً آخراً أغاظني هذا, وفي كل مرة ينتهي الأمر بقلبها المسكين بالكسر, الرجال خائنون كلهم خائنون (ما عداي أنا) ففي يومٍ من الأيام عندما طفح بي الكيل أخذتها إلى الغابة وقتلتها, قتلتك بدافع الحب, قتلتك لأني أحبك لكي لا يُكسر قلبك مجدداً, فأنا أعلم كم أن قلبك أبيض وطيب, أعلم ولكن عندما أقتلعته من صدرك كان أحمر, لكنه لا زال أبيضاً في نظري.

دائماً ما حاولت نسيان ما حدث, حاولت الهروب منه, هي أتتني في كوابيسي كثيراً, حتى في يوم من الأيام عندما رفضت الدخول إلى الجامعة, قام والداي بجلب منوم مغناطيسي فنومني وجعلني أعترف بكل شيء, ومن ثم قام بمساعدتي لكي أنسى الحدث المأساوي الذي حدث لي في طفولتي, هذا ما قالاه لي بعدها, بدون ذكر طبيعة ما حدث, الآن توضح كل شيء, لقد كانا يحاولان جعلي أنسى ما فعلته.

لكنهما لن يفعلان أبداً.

فأخرجت يديها من ورائها وكانتا سوداوتان ومشعرتان…ومخيفتان.

أمسكتني و فجأةً أصبح كل شيءٍ ضبابياً ومن ثم استيقظت وكنت في وسط الغابة, أعلم ما الذي تفعلينه, لقد فهمت عليكي, لا داعي للمقاومة ردت علي, ظاهرةً من وراء إحدى الأشجار, فأنت إنسان ضعيف, وأنا كما ترى خارقة, أكملت.

فقلت بأن كل هذا مجرد لعبة بالنسبة لكي, أليس كذلك؟ أنت مستمتعة بكل هذا؟ قالت بأنها تتعذب من الداخل لفعل هذا (كما قلت لها قبل قتلها), أقتربت مني وقالت بأنها تحبني وتشتاق لي, ألا يجب أن تروي شوق قلبها؟ سترويه بدمي. أمسكت يدي و…

استيقظت من النوم, كان مجرد كابوس كل شيء؟ فنظرت من حولي فرأيتها عبر النافذة في حديقة منزلي, تباً! لا بد من أن مصيري محتوم, فإما أن تقتلني هي بطريقة وحشية, أو… فنزلت إلى الأسفل وذهبت إلى المطبخ أمسكت السكين نظرت إلى نصل السكين وعلمت أن هذه النهاية هذه نهاية حياتي البائسة, هنا سينتهي كل شيء.

ولكن نهاية حياتي قد تكون بداية شيء آخر, إنها ميتة بحق الجحيم, وما زالت موجودة, إنها موجودة في كل مكان. سأموت لكي نعود إلى بعضنا فأنا أحبها, وهي قبل قليل أعترفت بحبها لي. وبدون تردد وبسرعة أدخلت السكين قلبي.

أحببتها ولكنها خانتني, لم تعلم بحبي لها, علمت أنها خانتني في عقلها آلاف المرات, وفي الحقيقة عشرات منها, ربما هي عادت من الموت لأنها تحبني وتشتاق لي, فأنا أعلم أنها تحبني تلك الصغيرة الخائنة, وربما عادت لتنتقم… لا لا مستحيل, فهي تحبني فمن لا يحبني؟

ولكن للآن ما زلت أنتظرها ولكنها لم تظهر بعد, فسأنتظرها للأبد, لا مشكلة عندي فهي ستظهر في النهاية فهي تحبني… تلك الصغيرة الخائنة.

النهاية.

تاريخ النشر : 2015-09-20

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى