أدب الرعب والعام

غابة الجن

بقلم : TOLEN – سوريا

غابة الجن
لا يوجد إلا أشجار تصطف على جانبي الطريق

استيقظت من نومي.. و صداع أشبه بالمطرقة يدق على رأسي .. أوووه .. كم من الوقت استغرقت و أنا نائمة .. نظرت إلى الساعة ..إنها السادسة مساء لقد تأخر بي الوقت خاصة لأن الفصل شتاء..

حسنا لا بأس …نهضت.. غسلت وجهي .. وأعددت القهوة لكي أستعيد توازني .. امممم .. كم القهوة الساخنة لذيذة بعد نهار بارد و متعب..

جلست أستعيد ما مررت به.. أطفال مرضى.. البكاء خوفا من الأبرة.. آه .. تذكرت طفولتي و خوفي من الأبرة أيضا.. لم أكن أعلم أني سأكبر و أتحلى بالجرأة كي أعالج بها الأطفال..و..

رننننننننننن … رننننننننن.. قطع رنين الهاتف حبل أفكاري..

– ألو

– مرحبا..الطبيبة حلا موجودة

– أهلا بك ..نعم أنا حلا..كيف يمكنني مساعدتك؟

– أرجوكي أنقذيني..أرجوكي.. طفلي الوحيد.. لا أدري ماذا حصل له.. إنه يتقيأ بشدة.. و حمى قوية قد أصابته.. ساعديني.. أنا أسكن لوحدي في منطقة نائية.. و سمعت عنك بأنك طبيبة ممتازة.

– حسنا حسنا.. اهدئي.. سأساعدك.. أعدي له كمادات باردة ريثما أحضر إليكِ.

وبعدها أعطتني عنوانها و شكرتني وطلبت مني الحضور بسرعة.

ارتديت ملابسي.. وأحضرت حقيبتي الطبية.. واتجهت إلى سيارتي.. ركبتها.. وذهبت إلى العنوان المطلوب .

فجأة وجدت نفسي أمام مفترق من الطرق.. ولكن مهلا هي لم تخبرني بذلك.. قررت أن اتصل بها كي ترشدني إلى الطريق الصائب..

لاااا .. لقد نسيت إحضار هاتفي النقال.. ما العمل الآن ؟ .. أيهما هو الطريق الصحيح؟ ..

اتكلت على الله ودخلت الطريق الأول.. بدأت سيارتي تشق طريقها بين الأشجار.. التي امتلئ الطريق بها.. و لكن لا يوجد أثر للحياة هنا..

لن أقلق فهي أخبرتني بأن منطقة بيتها نائية.. أكملت الطريق.. لا يوجد إلا أشجار تصطف على جانبي الطريق .. أكملت و أكملت.. إلى أن أسدل الظلام ستائره .. حتى لاحظت من بعيد قصر ضخم لا تبدو تفاصيله واضحة في الظلام .. مبني من الحجر و الصخر.. يبدو كقلعة من قلاع القرون الوسطى.. وقد ارتفع فوق تل من الصخور الضخمة..

حملت حقيبتي و خرجت من سيارتي.. توجهت إلى القصر القابع كوحش أسطوري و قد لمع فيه ضوء خافت متأرجح.. اتجهت إلى الباب الخشبي الضخم المسلح بالحديد .. أشعلت كشافي حتى عثرت على زر الجرس فضغطت عليه .. مضت فترة دون أن يظهر أحد.. فضغطته مرة أخرى.. فجأة انفتح الباب.. وظهرت على عتبته امرأة متوسطة العمر .. جامدة الوجه رغم جماله.. طويلة الشعر بشكل غريب .

– مساء الخير سيدتي ..عفوا أأنتي من تحدثت معي اليوم على الهاتف بشأن الصغير؟

– نعم ..أهلا بك ..قالت هذه الجملة و على ثغرها ابتسامة ساخرة و حذرة في الوقت ذاته.. و أردفت قائلة : لقد تأخرت قليلا..

– نعم سيدتي .. ذلك بسبب وعورة الطريق.

أفسحت لي الطريق بعدها .. فوجدت نفسي في صالة تتوسط القصر .. وصعدت السيدة على سلم حجري طويل ينتهي به المطاف إلى عدة طوابق.. فتبعتها .. وتوقفنا عند الطابق الثاني.

– الطفل هنا في الغرفة الرابعة .. ادخلي إليه ريثما أعود إليك ..

قالت هذه الجملة و ذهبت .. يا إلهي لقد شعرت أن صدري منقبض و أحسست بأن هناك شي غير عادي في هذا المكان الموحش.. وكأن الزمن عاد بي إلى القرون الوسطى ..

دخلت الغرفة الرابعة .. فرأيت طفل تختفي ملامحه خلف غطاء سميك التف به وقاية من برد الشتاء القارص ..اقتربت من الطفل و كشفت عنه الغطاء كي أفحصه ..و يا ليتني لم أفعل؟!..ما هذا ؟ أهذا طفل أم مسخ!! لا أعلم و لكن عيناه كانت حمراء كلون الدم .. بشرته بيضاء شاحبة ..أما جزئه السفلي فانتهى بقدمي ماعز! .

– ماذا ؟ هل رأيتي طفلي ..أخبريني أهو بخير أم ماذا ؟ ..مالك تقفين صامتة؟؟!! .. قالت المرأة وهي تدخل الغرفة .

– لا شيء .. ولكني نسيت حقيبتي الطبية بالسيارة .. سأستعيدها ..و أعود ..

لم أنظر إلى تعابير وجهها .. أصدقتني أم لا..ولاسيما بأن الحقيبة كانت بيدي ..كل ما في الأمر أني أطلقت ساقي للريح و ركضت بأقصى سرعة ..أجري وأجري كأني في سباق مع الزمن ..لم أكترث للسلم .. نزلته و كأنه درجة واحدة .. وصلت إلى الطابق الأول حاله كحال سابقيه .. و لكن ليس تماما ففي نهاية السلم كان هناك كائن أأسميه وحش أم ماذا ؟! عين واحدة تتوسط حاجبيه .. حمراء اللون أيضا.. أنف مفلطح وكأن فرس النهر قد دهسه بكامل وزنه.. وكان هناك فم .. على ما أعتقد ..  لأنه أسفل أنفه .. فمن المؤكد بأنه فم ! .. ولكن أي فم هذا فقد بدأ من أذنه اليمنى وانتهى بالأذن اليسرى.. و تبعثرت داخله أنياب أشبه برقعة الشطرنج .. الناب الأسود و يليه الناب الأبيض و هكذا .. بالمناسبة! أذنيه كانتا كأذن القطط ..

توقف هناك أسفل فاتح ذراعيه بكاملهما .. لكي يحضنني ..وأسقط بينهما ..يا ويلي ..ما العمل ؟ .. فقفزت ببهلوانية و رشاقة لم أعتد عليهما ..وسقطت ..ولكن ليس بذراعيه .. وإ نما على مسافة بعيدة بحوالي مترين عنه.. نهضت بسرعة قصوى .. ناحية باب القصر .. ولكنه .. لااااااااااااااا .. إنه مغلق ..لم أستطع فتحه ..فتوجهت إلى النافذة المؤدية إلى الخارج ..

“عععععععععع” .. ياله من صوت قذر .. إنه يتبعني .. ويطلق هذا الصوت الذي بفضله كنت أقيس المسافة بيني و بينه.. المهم تسلقت النافذة وركضت باتجاه سيارتي.. ماااااا هذاااااا؟؟

هل كومة الحطام هذه هي سيارتي ؟ .. أيعقل بأن فرس النهر الذي دهس أنف الوحش قد دهسها بطريقه!!!! لا أدري ما فعلت كل ما في الأمر أني هرولت و هرولت و هرولت لأقرب منطقة حية أصادفها ..

ما هذه القطرات على أنفي ..و يدي.. إنها المطر .. (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) .. و بدأت الغيوم بالبكاء .. و أرعدت السماء معلنة عن هطول المطر .. ما العمل ؟ أكملت الجري.. و قد تلألأ من بين الأشجار ضوء قادم من بعيد .. كانت فرائصي ترتعد كلها.. و قدماي لم تعودا قادرتان على حملي أكملت السير.. و بدأ الضوء بالاقتراب رويدا رويدا.. يتبعه صوت غناء و رقص.. وصلت إلى مسافة قريبة نوعا ما .. فرأيت مشهد مضحك غريب مخيف غامض.. إنه عرس ؟!

أيعقل في هذا الجو و الوقت و المكان أن يقام عرس!؟ لا يهمني الأمر المهم النجاة .. اقتربت من الحشد و الجماهير ..الكل نظر إلي بعيون متسائلة لمنظري الملفت للنظر و حالتي التي يرثى لها ..

– من أنتِ؟!

– أنا أريد المساعدة أرجوكم لقد تهت بهذه الغابة وقد تأخر الوقت ساعدوني !؟ ..أريد كأس من الماء لو سمحتم لأن فمي قد جف تمام..

بعدها أحضروا لي الماء .. وهنا حصل شيء غريب.. فعندما قلت “بسم الله” لأشرب الماء ..اختفى الجميع من أمامي و اختفت الأضواء و الأصوات ..وحتى كأس الماء اختفى من يدي ! .

لم يبقى شيء إطلاقا .. إلا أنا و صمتي و ابتسامتي البلهاء التي وجودها في هذا الظرف يعني إني اقتربت من الجنون.. مالي سوى الركض .. تابعت وأنا أدعو الله و أناجيه و أقرأ ما تيسر من الآيات التي ما زالت قابعة داخل عقلي .. ثم فجأة أجد نفسي قد خرجت من الغابة بقدرة القادر.. و لافتة على جانب الطريق كتب عليها : (غابة الجن).

بعد مدة من المشي و الركض و الهرولة.. عدت إلى الطريق العام..و أوقفت إحدى السيارات المارة بالصدفة و التي يقودها رجل بصحبة زوجته و طفليه.. سألوني ماذا حصل لكي ..فسردت لهم باختصار الأحداث التي مرت معي.

فقال لي الرجل و زوجته ..حمدا لله على سلامتك هذا الطريق الذي سلكتيه مسكون ولا يقربه أحد حتى في النهار .. و يقال أن الجن تسكنه حتى أطلقوا عليه اسم (غابة الجن) ..

ثم أوصلوني إلى منزلي ..و أنا لا أكاد أصدق عيني أنني سليمة معافاة ..

دخلت المنزل و إذا بالهاتف يرن ..

رننننننننننننننننن …رننننننننننننننننننن

عندها استيقظت من نومي.. و صداع أشبه بالمطرقة يدق على رأسي ..أوووه ..كم من الوقت استغرقت و أنا نائمة ..نظرت إلى الساعة .. إنها السادسة مساء لقد تأخر بي الوقت و خاصة لأن الفصل شتاء.. حسنا لا بأس ..

تاريخ النشر : 2015-10-18

TOLEN

سوريا
guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى