قصص الافلام

بيرانا – ثلاثي الأبعاد – .. وحوش صغيرة قاتلة

بقلم : اياد العطار

هناك من يعتقد بأن السباحة في مياه الأنهار والبحيرات العذبة آمنة تماما، فباستثناء بعض المناطق التي تتواجد ‏فيها التماسيح والثعابين الضخمة، لا تحتوي المياه العذبة على الكثير من المفترسين مثل القروش وحيتان الفك ‏المفترس وغيرها من آكلات اللحوم التي تزخر بها مياه البحار والمحيطات المالحة .. لكن فلم (‏Piranha 3D‏) ‏سيكشف لنا النقاب عن كائنات مرعبة تمتاز بأسنانها القاطعة التي تنهش وتمزق أي شيء يمكن أن تصادفه في ‏طريقها .. إنها البيرانا المتوحشة التي تسبح في أسراب قاتلة مخيفة.. أسماك قد يظن البعض منا بأنها من اختراع ‏الخيال الخصب لسينما هوليوود .. لكنها في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير.‏

بيرانا – ثلاثي الأبعاد - .. وحوش صغيرة قاتلة
لقطة من فلم بيرانا – 2010

بيرانا الثلاثي الأبعاد (Piranha 3D ) هو فلم رعب تم عرضه في صالات السينما الأمريكية في 20 آب / أغسطس 2010، وهو في الحقيقة إعادة إنتاج لفلم رعب بنكهة كوميدية كان يحمل نفس العنوان تم عرضه عام 1978. الفلم الجديد يتميز بتقنياته الحديثة ومؤثراته المذهلة، فقد جرى تصويره بتقنية الأبعاد الثلاثية – ولهذا أضافوا إلى عنوانه مصطلح 3D -. لكن رغم مشاهده الخلابة الساحرة فالفلم لم يسلم من النقد والتجريح، خصوصا بسبب كمية العري والخلاعة التي زخر بها على امتداد دقائقه التسعون، فأحداث الفلم تقع في اغلبها داخل مياه بحيرة كبيرة تغص شواطئها الزرقاء بعشرات الفتيات الجميلات اللواتي لا يغطيهن سوى خرقة قماش صغيرة لا ترقى حتى لمستوى ورقة التوت التي ارتدتها جداتنا في العصر الحجري!.

بيرانا – ثلاثي الأبعاد - .. وحوش صغيرة قاتلة
البيرانا المتوحشة كما ظهرت في الفلم

الفلم يبدأ مع العجوز ماثيو بويد، فبينما هو يصطاد في مياه بحيرة فيكتوريا – أريزونا- تحدث فجأة هزة أرضية عنيفة فيتصدع قاع البحيرة وتتشكل دوامة كبيرة سرعان ما تبتلع الصياد العجوز في لجة أمواجها المتلاطمة ليجد نفسه وجها لوجه مع سرب كبير من الأسماك المتوحشة التي تهاجمه بشراسة وتنهش جسده حتى الموت بأسنانها الحادة القاطعة.

في مساء ذلك اليوم، ومع تأخر عودة العجوز، تخرج الشريف جولي فورستير (Elisabeth Shue ) في رحلة بحث عنه فتكتشف بقايا جثته المشوهة، وفي اليوم التالي يتعرض شخص آخر لهجوم مماثل فيلقى حتفه هو الأخر.

جولي و رفيقها نوفاك (Adam Scott ) يقرران الغوص برفقة سام وباولا إلى قاع البحيرة لمعرفة سبب ظهور هذه الأسماك. تحت المياه يكتشف الفريق تصدع قاع البحيرة وحدوث شق كبير يقودهم إلى مجموعة من الكهوف المظلمة المليئة ببيوض الأسماك المتوحشة. وفي هذه الأثناء تظهر فجأة أسراب الأسماك الضارية فتهاجم وتقتل كل من سام وباولا فيما ينجح جولي ونوفاك في العودة إلى القارب مصطحبين معهم بقايا جثة باولا إضافة إلى واحدة من الأسماك التي نجحا في الإمساك بها.

جولي تأخذ السمكة إلى عالم إحيائي يدعى السيد غودمان حيث يقوم بفحصها.

السيد غودمان يخبر جولي بأن السمكة هي من نوع البيرانا، وهي من اسماك عصور ما قبل التاريخ التي كان العلماء يظنون بأنها انقرضت منذ زمن طويل، لكن على ما يبدو فأن مجموعة منها قد احتجزت بفعل الطبيعة في جيب مائي منعزل تحت قاع البحيرة فاستطاعت البقاء حية هناك لملايين السنين عبر التهام بعضها للبعض الأخر، وحين حدث الزلزال تشققت أرضية البحيرة فاستعادت هذه الأسماك حريتها. ولسوء الحظ فقد ترافق تحررها مع قدوم احد المخرجين إلى شاطئ البحيرة لتصوير فلم سينمائي مصطحبا معه عشرات الفتيات الحسناوات.

الشريط الدعائي للفلم

فيما تبقى من وقت الفلم يحاول كل من جولي ونوفاك تحذير وإنقاذ السابحين على شواطئ البحيرة، ومن ضمنهم أبناء وبنات جولي، كما يخوض الجميع معركة دامية للقضاء على أسراب الأسماك المتوحشة.

في النهاية وبعد صراع مرير، وبعد ان ظنت جولي ورفاقها بأنهم قضوا على معظم أسراب البيرانا، يتصل السيد غودمان ليخبرهم بأن الأسماك التي قتلوها هي في الحقيقة صغار البيرانا التي فقست للتو من البيوض، أما الأمهات الكبيرة فهي مختبئة حتما في مكان ما في البحيرة.

في اللقطة الأخيرة للفلم يتساءل نوفاك حول المكان الذي يمكن أن تكون الأسماك البالغة قد اختبأت فيه … وكما هو الحال في اغلب أفلام الرعب يأتي الجواب سريعا ومفاجئا، حيث تظهر سمكة بيرانا عملاقة وتبتلعه!.

البيرانا .. حقيقة ام خيال ؟

بيرانا – ثلاثي الأبعاد - .. وحوش صغيرة قاتلة
بيرانا البطن الأحمر .. الأكثر ضراوة

في الفلم يتحدث مستر غودمان عن البيرانا كمخلوقات منقرضة، ولا ريب في إن شكلها الغريب وهيئتها المخيفة قد توحي للكثيرين بأنها حقا من مخلوقات عصور ما قبل التاريخ، لكن الواقع شيء أخر .. فالبيرانا نوع من الأسماك التي تعيش في مياه نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، وقد أطلق عليها السكان المحليون تسمية بيرانا (Piranha ) وهي تعني “السمكة المسننة” بلغة الهنود الحمر. وهناك عدة فصائل من هذه الأسماك، بعضها صغير الحجم لا يتجاوز طوله العشرة سنتمترات، وأخرى كبيرة قد يصل طولها إلى أكثر من 40 سنتمترا، لكنها جميعا تشترك في خاصية مخيفة واحدة وهي امتلاكها لأسنان حادة مدببة تمتد كالمنشار القاطع على جانبي فمها.

البيرانا تتغذى بصورة أساسية على اللحوم، لكنها قد تأكل النباتات في بعض مراحل حياتها. وهي تسبح في أسراب كبيرة لغرض الصيد، ويساعدها هذا الأسلوب أيضا في الدفاع عن نفسها ضد المفترسين الأكبر حجما.

فكوكها الحادة المسننة وكذلك ضراوتها في مهاجمة فرائسها هي التي أكسبت البيرانا سمعتها السيئة كإحدى اخطر الكائنات التي تعيش في مياه نهر الأمازون، والبيرانا ذات البطن الأحمر هي الأسوأ صيتا والأكثر ضراوة من بين جميع أنواع البيرانا الأخرى، فهذه السمكة الصغيرة التي لا يتجاوز طولها 35 سنتمترا تجوب النهر باستمرار بحثا عن الطعام، ويقال بأن لديها القدرة على شم رائحة الدم في المياه من على مسافة كيلومترين، وهي طبعا لا تتوانى عن مهاجمة كل ما يصادفها في طريقها، لكنها مثل اغلب المفترسين تفضل الوجبة السهلة والغنيمة المباحة والتي عادة ما تكون عبارة عن حيوان جريح ضعيف أو جيفة مخلوق غارق في المياه.

هل تلتهم البيرانا البشر ؟

بيرانا – ثلاثي الأبعاد - .. وحوش صغيرة قاتلة
أسنان حادة قاطعة

الناس في أمريكا الجنوبية تجمعهم بالبيرانا علاقة قديمة تمتد لقرون، وأولئك الذين يعيشون على ضفاف نهر الأمازون يدركون بالتأكيد مدى الألم الذي قد تسببه عضة فكوكها القاطعة، لكنهم في نفس الوقت يعلمون بأن البيرانا، على الرغم من كل الأساطير التي تدور حولها، نادرا ما تهاجم البشر، بل العكس هو الصحيح، فالإنسان هو الذي يتغذى على السمكة حتى يكاد لا يخلو منها سوق للأسماك في البرازيل.

نعم .. البيرانا ضارية ومفترسة وهناك الكثير من الأشخاص تعرضوا صدفة لعضتها المؤلمة، ربما أثناء السباحة أو عند إخراجها من شبكة الصيد ونقلها إلى السوق. لكن في الحقيقة لا توجد في السجلات الرسمية أي حالة موثقة تؤكد مهاجمة أسراب هذه السمكة لإنسان صحيح بالغ وتمزيقه إلى أشلاء حتى الموت، كل ما هناك هي مجرد قصص تسردها العجائز من دون وجود أي إثبات لصحتها، فعلى سبيل المثال، يقول سكان الأمازون الأصليون بأن أسراب البيرانا هاجمت وقتلت أعدادا كبيرة من الغزاة الأسبان أثناء توغلهم في الغابات لاحتلال المدن الهندية في القرن السادس عشر. هؤلاء الهنود الحمر يزعمون بأن الأسماك هاجمت الغزاة بسبب اللون الأحمر الطاغي على ملابسهم وهو لون تفضله البيرانا أكثر من أي شيء أخر لأنه يذكرها بلون الدم المحبب إليها.

قصص قتل البيرانا للبشر ينقصها الإثبات، لكن هذا لا يعني بأنها لا تفعل ذلك البتة، فعند انخفاض مستوى المياه في النهر يتقلص مصدر غذاءها إلى درجة كبيرة، والأسراب الجائعة في المياه الضحلة تصاب بالسعار وتصبح خطرا حقيقيا على كل شيء يتحرك في المياه، ولا يستبعد حينها ان تهاجم البشر.

لكن إذا كانت البيرانا ليست من أكلات لحوم البشر كما يقول الخبراء والعلماء … أذن من أين استوحت هوليوود هذه الصورة المخيفة والمرعبة عن السمكة ؟

روزفلت وأسطورة البيرانا

أشتهر الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت بولعه الشديد بالصيد، وقد دفعه هذا الولع للذهاب في رحلات استكشافية نحو مجاهل إفريقيا وأدغال أميركا الجنوبية بحثا عن الحيوانات البرية التي برع في قنصها. الطريف أن الأمريكان وصفوا روزفلت بالعاشق الكبير للطبيعة والحياة البرية، لكن على ما يبدو فأن عشقه هذا كان هوسا إلى حد الجنون، فقد قتل الرئيس ورفاقه في إحدى رحلاتهم الإفريقية ما مجموعه 11379 حيوانا بريا تنوعت ما بين القوارض الصغيرة والقرود والغزلان .. الخ وصولا إلى الأسود والفيلة العملاقة. ويقال بأن الرئيس حمل معه أربعة أطنان من الملح ليستعمله في تجفيف جلود الحيوانات المسكينة … فياله من عاشق كبير للطبيعة!!.

في عام 1913 ذهب روزفلت في رحلة استكشافية إلى الغابات الاستوائية في البرازيل، وقد حرصت الحكومة البرازيلية على أن يحظى الرئيس الأمريكي برحلة مثيرة لا تنسى .. ليس من اجل سواد عيونه طبعا ولكن حرصا على علاقتها ومصالحها الحيوية مع الولايات المتحدة، لهذا فقد زودت ضيفها المبجل بجيش من المرافقين والخدم والحشم وأرسلته إلى غابة صغيرة تحيط بمجرى أحد الأنهار الفرعية الصغيرة ليتمتع باكتشافها، ومن اجل إضفاء المزيد من التشويق والإثارة، عمد البرازيليون إلى حيلة ذكية، فقد نصبوا شباكا كبيرة حول مجرى النهر وأمروا الصيادين في المنطقة بأن يرموا صيدهم من اسماك البيرانا في المياه المحصورة بين الشباك، وهكذا امتلئ مجرى النهر خلال فترة قصيرة بأسراب كبيرة من البيرانا الجائعة، ثم أتوا ببقرة مريضة وانزلوها إلى المياه أمام أنظار الرئيس روزفلت، ولم تمضي سوى لحظات حتى أحاطت بالبقرة المسكينة أعداد لا تحصى من اسماك البيرانا الجائعة. الرئيس روزفلت كتب واصفا ذلك المشهد الدموي كالآتي : “بدت المياه كأنها تغلي بالأسماك المسعورة والدماء، وبعد دقيقة أو دقيقتان سكنت المياه وهدئت فجأة ثم طفا هيكل البقرة العظمي فوق السطح!”.

عند عودته للولايات المتحدة أسهب روزفلت في الحديث عن وحشية البيرانا في كتابه الذي أصدره عام 1914 بعنوان (Through the Brazilian Wilderness ) فوصفها قائلا : “هناك توجد أكثر الأسماك ضراوة في العالم، فحتى الأشد ضراوة بين الأسماك كالقرش أو البراكودة عادة ما تهاجم طرائد اصغر حجما منها، لكن البيرانا تهاجم ما هو اكبر منها بكثير. وهي تقطع أصابع أي يد بشرية متدلية في النهر بدون حذر، وتنهش أجساد السابحين في المياه – في جميع المدن المحاذية للنهر في الباراغواي هناك أشخاص تعرضوا لهكذا هجمات. البيرانا ستمزق وتبتلع حيا أي إنسان أو حيوان جريح في النهر، لأن الدماء في المياه تحفزها وتثيرها إلى حد الجنون …”.

كلام الرئيس روزفلت عن البيرانا أثار خيال الكثير من الناس وكان له دور كبير في نشوء أسطورة الأسماك القاتلة. فمجرد التفكير في سمكة صغيرة مثل البيرانا وهي تنتظم في أسراب كبيرة لتهاجم وتمزق أجساد ضحاياها له أن يثير الخوف والرهبة في النفس .. وهو الأمر الذي استغلته هوليوود ووظفته في عدد من أفلام الرعب التي غدت السمكة المفترسة موضوعها الرئيسي، وقد كان آخر هذه الأفلام هو موضوع بحثنا لهذا اليوم.

تربية البيرانا في الأحواض

بيرانا – ثلاثي الأبعاد - .. وحوش صغيرة قاتلة
حوض أسماك لتربية البيرانا

أسماك البيرانا ربيت منذ زمن طويل من قبل هواة تربية الاسماك حول العالم (عدا بعض الدول التي تمنع قوانينها الاحتفاظ بها)، فهي اسماك جميلة .. ومثيرة أيضا .. خصوصا عندما ترمي لها بسمكة ذهبية (Goldfish ) ثم تجلس تحدق إليها وهي تفترسها وتمزقها إلى أشلاء!.

لكن تربية البيرانا تحتاج الى بعض المتطلبات، فقبل كل شيء عليك التذكر بأنها من أسماك المناطق الأستوائية، أي أنها لا تعيش في الجو البارد. كما إن الاحتفاظ بها يتطلب تهيئة حوض مائي كبير مجهز بمصفى (فلتر) – الأفضل استخدام أكثر من فلتر – لتنقية المياه لأن أحواض البيرانا تتلوث بسرعة بسبب طبيعة تغذيتها التي تعتمد على اللحوم. ومن المهم أيضا الاحتفاظ بالبيرانا في حوض بمفردها لأنها ستلتهم أي اسماك أخرى توضع معها في نفس الحوض.

يمكن وضع 5 – 6 اسماك في حوض واحد، ومن المهم جدا أن توضع الأسماك معا في وقت واحد، فالبيرانا تأكل بنات جنسها، لذلك فأن إضافة سمكة أصغر عمرا وحجما إلى المجموعة قد عرضها للالتهام من قبل الأسماك الأخرى.

بالنسبة للغذاء، فيفضل من حين لأخر أن تقدم للأسماك وجبة حية لتقوم بافتراسها، وأفضل أنواع هذه الوجبات الحية وأرخصها هي اسماك الغولد الحمراء.

أخيرا .. يجب التعامل بحذر مع اسماك البيرانا وتجنب محاولة إمساكها باليد تجنبا لعضتها المؤلمة.

هذه القصة نشرت لأول مرة بالعربية في موقع كابوس بتاريخ 11 /09 /2010

guest
57 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى