أدب الرعب والعام

تشخيص حالة

بقلم : **مُليكه** – مصر

قرأت مذكرات الضحيّة

صوت رنين الهاتف العالي , الموضوع فوق الطاولة القريبة من سريرها , ايقظها من نومها ..

فرفعت السمّاعة بضيق :
-من المتكلّم ؟
-صباح الخير !! شركة (الترا بيور) مع جنابك سيدتي .. مبروك !! لقد فاز رقم هاتفكم في المسابقة .. و يمكنكِ سيدتي القدوم الى فرعنا لاستلام الهدية.. و هي هدية حقيقية , و ليست عروض شركات .. فالشركة تقوم بمسابقاتٍ شهرية .. و قد آلت التصفيات الى رقم حضرتكم..

فأجابت بغضب :
-يييييي !! ليس مجدداً.. اسمع يا هذا !! لا اريد شيئاً من احد , فكفّوا عن ازعاجي !! …لأن خدعتكم السخيفة لن تنطلي عليّ !!
-لكن سيدتي ! الهدية مؤكّدة , و ليست مجرد عروض .. يمكنكِ الحضور و التأكّد بنفسك !
-الم تفهم كلامي ؟! قلت … لا اريدها !!!! ..سلام !!

و اغلقت الهاتف بغضب

———

اوف ! ما هذا ايضاً ؟ ..المزيد من الخدوش ! يا الهي مالذي يحصل معي بالضبط ؟! ..هل انا مريضة ؟! لا غير معقول , يبدو انها بفعل فاعل ! لكن من هو ؟! و كيف لا اشعر بوجوده ؟!
آه صحيح , تذكّرت !! سأطّلع على الكاميرا التي وضعتها اثناء نومي , لعلّي اعرف الفاعل !

———

تباً !! لا شيء بالفيديو ! .. طيب كيف تظهر تلك الخدوش فجأة على جسدي ؟! يعني هل تقلّبي اثناء نومي يُحدث مثل هذه الخدوش ؟ …لا يمكن ! انها تبدو و كأنها طُبعت من مجهول ! ..اوه ! ايعقل ما افكّر فيه ؟! ..اظن ذلك ! اصلاً لا تفسير آخر للموضوع …. يا حبيبي ! هذا ما كان ينقصني !! ازعاج من كلا العالمين ! …. لكن لما لم يظهر شيء بالكاميرا ؟ .. آه صحيح , كيف نسيت ؟! الكاميرا معطلة .. فقد سقطت مني الشهر الفائت , و نسيت اصلاحها .. ياااه !! بتُّ انسى كثيراً ! .. ربما استنشاق القليل من الهواء النقيّ , سيريح نفسيتي …. سأخرج للشرفة

———

يا سلام !! ما اجمل رؤية الطبيعة .. جيد انني اخترت شقتي بالقرب من هذه الحديقة الغنّاء ..
آه كم هي رائعة شموخ تلك الأشجار ..لكم اعشق سماع صوت حفيف اوراقها مع كل نسمة هواء تمرّ عليها.. يخيّل اليّ بأنها تمثّل الجمال الكامن على هذه الأرض ..
لكن كل هذا لن يغريني للخروج من شقتي .. او الأصح !! سجني الكئيب .. فما اكثر الحمقى الفضوليين في الخارج ! هذا عدا عن المتربصين الأوغاد !!

ليتني كنت قردة ..لاستطعت ان اتسلّق الأشجار و اتشقلب عليها , دونما ازعاج من احد او الشعور بالخطر..
اصبحت اثرثر كثيراً مع نفسي ! ربما هو شعوري بالوحدة ..لكن يبقى هذا افضل من تطفّل غريبي الأطوار !

ربما عليّ ان اباشر عملي الآن ..فاليوم قرّرت ان انهي مقالي .. و الوقت مناسبٌ جداً !!

———

اسم المقالة : الإضطراب النفسي العقلي
اسم الكاتب : ريناد ممدوح

النصّ الكامل :
ان مفهوم المرض العقلي يندرج تحت مجموعة من الإضطرابات الإنفعالية ..و ما يتعلق بذلك من الحكم على الأشياء و الشخصية , و السلوك بوجهٍ عام .. بحيث يبدو ان العالم الخارجي (Extirinsic) في صورة من الشذوذ و عدم التوافق , و الخروج عن السائد و المألوف..
و المصاب بهذا المرض : يعاني اختلالاً شاملاً و اضطراباً , يمثّل خطورة على شخصيته ..و ينعكس كل هذا على مستوى تفكيره و قواه العقلية , بحيث يكون :

1-متوهماً لأشياء لا وجود لها .
2-يشعر بالمطاردة من كل المحيطين .
3- عاجز عن ضبط نفسه و رعايتها .
4-لا يستطيع ان يحقّق توافقاً اجتماعي و نفسي مع المجتمع .
5-لا يقوى على معرفة الأسباب وراء اضطرابه السلوكي , ممّا يثير دهشته و يدفعه للخوف و الإضطراب اكثر .
6-يفتقد للبصيرة , التي تمكّنه من تحديد مشكلته .

———

جيد !! انهيت مقالي بسرعة .. و الآن سأكتب قليلاً في دفتر مذكراتي ..

———

مذكرات : ريناد ممدوح

منذ سنتين … كنت اعمل طبيبة نفسية بمكتبٍ خاص .. تعرّضت حياتي فجأة للكثير من العراقيل و الضغوضات , اوجبت عليّ ترك المهنة .. لكني لم اتوقف عن مزاولتها الى اليوم .. فأنا اعشق عملي كثيراً..

هناك اموراً تثير الرعب بحياتي .. فهناك دوماً من يلاحقني ! لا اعرف حقاً ما يريده الناس مني ؟! فقد تركت لهم كل شيء , لكنهم لم يتركوني و شأني !.. اشعر و كأني ملاحقة من البشر الزومبي في كل مكان ! .. بل الأسوء انهم تصادقوا مع الأشباح ضدّي !! و قد اتفقوا جميعاً على تعذيبي يومياً ..لكني لن اسمح لهم بذلك !! عليّ ان اتخلّص سريعاً من كل هذه المعاناة , و الهرب من تلك المآسي للأبد !! و قد قرّرت اخيراً و بعد طول تفكير , ان اخرج من هذا الجحيم !! فأنا لم اعد اتحمّل اولئك القتلة الفضوليين !!!

———

-سيدي !! ظهرت نتيجة التحليل الجنائي .. و واضح من التقرير : ان المتوفاة انتحرت , اثر عدّة محاولاتٍ سابقة .. فقد وجد المشرّح آثار لجروحٍ قديمة بالمشرط , خصوصاً بذراعيها و معصمها و القدمين ! و لا يُشتبه بأنها تعرّضت للتعذيب او تمّ التعدّي عليها.. لأننا وجدنا في درج الخزانة القريبة من سريرها , المشرط و السكين و عليهما آثار دمائها .. و بعد فحصهما , لم تظهر سوى بصماتها فقط ! ..لكننا لم نجد بعد , سبباً مقنعاً لإنتحار الطبيبة !

فقال المحقّق , و امامه مجموعة من الدفاتر و اوراق تخصّ المتوفاة :

-لقد قرأت لتوّي , المذكرات و المقالات التي وجدتها فوق مكتب المتوفاة ..و قد ادركت الآن , كل الملابسات الغامضة.. ..اذهب و اخبر الجميع : بأنه تمّ اغلاق القضية .. فقد شَخَصَت الضحيّة الغاز الحادثة , بمقالها الأخير !

تاريخ النشر : 2016-01-20

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى