أدب الرعب والعام

لا يأكل طعامك إلا تقيّ

بقلم : أحدهم – كوكب الأرض

هذه الخادمة لن تعيش في بيتي ثانية واحدة !!

الأسرة هي أبسط أشكال الحياة في النسيج الإجتماعي، بل هي نواته ومكونه الأصلي، إذا ما صلُحت هذه النواة صلح معها المجتمع بأسره، وإذا فسدت النواة أو تعثرت فإن النسيج المجتمعي يتداعى ويتصدع.. إن الحراك الإقتصادي في أي ثقافة يؤثر على نمط العيش وأسلوبه في المجتمع والأسرة.. حراك تتحرك معه الأدوار والإتجاهات الميول والأهداف والمباديء في الإتجاهين السلبي والإيجابي.. فتعيش الأسرة تجارب غير مألوفة ودخيلة لم يألفها المجتمع فتخلق قضايا جديدة تتطلب مراجعة جذرية شاملة للمرتكزات والقيم وأنماط العيش.. وإلا فإن على المجتمع أن يعاني ويلات تبعات هذا الحراك الإنساني الغير متجانس..

قصتنا الليلة تدور على هذه الخلفية المجتمعية التي تعاني من حراك إقتصادي متسارع بشكل غير متجانس مع الحراك الإنساني في كافة المحاور الأخرى.. قصة ربما تحكي جزء من الواقع المرير الموبوء الذي يستتر تحت ظلام الألم والمعاناة وفقدان الهوية والذات، قصة ربما تتكرر فصولها في الكثير من البيوت الحزينة.. تلك البيوت التي تتصدع وتبكي في أسى وحرقة خلف جدران الصمت.. الأمر الذي يهدد تماسك المجتمع في أبسط مكوناته وصوره، ويسحب الجميع نحو الهاوية بصمت وروية..

(رقيّة) هي ممرّضة تعمل بنظام المناوبات في مستشفى حكومي قريب من منزلها، شابة متزوجة منذ سنة وتحمل جنيناً في شهوره الأخيرة، زوجها مهندس بترول، وظروف عمله تتطلب منه الإشراف على مصافي النفط في عمق الصحراء، ويعمل زوجها الكريم بوتيرة أسبوع عمل وأسبوع إجازة، حيث أن مناوبات عمله في إسبوع العمل تتطلب وجوده بشكل دائم طوال اليوم للتأكد من سير العمل وفق إجراءات ومعايير السلامة العامة على طول خط الإنتاج وجاهزاً لأي طارئ خلال فترة المساء.. أسرة سعيدة لا يعكر صفوها غير الفراق الأسبوعي بين العمل والبيت، عدا ذلك فهي أسرة مثالية لا ينقصها شيء..

عند قدوم المولود البكر، كان على رقيّة أن تستعين بمساعدة ربة منزل (خادمة منزل) رغم قناعتها بأن البيت المثالي هو الذي يستثمر كامل طاقاته الحيوية لأقصى درجة من الإكتفاء الذاتي كأي بيت آخر من العالم، لكن ظروف عملها كممرضة وعمل زوجها وغيابه الطويل كان يتوجب عليها الإستعانة بشخص آخر في رعاية الطفل الجديد القادم، أمها عاجزة عن تقديم الرعاية المطلوبة فقد بلغت سن التقاعد المنزلي بسبب حالتها الصحية، فذهبت رقيّة إلى مكتب استجلاب مساعدة ربة منزل آسيوية..

المكتب كان أقرب ما يكون إلى سوق نخاسة في مضمونه لكنه عصري ومحتشم في ظاهره، وكان عليها أن تختار من ضمن طابور من النساء البائسات القادمات من بلدان استجلاب بعينها دون سواها.. وكأن على الزبون أن يختار الجسد كقطعة أثاث أنيقة ليجمل بها بيته، وليس كروح زكية تضيء لهم المكان بوجودها.. وحتى يضمن المكتب توفير أفضل خدمة، كانت لديه رزم كالجبال من ألبومات الصور لمساعدات ربات منزل في قائمة الإنتظار من عدة بلدان.. بلدان الإستجلاب التي تأن تحت خط الفقر الذي يجر وراءه ذيول الجهل والتخلف والتشتت الإجتماعي والثقافي ويبذر بذوره المريضة في نفوس رعاياه في ضنى وبؤس، مع التسليم بحقيقة وجود حالات إستثنائية كثيرة لم يتأثر معدنها الأصيل بالحالة الإقتصادية العامة ولا الظرف “الحياتي” الصعب..

لم أكن مهتمة بالصور، فالصور ومعايير الخبرات والقدرات والوجه الصبوح واللسان الطليق غالباً ما تخدعك وتخفي خلفها مساحة هائلة من النفاق المبطن بشر دفين وطمع مريض ينهش في العرض والمال والحلال متى ما سنحت له الفرصة وغاب عن عيون الرقابة، كان عليّ أن اكتشف المعدن وراء خضم الزيف والتزييف.. فمنذا الذي يضع في بيته قنبلة موقوتة تنفجر ببطأ وفي صمت وغالبًا ما يكون صدى وقعها بعد فوات الأوان؟.. قنبلة تقض مضاجع البنيان الأسري وتزحزحه في لحظة خاطفة، بل وتدمر أركانه عن بكره أبيه في ثوان..

من هو الذي يفتح بابه لدخيل الغفلة الذي تبهره اللآلئ المادية والمعنوية التي يسمع عنها لكنه لم يألفها، فتطمع يده بالقليل ليسد رمق جوفه المريض..؟ ذلك الدخيل يعلم بأنه راحل والعقرب الذي بداخله يروم حقن سمومه بانتشاء في جسد الأسرة الواحدة المتماسكة قبل أن يغادرها بلا عودة..؟ هو يعلم بأنه دخيل من بلاد أخرى، ووظيفته لا تتعدى إلا أن يمسح قاذوراتهم ويملأ بطونهم في صمت وتملّق، لكن تلك النزوات المريضة تستعبده وتراوح التنفيس عن نفسها كلما كانت الساحة رحبة وآمنة وبعيدة عن العيون ..

لذا لم تكن الجنسية ولا الديانة ولا السن معياراً لي في الإنتقاء.. بل كانت فراستي وقلبي هو من يحدد من تكون لي شرف ضيافتها كأخت أخرى من بلد بعيد وغريب اضطرتها الظروف للرحيل وراء لقمة العيش، ويكون لها شرف العضوية والإنتماء لبيت عائلتي الصغير خلال فترة إقامتها كضيفة تساعدني على تحمل أعباء العيش والظروف.. لا يسكن بيتي سوى الصديق المؤتمن ولا يأكل طعامي سوى التقي الذي يتقي إيذاء رعيتي والمساس بعرين بيتي..

كنت أعلم بأن بعض الملامح والنظرات قد تكشف عن عوار المعادن الصدئة المندسة بخبث خلف قناع النفاق والتصنع.. والسنحة والهيئة والعيون تحكي الكثير في صمت.. والقلب القبيح غالبا ما يظهر قذاه في العيون الغادرة، وقيحه من نبرات الألسنة الملتوية.. وبعد تفرس ونظر، وسلام وكلام، وأخذ ورد مع بعض ذاك الطابور وجدت ضالتي.. فتاة صغيرة من بلد لا يدين ديانة بلدي ولا حتى القريب منها.. تبدو كفتاة قاصر لم تبلغ السن القانونية للعمل برغم أن الوثائق الثبوتية خاصتها تؤكد عكس ذلك، لكن من يصدق الوثائق الثبوتية المستخرجة في تلك الدول حيث التلاعب من أجل مزاولة العمل وخلافه هو سيد الموقف فيها..

لكن برغم هذا وذاك، عيون البراءة تلك حكت الكثير من الصدق والثقة.. لم تكن لها خبرة عملية في أي بيت سابق عدا شهر واحد فقط في بيت آخر في بلد آخر رَفضت الإستمرار فيه بحجة أنها وُعدت برعاية الأطفال وليس خدمة البيوت.. ظروف الحياة اضطرتها للمجيء لكسب الرزق الحلال.. كانت لها أم كبيرة في السن مقعدة في الديار وأخت تصغرها تعمل بدوام جزئي لتعين شطراً من شظف العيش هناك.. أخبرتها بظروفي وعن عائلتي الصغيرة، وشرحت لها بأن جل مهامها سيكون ضمن رعاية المولود الجديد خلال مناوبات عملي كممرّضة، أما مهام البيت فلا أحد ينافسني عليها إلا من باب التفضل والمساعدة.. فالبيت بيتي وأنا من يدير مهامه ويعجن خبزه ويغسل عنه أردانه ويعطر زواياه بالبخور واللُبان متى ما كنتُ في الجوار.. عدا ذلك أطلب اليسير من الضبط بما لا يخل بنظام البيت وقوانينه..

وتم الإتفاق بيننا.. وتمت الإجراءات المكتبية والقانونية.. ودخلت مساعدة ربة المنزل بيتي المتواضع بعد أسبوع.. كان عليّ أن أرشدها إلى غرفتها الصغيرة وتفقد ما تريده من مستلزمات يومية خاصة وعامة، وأن أشرح لها قواعد البيت ونظامه وطبيعة عملي وعمل زوجي.. كان عليّ أن أشرح لها مهامها بالتفصيل مع طفلي البكر (محمد)، كيف تطعمه وترعاه، وكيف تتصرف وقت غيابي عن البيت أثناء مناوبات العمل.. وكيف تتعامل مع الضيوف والغرباء.. وأرقام الطوارئ والأجهزة الكهربائية الغير مألوفة لها.. كانت فتاة لاقطة ولديها حس تعلم سريع.. بالإضافة إلى صبر وحكمة واتزان كنت سأكتشفه خلال فترة عملها معي كمساعدة ربة منزل..

كان علي أن أغَيّر مناداتي لها إلى (كلثوم) حيث كان أقرب ما يكون إلى لفظ أسمها الأجنبي الطويل صعب النطق بلغة بلدها صعبة المخارج حروفها.. كانت كلثوم خير أخت سكنت عريني، حفظت سري ورعت الأمانة كما لو أنها في مسكنها الأصلي.. زوجي العزيز تقبلها كأخت صغرى له يكنّ لها الإحترام والتقدير الذي تستحقه، ولم يبخل عليها بالهدايا وقت المناسبات والأعياد كأي رب بيت محب لأفراد عائلته.. وكان طفلي ثجل بالحياة ولم يشتكي من واردة أو شاردة منها لا من قريب ولا من بعيد..

وحتى لا أكون تلك المغفلة التي تخدعها المظاهر والإبتسامات العابرة، كان عليّ أن أشدد الرقابة خصوصا خلال مناوبات عملي في المستشفى.. وهذا لم يكن هاجساً مريضاً، بل كان بدافع الحيطة والحذر فتجارب الآخرين خير مدرسة عن هذه الأمور.. فاشتريت عدة مزهريات زينة خزفية جميلة وثبتُها كديكور داخلي فوق رفوف مرتفعة صعبة الوصول عند زوايا عديدة في المنزل.. في المطبخ والغرف والصالة والممرات.. لم تكن تلك المزهريات الخزفية -الغريبة بنقوشها الآسيوية و قوامها المتين المطعّم بنتوءات دائرية زجاجية داكنة وغليظة تحيط بخصرها الممتلىء- سوى كاميرات مراقبة ببطارية كبيرة مستقلة وذاكرة بقدرة استيعابية كبيرة، كانت مزودة بمستشعر حركة تسجل الكاميرات المشاهد فور التقاط المستشعر لأي حركة في مجال تصويره.. و “برمجتُ” فترات التسجيل بشكل آلي لتكون خلال مناوبات عملي وغيابي عن المنزل.. وكان عليّ في حذر وصمت وبعيداً عن عيون الجميع أن أفرِغ ذاكرة كاميرات المراقبة في ذاكرة محمولة (يو أس بي) واستبدل البطاريات عند نهاية كل أسبوع عمل.. في المناوبات الليلية كنت أراجع التسجيلات المصورة في حاسوب مكتبي في العمل..

تقيدت بنظام المراقبة هذا واصبح لي عادة، بل كان معيناً لي خصوصاً خلال مناوبات العمل الليلية المملة في الغالب، وكنت استمتع بمراقبة كلثوم وهي تؤدي عملها على خير وجه عبر أرجاء البيت.. كأنه حلقات من مسلسل (أكاديمية سوبر ستار) واقعي.. وكانت الوقائع تتطابق الأقوال، ويزداد احترامي المتزايد لهذه الأخت العظيمة المتواضعة يوم بعد يوم.. وكان إبني الصغير يزداد تعلقاً بها كأم إضافية وليس كأم بديلة، وكان يحظى بحنان مضاعف ورعاية مستمرة.. وكانت كلثوم تتأقلم بكل ود ومرح مع طبيعة عيشنا وثقافتنا المختلفة عنها.. بل إن لسانها اصبح دارجاً بشكل متقن ومضحك في آن، وكنا ممتنين لحرصها الشديد لتلبية احتياجات المنزل.. وكانت هي ممتنة على الاحترام المتبادل الذي تستحقه وأكثر..

وقبل انقضاء فترة تعاقد العمل مع كلثوم بأقل من شهرين فقط، جاءنا خبر مفجع من إتصال دولي مباغت وفي وقت متأخر من ليلة حزينة.. أخذت كلثوم تبكي بحرقة على خبر وفاة أختها المفاجئ إثر حادث مروري خطف روحها على حين غرة.. تأثر الجميع بالفاجعة، حتى إبني الرضيع أخذ يبكي حينها وكأن قلبه فُطِر هو الآخر بوجع قلبي أميّه الإثنتين.. في الصباح الباكر كانت رحلة العودة جاهزة لكلثوم إذ حجزنا لها تذكرة ذهاب بلا عودة، ولم يكن الوقت كافياً لشراء الهدايا لها، وكان عليّ أن أهديها ما كنتُ قد ذخرته من هدايا قديمة غير مستخدمة بالإضافة إلى بعض من زينتي وحليّ وملابسي.. ودّعناها عند قاعة المغادرين في المطار واختلطت دموع الوداع بدموع العزاء، وامتزجت آلام الفراق المختلفة.. وذهبت كلثوم تجر حقيبتها الكبيرة وراءها في مشاعر مختلطة فياضة بصمت وعيون مطأطأة..

لم أنسى أن اتصل بها بعد أسبوع، وكانت تأن على فاجعة أخرى.. اخبرتني بأن الغالية أمها ترقد في غيبوبة إثر سكتة قلبية جاءت بعد يومين من الغم والكمد على وفاة إبنتها الصغرى.. قلبي تقطع لهذه الأخت الصغيرة على مصائبها المفاجئة والمتكررة.. في الليل كنت استيقظ فجأة من نومي لأبكي على وقع أحلام حزينة لا أذكرها، وزوجي العزيز كان يحاول تهدئتي ومواساتي على كوابيسي في الفترة الأخيرة.. والكل يعلم في صمت ماهية هذه الكوابيس وما سببها ..

بعد فترة اتصلت كلثوم لتخبرنا عن حالها وعن خبر وفاة أمها بعد غيبوبة استمرت لثلاثة أسابيع حرجة، حزنت لها وسألتها إذا كانت تريد مني العون في أي شيء تحتاجه.. شكرتني بدماثة آسيوية مرحة، وكنت أشعر بأنها تريد شيئا ما لكن كبريائها كان يمنعها من الطلب، وكان لا جدوى من الإلحاح.. سألتَ كلثوم عن “إبنها” (محمد) وعن حاله وكيف كنتُ اعتني به خلال فترات عملي، أخبرتها بأني احمله معي إلى المستشفى لترعاه بعض الزميلات في قسم رعاية الأطفال خلال مناوبات عملي.. وقبل أن ننهي الإتصال أكدتُ لها بأنه يسعدني أن أخدمها بأي صورة كانت كردّ جميل على حسن إدارتها للبيت أثناء غيابي وحسن رعايتها لإبني البكر..

بعد يومين اتصلتْ كلثوم لتطلب مني في حرج بدا واضحاً بين كلماتها المتضرعة أن أقبل تجديد فترة تعاقدها معي كمساعدة ربة منزل وأنها وحيدة في البيت ما عدا خالٍ لها يسكن في منطقة نائية.. كان وقْع هذا عليّ مفرِح وعظيم وكنت بصراحة بحاجة لمساعدة ربة منزل جديدة فقد زاد إحراجي مع زميلات العمل اللاتي بدوَن في تصنع عدم التكلفة لرعاية إبني خلال فترة العمل.. وكنت حينها ابحث عن حل بديل.. أخبرتها بشرف قبولي لدعوتها وأرسلت لها تذكرة السفر ومبلغ يسير.. وكان ذلك من حسن حظي خصوصاً أن رخصة إقامتها ما زالت سارية..

بعد أسبوعين عادت كلثوم إلى “بيتها” معنا.. واستمرت هي في إخلاصها وتفانيها.. وخفت وتيرة مراجعتي لتسجيلات كاميرات المراقبة، فلم أرَ أي داعٍ خصوصاً أنا على دراية تامة بطبيعة وشخصية كلثوم والتزامها وتفانيها، لكن رغم ذلك كنت أراجع بعض التسجيلات على فترات متباعدة ليس من باب إلا التسلية وقضاء فترات المناوبات الليلة المملة حين تخف وتيرة العمل إلى أن توقفت عن هذه العادة نهائياً.. أخذت كلثوم تستأثر على متطلبات البيت بشكل مقبول ولطيف، فجنحت إلى إدارته بدل المساعدة في إدارته بكفاءة ورضى من الجميع.. لفترة امتدت ١٥ عاماً كانت كلثوم خير مساعدة ربة منزل وكانت خير أم إضافية (وليست بديلة) لثلاث من إبناءي (محمد)، (غالية) و (بدور).. وكانت – فوق رعايتهم – تحرص على تقويمهم وتهذيبهم، فكانت تعاتب إبني (محمد) في تقصيره أو مشاغباته مع أقرانه في المدرسة كحرص أم بيولوجية.. وكان كل أبناءي يتعاملون معها كأم ومربية حقيقية وليس كمساعدة ربة منزل من بلد آسيوي..

ثم كان عليها الرحيل في آخر المطاف.. أخبرتني أن إبن خالها يود التقدم للزواج منها.. وكانا يتبادلان الود والاحترام منذ أيام الطفولة والمراهقة بحكم القربى والزيارات البينية بين بيت أمها وبيت خالها.. وأنا كنت سعيدة من أجلها رغم إني على ثقة بأن الجميع سيشتاق لها، وسيفقد البيت الكثير من حيويته ورونقه برحيلها.. وفي يوم الرحيل الحقيقي تأثر الجميع بالفراق كفراق فرد حقيقي من الأسرة، وقد كانت كلثوم بالفعل كذلك.. ودعناها بالدموع والهدايا والدعاء والأمنيات.. فقد أدت أمانتها على خير وجه، وكان لها نصيبها في النهاية.. ورحلت.. لكن ذكرياتها ونتاج جهدها الطويل ما زال باقياً فينا.. واستمرت الاتصالات البينية بفضل وسائل التواصل الإجتماعي الأثيرية حية بيننا..

بعد رحيل كلثوم، كان حملي الرابع ثقيلاً فقد تعودت أوصالي المترفة على رغد العيش.. إضافة إلى أني قررت تكملة دراستي الأكاديمية لمرحلة أعلى بنظام التعلم عن بعد، حيث أن إلتزامات العمل في المستشفى وفرص المنافسة في المناصب الإدارية تستوجب متطلبات أكاديمية وخبرات خاصة وكان علي مواكبة التغيير .. ولكن أعباء البيت أصبحت أكبر من أن أستطيع تحملها لدرجة أني جنيني قرر أن يغادر رحِمَه المتعب قبل أوانه وقرر مغادرة الدنيا نحو السماء.. وكأن الرحمة كانت تستعطف حاله ما بعد الولادة فقررت إدخاله الجنة قبل أن يعاني لهيب دنيا لأم متعبة وغير متفرغة بالكامل لاحتياجاته الفسيولوجية والنفسية.. بعدها قررتُ البحث عن كلثوم أخرى تعينني على إدارة بيتي على أكمل وجه كما كان.. وذهبتُ إلى مكتب استجلاب مساعدة ربة منزل وكانت معاييري في الاختيار تغيرت نتيجة الظروف.. وكانت فراستي في قراءة الوجوه والسنوح وكشف خبايا القلوب قد ضَعُفت كذلك..

في المكتب لم يكن هناك ذلك الطابور المعتاد بل كانت هناك مساعدة ربة منزل وحيدة متوفرة.. كبيرة في السن.. تقرأ مصحفها باستمرار من خلف عدسات عيون جادة وصارمة لا تطرف بل في جدية تحدق في وجهك كعسكري في ميدان الحراسة.. في أواخر عقدها السادس لكنها كانت ما زالت محتفظة بنشاطها ورونقها.. لباسها المحتشم يدل على حس الأناقة ولسانها الطليق والممتنع يدل على خبرة طويلة في إدارة البيوت في بلدان متعددة.. أعلم بأن هذا النوع لن يروق لأطفالي.. لكني كنتُ بحاجة لهذا النوع ليضبط دفة عنفوانهم وسلوكياتهم في سن المراهقة وخصوصا بأن فارق السن بين (محمد) و(غالية) ليس بكبير بالمقارنة مع (بدور) التي أتت في منتصف الفترة قبل رحيل كلثوم عن البيت.. كنت بحاجة لصرامة العجائز وحكمة مربين محنكين وخبرتهم في التعامل مع سلوكيات أطفالي الجامحة.. إضافة إلى أعباء البيت الإعتيادية.. وبعد حوار بسيط عن الحقوق والواجبات المتبادلة اتفقنا وأُبرم عقد العمل.. تصافحنا وتبادلنا الإبتسامات ولم أكن أدري عن أي حيزبون مريضة تستتر خلف ورعِها وعدساتها الوقورة..

بعد أسبوع أتت مساعدة ربة المنزل الجديدة.. أتت (أسمره) بحقيبة خفيفة غير متكلفة.. أرشدتها إلى غرفتها وشرحت لها كل ما يخص مهامها في أرجاء البيت.. وتعرفت في ود مصطنع على أفراد عائلتي خلف شظايا ابتسامات متكلفة.. وكنت على أمل بأن تكون (أسمره) كلثوم أخرى تحفظ الأمانة وترعى مصالح بيتي العزيز.. لا يسكن بيتي سوى الصديق المؤتمن ولا يأكل طعامي سوى التقي الذي يتقي إيذاء رعيتي والمساس بعرين بيتي.. أو هذا ما كنت أحسبه وأتمناه..

كان تقبُّل أفراد عائلتي لمساعدة ربة المنزل الجديدة عسيراً.. إبني كان يتذمر من وجودها في غرفته لترتيب الأغراض أثناء تحضيره لدروسه مساءاً.. وابنتي الكبرى كانت تشتكي من تسلطها عليها في كل دقائق خصوصياتها.. حتى زوجي العزيز لم يكن مرتاحاً لوجودها في البيت رغم أنه لم يصرح بذلك، لكن عدم تصريحه بأي شيء كان دليلي على أنه لم يتقبل وجودها بعد.. عشّمت نفسي وقلت بأن الأمور ستتغير وسيتأقلم الجميع مع (أسمره) في نهاية المطاف.. فليس كل مساعدات ربات المنازل مثل كلثوم.. وكان على الجميع التجانس مع طبيعة وشخصية هذا الدخيل الذي يحمل الكثير من التقاطعات الثقافية المشتركة أكثر من تلك التي كانت بيننا وبين كلثوم.. وكان الأمر يبدو بأنها سحابة صيف وسينجلي التكلف بين الأفراد والدخيل الجديد..

لكن الأمور تفاقمت.. وكان هناك حرج وصِدام صامت حيناً وصاخب أحيانا أخرى، ولدي (محمد) كان ما يزال يشتكي لماذا على (أسمره) أن ترتب له أغراض غرفته بعد إعداد طعام العشاء للمرة الثانية رغم مناقشة الموضوع معها أكثر من مرة، في حين أنها تستوفي خدماتها اليومية الإعتيادية في كل الغرف في الفترة الصباحية أثناء تواجد الأبناء في المدرسة.. كذلك ظلت إبنتي (غالية) تشتكي من تدخلات (أسمره) في تفاصيل شؤونها رغم الإتفاقات التي تمت وأُبرمت.. كانت (أسمره) تتدخل في كل شيء، وتدخل في كل الغرف بلا تكلف في أي وقت وبلا استئذان مسبق.. ممكن أن تراها في أي مكان وفي أي وقت وبلا تكلف أو مراعاة للخصوصية والإحراج.. حتى زوجي ثار غضبه منها بعد دخولها المفاجئ علينا في غرفتنا الخاصة عند منتصف الليل، وكانت تبرر فعلتها بأنها تشتكي من صداع نصفي وتريد (إسبرين).. وكان عليّ أن أفعل شيئا حيال تصرفاتها الغريبة..

في الصباح شرحت لها قواعد البيت باستفاضة وحزم، وكشفت لها عن ضيق أفراد أسرتي من تصرفاتها الجافة والغريبة، وسألتها إذا كانت تريد إنهاء العقد ومراجعة مكتب استجلاب الأيدي العاملة.. لكنها بدت متعجبة وكأنها لا تدري بحقيقة ما يجري، وكانت تعزي كل تصرفاتها على حرصها الدءوب في استيفاء متطلبات البيت الضرورية على أكمل وأتم وجه، وحبها الجم لأفراد العائلة الكريمة كان يستوجب هذا الحرص حسبما تقول.. واعتذرت وقالت بأنها ستغير من طريقتها وتصرفاتها بشكل جذري خلال الأيام القادمة.. إلا أن التذمر والشكاوي استمرت قرابة أسبوع آخر، وقبل أن أقرر إتخاذ موقف صارم حيال الذي يجري.. هدأت موجه التذمر بشكل درامي وغريب وكان وقْع هذا التغير المفاجئ كالسِحْر على الجميع.. فجأة هدأ كل شيء هكذا وبكل بساطة..

تصرفاتها الغريبة استمرت على حالها ولكن لم يكن هناك تذمر إطلاقاً.. فتعجبت لكني لم أصارح أحداً.. ووسط ارتياحي والوضع الجديد كان هناك شئ مريب أحاول تجاهله.. شيء يلح علي بأن أعيد النظر في حساباتي.. لأشهر عديدة ازدادت تصرفات (أسمره) غرابة، والأغرب بأن الجميع لا يتذمر وكأنه ممسوس بطاقة غريبة ويتقبل الأمر ولا يستهجنه وكأنه مسلوب الإرادة.. بل أن أفراد أسرتي بدأو يتصرفون بطريقة غريبة غير مألوفة، وازدادت طباعهم حدة.. وتعثرت قنوات الإتصال بيننا تدريجياً، بردت مشاعر الألفة وكانت نظرات الجميع تحمل الكثير من الصمت المبطن بأسرار تأبى الكشف عن نفسها.. نظرات تحمل عذابات صامتة وصرخات ندم مكتومة .. زوجي لم يعد يبادلني المشاعر والعشرة كما كان، وازدادت إجازاته المفاجئة بلا سبب حقيقي، وابني (محمد) تعثرت دراسته بشكل جذري، وابنتي (غالية) كانت تبالغ في صبيانيتها بشكل متمرد جاف وخطير.. الوحيدة (بدور) بدت طبيعية أكثر من أي فرد آخر.. غريب.. كنت الوحيدة التي ترصد هذه التغيرات الخطيرة..وكان على تدارك الوضع..

ولكي أعلم ما يحاك في الخفاء كان علي الرجوع إلى مزهريات الخزف الآسيوي إياها.. لكن من بين ذلك العدد الكبير من كاميرات المراقبة كانت كلها لا تعمل ما عدا أثنتين منها.. وكان علي أن أتخذ قراري بوضع كاميرات المراقبة في موضعين إثنين فقط.. فقررت أن يكون الموضع الأول عند الممر الرئيس الذي تلتقي عنده كافة أبواب الغرف حتى أحظى بنظرة عامة عن التحركات العامة أثناء غيابي.. وكان الموضع الثاني من نصيب غرفة بناتي.. فقد كانت تصرفات إبنتي (غالية) مثيرة للشكوك، وتحتاج وقفة جدية في التعامل مع وضعها الجديد.. استمر التسجيل ما يقرب لأسبوع عمل كامل.. وكلي شوق بأن أتبين الأمور وفق الواقع حتى تكون قراراتي نابعة من قاعدة معرفية موثوقة بعيدا عن إثم الظن والتخمين وتأنيب الضمير..

وكنت قد قررت خلال هذا الأسبوع أن أرخي مهامي الأخرى وأمسك زمام الأمور من قرونها، واتفرغ لبيتي كما كنت في سابق عهدي، واجعل (أسمره) تساعدني بالأدوار الثانوية.. في الصباح قررت تنظيف البيت بينما كان على (أسمره) تعليق الملابس فوق حبل الغسيل في الباحة الخارجية.. ولما كنت أكنس الصالة بالمكنسة الكهربائية لاحظت أن البطانة الخلفية لأحد المقاعد الأسفنجية مشروخة ومتدلية عن مكان تثبيتها، فذهبت لإحضار دباسة ورق ولما هممت بتثبيت البطان المكشوف لاحظت شيئا غريب مدسوس داخل ثنايا المقعد بين قطع الإسفنج من خلف المقعد.. لفيفة جلدية بحجم قطعتي (ماجي)، لفيفة داكنة وغريبة، مربعة الشكل ومخاطة بإتقان على طول حوافها التي تدلت منها خيوط غليظة تراصت فيها عقد ملفوفة بشكل لا يوحي بالإطمئنان.. كانت (أسمره) مازالت في الباحة الخارجية.. ذهبتُ وتفحصتُ كافة أثاث البيت، ووجدتُ لفائف مشابهة في كل الغرف حتى غرفتي الخاصة.. وكان على الاستشارة قبل التحقيق وإصدار الأحكام.. فما يدريني متى وضعت هذه اللفائف ومن واضعها وماهيتها وما الهدف منها.. زوجي العزيز كان في عمله والمفترض أنه سيصل البيت اليوم مساءاً.. غير إنني لن استطيع إخباره بسبب مناوبتي الليلية في هذه الليلة، وكان علي تأجيل موضوع النقاش حتى يوم غد صباحاً عندما أعود من العمل..

في المساء وقبل أنا أغادر إلى المستشفى للعمل، نقلت في حذر وصمت تسجيل الأسبوع لكاميرات المراقبة الإثنتين في ذاكرة محمولة (يو أس بي)، وحملت معي لفافة جلدية واحدة من تلك التي حصلت عليها داخل قطع الأثاث.. في العمل صُدِمت بالمعلومات التي إنهالت عليّ من زميلات العمل بما يخص لفافة الجلد تلك.. [[تمائم العشق والتفريق ؟!؟]] .. أنا لا أؤمن بالخزعبلات ولا أساليب الشعوذة تلك، كنتُ على يقين بأن الإنسان هو سيد قراره، وتصرفاته نابعة عن قناعاته أو حالاته المزاجية والنفسية.. أما أن يصبح الإنسان ك(روبوت) آلي أثر لفافة جلدية تحمل داخلها العفن وخصلات الشعر وطلاسم ورموز عشوائية وأرقام مبهمة فهذا ما يصعب عليّ فهمه، بل عقلي لا يتقبله.. لكل فعل ردة فعل والفوضى لا تنتج إلا فوضى والتحكم بالأمور يتطلب وعي مدرك ومنظم ومحسوب بالمسطرة والفرجار.. وليس مجرد لفافة جلدية صغيرة قابعة في سكون بين ثنايا الإسفنج لقطع الأثاث..

لكن في المقابل ألا يفسر ذلك تصرفات عائلتي الغريبة خلال السنة والنصف المنصرمة..؟ إلا يوجد رابط مع تردي العلاقات الأسرية المفاجأ بين أفراد أسرتي؟ إلا يتوجب على التسليم بإحتمالية أن يكون الواقع الظلامي يحمل الكثير من التفسير..؟ ألا يتوجب علي الشك في أن تكون التي أدخلتها في بيتي وأتمنتها على عرضي وحلالي حيزبون شريرة تنهش قواعد بيتي في صمت خلف قناع النفاق والورع المصطنع؟ عصفت بي الظنون وأكلتني الشكوك وقلبي الواجف يطلب ردة فعل حازمة.. يجب أن أطرد الحيزبون إلى حيث أتيت بها غداً صباحاً.. فلن استطيع تحمل أن تهدم تلك الخبيثة ما قد بنيته مع كلثوم خلال ١٥ سنة وتنسفه هي في أقل من ١٥ شهرا..

دخلت مكتبي وكلي لهفة بفحص ما سجلته كاميرات المراقبة.. بدأت بتفحص تسجيل الممر الرئيس حتى أتبين الصورة الكاملة عن أي تحركات مشبوهة.. في البداية كان كل شئ طبيعياً خلال النهار وحتى المساء.. لكن المشاهد أخذت تأخذ منحنى أكثر درامية بعد منتصف الليل.. رأيت الحيزبون تدخل غرفة إبني (محمد) لتمكث ما يقارب الساعة.. والحيرة تنهشني والشكوك تعصف بي وتذكرت شكوى ولدي (محمد) القديمة بتطفل (أسمره) في غرفته مساءاً بعد إعداد وجبة العشاء.. لكن التطفل لا يكون بعد منتصف الليل.. ولا يكون لساعة مقلقة في غرفة مراهق.. ولا يقتصر التطفل في الليالي التي لا أكونُ وقتها موجودة في البيت.. وكان هذا كافياً أن أضع الحد الفاصل في الصباح الباكر.. كان يجب أن أضع النقاط على الحروف بحقيقة ما الذي يجري فعلياً في الخفاء.. وأياً كان ما يجري تلك الحيزبون الخسيسة لن تسكن بيتي ليوم إضافي..

لكن كان ذلك شيء وما شاهدته من مشاهد فظيعة خطيرة ومقززة في غرفة إبنتي (غالية) شيء آخر.. شيء لم أتخيل حدوثه في منزلي حتى في أحلك كوابيسي.. ما رأيته قض مضجعي وأنزل غضب العالمين في صدري.. عجوز قذرة تنّدس ثوب البراءة بشهوة مريضة.. فاحشة من نوع آخر.. حيزبون نجسة تسحق فراش الطهر بأبشع علاقة محرمة مع إبنتي المراهقة (غالية).. أوضاع بشهوة مستميتة لا تتخليها إلا في أفلام الفحش المريض.. كان هذا أكثر من أن استطيع تحمله.. جن جنوني.. بعثرت ما في سطح طاولة المكتب في هستيريا جنونية وسط صراخي وعويلي الغضوب.. زملاء وزميلات العمل هرعو لنجدتي.. لم أخبرهم بشأن الفضيحة الكارثية.. فقط حملت مفاتيح السيارة بيد ترتجف من حنق وغضب لم أختبره قط في حياتي.. وقدت سيارتي في جنون مستميت نحو البيت كما لم أقد سيارة في حياتي.. قطعت الإشارة الحمراء مرتين عبر مساري لبيتي.. كنت أحاول انتزاع مقود السيارة في هستيريا غاضبة طلباً للوصول بأسرع وقت ممكن.. هذه العجوز لن تعيش في بيتي ثانية واحدة.. يجب الاتصال بالشرطة.. يجب أن تُسجن هذه الأفعى ثم ترحّل إلى وكرها الحضيض من حيث أتت.. لكن كان عليّ أخبار زوجي بكل الذي رأيته واتخاذ موقف مشترك..

لما وصلت باحة البيت كنت قد استرجعت جزءا من رباطة جأشي بشكل أفضل وسط تنهيدات الغضب وحشرجة البكاء المرّ والمكتوم .. كل شيء له حل.. لا داعي لإجهاد النفس والأعصاب في فترة كانت عائلتي في أمسّ الحاجة إليّ.. وكان عليّ اتخاذ قرار متزن وصارم وحكيم مشترك مع زوجي العزيز.. على عجل فتحت باب البيت.. وتوجهت إلى غرفتي حيث زوجي كان ينام بعد وصوله من رحلة العودة من صحراء العمل منذ سويعات قليلة.. كان مصراع باب غرفتي مفتوح ويكشف عن ثغرة ضيقة.. الأنوار بالداخل كانت مضاءة بشكل مريب في هذه الساعة المتأخرة..

وقبل أن تمتد يدي لمقبض الباب سمعت تلك التأوهات المحمومة من فوق فراش زوجي.. وفُتّحت أبواب الجحيم في وجهي فور اتساع فجوة مصراع الباب لتكشف عن تداعي آخر معقل لي في قلعتي بالغدر والخيانة.. تحطم كل شيء ثمين فيّ.. مشاعر متناقضة بائسة تعصف وجداني المكسور.. تلك العيون الواجفة التي هتك دخولي المفاجيء سترها تخترق روحي.. صدرها المترهل السقيم التي تحاول إخفاءه تحت برنُس فراشي المدنّس.. ووجه المحمر بحمرة خجل الدناءة والعهر والخيانة.. اشحت بنظري جانبا من هول الموقف وفظاعة المشهد وقبح العمل مع إمرأة عجوز في مثل سن أمه..

كانت ما تزال يدي المرتجفة تمسك بمقبض الباب، وكان قلبي المفجوع قد أفلت آخر بصيص أمل في إصلاح أي شيء.. أغلقت مصراع الباب ببطأ وسقطتُ خارجه على أرضية الرخام منهارة.. بلا قلب أو نبض أو حب.. وبلا روح.. مشاعر مضطربة وذهن مشتت وخوف من نفق المستقبل القريب المعتم.. كل شيء تبعثر وتحطم.. لم يبقى لي شيء سوى عيون أبناءي الثلاثة التي ترمقني خلسة بأسى وندم وصمت من خلف الأبواب المنفرجة.. ودموع مزدحمة بين الجفون مترقرقة تأبى النزول.. وكاميرا المراقبة داخل مزهرية الخزف تلك تسجّل آخر لحظات البؤس والحطام.. في بيتي توقف الزمن عند تلك اللحظة.. كل شيء توقف عند تلك اللحظة..

تاريخ النشر : 2016-01-24

guest
116 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى