اساطير وخرافات

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار

بقلم : يمينة – الجزائر

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
لم ينل ساحر في التاريخ من الشهرة كتلك التي نالها ميرلين

إنجلترا ذاك البلد الساحر الجميل الذي يقع في أرخبيل يشتمل على أربع بلدان هي : انجلترا , ايرلندا, اسكتلندا و ويلز . وهي تعرف كلها (باستثناء جمهورية ايرلندا) بأسم المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى. بالطبع لن أسهب في وصف انجلترا فهي غنية عن التعريف ، فمن منا لم يسمع عن مدينة الضباب لندن أو الملك هنري الثامن وقصة حبه الجنونية لـ آن بولين وقتله لزوجاته أو سلسلة أفلام هاري بوتر و سيد الخواتيم أو الأديب العظيم ويليام شكسبير ..

وبما أن التراث الإنجليزي يزخر بقصص و أساطير أقل ما يقال عنها رائعة, فلقد اخترت لكم أعزائي القراء أسطورتين بشكل ما ارتبطتا ببعضهما البعض .. فأرجو لكم قراءة ممتعة .

ميرلين الساحر الأبيض

في القرون الوسطى كان أبالسة و أسياد الجحيم يخططون لإحضار أمير الظلام المطلق لينافس ويقضي على السيد المسيح , وقد تلاعب شيطان ما بفتاة قروية عذراء و جعلها تحمل لكن سرعان ما تداركت خطأها و أدركت بأنها كانت ضحية لحب أعمى و لم تعرف بكيان حبيبها الشيطاني و مخططه الدنيء فنذرت أن تعيش بقية حياتها عفيفة طاهرة في خدمة الرب, وقد حملت بميرلين (merlin ) وشربت المياه المقدسة ونتيجة لهذا ولد هذا الصبي بقدرات خارقة لكن بنوايا طيبة و لم يسعى لتدمير البشر بل العكس لإنقاذهم .

طفولة ميرلين

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
الدرود او الدرويد كانوا كهنة بريطانيا الوثنية .. وكانوا يمارسون التضحية البشرية .. يقال كانوا يضعون الناس داخل تمثال عملاق مصنوع من الخشب ثم يحرقونهم أحياء ..

كان فورتيجن ملك بريطانيا يحاول الدفاع عن مملكته ضد الساكسون (قبائل جرمانية غازية) فقام ببناء برج في جبال سنودونيا, لكن الكهنة أخبروه الكهنة باستحالة دحر الأعداء إلا إذا أريقت دماء لأطفال من غير أب, وكان هذا المكون صعب الحصول عليه , فمن أين سيحضرون طفلا من غير أب ؟ , وتذكر عزيزي القارئ بأننا نتكلم هنا عن أوروبا العصور الوسطى , حيث كان مفهوم الطهارة والزنا والعفة يختلف تماما عن ما هو موجود في الغرب اليوم , ولهذا كان من الصعب العثور على طفل من دون أب , لكن الكهنة بحثوا وبحثوا حتى وجدوا ضالتهم في ميرلين , والذي سرعان ما اكتشف ما يخطط له سحرة الدرويد , وهؤلاء كانوا كهنة وسحرة انجلترا في العصور القديمة قبل المسيحية , وبعيدا عن عالم الأساطير فأن الكهنة الدرويد كانوا مرعبين حقا , ولهم طقوس تضحية بشرية مخيفة ومروعة تتضمن حرق الضحايا وهم أحياء , وبالعودة إلى قصة ميرلين فأن خطة السحرة بالأصل كانت القضاء على ميرلين , فهم علموا من خلال السحر والتنجيم بأنه سيكون ساحر عظيم وسينافسهم وينال حظوة الملك , فأردوا قتله , لكن ميرلين نجا من القتل بذكائه وقدراته الخارقة , إذ أخبر الملك أن السحرة غفلوا عن أمر مهم , وهو أن البرج لو شيد سوف لن يصمد لوجود بركة عميقة تحته فيها كهف يتصارع فيه تنينان أحدهما أحمر و الآخر أبيض , واستطاع ميرلين بقدراته الخارقة رؤية ذلك, فعدل الملك عن قتله .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
جانب من مخطوطة قديمة عن طفولة ميرلين ..

ميرلين و الملك آرثر

احتلت الأسطورة الويلزية للملك آرثر (King Arthur ) مكانا مرموقا في الميثولوجيا البريطانية والأدب العالمي, وأنتجت العديد من الأفلام حوله وحول ميرلين و اكسكالبار , وهناك من اعتبره قائدا كان له وجود حقيقي و هناك من اعتبره نصف إله سلتي و نصف بشري , لكن يضل وجوده من عدمه لغزا ألهم العديد من الكتاب الإنجليز في العصر القديم والحديث على حد سواء .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
الملك آرثر .. ارتبط أسمه كثيرا بالساحر ميرلين ..

آرثر بندراغون, هو بحسب الأساطير القديمة ملك شجاع وصائد التنانين و مقاتل مقدام و بطل بكل معنى الكلمة ,جمع بين النبل و الكرم و الدفاع عن الفقراء والمظلومين. تربى في غوينيذ شمال ويلز و أحب امرأة واحدة و أخلص لها هي غوينيفير التي أصبحت ملكته بعد أن توج ملكا على كاميلوت , وهو اسم مملكة آرثر التي أسسها من بقايا قريته المحطمة على يد الساكسون . ولآرثر مع زوجته غوينيفير قصة مشهورة حيث تعلق قلبها بحب أحد أصدقاء آرثر من فرسان الطاولة المستديرة , الفارس لانسلوت , وقد انتهى هذا الحب المحرم إلى مأساة وتسبب في موت آرثر , وتلك قصة طويلة قد نعود لها يوما ما .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
خيانة زوجة آرثر مع احد اصدقاءه من فرسان الطاولة المستديرة قادت إلى موته ..

الساحر ميرلين تنبأ بولادة آرثر و أنه هو من سينتزع الإكسكالبار و يقود معركة الخير ضد الشر و ينتصر فيها و أصبح ميرلين لاحقا مستشار آرثر و يده اليمنى وعضوا مهما في الطاولة المستديرة لحماية الكأس المقدسة التي كانت رمزا ذو مدلولات مسيحية لكن مع عمق واحترام يعود إلى أيام الوثنية , و كانت هذه الطاولة رمزا لآرثر و فرسانه الشجعان , وقد حظي بمكانة مرموقة لدى الكنيسة .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
الملك آرثر في شبابه وهو ينتزع سيف اكسكالبار

نهاية آرثر غير مؤكدة هناك من يقول أنه مات في معركة كاملان سنة 537م على يد الجاسوس موردراوت الذي بعثه سحرة الدرويد و يقال أنه نجا وحمل إلى جزيرة أفالون وتمت معالجته وسيعود يوما ما عندما يكون شعبه في أمس الحاجة إليه , ويؤمنون بهذا بشدة و خاصة شعوب ويلز وكرونول وبريتاني , حتى يقال أن الملك هنري الثامن بحث عن قبر آرثر من اجل  نبش جثته و قبره المزعوم الموجود تحت صخرة يزعمون أنها صخرة الإكسكالبار , لكن وجد القبر فارغا . وهناك أساطير تقول بأن آرثر ينام بعمق في كهف ما وسيستيقظ يوما ما . خلاصة القول هي أن الملك آرثر حظي بمكانة كبيرة في التراث الانجليزي , والبريطاني عموما , ربما لم يحظى بها أي ملك آخر .

نهاية ميرلين

هناك عدة روايات حول نهاية الساحر الأبيض , البعض يعتقد أن شياطين أبيه حملته إلى أسفل الجحيم , ويقال أيضا انه اختفى بشكل غامض, لكن أشهرها على الإطلاق هو وقوعه في حب تلميذته نيفيان التي تكنى بسيدة البحيرة , وكانت تستغله ليعلمها السحر فتصبح قوية و خالدة مثله , و لما تفوقت عليه حبسته في قلعة او كهف أو قبر وضل سجين حبه و معاناته و ندمه إلى الأبد, وبالرغم من أنه كان أقوى و أمهر السحرة إلا أن انقلاب محبوبته عليه و غدرها به أو اكتشافه أنها لم تحبه أصلا بل كان وسيلة لتحقيق المصالح جعله يضعف و يتحطم نهائيا.

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
العجوز ميرلين وقع في حب تلميذته اللعوب التي قادته إلى نهايته ..

أيا ما كان من مصير ميرلين فأن شهرته لم تمت أبدا , ولعله الساحر الأشهر في العالم , إذ أتى ذكره في العديد من القصص والروايات , وتم تجسيد شخصيته في العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات والمسرحيات . ربما ألاقرب منها إلى الذاكرة هو مسلسل ميرلين عام 2008 الذي نال شهرة واسعة وحقق نجاحا كبيرا , وهو من أنتاج هيئة الإذاعة البريطانية (BBC ).

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
على عكس ميرلين الاسطوري فأن ميرلين الشاشة كان شابا وسيما ومرحا ..

أسطورة إكسكالبار

هي أسطورة تتحدث عن سيف أسطوري يقبع في صخرة عظيمة ينتظر ذراعا قوية لتلتف حول عنقه كلمسة أم حانية وتقبض عليه بقوة الأسد وتلتف حوله كالأفعى ثم تسله من غمده الصخري ليلامس أشعة النور و نسمة الرياح ….

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
سيف اكسكالبار الاسطوري

في العديد من الدول الإسكندنافية والولايات المتحدة الأمريكية أيضا تقام أحيانا احتفالات لها علاقة بالعصور الوسطى , وأهم ما يميز هذه المهرجانات وجود صخرة بها سيف زائفة طبعا و من ينتزعها يحصل على مكافئة تكون على شكل دب قطني محشو أو أي هدية أخرى, لكن هذه اللعبة لم تأتي من العدم فلها جذور أسطورية عميقة لنتعرف عليها .

إكسكالبار أو كاليبرن (Excalabur /Caliburn ) هو سيف بقوى سحرية من ممتلكات الملك آرثر صنعه ميرلين لحماية كاميلوت قبل ميلاد آرثر بألف عام , يقال أن آرثر أنتزعه من الصخرة في خضم معركة دامية فسطع نوره السحري وتسبب بالعمى لجميع أعدائه فانتصر على قوى الشر .. وتقول الأسطورة أن من يحمل السيف لا ينزف و لا يموت في المعارك أبدا . وهذا السيف هو أيضا رمز لشرف الرجال , ويقال بأن أحد النبلاء قد أشترط على من يتقدم لخطبة أبنته أن ينزع سيفا حديديا ثقيلا من صخرة ما !  .

وهناك أسطورة محلية تقول أنه قديما كان حدادو القرية يتحدون معا لصنع أضخم وأثقل سيف وبعدها يفرغون عليه الإسمنت و يتركونه ليجف ,ويخصص يوما ما يجتمع فيه الناس ويكون مهرجانا لقوة عضلات الرجال , فأي رجل ينجح في نزع السيف يكون هو البطل وتهلهل له الحشود , أما الخاسر فسيلحقه عار السيف طيلة حياته أو إلى أن يغادر القرية .

من القصص الأخرى المعروفة هي قصة ابنة الماركيز التي كانت تعشق فتى الإسطبل , بالطبع أبوها لم يكن ليوافق أبدا على زواج ابنته من شاب فقير معدم , فهو , أي الماركيز , لا يؤمن بلغة الحب مثلما يؤمن بلغة النقود و الطبقات الاجتماعية , وقد حدث أن تقدم لخطبة أبنته شاب أخرق لكنه ابن تاجر ثري , وبرأي الأب المستبد فقد كان هذا الأخرق هو الزوج المناسب لأبنته , فهو يملك المال , لكن الابنة رفضت واتهمت أباها بالظلم والجور , فأراد الأب أن يعمل مسرحية يظهر فيها على أنه أب عادل , فقام بتنظيم مسابقة تقتضي بأن يحاول كل من فتى الإسطبل و ابن الثري نزع سيف من الصخرة ومن ينجح في ذلك سيفوز بيد ابنة الماركيز .

واجتمع الناس لرؤية المسابقة , وكان ذلك اليوم بمثابة مهرجان واحتفال عظيم , لكن ما لا يعرفه الناس هو أن الماركيز تعمد الغش في المسابقة لكي يفوز أبن الثري , فأمر الحدادين بصنع أثقل سيف ووضعه في طبقات مضاعفة من الإسمنت والمواد صعبة الكسر لفتى الإسطبل , أما لأبن التاجر فأمرهم أن يصنعوا سيفا خيف المعدن سهل الحمل ووضعه في صخرة بها فتحة كبيرة من اجل ضمان فوزه .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
نزع السيف من الصخرة كان امتحانا للرجولة ومناسبة للاحتفال

وكان فتى الإسطبل قوي البنية ضخم الجثة , فراهن الجميع على فوزه , وبالمقابل كان واضحا أن ابن الثري المدلل لم يعمل ولو لمرة في حياته وكان يرتعش كالدجاجة و يمشي في تمايل وغنج ودلال كالفتيات , وبالرغم من تسهيل الماركيز لمهمته فقط كان يفشل في نزع السيف في كل مرة ويأخذ فترات طويلة ليرتاح فيها بين كل محاولة وأخرى , أما فتى الإسطبل فلم يتوقف أبدا عن المحاولة , وكانت مهمته تكاد تكون مستحيلة , وظن الجميع أنه سيفشل , لكن بينما كان يرتاح من المحاولات المتكررة نظر إلى حبيبته ورأى دموع ترقرق في عيناها الساحرتين فأطلق صرخة مدوية وامسك بالسيف وراح يسحبه بكل ما أؤتي من قوة حتى نزفت يداه , وما هي إلا لحظات حتى نزع السيف من مكانه وسط صرخات وتشجيع ودهشة الجماهير المحتشدة .

لكن برغم بطولة فتى الإسطبل فأن والد حبيبته رفض أن يزوجه أبنته بحجة أن السيف الذي نزعه بقي جزء منه محطم قابع في الصخرة , ولما لاحظ الناس ظلم الماركيز شجعوا ابنته على الهرب مع حبيبها وسدوا الطريق عن والدها وأتباعه حتى فر الحبيبان إلى وجهة مجهولة ليعيشا بسعادة .

جدير بالذكر أن السيف الأسطوري لم ينظر إليه دائما كأسطورة , فهناك من أمنوا بأنه سيف حقيقي وبأنه كبير وثقيل جدا بحكم أن المحاربين القدماء كانوا ضخام الجثة , وأن السيف مصنوع من الذهب الممزوج بمعدن البلاتين مما يمنحه قوة خارقة , وهو مرصع بأحجار الزفير الزرقاء و الياقوت الحمراء و مكسو بالزمرد , وفي قبضته توجد جوهرة كبيرة هي حجر القمر … هذا الوصف الباذخ عن السيف دفع بالكثير من علماء الآثار إلى البحث عنه من أجل حفظه بأعتباره كنز قومي , لكن في نفس الوقت أشعل هذا الوصف جذوة الطمع في قلوب الكثيرين , فأجتمع صائدو الكنوز ورجال العصابات من أرجاء المعمورة , ودنسوا العديد من قبور الفرسان القديمة بحثا عن قبر الملك آرثر وسيفه الأسطوري الذي يعتقد بأنه دفن معه . لكن هناك أسطورة أخرى تقول بأن زوجته غوينيفير قامت بعد موته بإذابة السيف و إعادة تشكيله على شكل قطع نقدية وزعتها على الفقراء, وهناك من يقول أن السيف سرق من طرف الفرنسيين ثم ضاع في المحيط الأطلسي نتيجة لعاصفة حطمت السفينة , و لا يزال بعض الإنجليز ليومنا هذا يتهمون الفرنسيين لكننا نعلم أن القصة ليست إلا تمويه لأن أسباب العداوة الحقيقية بين الطرفين سياسية ولها علاقة بما يكون من التنافس والأحقاد التاريخية بين معظم الدول والشعوب المتجاورة .

أسطورة ميرلين و سيف إكسكالبار
ماذا حل بالسيف وإلى أين انتهى .. يبقى ذلك سرا يتردد صداه في الاساطير

أعزائي إن حظيتم يوما بفرصة لزيارة بريطانيا العظمى لا تترددوا في دخول المتاحف و سؤالهم عن تاريخهم و أساطيرهم و مشاهدة مسرحياتهم .. حقا أنه عالم خيالي له سحر خاص وقد أضاف له شعب الجزيرة العريقة نكهة فريدة من نوعها .

المصادر :


Merlin – Wikipedia

The Legendary Origins of Merlin the Magician
Britannia Articles: King Arthur’s Sword, Excalibur
Excalibur
From Wikipedia

Merlin (TV Series 2008–2012) – IMDb

تاريخ النشر 13 / 03 /2016

يمينة

الجزائر
guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى