أدب الرعب والعام

رغبة حمراء

بقلم : مازن الشّابي – تونس

اقتل.. تلك هي حياتك.. اقتل!

09/09/2009

* رنين *

– صباح الخير!
– من المتكلم؟
– اها .. نسيت صوتي بهذه السرعة ؟! ( ساخرا )
– اسمع يا هذا.. لا مزاج لي للمزاح والسخرية حاليا ! يكفيني ما لدي .. !
– مزاح؟ حقا؟ بحقك من الذي يسخر من الآخر؟  كم مضى من الوقت و أنا أنتظر سداد ديونك واسترجاع أموالي ! تعطلت شؤوني بسببك وأنت تتعلل وتتهرب؟ و الآن تقول لا وقت لك للمزاح !!
– سيد محمود..؟ آسف يا سيدي لم أدرك أنك المتصل .. أعدك بسداد الديون قريبا !
– قريبا.. قريبا.. سئمت من هذه الكلمة ضع الأموال على قبري و أنهِ الأمر !! حسنا.. فقط عجل، آه منكم!!
– ا …
* انتهاء المكالمة *

12/9/2009

*رنين*

– مرحبا , من ..
– إلى متى هذا؟ إلى متى؟؟ حركة العمل في الشركة بالكاد تسير .. سلسلة المنازل و المشاريع تحتاج لتمويل .. أريد أموالي , أرجع لي أموالي يا أخي!!
– س.. سيد محمود أ لم ..
– محمود ماذا ؟؟ أنا يوسف رئيس شركة العقارات .. ألم يكفك التهرب حتّى أضفت الاستهزاء؟!
– اه.. سيد يوسف ، عفوا ! لكن رصيدي لا يسمح لي بالدفع الآن .. هل انقطعت الرحمة من الدنيا يا سيدي؟
– نعم انقطعت الرحمة على الجائعين أمثالك! تقترض المبالغ الضخمة و تجعلني في ورطة فيما بعد! اقطع رأسي لو أقرضتك مليما آخر !!
– …
* انتهاء المكالمة *

12/4/2011

* رنين *

– مرحبا؟
– أنا حسام يا سيدي!
– أهلا بخادمي الأمين ! ما الأمر؟ هل هنالك مشكل في الشركة أو شيء من هذا القبيل؟
– لا يا سيدي , بالعكس! اتصلت لكي أبلغك أن صفقة الأرض الجنوبيّة و الصفقة التعاقديّة مع الشركة الدولية قد تمّت بنجاح و لن تتصوّر كم استفادت شركتنا من ذلك.. السرور يعم الجميع هنا و نحن بانتظارك لعقد اجتماع احتفالي يا سيدي . مبارك سيدي، مبارك!
– ….
– سيدي ..؟

* انتهاء المكالمة *

12/12/2014

* رنين *

– صباح الخير!
– أهلا سيدي!
– أهلا محمود.. أظن أنك تجاوزت الفترة المحددة لسداد الديون، لذا عجل بالخلاص من فضلك!
– قريبا أيها المدير.. شكرا لصبرك علي !
– خيرك سابق يا محمود، أنت أكثر الصابرين علي في أيام الشدة، دمت في أمان.. وداعا!
– وداعا أبها مدير!
*انتهاء المكالمة *

10/1/2015

*رنين*

– سيد يوسف.. لديك أسبوع فقط لتسديد ديونك لي و إلا سأسحب خدمات شركتي منك و ستكون كل الممتلكات المرهونة لي و لن أؤجل ذلك و لو لثانية..
– لكني لا أقدر يا سيدي .. هل انقطعت الرحمة من الدنيا؟!
– نعم.. على الجائعين أمثالك، وداعا!
-….
*انتهاء المكالمة *

* عناوين الصحف *

19/11/2015: شركة تجارية صاعدة تحقق نجاحا كبيرا و تنافس أكبر الشركات الدولية!
22/12/2015: نجاح منقطع النظير و مرابح خيالية.. إلى أين ؟!
01/01/2016: زيارة الرئيس للسيد “…” صاحب أكبر شركة عقارية في البلاد.

كان يقرأ الصحف.. يرى صوره و المقالات و الدراسات و الأقوال التي تعتبره بطلا تحدى المستحيل.. نظر لنفسه في المرآة، أشعل غليونه الثمين ، رفع زجاجة الخمر عن الطاولة و بقي يتأمل .. فيمَ يتأمل؟ من هو؟ ماذا بعد ذلك؟ هل انتهت حياته؟ حقق ما حلم به.. النفوذ و الشهرة و المال! انتقم من البشر و الجماد! هل وصل إلى الحدود.. إلى النهاية؟

 كان يتساءل مفكرا في الخطوة التالية، المحافظة على النفوذ؟ لا لا.. هو يتطلع إلى الجديد! لقد هزم الجميع، متع نفسه و أرضاها و أشبع رغباته.. كلمة رغبات! تلك الكلمة التي لطالما أسالت لعابه و حرّكت في داخله شيئا غامضا، هاهو يتطلع للخطوة التالية و يدرك أنها مختلفة تماما عما كان يتطلع إليه و حققه! لم يرد التعمق في ذلك الموضوع لأن يقينا بداخله يطمئنه بأنه سيتمكن من ذلك يوما ما ، هو يعتبر نفسه قادرا على فعل أي شيء.. أي شيء كان!

13/06/2017

في تلك الليلة ، كان جالسا في قصره يستمتع بالسهر مع الأصدقاء ذوي النفوذ و الشهرة أمثاله.. قتلهم الملل، ملوا من البذخ و الرفاهية و المأكولات الرفيعة و الأغراض الثمينة.. صاروا يفكرون في شيء جديد يزيل عنهم الهم و الملل . ما الجديد؟ ما الشيء الذي سيغير حياتهم التي أصبحت مملة؟ هو قام يصرخ كالمجنون ..

طفق يرسل لرفاقه وابلا من الشتم و الإهانة و طردهم أشنع طرد ، هم لم يفهموا لماذا و هو كذلك.. اندفع يجري كالمعتوه بين أروقة قصره.. يدمر و يحطم أي شيء يعترضه! حطم تحفة شركته النادرة, مزق سترته الجلدية الثمينة و أتلف ساعته الذهبية، لم يستمتع وهو يقوم بذلك.. وصل إلى باب غرفته.. رأى الخادم واقفا مذهولا مرتعدا، اقترب منه، استل احد السيوف المعلقة في الجدار و اندفع نحوه..

لم يدرك شيئا.. دم متناثر على الأرضية، سيف أحمر، جثة على الأرض.. و قاتل منتصب حذوها.. لم يفكر بشيء حينها.. إلا بالنشوة العارمة وقتها! أخيرا! أخيرا!! أخيرا عرفت ما الذي ينقصني ، وصلت لخطوتي الأمامية ، المحطة المهمة في حياتي، أهم شيء.. الرغبات، البشر!! ردد هذه الكلمات بينه و بين نفسه ضاحكا بهستيرية أيقظت القصر بأكمله.. لم يجرؤ أحد على الدخول إلى الرواق الخاص بغرفته و لم يتوقع أحد ما الذي يحدث في الداخل..

صعد إلى فراشه و عانق وسادته الذي تحول لونها إلى الأحمر كطفل صغير يعانق لعبته.. نام غارقا في نشوته العارمة و سعادته التي لا توصف.. لم يفكر في شيء، كان غائبا عن الوعي، فقط مستمتعا كضائع منذ زمن طويل وجد ضالته.

– هل أنت سعيد الآن؟
– ماذا؟
– هل أنت سعيد؟
– من أنت ؟ من المتحدث؟؟
– لا تجهد نفسك.. فقط أجبني هل تشعر بالسعادة؟
– ن..نعم! لكن لماذا؟
– هاهاهاهاها.. كنت متأكدا من ذلك.. أصغي إلي، أنا في أعماقك، أنا أعلم معنى حياتك، أنا هو أنت و سأجعلك أسعد مخلوق على وجه الأرض! البشر يا أنت.. البشر , الدم ! هم الحياة، هم بؤسها و بهجتها أيضا! اقتل.. اقتل.. اقتل.. اقتل..
– كفى! كفى!!
– اقتل.. تلك هي حياتك.. اقتل!
– ااااه أرجوك أنت تدمرني تدريجيا!!
– اقتل.

*******

نهض يصيح مفزوعا، يلهث بشدة، قلبه ينبض و كأنه سيخرج من مكانه.. أدرك أنه كابوس، تحسس يده فلم يجد ساعته، نظر للساعة على الحائط ; الثالثة فجرا.. تحسس صدره المبتل عرقا.. سترته الجلدية ممزقة و لونها داكن.. سترتي الثمينة!! انتفض يصرخ من على سريره، ذهب يتحسس قرص الضوء في الحائط لكنه تعثر في شيء لزج ثم سقط على الأرض و ما لبث أن وجد نفسه يسبح في سائل..ما هذا؟ هل فعلها خادمه مرة أخرى و كسر جرة الخمر الثمينة، أقسم أني سأعاقبه أشد العقاب، نهض منفعلا و ضغط على قرص الإضاءة.. نظر حوله.. لكنه لم يكن حلما ليستيقظ منه هذه المرة.

*******

21/07/2017
– الوو
– أهلا حسام
– سيدي المدير ! كيف حالك ؟
– بخير , شكرا حسام.. أردت منك أن تعد رحلة جبلية.. و المنخرطون في هذه الرحلة سيكونون فقط من عمال الشركة، و أن لا يتجاوز عددهم العشرة.
– هاه ؟ و لكن يا سيدي..
– افعل ما أمرتك به و بسرعة، ستكون هذه الرحلة الأسبوع المقبل، و المبيت سيكون في منزل جبلي منعزل لكي يضفي هذا طابعا خاصا على الرحلة.
– حاضر سيدي، حاضر.

أغلق الخط.. و بابتسامة باردة راح يحلم بتلك الأيام.. كمشرد جائع يحلم بمائدة فخمة.. رفع رأسه للأعلى و أطلق ضحكة جنونية.. تذكر لحظة رؤيته لخادمه جثة هامدة غارقة في دمائها، تذكر انبهاره و كذلك شعوره حينها، و كأنه رأى آلاف الجثث من قبل و تمنى لو أنه لم يضطر لدفنها بعيدا خوفا من الشبهات.. تلك الرائحة، تلك الصورة عندما تداعب العينين و لمس ذاك السائل الأحمر الناعم الذي يدغدغ اليدين و النشوة العارمة.. طفق ينتظر إعادة تلك اللحظات بفارغ الصبر.

28/07/2017
– و أخيرا وصلنا! ( أعلن السائق )
– كانت سفرة متعبة..
– القادم ينسينا في التعب! ( صوت من آخر الحافلة )
– بلى .. إنّه أحد أفضل الجبال في القارة، كما أن ظروف الإقامة رائعة فجميعنا نعرف من منظم هذه الرحلة هاهاها..
– لقد أحضرت ابنتي معي.. أرجو أن تستمتع!
عاد صوت القائد ليرتفع مرة أخرى : جميعكم جهزوا أنفسكم، وصلنا لمكان الإقامة.. أرجو أن تستمتعوا!

******
وقف ينظر من نافذة المنزل الجبلي إلى ضيوفه أو بالأحرى فرائسه و هي تتجه نحوه بملء إرادتها.. بدأ الجوع يسيطر عليه ثانية.. تخيل تلك اللحظات من جديد. نزل لاستقبالهم.. ابتسامته المطمئنة جعلت الجميع يستسلمون و يشرعون في استكشاف منزلهم الجديد.. أو قبرهم كما يعتقد هو الذي وضع خطة محكمة.. كان هو ينظر و يحلل كل ضحية، تلك ستكون شجاعة! ذلك الرجل سيصرخ كثيرا عندما أبدأ في تفريغه من الدماء.. انظر إلى تلك الصغيرة، حتما ستكون متعة كبيرة و وجبة شهية! فحتى البراءة لم تتمكن من الوقوف في وجه جوعه!

ترك الجميع في الداخل، جهز المخدر و الأدوات و اتجه نحو الحافلة.. كان ذلك المسكين مشغولا بإعداد حافلته استعدادا لرحلة الإياب إذ به يخدع من قبل ذلك الوحش و سرعان ما يتحول إلى لعبة بين يديه.. يا لتلك المتعة! إنها مضاعفة! تلك الرائحة.. ذلك الجسد الممزق و النظرات اليائسة المكتومة، النشوة، المتعة، المزيد.. أريد المزيد!! كان بقدر ما يستمتع يتساءل لماذا يقوم بذلك.. كيف تحول إلى وحش لا يرحم؟ لكن لا يهم!! هو يفعل ما يجب فعله حاليا.. سائق الحافلة لم يكن شيئا يذكر مقارنة بما ينتظره لاحقا.. خاطب نفسه هكذا بتفاؤل شديد..

ضحك ضحكته الهستيرية المعتادة و انطلق لتنفيذ الجزء الثاني ألا وهو قطع الجسر الفاصل بين طرفي الغابة لعزلهم عن العالم الخارجي , ثم قطع خط الهاتف القار في المنزل .. هذه الخطوة المجنونة! قطع الجسر بالفأس ثم اتجه نحو الهاتف.. و كانت صدمته الشديدة عندما وجده مقطوعا.. كيف ذلك؟؟ لم يتذكر أنه فعلها من قبل! قاطع شروده صوت صياح في طابق المنزل السفلي لأحدهم.. و سمع المحادثة :

– ماذا هناك يا سيد فراس ؟
– ل..ل..لقد و..وجدت س..سالم شريكي في الغرفة مقتولا فوق سطح المبنى !!
لم يصدم هذا الخبر المقيمين في المنزل بقدر ما صدم وحشنا الجائع .. وقع هذا الخبر عليه وقع الصاعقة.. هو لم يقتل سوى سائق الحافلة ! شعر بالدنيا تدور من حوله، ذهنه يتشتت و قلبه ينفطر، لأول مرة يشعر بأنه المهزوم.. بأنه الضحية! هناك من يقتل غيره هو!

ثم ما لبث أن سمع صرخة أخرى من الحمام..
عض شفتيه حتى سال الدم منهما.. هل هي رسالة من وحش آخر؟؟ تحدّ؟ أم أنها مجرد جريمة قتل؟ هذه حرب.. لأول مرة يشعر بعزة نفسه و بحاجته لإثبات ذاته.. لأول مرة سيقاتل من أجل نفسه.
حسنا. ماذا أفعل الآن؟ ما الذي يجري؟؟ هل أنا من فعلت ذلك؟ هل هنالك قاتل آخر غيري هنا؟ من غيري؟ من يتحداني! كانت هذه الكلمات تجول و تصدع ذهنه المشتت..
– السيد محمود ينزف! أحضروا المساعدة فورا!
– يا الهي من فعل هذا؟ من؟؟
– أمي أريد العودة إلى المنزل!!

لم يفهم.. لم يعرف إن كان سيفرح أم سيهلع.. هل سيتحول الصياد إلى مدافع عن الفرائس؟ كان يتأمل.. شعر بالدنيا تدور من حوله، لم يشعر بهذا الشعور من قبل.. كان شعورا مبهما، مخيفا و جميلا.. يزرع روح التحدي و..

– إلى القتال يا أنت.. إلى القتال!
– من؟ صاحب الصوت مجددا؟؟
– هيا ماذا تنتظر؟ هذا يوم حياتك! هذا اليوم الذي ستقاتل فيه من أجل نفسك لأول مرة.. تحرك، أنت وحش، لن يهزمك أحد!! اقتل.. اقتل!

تلاشى الصوت تدريجيا.. اشتعلت عيناه، تدفق الدم يجري في عروقه مدفوعا بالأدرينالين، ضبط أعصابه و كبح قوته، أدرك بداية الحرب.. ثم انطلق مهرولا نحو فرائسه لحمايتها من غريمه الصياد.

تاريخ النشر : 2016-05-07

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى