أدب الرعب والعام

فاقد الشيء يعطيه

بقلم : Shadwoo Shadwoo – مصر

فاقد الشيء يعطيه
و عندما دخل وجد القط وخلفه ملك تنظر أليهبداخل غرفة فخمة بڤيلا كبيرة ، تدخل فتاة تعانق شخص ما جالس على المكتب يراجع أوراق يبدو أنها تخص عمله .

– حبيبي أنت دائماً هكذا مشغول بالأوراق ، الم تخبرني أننا سنخرج اليوم ؟

– سامحيني حبيبتي فلدي عمل كثير ، أنتي تعلمين أن منصب نائب المدير متعب جداً.

– اعلم فأنت دائماً تخبرني بذلك .

ابتعدت خطواتها وهي تهمس ربما لو كان لدي طفل يؤنسني ما غرقت بهذه الوحدة ، ثم أغلقت الباب خلفها ، رغم أنها كانت تهمس لكن قلبه سمعها قبل أذنه ، ترك الأوراق من يده و وضع يده على وجهه والدموع تنهمر من بينها ، أنها دائماً تذكره بذلك ، قلبه لا يحتمل ، وان كان هناك شخص يتمنى أن يكون أباً فلن يكون بمقدار رغبته هو بذلك ، امضى ليلته بين الحزن حتى تعبت عيناه من كثرة الدموع واستغرق بنومه على المكتب بجانب الأوراق.

اليوم التالي جهز أغراضه وذهب إلى العمل ، شركة كبيرة تشبه ناطحات السحاب لا تستطيع عيناك أن تصل لأخرها ، دخل بهيئته مثل رجال الأعمال أو لنقل اصغر رجل أعمال ، فلقد كان شاباً وسيماً و والده يملك هذه الشركة ، دخل والجميع يحييه وهو يرد التحية.

– صباح النور أستاذ احمد ، لا تنسي الموعد علي الحفل الليلة.

– صباح النور ندى ، بالتأكيد لن انسى .

استمرت خطواته لداخل مكتبه تاركاً خلفه ندى تتحدث مع صديقتها.

– بالرغم من انه شاب غني ، تنهدت بابتسامة ثم تابعت و أيضاً وسيم غير انه صاحب هذه الشركة ، ثم التفتت إلى صديقتها متابعة ، إلا انه متواضع جداً ودائماً مبتسم ويعامل الموظفين بالشركة كأنهم أصدقاءه المقربين.

– نعم ، كم هي محظوظة زوجته.

قاطعتها ندى بغضب متابعة 

– أنها لا تستحقه ، الكل هنا يعلم أنها إنسانة مادية تعشق المال.

– حسناً ، كفي عن الكلام ولنتابع عملنا قبل أن يرانا المدير.

بينما احمد يتابع أوراق عمله حتى سمع جرس هاتف المكتب.

– نعم .. سكت قليلاً يستمع ثم تابع … اجتماع ؟ حسناً سآتي على الفور.

اخذ أحمد الأوراق ثم خرج وتتابعت خطواته إلى مكتب المدير ، دخل وكان كبار رجال الأعمال ينتظرون بمكان الاجتماعات وبادية على مظاهرهم الهيبة والثراء ، اخرج أحمد أوراقه وظل يشرح لهم المشروع الجديد الذي سيجعل لهم مكانة خاصة وأرباح هائلة ، و ما أن انتهى من شرحه حتى بدأ الجميع بالتصفيق له وهم يرددون : أنت عبقري ، وضع المدير يده على كتف احمد ثم تابع :

– آنت عبقري يا بني ، أنا افتخر بك.

قاطعه شخص من الحضور قائلا :

– لو لم أكن مدركاً بذكاء احمد ، لقلت انك تبالغ لأنه ابنك ، ثم واصل الجميع الضحك.

– اجل ، أنا مطمئن على الشركة معه من بعدي ، قالها وهو ينظر إليه . 

قاطعه احمد قائلاً :

– لا تقل هذا ، لك طول العمر يا أبي .

انتهي الاجتماع بعدما تحول من اجتماع عمل إلى اجتماع أصدقاء ، استأذن احمد من والده كي يغادر لان لديه شيئا مهم ليفعله ، غادر احمد بسيارته وكان الليل قد خيم ، وصل أمام المنزل وغادر السيارة ومعه فستان يتلألأ بريقه بظلمة الليل ، صعد إلى المنزل وطرق باب الغرفة ، لكنه سمع صوت زوجته تتكلم مع احد ، فتح باب الغرفة واخذ يدور بنظره بأرجاء الغرفة ، لكنه لم يجد أحداً سوى زوجته واقفة بمنتصف الغرفة ، نظرت إليه زوجته وقالت بقلق :

– ماذا ، لماذا تلتفت هكذا حبيبي ؟

نظر إليها متابعاً

– لا شيء ، سكت قليلا ثم تابع قائلاً :

– هل كنتِ تتحدثي مع احد ؟

– أنا ؟ لا لم أكن أتحدث مع احد ، ربما صوت التلفاز ، نظر إلى التلفاز فوجده مطفأ ، قاطعت نظرته قائلة لقد أطفأته قبل قليل انه ممل ، غيرت الموضوع قائلة .. ما هذا الذي معك ؟

– هذا ، آه لقد نسيت ، أصدقائي جهزوا لحفل مع أعضاء الشركة لذا جلبت لكي هذا الفستان كي ترتديه بالحفل.

– أصدقائك ؟ حسنا ، أخذت الفستان ثم تابعت قائلة ، سأذهب لأجهز نفسي .

أصوات الحفل الصاخبة ودخول احمد وزوجته كالأمير وسندريلا ، وبالطبع نظرات الكل تتجه نحوهما ، توجه احمد إلى مجموعة من أصدقائه واخذ يتحدث معهم وزوجته بجانبه ، صدمه شخص من الخلف.

– عذرا لم اقصد.

– من ؟ ياسر ، صديقي لم أرك منذ حفل زفافي يا رجل أين كنت ؟

التفت ياسر إلى زوجة أحمد وهي بدورها تتفادى النظرة وتدير بوجهها ثم نظر لأحمد قائلاً :

– لقد سافرت من اجل العمل ، اخبرني ما أحوالك ؟

– أنا بخير يا رجل ، ثم وضع يده على كتف ياسر قائلاً :

– هذا الرجل هو اعز أصدقائي منذ كنا بالجامعة ونحن معاً ، ثم رفع كأسه قائلاً :

– لنشرب نخب عودة صديق العمر.

مضت الليلة حتى جاء اليوم التالي وشعر احمد ببعض الإرهاق من كثرة التعب ثم استأذن للمغادرة ، غادر بسيارته ووصل للمنزل ، صعد إلى غرفته وقبل أن يقترب منها لاحظ صراخ زوجته وهي تتكلم فاقترب من الباب منصتاً واقترب معه الصوت.

– الم اقل لك لا تتصل بي مرة أخرى ، ثم لم عدت إلى هنا ؟ الم أعطيك مالك من اجل أن تختفي وتبتعد عني ، سكتت قليلاً لتستمع ثم تابعت ، أنا اعلم انك السبب بما أنا فيه من نعيم ، قالتها بسخرية ثم تابعت ، لكنك أخذت ثمن خدماتك ، ولا داعي لأذكرك انك أخذت أكثر من المال أنت تعلم ما اعني ، تغيرت ملامح احمد من الإرهاق إلى الغضب وهو لا يصدق أذنه ثم تابع الاستماع ، تابعت سكوتها من جديد تستمع ثم قالت : لن يصدقك إذا أخبرته بالعلاقة بيننا فهو يثق بي ، ثم ألا يكفيني انه عقيم ، الآن كل تلك الثروة ستذهب هباء فيما بعد ولن اخذ منها سوي القليل.

خانت أحمد عيناه ونزلت دموعه كما خانته زوجته و أيضاً صديقه ، ولا يدري أيهما اشد على قلبه.

فتح الباب بسرعة وهو ينظر إليها بعينه التي غرقت بالدموع وأيضاً الغضب ، أوقعت الهاتف من يدها من صدمتها برؤيته وعلمت انه سمع كل شيء ، اخذ يقترب منها وهي تبتعد بدورها وتحاول تهدئته بالكلمات المعتادة التي تقال بهذا الحدث.. دعني أفسر لك كل شيء ، أنت تعلم أني لن افعل شيئاً هكذا صحيح ؟ أرجوك اسمعني .

استمرت بقول تفاهتها وهو لا يهتم بكلامها فقط يقترب منها وعينه مليئة بالشر ، وقبل أن تحاول الهروب منه جذبها من شعرها و أوقعها أرضاً واخذ يضرب فيها بلا وعي ، لمعت بعينه تلك السكين التي بجانب طبق الفاكهة وكأنها تحدثه قائلة : هيا ، لا تتردد.

امسك السكين واخذ يطعن بجسدها غير مهتم بصرخاتها ولم يدرك نفسه ألا وهو ممسك بالسكين ينظر إليها والى جثة زوجته الغارقة بالدماء والتي فارقت الحياة ، أوقع السكين من يده وهو يردد :

ماذا فعلت ؟

قاطع صدمته صراخ الخدم وهم يركضون علي الدرج ، وقبل أن يصلوا إلي الغرفة اتجه إلى الشرفة ثم قفز إلى حمام السباحة الذي تلونت مياهه بالدماء من قميص احمد ، ثم قفز من اعلي البوابة التي كان حارسها مع الخدم بالداخل ، والتي بدورها تتعالي صراخهم… السيدة قُتلت… السيدة قُتلت.

اخذ يركض بالطريق والأصوات تختفي شيئاً فشيئاً حتى اختفت تماماً بل كل الأصوات من حوله اختفت ، وهو يستمر بالركض حتى تعبت قدماه اخذ يلتقط أنفاسه وهو ينظر حوله إلى المكان التي قادته قدماه إليه ، انه يراه لأول مرة ، خاصة ذلك المنزل المهجور الذي بدوره ظهر ذلك علي جدرانه وأبوابه.

تقدمت خطواته ببطء لداخل المنزل وهو يفتح الباب ، ليصدر صوت صرير فتحه مدخلاً الرعب بقلب احمد ، اخذ ينادي…

– هل من احد هنا ، لقد وجدت الباب مفتوحاً ، مرحباً.

فاجأته قطة منقضة عليه من الظلام وهي تموء ثم ابتعدت عنه خارج المنزل اخذ احمد يسب ويلعن من صدمته متابعاً :

– ألا يكفيني ما مررت به حتى تأتين أنت ، قطة غبية.

التفتت إليه القطة وهي مبتعدة كأنها سمعته ثم نظرت إليه بغضب وهي تزمجر له ، لا يدري كم كان مخيفاً أكثر ، سوادها الحالك كالظلام أم نظرتها إليه وهي تموء كأنها تحذره ، ثم التفتت مغادرة المكان وتاركة احمد وفمه مفتوح من الرعب وعيناه اتسعتا كأنه يحتضر ، انتظر قليلاً حتى يهدأ من صدمته ، ثم دخل المنزل واطمئن انه ليس ملكاً لأحد على الأقل بالوقت الحالي ، استند على الجدار بالغرفة وهو يرتجف من البرد وزادت عليه برودة المكان ، اخذ يراجع أحداث قتله لزوجته و لا يصدق ما حدث ، تعب من التفكير فاستلقي على الأرض وأغمض عيناه معلناً استغراقه بالنوم ، حل الصباح ونور الشمس تخلل من النافذة المكسورة ليطل على وجه احمد كأنه يوقظه ، لكن هذا الصباح غير أي صباح مر به

انه صباح أعلن بداية حياة جديدة لقاتل وأيضاً متشرد ، استيقظ وهو يحجب الضوء بيده عن عينيه ، واسترق لإذنه صوت القطة من جديد ، واخذ يتتبع الصوت إلى أن فتح باب المنزل ليجدها جالسة وهي تنظر إليه ، ارتعش جسده من الرعب ما أن رآها ، لكن تحول صوته إلى غضب .

– أنتي هنا مجدداً ، ماذا تريدين ؟ اعلمي انك لن تمكثي هنا معي ، والان غادري  قالها و هو يصرخ  .

لاحظ أن القطة كانت تجلس مستمعة إلى حديثه ، ثم نظرت إليه كأنها تسخر منه ، ولو تكلمت نظرتها لقالت :

– ههه هل انتهيت ؟ يا لك من أحمق

ثم أصدرت موائاً عالياً كأنها تصرخ به ثم التفت مغادرة ، تركت احمد هذه المرة بحيرة من أمره وهو يقول :

– يا لها من قطة غريبة.

أخذت تتبادر على المكان وهو يشتط غضباً منها ويستمر برميها بما يقابله وهي جالسة مكانها لا تحرك ساكناً ، فقط تنظر إليه ثم تصرخ به كالعادة وترحل.

استلقي احمد على الأرض الباردة من شدة تعبه ، فهو لم يأكل شيئاً منذ مدة وصوت معدته يؤكد على ذلك ، لقد كان يأكل ما يجده بالقمامة أو يتجول مثل المتشردين يبحث عن الطعام وهو مخبأ وجهه ، الطعام الذي كان يأكله بأفخم المطاعم و الفنادق صار مكانه بقايا طعام من القمامة ، والثياب التي كانت من اغلي الماركات صارت مكانها ثياب متشرد يغطيها التراب بعدما كانت تغطيها اغلي العطور ، لقد تبدل من حال إلى حال بسبب صديقه وزوجته الخائنين ، اخذ يبكي ويصرخ :

– اااااه ، ما الذي يحدث لي ؟ لماذا ؟ ليتك ترين ما أنا به الآن يا أمي .

أغمض عينيه وهو مستمر بترديد ذلك الكلام ، حتى استرق لأذنه صوت زمجرة القط ، لكنها كانت قريبة وليست ببعيدة كالمرات السابقة ، فتح عينيه ببطء ووجد القطة تنظر له من كسر النافذة ، لم يلقيها بشيء كما يفعل بكل مرة بل أغمض عينيه وهو يرتعش من البرد قائلاً :

– أرجوكِ اتركيني بحالي ، فأنت لا تعلمين ما مررت به ، لقد توقف الصوت ، فتح عينيه مجدداً لكنه لم يجدها ، ربما فهمت كلامه وتركته لحاله ، ابتسم احمد بسخرية من أن حيوان فهمه ولم يستطع من حوله من البشر أن يفهموا جرحه ، تعبت عيناه من الدموع وأغمضت معلنة استغراقه بالنوم ، مرت الأيام والقطة لم تظهر أو حتى يسمع صوتها ، لقد شعر احمد أخيراً انه سيشعر بالراحة بعيداً عن نظراتها الغريبة وحضورها الدائم وموائها المستمر ، لكنه أيضاً قلق أن يكون قد حل بها مكروه ، فهي لم تترك يوماً وألا و أزعجته فيه ، فلم الغيبة المفاجئة ؟ شعر احمد بالملل وأراد استنشاق هواء ينعشه بعيداً عن ذلك الهواء الذي يتنفسه بالمنزل وكأنه ممزوج برائحة الموت ، اخفي وجهه وخرج يتمشي قليلاً ، ولكنه لم يبتعد عن المنزل حتى يعرف طريق العودة ، جلس على كرسي بجانب حديقة واخذ يتأمل المكان حوله والنسيم البارد ، ولكنه استرق لسمعه صوت يأتي من الحديقة تتبعه إلى أن رأى … هل ستقولون القط … لا ، كانت طفلة صغيرة تبكي وتنادي على أمها ، اخذ ينظر حوله على المارة ، أنهم متجاهلين الأمر تماماً وكأنه شيئاً لا يخصهم ، توجه احمد تجاهها وكانت تضع يدها على وجهها وهي تبكي ، حاول تهدئتها قائلاً :

– لا تبكي يا صغيرة ، أين هي أمك ؟

– لا ادري ، لقد تركتني ورحلت ، قالتها وهي تضع يدها علي وجهها.

– حسنا ، لا تبكي تعالي لنبحث عنها.

امسك يدها ، لكن الطفلة كانت تهز ذراعيها مثل الأطفال علامة للرفض.

– لا تخافي ، سنبحث عنها  الآن ، ما هو اسمك ؟

أزالت الطفلة يدها ونظرت إليه ، وما أن نظرت إليه حتى ظلت تبتعد عنه وهي تصرخ قائلة – بعبع ، بعبع  ، كما يقول الأطفال  .

ضحك احمد منها ثم نزع ما كان يغطي وجهه قائلاً :

– أرايتي ، أنا لست بعبع ، لا تخافي أنا شخص طيب ، الآن ما هو اسمك ؟

– اسمي ملك ، قالتها وهي تمسح دموعها بيديها  .

– اسم جميل ، حسناً ملك تعالي لنسأل احد عن مكان أمك ، لا تخافي.

أخذها وظل يسأل كل من يقابله ، لكن الناس كانوا يتجنبونه حتى السير بجانبه ويتجاهلون أسئلته ، ربما بسبب مظهره الذي أصبح كالمتشردين ، ربما.

صرخ قائلاً بعدما تعب من تصرفاتهم :

– ما بال هؤلاء الناس ، ترفضون مساعدة طفلة لإيجاد أمها.

نظر إلى الطفلة وهي تتثاءب من كثرة النعاس ، فقال : تعالي يا طفلتي فلقد انعدمت الرحمة في قلوب الناس ، اقترب منها وتابع قائلاً :

– لنذهب الآن للمنزل كي تنامي قليلاً ، وغداً سنكمل البحث عن والدتك ، حسنا.

لم ترد الطفلة بس استمرت بالتثاؤب وفرك عينيها من النعاس ، عاد احمد إلى المنزل ومعه الطفلة و دخل الغرفة واخذ يفتش بين الأغراض على غطاء وشيئاً تنام عليه ، فهي طفلة لن تتحمل برودة الأرض مثله ، وجد ما يبحث عنه و أزال عنه التراب ورتبه لها ، ثم خرج إليها قائلاً :

– لقد جهزت لكِ مكاناً للنوم ، هيا اذهبي.

دخلت الطفلة وهي تستمر بالتثاؤب واستلقي هو خارجاً أمام غرفة الطفلة  بالصالة  ، استغرق بالنوم لكنه انتفض من مكانه عندما شعر بيد تهزه ، اخذ يلتقط أنفاسه وهو ينظر لها ، لقد كانت ملك. هدأ قليلاً ثم تابع قوله :

– ما الذي أيقظكِ ؟

– لم استطع النوم ، أيمكنك أن تحكي لي قصة قبل النوم ، لقد كانت أمي تفعل لي ذلك.

اخذ يتثاءب وهو يقول :

– قصة ؟ أنا لم اقرأ بحياتي قصة.

نظر إليها ووجدها تبادله بنظرتها البريئة ثم تابع قائلاً :

– حسنا ، حسنا هيا لأحكي لكِ قصتك.

دخلت الغرفة وأجلسها بفراشها وغطاها ، وبدء بقراءة القصة ، لكنها كانت تقاطعه بضحكاتها عليه لأنه يخطأ بالقصص ، ضحك هو الأخر وقال لها :

– لقد قلت لكي أني لم اقرأ قصة بحياتي.

تابع قراءة قصته أو بالأحرى أخطائه حتى استغرقت بالنوم ، نظر إلى وجهها الملائكي وهي نائمة ثم تابع قائلاً :

– كم هي محظوظة أمك ، لان لديها ملاكا مثلك.

اطمأن أنها استغرقت بالنوم وتسلل بهدوء للخارج ، وقف علي باب الغرفة ونظر إليها مرة أخرى ثم ابتسم ابتسامة الم ثم تابع خطواته خارجاً واستلقي بنفس مكانه ، وعاود إكمال نومه.

أشرقت الشمس وتسللت أشعتها إلى داخل المنزل من الشقوق وأيضاً معه صوت القط إلى أذن احمد ، اتسعت عيني احمد مستغرباً .

– هل عاد هذا القط مجدداً ؟

فتح باب المنزل ليراه كعادته جالسا ينظر له كأنه يسخر منه ، واحمد يشتاط غيظا عند رؤيته تلك النظرة ههههه ، اتجه نحوه كي يطرده كعادته ، لكنه قاطعه صوت ملك

– اااه قط جميل ، نظرت إلى احمد ببراءة الأطفال وقالت : أيمكنني الاحتفاظ به ؟

نظر إليها باستغراب وهي تستمر بقول :

– ارجوووك ، أيمكنني الاحتفاظ به ؟

ضحك احمد منها ثم قال :

– حسناً ، تفضلي هو لكي.

ركضت الفتاة نحو القطة وهي تستمر بالضحك وكان هذا المشهد كفيل أن يفقد احمد قلبه من شدة الفرح ، فهو لم يسمع ضحكات طفل منذ زمن فما بالك انه السبب بتلك الضحكات.

لكنه نظر مستغربا إليها والقطة لم تؤذيها مثل باقي القطط العادية ، ضحك بسخرية وقال :

– ههه قطط عادية ، أنها الغرابة بعينها.

نظر إليه القط نظرة شماتة انه الآن بمنزله ولن يستطيع طرده ، بادله أحمد أيضاً بنظرة و كأنه يقول سأراقبك.

المشهد مائل للضحك أكثر ما هو للرعب ، حملت الطفلة القط وهي تركض تجاه احمد مبتسمة ثم قالت :

– أنا جائعة كثيراً ، ثم نظرت للقط متابعة : الست جائعا أنت أيضاً يا هابي.

اخذ أحمد يفكر و يقول بنفسه :

– من أين سآتي بالطعام لها حتى أتي لذلك القط الغريب أيضاً ، ثم حدثها قالاً :

– هابي ؟ ما هذا الاسم الغريب ، ثم همس لنفسه ضاحكاً وأنا الذي كنت أظنها قطة هههه .

نظرت إليه وهي مبتسمة قائلة :

– هابي يعني سعيد ، ثم نظرت للقط قائلة

الست سعيداً برؤيتي يا هابي ؟

هز القط رأسه كأنه يقول نعم ، و أحمد يهمس لنفسه ، هه سعيد انه خبيث .

– حسنا اذهبي للداخل حتى احضر لكي الطعام ، و لا تخرجي أبداً حتى عودتي .

أغلق الباب خلفه وهو يتمشي بالطريق ويحدث نفسه من أين أتي بالطعام ؟ حتى رأى سيدة عجوز تقف علي شرفة منزلها تسقي الإزهار ، اقترب منها طالباً إياها أن تعطيه بعض الطعام وسينجز لها أعمالها بالمقابل ، نظرت إليه العجوز طويلاً ثم تابعت : حسناً تعال للداخل.

– ذهبت إلى الداخل وهو يقف خارجاً لا يجرؤ على الدخول احتراما للسيدة ، خرجت ومعها الكثير من الطعام وأعطته له.

ابتسم وقال لها :

– أشكرك يا سيدتي لكن هذا كثير .

– أتمنى أن يكفي حاجتك يا بني.

– نظر إليها قائلاً.

– بني أشكرك يا سيدتي انك عاملتني كإنسان وليس كمن يعاملني كمتشرد.

نظرت إليه وقالت :

– أيها الشاب لقد عشت طويلاً ورأيت كثيراً ما جعلني أرى بقلبي وليس بعيني ، وأنت نظرتك ليست كنظرات المتشردين.

ابتسم احمد خجلاً منها ثم تابع :

– حسناً سيدتي ، أين الأعمال التي سأنهيها لكي بالمقابل ؟

– الأعمال تؤجل ، اذهب أولاً لإطعامها ثم احضر غداً.

نظر إليها باستغراب قائلاً :

– عفواً ، أطعمها ؟ تقصدين من ؟

 

أشارت خلفه وقالت أليست تلك الطفلة الواقفة هناك معك.

نظر خلفه وجد ملك تبتسم له ومعها القط ، لكنه استشاط غضباً منها ، استأذن من العجوز وامسك ملك من يدها واخذ يعاتبها طول الطريق على خروجها من المنزل حتى بدأت بالبكاء ، توقف واقترب منها وهو يمسح دموعها قائلاً :

– لا تبكي ، لقد خفت أن يصيبك مكروه أو يأخذك شخص ما ، ثم ابتسم قائلاً :

– لقد أحضرت الطعام هيا لنأكل ، حسناً ؟

ابتسمت ملك وهي تضم القط ثم قالت : حسناً.

ذهبا إلى المنزل وجهز الطعام واخذ يتأملها وهي تأكل ، كانت تسقط الطعام على ملابسها هنا وهناك وبجانبها القطة ، اخذ يضحك عليها حتى هي انتبهت له ثم نظرت لقطتها وهي أيضاً بادلتها النظرة ثم استمرت هي أيضاً بالضحك وهو لا يصدق كم السعادة بتلك اللحظة التي انهالت عليه.

اخذ ينظف لها ملابسها بقطرات المياه ، ثم أخذها وخرجوا يسألون عن والدتها مرة أخرى ، وصار كما صار بالمرة السابقة

اخذ الكل يتجاهله ويبتعدون عنه حتى صرخ قائلاً : لقد طفح الكيل ، ما بالكم أيها الناس هل انتم صم أم ماذا ؟

ثم أوقف رجل بالطريق وحاول سؤاله أن كان رأى أم هذه الطفلة ، لكنه دفعه بعيداً فوقع على الأرض قائلاً : ابتعد عني ، ثم ابتعد خطوات عنه.

غضبت الفتاة ثم صرخت بالرجل قائلة …

– أنت أيها الغبي ، احترس من خطواتك.

التفت لها الرجل وتغير وجهه من الرعب ثم اخذ يركض ويتخبط بالناس وهو ينظر إليها والى قطها الذي يزمجر له.

نظر احمد باستغراب إلى الرجل قائلاً :

– ما بال هذا الرجل ، اهو مجنون ؟

ثم وقف واخذ ينفض التراب من عليه واتجه لملك وهو يعاتبها قائلاً :

– ما هذا الكلام ؟ لا أريد أن اسمعه منكِ مرة أخرى ، فهمتي.

لم تهتم الفتاة بكلامه بل ردت عليه قائلة :

– هل أنت بخير يا أبي ؟

نظر إليها وهو يتمتم :

– ماذا ؟ أبي ؟ أنها أول مرة اسمع تلك الكلمة.

ولكم أن تتخيلوا كم السعادة التي كان فيها بسماع تلك الكلمة ولأول مرة أيضاً ، لقد أنسته تلك الكلمة ما فعلت وعدم اهتمامها بكلامه ، بل فقط اكتفي بضمها وهو يبكي ، مسح دموعه ثم قال :

– لا بأس سأجد لكِ أمك ، لا تقلقي.

– لكننا نسير منذ الصباح لقد تعبت قدماي ، أريد العودة إلى المنزل.

– حسنا ، سنعاود البحث غداً.

عاد احمد وملك إلى المنزل وجاء الليل ، وقص عليها قصة حتى تنام وبكل مرة تضحك عليه بسبب انه يخطأ ، حتى نامت هي وقطها ، واستلقي هو بمكانه كالمعتاد عازماً أن يبدأ العمل غداً عند العجوز كي يوفر له وللطفلة طعام.

أشرقت الشمس وصوت العصافير بمنزل العجوز المجاور له أيقظه من نومه ، لقد كان بالنسبة له أجمل شروق استيقظ عليه ،

فقد كانت ملك توقظه حتى يجهز لها الفطور هي وقطها ، ظل يبتسم بوجهها ثم نظر إلى القط وقد تغيرت نظرته ، انه لا يطيق ذلك القط ، الذي يستمر دائماً بمشاغبته.

تذكر عمله عند العجوز فأسرع لتحضير الطعام لها واخبرها ألا تخرج من المنزل لحين عودته ، وبينما هو خارج من المنزل متجه لمنزل العجوز ، حتى رأي مجموعة من الناس يركضون ناحية الحديقة ، أسرع معهم ليري ما يحدث وكانت الصدمة ، لقد وجد شخصا يتدلي من على شجرة وبرقبته حبل وعيناه متسعتان كأنه رأي شبحاً ، اقترب ليدقق بملامحه ، مهلاً انه ذلك الشخص الذي دفعه بالأمس ، كيف حدث هذا؟

قاطع صوت أفكاره يد تمتد على كتفه فانتقض مفزوعاً والناس ينظرون له باستغراب، نظر خلفه فكانت العجوز و قالت :

– لم هذا الفزع أيها الشاب ؟

أشار إلى الرجل المتدلي من الشجرة قائلاً :

– ما الذي حدث له ؟

نظرت إليه ببرود قائلة :

– هناك أشياء يجب ألا تسأل عنها ، والان تعالي لدينا عمل ننجزه.

تعجب خالد من ردها ثم التفت للرجل ثم تابع خطواته خلف العجوز ، قضي نصف يومه بأداء المهام بمنزلها وبالحديقة حتى جلس يستريح قليلاً ، اقتربت منه خطوات العجوز قائلة :

– كفي اليوم هذا ، والان خذ هذا الطعام وأيضاً هذا المال اشتري شيئاً للصغيرة.

امسك المال ثم نظر لها قائلاً :

– لكن هذا المال كثير ، انه يكفي لشراء طعام لشهر كامل ، سامحيني سآخذ فقط ما عملت به.

أصرت العجوز على اخذ المبلغ كاملاً وقبل أن يغادر نادته قائلة :

– هل طفلتك بخير ؟

–  نعم أنها بخير .

– حسناً ، ابلغها سلامي.

غادر خالد وبطريقه رأى فستاناً جميلاً لطفلة بمحل ملابس ، و رأى فيه ابتسامة ملك ، دخل إلى المحل واشتراه وأخذه للمنزل ، وبينما هو مقترب من غرفة ملك وقبل أن يدق الباب وجدها تتحدث مع شخص بكلام غير مفهوم ، تتحدث وتضحك ويتغير صوتها ، فتح الباب وهو ينظر لها قائلاً :

– مع من تتحدثين ؟

– نظرت إلى القط وقالت وهي مبتسمة: أتحدث مع هابي.

نظر إلى القط بلؤم ، وكأنه يقول :

أيها القط الخبيث ، ستجنن لي طفلتي.

اخرج الفستان من الكيس وما أن رأته ملك حتى ظلت تقفز من الفرح ، وأسرعت إليه تضمه وأنهتها يشكراً يا أبي.

بينما هي مبتعدة إلى السرير حتى التفتت له بسرعة ثم قالت :

– أبي ، ماذا يوجد بتلك الغرفة المغلقة ؟ وهي تشير إلى الغرفة المجاورة.

– لا اعلم يا أبنتي ، لكني سأحاول فتحها غداً كي أنظفها.

باليوم التالي بعدما انهي عمله عند العجوز ، حضر إلى المنزل وترك ملك والقط يأكلان الطعام وحاول هو فتح الباب المغلق ،

وبعد عناء من المحاولة فتحه ، لقد كانت الغرفة مخيفة إلى ابعد حد ويملأها التراب وخيوط العناكب وتنبعث منها رائحة الموت التي عطرت بدورها هواء المنزل ، اخذ يدور بنظره بالغرفة وجد أدوات مثل السوط والعصا وعليها دماء جافة ، ومجموعة من أوراق الجرائد وبجانبها قناني ويسكي فارغة ، كان سيخرج من الغرفة لكنه لمح شيئاً دب بقلبه الرعب ، اقترب من الجرائد وعقله يردد هل ما رأيته صحيح أم ماذا ؟

امسك الجريدة ونظر إليها والدموع تنساب على خده كالمطر ،

لقد كانت صورة قديمة لملك ومعها قطها وعنوان الجريدة ( أب مختل عقلياً يقتل ابنته ويحرق قطها ) .

استمر بقراءة الجريدة  ، قتل ابنته بعدما استمر بتعذيبها بالسياط وألقى بقطها حياً بالنار ، ثم دفنها بالحديقة المقابلة لمنزله.

نظر للتاريخ على الجريدة انه قبل 10 سنوات.

اخذ احمد يضحك بهستريا ويقول :

– لا لا أكيد ليست هي ، هذا مزاح صحيح ؟

القي الجريدة من يده واخذ ينادي علي ملك لكنه لم يجدها هي وقطها بالمنزل بأكمله ، ظل يبحث عنها لأيام ولم يجدها.

و بينما هو جالس بالمنزل ينتظر رجوعها وهو يستمر بقول ليست هي ، أنا لست مجنون .

دق باب المنزل وانتفض احمد ليفتح الباب ، ظناً منه أنها ملك ، لكنه كان مخطئاً لقد كان رجل عجوز ، نظر إليه احمد وكأنه خاب أمله ثم تابع قائلاً :

– مرحباً ، هل أساعدك بشيء ؟

التفت الرجل ينظر لأرجاء المنزل وهو يقول :

– لقد غادرت صحيح ؟

– من هي التي غادرت  قالها بغضب .

– اهدأ يا بني ، لقد كنت أريد أن أخبرك شيئاً عن الطفلة.

– ملك ، هل وجدتها ، هل تعلم أين هي ؟

– هل يمكننا أن نتحدث بالداخل.

دخل احمد والعجوز وجلسا ، واحمد على أحر من الجمر ينظر لفم الرجل و ينتظر أن يتكلم ولم يصبر حتى أن يلتقط الرجل أنفاسه.

– أرجوك قل لي أين هي ؟ هل أصابها شيء ؟

– سأخبرك يا بني.

أن تلك الطفلة ماتت منذ عشر سنوات ووجدناها مدفونة بالحديقة التي كنت تجلس بجانبها أنت ، لقد كان أبيها مجنون ، ومنذ ذلك الوقت وهي تظهر كل ليلة بذلك المكان تنتظر أن يأخذها احد.

كنت ارى دائماً من يأخذها يقتل بعدها ونجد جسده ملقي بالحديقة ، فانا منزلي مقابل لتلك الحديقة ، ومن وقتها والناس يتجنبون حتى النظر إليها حتى جئت أنت.

نظر إلى احمد ثم تابع قائلاً :

لقد رأيتك بذلك اليوم تقترب منها وحاولت تحذيرك.

قاطعه احمد قائلاً :

ولم لم تحذرني وتخبرني ؟

نظر الرجل إلى الأرض ثم تابع قائلاً :

لقد رمقتني بنظرة تحذير عندما اقتربت منك

سامحني يا بني لم أجرؤ على الاقتراب أكثر.

نظر احمد إلى العجوز ثم تابع قائلاً :

– وأين أجدها الآن ؟

– لا اعلم يا بني ، سأغادر الآن.

ابتعدت خطوات العجوز وتوقفت عند الباب ثم التفت له قائلاً :

– لكني اعلم أين تجد إجابات لأسئلتك.

وقف احمد متلهفاً وهو يقول أين ؟

ثم أشار الرجل لمنزل العجوز.

– ماذا ؟ هي من ستدلني عليها ، أنها لم ترها سوى مرة واحدة  قالها باستغراب.

قاطعه العجوز قائلاً :

– أنها جدتها يا بني ، اذهب لها وستخبرك بكل شيء.

أسرع احمد إلى منزلها من دون حتى أن يودع الرجل ، واخذ يدق كالمجنون على باب منزلها حتى فتحت له.

نظر إليها بغضب واستمر قائلاً :

– اخبريني ماذا تعرفين عن طفلتي ؟ هل ما يقوله الناس عنها صحيح ؟ ثم صرخ فيها قائلاً : هيا تكلمي.

نظرت إليه العجوز ثم تنهدت وقالت : ادخل يا بني سأخبرك بكل شيء.

دخل احمد ولم يجلس حتى ، بل انتظر أن تخبره وهو يشعر أما أن من حوله مجانين أو أنهم على صواب وهي مجرد شبح لا أكثر.

دعته العجوز للجلوس ، لكنه صرخ غاضباً لا أريد الجلوس أنا أريد معرفة ما يحدث ، هدأته العجوز ثم بدأت بإخباره :

– ملك تكون حفيدتي ، لقد ماتت ابنتي قبل ملك بسنة واحدة ، وعلمنا أنها ماتت من كثرة التعذيب من قبل زوجها ، وقبل أن تقبض الشرطة عليه هرب واخذ معه ملك ، لقد حاولت كثيراً البحث عنها ودلني على مكانه شخص يعرفه ، و عندما وصلت لها كانت اثأر السياط بادية على كامل جسدها.

حاولت أخذها منه لكنه كان يستمر بطردي ، فكرت بالهروب بها ، لكن عندما وصلت لمنزلها وجدته وحده ورأيت قطها متفحماً بالنار فعلمت انه فعل بها شيئاً ، وأبلغت الشرطة ، ثم دمعت عينيها متابعة :

لقد وجدوا جثتها مدفونة بالحديقة المقابلة ، وبيوم سمعت بكاء يشبه بكائها ورايتها من النافذة تجلس بالحديقة ومعها قطها.

نظر احمد إلى العجوز وعيناه غارقة بالدموع قائلاً :

ولم عادت ؟ هل لتقتل من يأخذها فقط مثلما قال العجوز ؟

قاطعته بغضب :

– لا ، لقد كانوا يشبهون أباها واستحقوا القتل ، أنها لم تعد ألا لأنها كانت تريد حنان أب مثل باقي الأطفال لا أكثر ، سكتت قليلاً ثم نظرت إليه قائلة : لقد وجدت فيك هذا الحنان خاصة انك ليس لديك أطفال.

غضب من قولها قائلاً :

– كيف علمتي هذا ؟

– لقد أخبرتني ملك.

– آه حسناً ، وكيف عرفت ملك ، اااه صحيح أنها شبح ، هل تستطيع الطيران أيضاً ؟

ثم ابتعدت خطواته وأغلق الباب وراءه بقوة واتجه لمنزله ، و عندما دخل وجد القط وخلفه ملك تنظر أليه ، ارتعب واخذ يتراجع للخلف محدثاً إياها :

– ابتعدي عني ، هل تريدين قتلي مثل الباقيين ؟

اقتربت منه وهي تقول :

– سامحني يا أبي ، لقد كنت فقط أريد أن اعرف كيف يكون حنان الأب.

– أنا لست أباكي ، ابتعدي عني  قالها بتوتر .

نظرت إليه والدموع تغرق عينيها قائلة :

– أنا لم أكن أبداً لأؤذيك .

ثم اقتربت خطواتها منه ، لكنه صرخ فيها قائلاً :

– قلت لكي ابتعدي عني ، خذي قطك الملعون هذا واخرجي من هنا.

قالت بصوت مهزوز من الدموع :

– لقد كنت فقط أريد أن أضمك لأخر مرة ، سأرحل يا أبي ولن تراني مجدداً.

نظرت إلى قطها وحملته ثم ابتعدت خطواتها وقبل أن تختفي التفتت إليه قائلة :

– احبك يا أبي ، ثم اختفت تدريجياً مع الهواء هي وقطها.

وتركت احمد وهو منهار تماماً من شدة البكاء ، لم يستطع نسيانها أبداً ، ماذا لو كانت شبحاً ؟ لكنها بالنسبة له كانت حياته ، اخذ يبحث ويسأل عنها حتى انه كان يراقب دائماً الحديقة ربما تظهر لكنها لم تظهر بعدها.

جلس أمام الحديقة وهو غارق بالهموم يتمني فقط لو يراها أو حتى يسمع ضحكتها مرة أخيرة ، حينها رأى قطاً يمشي من أمامه ظن انه ربما قط يشبهه ، لكن نظرته التي تثير جنونه أكدت انه هو.

اقترب من القط بهدوء وهو يترجاه أن يخبره أين هي ؟ لكن القط ظل يركض ، واحمد بالتالي لم يتركه ، ظل يركض وراءه حتى ادخله القط بمقابر ، تحديداً أمام قبر قديم ، كتب عليه اسم ملك وتاريخ وفاتها ، نظر احمد إلى القط وجده تلاشي مع الرياح ،

التفت إلى القبر واستند عليه وظل يبكي كما لو انه لم يبكي من قبل واخذ يحدث نفسه :

– سامحيني على ما قلته ، لم اقصد ذلك ، لا يهمني أن قالوا انكِ شبحاً فلقد كنتِ ملاكاً بحياتي ، لقد ظننت أني عندما فقدت حياتي المترفة أنني ذو حظي سيء ، لكني سعيد أني خسرت كل هذا كي أفوز بكِ ، لم أكن اعلم أن حظي جميل كجمال ضحكتك.

ثم وضع يده على وجهه وهو يصرخ :

– أرجوكِ عودي .

تعب احمد من كثرة البكاء حتى حل الظلام على المقابر فبادر بالرحيل ، استمر احمد بالتردد على قبرها ويحضر لها الألعاب والورود ، مرت سنوات وهو هكذا ، حتى جاء يوم و قرأ بالجريدة خبر وفاة السيد / ثابت رجل الأعمال الشهير ، كما انه علم أيضاً أن تلك القضية الخاصة بزوجته قد أغلقت ولم يتم العثور على قاتلها ، تساءل احمد كيف والدلائل كاملة لإثبات انه القاتل ، ابتسم بسخرية ثم قال بالطبع ، انه أبي واتصالاته لم يكن ليسمح أن يأتي اسم ابنه بالقضية ، انه الآن حر وأيضاً وريث ممتلكات أبيه ، ستعود له حياته السابقة ، لكنه رمي الجريدة وتابع سيره ، ابتسم وعقله يقول :

أنا الآن شخص مختلف ، استمتع بحياتي بعد أن كانت مدفونة بين الأوراق ، لقد حصلت علي السعادة بضحكة فتاة ، والتي لم تستطع تلك الممتلكات أن تحضرها لي.

لقد ظل احمد تلك السنوات يعمل بجد حتى استطاع تجديد منزله وخصص فيه غرفة وردية اللون مليئة بالألعاب لملك ، انه ينتظر عودتها من جديد ولن يمل من الانتظار ، وأصبح صاحب اكبر محل للعب الأطفال بالبلدة ، حتى يمكنه رؤية ضحك الأطفال الذي يرى ملك بكل ضحكة بها .

لقد اشترى أيضاً قط واسماه هابي ، كان يشاغب ذلك القط كل يوم بالرغم من انه يشبهه ، لكنه يفتقد لنظراته الجنونية التي اشتاق لها احمد ، كما اشتياقه إلى جنون ملك وضحكها عليه عند قراءة القصص وطريقة أكلها المضحكة والاستيقاظ على بسمتها.

التاريخ بالتقويم يظهر ان غداً العيد ، جهز احمد مجموعة من الهدايا والألعاب وذهب بها إلى دار الأيتام بالبلدة واستمر بتأمل الأطفال يلعبون ، لقد وجد جنته التي كان يحلم بها.

استيقظ احمد مبكراً بعدما صلى العيد ، القي التحية على جدة ملك ، ثم غادر لمحل الألعاب ومعه القط ، قضى يومه ببيع الألعاب والضحك مع الأطفال ، جلس يستريح قليلاً وأغمض عينيه متكئاً على الكرسي وهو يهمس قائلاً

– كيف يكون العيد عيد من دونك يا ملك ؟

قاطع صوت همسه صوت طفلة قائلة :

– هل هذا القط للبيع ؟

فتح عينيه وهو لا يصدق ما سمعه ، انه صوت ملك ، نظر إليها والدموع تنساب من عينيه ، أنها فعلاً هي ، تقدم إليها وهي ممسك بها ثم وضعت يداها على خده ومسحت دموعه قائلة :

– هل اشتقت لي يا أبي ؟

اخذ يهز رأسه  بنعم  ثم انفجرت عيناه بالبكاء واخذ يضمها له وكأنه خائف أن يخسرها مرة أخرى ، وهو يردد : لا تتركيني مرة أخرى.

من قال أن فاقد الشيء لا يعطيه ….. يعطيه ولكن .. بألم .

تاريخ النشر : 2016-09-04

guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى