أدب الرعب والعام

نباش القبور

بقلم : Shadwoo Shadwoo – مصر

نباش القبور
اخذ يزيل الكفن من على الجثة و تركها عارية و اخذ يتفقد يديه ان كان بها خاتم او شيء ما

**

بين هدوء المقابر تقترب اصوات اقدام ..

اقترب مصدر الصوت اكثر فأكثر .. مجموعة من الاشخاص يترأسهم اربعة يحملون نعشاً ، وشخصاً ما امامهم كأنه دليلهم .. اقترب ذلك الشخص و اشار لقبر ثم انزلوا ذلك النعش وهمَّ الاربعة بفتحه لإخراج الميت و دفنه.

ماهي الا ثوان من فتحه حتى شَعَرَ دليلهم برعشة رغم ان الشمس كانت تزين السماء .. أُغلِق النعش من تلقاء نفسه ، فَتَح احدهم النعش مجدداً .. تكرر الامر مرة اخرى .. نظر اليهم باستغراب مما يحدث لكنهم كانوا الاغرب فنظراتهم باردة ولا يتحدثون ابداً .

اقترب و فتح النعش و هو يردد :

– هل سنظل هكذا طوال اليوم ، هيا ساعدوني بإنزاله الى القبر .

تقدّم غفير المقابر هو و شخص معه و انزلوا الميت للمقبرة فهمَّ الشخص الذي معه بالرحيل و اخذ الغفير ينظر للميت بطريقة غريبة .. أياً كانت ما تعنيه تلك النظرة فهي لا تبشر بخير ابداً.

خرج الغفير من المقبرة وظل ينظر حوله لم يجد احد لقد كان المكان صامت بشكل مريب ، اقترب ونظر للطريق لا يوجد احد .. شيء غريب.

اغلق الغفير القبر ثم همَّ بالعودة لمنزله ، لم يكن منزله بعيداً بل كان يسكن بغرفة في مدخل المقابر هو وزوجته واولاده بحكم انه حارساً للمقابر و ايضاً يدفن الموتى , وأهل القرية هم من  اعطوه تلك الغرفة.

اقتربت خطواته لداخل الغرفة ثم اغلق الباب خلفه.. وما هي الا لحظات حتى فاجأه صوت زوجته:

– كم اعطوك للدفن ؟

ما ان سمع تلك الكلمة حتى اخذ يضحك قائلاً :

– لقد فرّوا حتى لا يدفعوا الاجر و تركوا لي ذلك الميت ، لكن لا يهم فان لم يدفعوا هم سيدفع عنهم الميت ، واستمر بالضحك .

تنهدت زوجته ثم اكملت بنبرة ضجر قائلة :

– الى متى ستستمر بهذا يا محروس ؟ على الاقل خاف على اولادك.

صرخ فيها قائلاً :

– كفي عني اسطوانتك تلك ، هيا احضري الطعام.

 

**

مرت الساعات وكان الوقت قبل الفجر بدقائق وهمَّ محروس بالخروج من غرفته و معه المصباح لينير له الطريق ثم اقترب من قبر ذلك الرجل و اسرع بفتحه ، و ما ان فتحه حتى عادت تلك الرعشة مجدداً ، امسك المصباح ونزل الدرج حتى وصل الى الاسفل .

اقترب من الميت وهو يبتسم بخباثة ثم اخذ يزيل الكفن من على الجثة و تركها عارية و اخذ يتفقد يديه ان كان بها خاتم او شيء ما ,فهناك مصادفات تأتي له بكنوز.

بعد بحثه لم يجد شيئاً فامسك الكفن و همَّ بالمغادرة لكن ضوء المصباح انعكس على تلك السن الذهبية ، ذلك البريق الذي اخذ يجذب عقله كأنه يحدثه قائلاً :  تعال الي . و يا ليته لم يفعل.

اقترب منه و اخرج من جيبه كمّاشة لهكذا مصادفات ، فتح فم الرجل و اقترب بيده و اطبق على السن بالكماشة ثم سحبها حتى اخرجها ، اخذ يتطلع للسن الذهبية بجنون و لم ينتبه لنظرات الميت له ، لقد كان شيئاً مرعباً بحق.

نظر مرة اخرى الى الميت ليجد عيناه مفتوحة ناظرةً اليه وهو ممسك بتلك السن..  انتفض بعيداً لكنه اخذ يطمئن نفسه فقد رأى مثل تلك الحادثة عدة مرات ، حاول الوصول لذلك الكفن بجانبه وعيناه مثبتة على عين الميت ، لكن عين الميت تحركت لتنظر الى يديه و الى الكفن ثم نظرت له سريعاً.. لكنها لم تكن بسرعة محروس الذي فرَّ هارباً من القبر تاركاً خلفه الكفن المفتوح ، وصل الى غرفته بسرعة البرق واغلق الباب خلفه واخذ يرتعش ويلفظ انفاسه والعرق يتصبب منه ، اقتربت منه زوجته لتسأله ما الذي اصابه لكنه اخذ يردد كالمجنون ( الميت استيقظ، الميت استيقظ ) و هي تحاول تهدئته ,ثم اخذت تضع عليه الغطاء و هو يرتعش ويردد بتلك الكلمات حتى اشرقت الشمس.

 

**

زيّنت الشمس السماء وانارت الطريق للمارّة و ايضاً المقابر التي خطرت بعقل محروس و تذكر انه ترك القبر مفتوحاً ، لو القى احدهم بنظره لرأى ذلك الميت العاري و اكتشف ان هناك شيئاً ما يحدث و اول من سيسأل عن ذلك هو محروس لأنه يعتبر حارساً للمقابر ، او هكذا يظنون .. فهنا الوضع كما يقال ( حاميها حراميها ) .

اسرع الى ذلك القبر و اخذ يتفقد الطريق حتى لا يراه احد ، وصل الى القبر ووجده مفتوحاً كما تركه ، تقدمت خطواته على الدرج والبرودة تسري لجسده اكثر فأكثر واقدامه ترجوه ان يتراجع لكن ما سيحل به ان اكتشف احد ما يفعله يستحق أن يجازف من اجل اخفاءه.

و ما ان وصل للأسفل حتى شابَ شعره من الرعب واتسعت عيناه ، لقد كانت الجثة ملفوفة بالكفن وكأنها لم تتعرى من البداية ، كان سيظن انه يتخيل كل ما حدث من البداية لولا تلك السن التي اخرجها من جيبه وذلك القبر المفتوح ، ظن ايضاً انه ربما شخصا ما ألبس الجثة الكفن و عقده كما كان ، لم يرد ارعاب نفسه اكثر من ذلك بل اكتفى بالانسحاب من القبر واغلقه خلفه وعاد الى منزله وهو عازم على نسيان ما حدث.

 

**

حل المساء.. و بينما هو جالس مع عائلته على العشاء دُق باب غرفته ، تقدم الى الباب ليفتحه واخذ ينظر بالطريق لم يجد احد ، بينما هو عائد الي الداخل سالته زوجته :

– من الذي يدق علينا بهذا الوقت ؟

– لا اعلم ، لم اجد احداً بالخارج.

عاد الى مكانه و لحظات وتكرر الامر ولم يجد احداً ، بالمرة الثالثة اخذ يسب و يلعن الواقف علي الباب ,فتقدمت زوجته لفتحه واذ بها تجد قطة سوداء جالسة امام عتبة الباب ، سرت بجسدها رعشة منها لا تدري لماذا ربما من برودة الجو ، عادت للداخل ثم احضرت لها كسرة خبز ظناً منها انها جائعة ووضعتها امامها لكن القطة لم ترفع عينها من على محروس ، كانت تنظر له كأنها تتوعد له ، لاحظت الزوجة نظراتها فاستعاذت بالله من الشيطان ، فالتفتت لها القطة سريعاً و كشرت عن انيابها وهي تزمجر لها ثم رحلت مختفية بين المقابر.

دخلت الزوجة واغلقت الباب خلفها وهي تستغرب من تصرفات القطة لكن يبدو ان زوجها لم يلاحظ ذلك او ربما لم يهتم ، اكملت الزوجة عشاءها ولم تهتم هي الاخرى .

 

**

عند شروق الشمس باليوم التالي استعد للخروج للدفن القادم ، ترأس الحضور واخرج معهم الميت وكان القبر جاهزاً لاستقباله ، وضعوه بالأسفل ثم خرجوا .. وبينما يحاولون اغلاق القبر نظر محروس نظرة سريعة للحضور وكأن الزمن توقف كما توقفت عيناه على ذلك الرجل بينهم الذي كان منتبهاً له بابتسامة ماكرة ، لقد كان ذلك الميت الذي خلع سنه الذهبية.

انتفض محروس من مكانه واخذ ينظر له دون انتباه لمن حوله الذين استغربوا بدورهم من تصرفه وكأنه رأى شبحاً ، اقترب احدهم قائلاً :

– هل انت بخير يا رجل ؟

اخذ يلتقط انفاسه ثم نظر له قائلاً :

– انا بخير ، بخير.

عاود النظر مجدداً لذلك الميت او المفترض انه ميت لكن لم يجده . انهى ما كان يفعله واخذ أجره ثم عاد للمنزل وعقله منشغل بما حدث ، بالرغم انه حارساً للمقابر و يرد عليه الكثير لكنه لم يرى من قبل ميتاً يستيقظ ويلاحقه ، او هكذا ظن هو.

لم يذهب هذه المرة لأداء ما يفعله بكل مرة خوفاً من ان يراه مرة اخرى ، يبدو ان الضحية الآن هي المطارد ..

 

**

مرت الايام ولم يحدث شيء حتى اعتقد انها مجرد تخيلات لا اكثر.

غادرت الزوجة في يوم ما الى السوق لشراء بعض حاجيات المنزل ,اخذت تدور وتبحث عما تريد حتى انها لم تنتبه واصطدمت بسيدة عجوز متكئة على عصاها :

– اعذريني لم انتبه لكِ.

افزعتها العجوز عندما امسكت يدها واقتربت لاذنها تهمس لها قائلة :

– اخبريه يا بنت حسينة أن للميت حرمته.

ثم اخذت خطواتها تبتعد عنها وهي تردد ( للميت حرمته ، للميت حرمته ) ، تاركة خلفها الزوجة بصدمة مما سمعته فكيف لها ان تعلم اسم والدتها وهي لا احد يعرفها بالقرية  ؟ وايضاً من تقصد بان تخبره ؟ أيعقل انها تتحدث عن زوجها ، لكن كيف علمت بما يفعله ؟! هناك شيء ما يحدث.

عادت الزوجة للمنزل بعدما قضت وقتها بالطريق في تساؤلات لا تعلم لها اجوبة ..

وصلت الى المنزل و اغلقت الباب خلفها ووضعت ما بيدها منتظرة عودة زوجها لتستفسر منه عما يحدث .

ماهي الا لحظات ودخل الزوج ، لم تنتظر منه ان يجلس او يستريح مما كان يفعله أياً كان بل انهالت عليه بالأسئلة وهو لا يفهم منها شيئاً ..

اخذ يهدئها قائلاً

– انتظري قليلاً ،عن اي عجوز تتحدثين؟ انا لا افهم شيء.

تنهدت ثم قصّت عليه ما حدث بالسوق ثم تابعت كلامها قائلة :

– ألن تكف عما تفعله ؟ ماذا ان اخبرت تلك العجوز اهل القرية عما رأته ؟

– قاطعها قائلاً :

– ومن قال لكِ انها رأت شيئاً؟ ..

سكت قليلاً ثم نظر لها متابعاً ولهجة التوتر بادية عليه :

– ثم كيف علمت تلك العجوز اسم والدتك ونحن لا يعلم احد عنا شيئاً ؟!

– لا ادري هذا ما ظللت اسأله لنفسي.

اصاب الغفير التوتر ثم نظر لها قائلاً :

– حسناً اغلقي الموضوع ، انا اعلم ما افعله .

 

**

مرت الايام ولم يحدث شيء حتى ايقن محروس ان كل ما يحدث ليس سوي مجرد تخيلات لا اكثر ..حان موعد الدفن القادم و مر كل شيء على ما يرام وهذا طمئنه اكثر و جعل شكوكه تتلاشى حتى جاء الليل وتغير كل شيء.

خرج محروس من منزله قبل الفجر ممسكاً بالمصباح واخذ يتفقد الطريق كعادته حتى لا يراه احد من المارة ، وصل الى القبر ونزل ادراجه ثم بدأ يزيل عن الجثة الكفن خطوة بخطوة حتى قاطعه صوت زوجته تناديه من الخارج ، بادلها الرد ( حسنا سآتي في الحال ) أسرع واخذ الكفن ثم خرج من القبر واخذ ينظر حوله لم يجد احد.

تعجب من ذلك واخذ يحدث نفسه قائلاً :

– اين ذهبت ؟ ربما عادت الي المنزل.

لكن لحظات وسمع الصوت مجدداً و كان هادئا جداً :

– محروووس ، محروووس.

نظر خلفه الى مصدر الصوت و وجد امرأة يلفها السواد وهي من تصدر ذلك الصوت ، اصابه الرعب فلا هذا جسد زوجته ولا حتى طولها ..انها لا تشبهها بشيء سوى ذلك الصوت الذي يخرج منها.

اقتربت منه المرأة و هي تناديه لكنها كانت تعرج ، نظر الى ارجلها وطريقة مشيها الغريبة وهنا كانت صدمة له وشاب شعره من الرعب ..لقد كانت لها ارجل ماعز !!

تجمد مكانه من الرعب ولم يستطع الهرب لقد خانته قدماه ، ظل مكانه وهو يراقبها تقترب منه و تناديه لكن صوتها تبدل شيئاً فشيئاً الى صوت خشن و كأنه يتبعه صوت آخر ، كأنه صدى صوت كان يردد قائلاً :

– محرووس ، اعطني أمانتي يا محروس.

لم يدرِ بنفسه الا وهو يركض بين المقابر والصوت يلاحقه .

دخل بيته مسرعاً و اغلق الباب ولم يدرِ كيف استطاع الهرب منه ، لقد كان وجهه شاحباً وانفاسه تهرب منه كما هرب هو من ذلك الشيء ، رأته زوجته واسرعت اليه تسأله ما به ,لكنه وكأن القط اكل لسانه من شدة الرعب.

ذهب الى النوم وجسده يرتعش من الرعب لكن كيف له ان ينام بعد ما شاهده ، لقد كان يراها بكل ركن بمنزله ، ذهبت اليه زوجته تسأله مرة اخرى ربما يقص لها ما يحدث معه و بالفعل .. فعل ذلك حتى ان جزء من الرعب الذي بداخله تسرب الى زوجته واخذت تنظر حولها وهي تستعيذ وتقرأ المعوذات.

نظرت اليه سريعاً قائلة :

– يجب ان تقص كل ما يحدث على شيخ حتى يساعدك.

صرخ فيها قائلاً :

– أجننتِ يا امرأة ، ماذا اقص عليه ؟ أتريدني ان اخبره اني اسرق الاكفان من المقابر والآن الجن صار يطاردني.

سكتت قليلا ثم تابعت قائلة :

– ومن قال لك انك ستخبره عن السرقة ؟ اخبره فقط عن جزء الجن .

وبالفعل احضر شيخاً يعرفه وقص له فقط عن مطاردة الجن له لكن لم يذكر السبب لذلك ، تعجب الشيخ من ذلك ثم تابع قائلاً :

– هل اذيت احداً منهم ، او سكبت ماءاً ساخنا بالحمام او امام غرفتك ؟ فهي ايضاً تابعة للمقابر .

– لا يا شيخ لم افعل شيئاً لهم.

تنهد الشيخ قليلاً ثم تابع قائلاً :

– اسمع يا محروس ، الجن لا يطارد احداً الا اذا اذاه او اخذ شيئاً ما يخصه.

هنا بدأ محروس يشعر بالتوتر الذي لاحظته زوجته على خلاف الشيخ.

تابع الشيخ قائلاً :

– لكني سأفعل ما بوسعي واحصنك انت والمنزل حتى لا يقتربوا منك.

اخذ الشيخ يقرأ القرآن و يرش المياه بأركان البيت ثم ودع محروس وغادر ..

 

**

مرت الايام ولم يحدث شيء, اطمئن محروس و اخيراً استطاع النوم و يا ليته لم يفعل.

ما ان استغرق بالنوم حتي رأى انه وسط المقابر ، كان الجو ليلاً و الهدوء يعم المكان ..قطع ذلك الهدوء خطوات لركض احد ، اخذ ينظر حوله عن مصدر الصوت فوجده ابنه الاكبر وحيد البالغ من العمر 14 عاماً ، اخذ محروس يناديه ويركض تجاهه لكنه كان يختفي ويظهر بمكان آخر حتى اختفي تماماً.

ظل يناديه ويبحث عنه حتى سمع ندائه :

– ابي ، انا هنا تعالي الي.

تتبع محروس الصوت حتى وقف امام قبر ’لقد كان الصوت يصدر من داخل القبر المغلق ، لقد كان شيئاً مرعبا بحق.

أزاح محروس باب القبر و نزل ادراجه والصوت يقترب اكثر فاكثر حتى وجد احداً عليه كفن كأنه ميت لكنه كان يتحرك ، اخذ محروس يفك العقدة بسرعة وهو يردد :

– لا تخف يا بني ، سأخرجك حالاً من هنا.

وعندما انتهى كانت المفاجأة لقد كان الكفن فارغاً كيف ذلك وقد رآه بعينه يتحرك ؟؟ اخذ ينفض الكفن وينظر هنا وهناك ، لا يوجد احد سواه بالقبر.

نظر الى مدخل القبر فوجد صاحب السن وهو يقول :

– راح و ارتااااح ، راااح وارتاح ( اخذ يرددها وضحكاته تدوي بالمقابر) .

اسرع محروس للخروج من القبر لكنه اغلق عليه الباب فأخذ يصرخ بداخله حتى استيقظ على صراخ زوجته وهي تناديه

اسرع اليها و جدها تبكي بالخارج وهي تضم ابنها وحيد الذي اختفت انفاسه معلنة رحيله بعدما تأكد من ذلك محروس وهو لا يصدق ما يراه حتى انه لم يخطر بعقله الحلم بل كل ما كان يشغل عقله هو ابنه الملقى على الارض صريعاً.

 

**

اشرقت الشمس وكان كل شيء معد للعزاء ولتجهيز الجنازة ، اخذ ابنه ونزل به اسفل القبر ووضعه وهو لا يصدق ان ما بين يديه هو ابنه قرة عينه ,حينها فقط قاطع دموعه ذلك الحلم الذي رآه عن ولده وعلم ان موته بفعل احد.

خرج من القبر واغلقه خلفه واخذ الشيخ يرتل الآيات والسور القرآنية والجميع ما بين صمت وبكاء ، هنا عادت لمحروس احداث موت ابنه التي قتلته بدورها او بالأحرى ذكرته ، ماذا كان يفعل طفله خارجا بالمقابر بمنتصف الليل ؟

اسرع لزوجته يستفسر منها.. هذا كان سؤاله لها وبادلته بالرد انها سمعت صراخه واسرعت خارج المنزل لتجده ملقى بين المقابر جثة هامدة ، لكنها لم تشعر به وهو خارج من المنزل.

هذا اكد لمحروس ان ما يحدث سببه ذلك الرجل ، كانت لتظن زوجته ان موته لا دخل له بأحد لولا تلك العجوز مرة اخرى التي اقتربت منها لتعزيها بموت ابنها قائلة :

– البقاء لله ..

سكتت قليلاً ثم تابعت : يبدو انكِ لم تخبريه ان للميت حرمته.

هنا صرخت فيها الزوجة قائلة :

– اخبر من ؟و ماذا تقصدين بكلامك ؟! الا يكفيني ما انا فيه حتى تأتي انتِ لتحدثيني عن تخاريفك؟

– اهدئي يا ابنتي ، هنا اشارت العجوز على محروس الذي كان بدوره يسلم علي الرجال بالعزاء قائلة :

– اتحدث عنه يا ابنتي ، ثم نظرت لطفلتها الصغيرة متابعة :

– خسارة ان تدفن تلك الابتسامة.

هنا ابعدت الطفلة عنها وهي تصرخ بوجهها قائلة :

– ما هذا التخريف ، لو رأيتك تقتربين من ابنتي سا…

لكن العجوز لم تهتم لكلامها ولم تنتظر لسماع تهديدها بل تابعت طريقها مبتعدة عنها ، اسرعت خلفها واخذت تبحث عنها لكنها كمن تحلل بالهواء لم يعد لها اثر .

انتظرت الزوجة بعدما غادر الجميع واخبرته عن ما حدث ، واخذت صرخاتها به تزداد ( هل انت السبب بما حدث لابني )

لكنه ظل صامتاً مستمعاً لحديثها و بعد مدة انهى حديثها قائلاً :

– لست انا السبب بما حدث لابنك ، انه قضاء وقدر ولا اريد سماع هذا الكلام منكِ مرة اخرى.

انصرف محروس و تركها لكنها لم تصدقه فهي تعلم ان هناك شيئاً ما يحدث والسبب هو ما يفعله زوجها ، المفترض انه يحرس القبور من اللصوص لكن انقلب الحال.

عاد بالليل و لم يلتفت لنظراتها له التي ان تحدثت لقالت انت قتلت ولدي ، دخل الى سريره و ماهي الا لحظات حتى غط بالنوم ، رأى حلماً يشبه ذلك الحلم الذي مات فيه ابنه لكن هنا كان يسمعه فقط…

لقد كان يصرخ و صوته يدوي بالمكان ومحروس يلتفت حوله لا يدري من اين يأتي الصوت انه يتكرر بأرجاء المكان.

استيقظ محروس وهو لا يدرِ ما معنى ذلك الحلم ، لكنه تجاهله واخذ يتكرر يومياً اىي ان قرر محروس ان يفتح قبر ابنه ليرى ماذا يحدث به.

خرج محروس ممسكاً المصباح بالليل و لم يلتفت لنداء زوجته بل تابع طريقه لقبر ابنه وصراخه يتردد بسمعه .

اقترب من القبر وفتحه ونزل ادراجه ممسكاً بالمصباح وما ان وصل الى الاسفل كانت المفاجأة.

لقد وجد ابنه عارياً و ملقى بجانب من القبر كأنه تعارك مع شخص ما وضربه بعرض الحائط وكفنه ملقى بالجانب الاخر وكان ممزق تماماً ، اخذ يبكي على حال ابنه ممسكاً بالكفن حتى تراود لسمعه ذلك الصوت ، انه ليس غريباً عليه بل انه لا ينسى ابداً لأنه سبب ما يحدث ..

نظر الى مدخل القبر وعيناه غارقة بالدموع واذا بذلك الرجل يقف على المدخل وعلى وجهه ابتسامة شماتة بحاله.

صرخ به محروس قائلاً :

– أنا من فعلت بك هذا ، لا دخل لابني بذلك.

قاطع محروس كلمات الرجل :

– انت لم تصن الامانة يا محروس فلا تتوقع ان تصان امانتك.

اتم الرجل كلماته ثم اختفى ليجد محروس زوجته تقف مكانه وتنظر اليه والى ذلك الكفن بيديه ، لم تستطع التكلم بل بادرت دموعها لتتكلم عنها ، قبل ان يتحدث محروس مدافعاً عن نفسه قاطعته صرخات زوجته به قائلة :

– هل اعماك طمعك لتأخذ كفن طفلك ، كيف تفعل هذا ؟

اقترب محروس منها لتهدئتها وهي تستمر بإهانته لكنها بالنهاية استمعت له ولحديثه عن ذاك الرجل ومطاردته له وانه سبب ما يحدث لكن ذلك لم يكن ليغير شيئاً بل زاد الطين بلة.

قبل ان ينهي محروس حديثه تبادر الى ذهنه صوت صراخ طفلته الصغيرة التي تركوها وحدها بالمنزل ، ترك محروس قدماه تسابقه اليها وزوجته تبعته وما ان اقتربا ودخلا المنزل كانت الصدمة.

لقد وجدوا طفلتهم تبكي وهي تشير لذلك الشيء ، لقد كان رجلاً يغطي وجهه المشوه وكان يقف باعوجاع بسبب ارجله التي تشبه ارجل الماعز ،وعيناه تلك التي كانت بيضاء تماماً .

هنا صرخت زوجة محروس واسرعت لابنتها تجرها بعيداً عنه ومحروس يقف مردداً بعض الآيات القرآنية حتى اسرع ذلك الشيء بالهروب بعيداً عن المنزل مختفياً بين القبور.

بعدما قضت زوجة محروس الليل بكامله بجانب طفلتها التي تملكها الرعب من الصدمة ومحروس يراقبها ولا يجرؤ على الكلام ، اخذت طفلتها وخرجت من المنزل تاركة له شيء خلفها فيكفي خسارتها لطفلها ولن تنتظر لجنازة طفلتها الاخرى حتى تستفيق من ذلك الكابوس.

تركت خلفها محروس الذي ظل جالساً بركن غرفته يتندم على كل ما فعله وعلى كل كفن ازاله ببرود تام ، لم يكن يعلم ان طفله من سيدفع الثمن ، بل كان محروس مخطئاً فطفله دفع فقط جزءاً من الثمن وحان دور محروس ليعاقب على فعلته.

 

**

حل الليل و محروس مازال مكانه حتى استرق لسمعه صوت صرير الباب و هو يفتح ، لقد ظن لوهلة انها زوجته قد عادت للمنزل ، وقد كان مخطئاً لقد عاد ذلك الشيء من اجله هذه المرة.

ما ان اسرع محروس ليرى من دخل منزله حتى انتفض من الرعب وانعقد لسانه عن الكلام ، حتى لو صرخ فأقرب شخص اليه على بعد اميال بالقرية ، لقد ايقن انه هالك لامحالة.

اخذت خطوات محروس تتراجع خوفاً منه حتى التصق بالحائط وهو يراقب ذلك الرجل يقترب منه بوجهه المشوه ذاك وعيناه التي دبت لقلبه الرعب ثم استجمع شجاعته ليسأله :

من انت ؟ أأنت انس ام جن ؟

ضحك الرجل منه و من خوفه البادي على وجهه ثم تابع قائلاً :

– اعتبره مزيجاً بين الاثنين ، انا انسي لكن لدي الكثير من الجن يعملون لدي ، انهم اعواني ولاشك انك قابلتهم أتذكر ؟

نظر اليه مبتسماً ثم تابع قائلاً :

– هل تذكر العجوز ؟

قاطعه محروس قائلاً بنبرة خوف :

– هل هي ايضاً من الجن ؟

– نعم ، حتى من احضروني اليك كانوا اتباعي .

– انت دجال ام ماذا ؟

– لا يهم من انا فلم آتي لأعرفك عن نفسي يا محروس ، لقد خنت الامانة وحان وقد دفع الثمن.

انهى ذلك الرجل كلماته وقد تغير شكله تماماً كي يشبه الشياطين وكأنه بهيئته الاولي لم يكن ليظن محروس انه سيكون ما هو ابشع من ذلك.

اخذ يصرخ ويترجاه ان يتركه وانه لن يكرر فعلته هذه مجدداً فلقد ندم كل الندم بعد موت طفله.

اقترب منه قائلاً :

– الجميع يقول هذا ..

ثم ابتسم متابعاً : لكن العقاب لا مفر منه.

و اخذت صرخات محروس تدوي بالمكان ممزوجة بضحكات الدجال حتى اختفت تماماً.

 

**

البعض قال انه غادر مع عائلته والبعض قال انه رآه يجوب المقابر ليلاً ثم اختفى, كما ان هناك اقوال عن غرفته المسكونة التي قُتل بها كل حارس اقام بها بعد مغادرته بطرق غامضة ,و قيل ان هناك صوت يصدر من ارض الغرفة كأن احداً ينبش بها او يحاول الخروج .

كما يقال ( الطمع قل ما جمع )

احذر ان تنبش قبر الدنيا للبحث عن غنيمة ليست لك ، لا تدرِ ربما تكون نبشت قبرك بيديك إرضاءً لطمعك.. تذكر ليس كل ما يلمع ذهباً ، ربما تكون لعنة تدعوك لتقع بفخها الذي اخفى محروس بقاعه المظلم.

تاريخ النشر : 2016-09-07

guest
53 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى