تجارب من واقع الحياة

تعاستي

بقلم : فانتا – سطح الأرض

تعاستي
أنا فاشلة و معاقة نفسياً و عصبياً ..

أنا معذبة من سنين ، و سأحاول التواصل مع طبيب نفسي ، و لكن أريد ممن يقرأ مشكلتي أن يقول كلمة حق ، هل أهلي ظلموني أم أنا المخطئة بحق نفسي ؟؟
أهلي مصممين أنهم لم يتسببوا في إفساد حياتي ، و أن ما فعلوه معي لا يدمر نفسية شخص ، و أنا أقول لهم و ماذا يمكن أن يحدث أكثر و أسوأ من ذلك لإنسان حتى ينهار و يصاب بالمشاكل النفسية ، فيستفزونني و يقولون لي احمدي الله أنك لست معاقة !!!
لا .. أنا معاقة نفسياً و عصبياً ، لكنهم أغبياء لا يستوعبون ذلك .

أنا فتاة عمري ثلاثون عاماً ، ولدت بعد أخين أكبر مني بعشرة و تسع سنوات ، و أخت أكبر باثني عشر عاماً ، و ثلاثتهم يعملون و تزوجوا و أنجبوا و أصبحوا أشخاصاً محترمين في المجتمع .

أمي إنسانة غير سوية إطلاقاً ، تقول أن عندها مرض الوسواس القهري ، و أبي أحياناً يوافق على أنها مريضة و غير مسؤولة عما فعلته بي ، و أحياناً يصرح بأنه لو كان قد أوقفها عند حدها و شكمها لما تتمادت بهذه البشاعة .

منذ أن وعيت على الدنيا و الحياة كلها وساخة في وساخة ، و كل شيء محتاج تعقيم و تنظيف ، و أنا ممنوعة من لمس أغلب الأشياء الموجودة حولي في المنزل ، مثل الدواليب و الحيطان و الأرض ، و مسموح لي بلمس أشياء بسيطة فقط ، مثل ملابسي أو لعبتي ، و إذا تجاوزت و لمست شيئاً من الممنوعات أعاقب بالشتم الشديد و القرص في وركي أو ذراعي ، و ممكن ضرب على جسمي ، و بعد ذلك أمي يجب أن تطهر الأماكن التي تلوثت بالكولونيا و الماء و الصابون ، و تكوي ملابسي بالمكواة لكي تعقمها ، يعني أي طفل طبيعي لازم يتعرف على الأشياء و يلمسها و يجري و يتحرك في الشقة إلا أنا .

بالنسبة للزحف و أنا طفلة والدي اعترف أن أمي حددت غرفة واحدة و غطتها بملاءة لكي أزحف عليها ، و ممنوع علي تجاوز هذة الملاءة .

قضيت فترة من طفولتي على الأريكة ، كنت أستيقظ من النوم و تقوم أمي أو أبي أو أحد إخوتي و يحملني
للحمام ، و من بعدها يضعوني على الأريكة ، و أقضي اليوم جالسة و ممنوع أن تلمس رجلي الأرض ، لأن الأرض وسخة .. طبعاً بقوانين أمي ، و من بعدها أحدهم يحملني للحمام و يغسل رجلي و منها للسرير .

أول 6 سنوات من عمري و التي من المفترض أن تتكون فيها شخصيتي ، كنت ممنوعة فيها من اللمس و المسك و الانفتاح على العالم ، قضيتها في الكبت و المنع و الشتائم الشديدة ،
أي طفل أعرفه يزحف و يجري و يمسك و يشد كل شيء و يتحرك بحرية إلا أنا ..

أيام دراستي كلها كانت سوداء ، كل شيء كانت أمي تغسله و تطهره ، و هي التي تلبسني ملابسي و حذائي ، و كل يوم أرجع فيه من المدرسة لازم تطهر وجهي و يداي بالكولونيا ، و لا تهتم بضرر وجهي ، كل ما يهمها تنفيذ رغباتها فقط .

لم ترحمني أبداً ، كثيراً ما بكيت و توسلت لها أن ترحمني و تجعلني أعيش طبيعي مثل أصحابي و أقاربي ، لكنها لم ترحمني أبداً و لم ترق لحالي ، كل همها هو تنفيذ و إشباع رغباتها فقط .. فقط .

حتى الأكل لحد سن الـ 5 أو الـ 6 تقريباً ، كان ممنوع أن آكل بنفسي ، يجب أن تطعمني هي بنفسها ، مع أن أي طفل يحب أن يلعب في الأكل و يجرب بنفسه .

عندما دخلت المدرسة لم أكن أعرف كيف أصعد أو أنزل الدرج ، كنت أضحوكه المدرسة ، لأن أول 6 سنين من عمري أمي كانت تحبسني في الشقة و لم أخرج إلا لمرات قليلة تنعد على الأصابع و كان أحد من عائلتي يحملني حتى لا ألمس السلم الوسخ و الأرض الوسخة .. و أول مرة ذهبت فيها للمدرسة التي كانت قريبة جداً من البيت ، كنت مصدومة من الشارع و غير مستوعبة منظر الطريق و العمارات ، و بقيت أول سنتين يجب أن يوصلني أحدهم للمدرسة و يعيدني للبيت .

و إلى الآن عندي عقدة في الأماكن و الاتجاهات ، و لو دخلت لأي مكان جديد خارج شقتنا مثل مكتب أو عيادة طبيب أكون غير مستوعبة للمكان و الغرف و الاتجاهات ، و حتى الآن لا أستطيع المشي بإحساس طبيعي و بأمان في أي طريق أو شارع ، و أكون مرتعبة جداً جداً عندما أبتعد عن البيت .

و كثيراً ما كان الأطفال يرفضون مرافقتي و اللعب معي لأني بطيئة جداً في الحركة ، و لا أستطيع اللعب و الجري مثلهم ،
كل شيء كنت أريده يقابل بالرفض من أمي ، و لا مفر ممن لا يرحم ، مهما بكيت و اشتكيت لأبي لا يفعل شيء ، لأنه يرى أن الطلاق فضيحة لي في المستقبل ، و يجب أن أحتمل هذا العذاب ، و عندما أكبر ربي سيعوضني في بيت زوجي !!!

الآن أمي بكل جبروت تقول لي : العيب فيكِ أنتِ ، كثير من الناس تعذبوا في طفولتهم و مع ذلك نجحوا و تزوجوا و خلفوا … بعدما دمرتني و تسببت لي بإعاقة نفسية تضع اللوم و الإهانة عليَّ أنا !!

منذ أن وعيت علي الدنيا و هي تتهمني أن حياتها كانت سليمة و أنا التي أتيت و أفسدتها لها ، و أنها كانت تريد أن تجهضني و أنا في بطنها .. هناك تفاصيل أخرى كثيرة لكني لم أعد أستطيع الكتابة أكثر من هذا ..
و الآن أنا فاشلة في حياتي ، و لم أتزوج ، و أعاني من مشاكل نفسية كبيرة مثل القلق المرضي و انعدام الثقة و غيرها .

تاريخ النشر : 2016-12-03
guest
31 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى