أدب الرعب والعام

الحب المجنون

بقلم : قلم حمرا – الأردن
للتواصل : [email protected]

الحب المجنون
أنا جميلة و ذكية و بارعة في كل شيء .. هكذا تقول أمي
ما أجملها تلك اللحظات التي نجتمع بها سويةً حول التلفاز أو الطعام ، نضحك و نتسامر إلى أن نمل .. أحبهم جداً ، أحب عائلتي البسيطة التي يسعدها أي شيء ، أمي أعظم مثال لي في الحياة ، أما أخي الكبير فهو رجل و ليس شاب ، مع أنه لا يزال في الخامسة والعشرين من العمر إلا أني أراه مكتمل الرجولة ، و أختي اللطيفة صديقتي و بئر أسراري ، عمرها عشرون سنة ، و أنا الصغرى .. عمري ستة عشر سنة ، جئت كإضافة جميلة للعائلة ، هكذا تقول لي أمي دوماً ، أحمد الله على هذه النعمة كل يوم ، آه نسيت أن أخبرك كم جميلة أنا و ذكية ، هكذا تقول لي أمي ، فعيناي زرقاوان و شعري أسود و بشرتي بيضاء ، نعم نعم أنا جميلة و ذكية و بارعة في كل شي ، هكذا تقول لي أمي .

أستمتع برؤية أختي و هي تضع المكياج على وجهها الجميل ، أصرخ بها لا تضعي شيئاً أنت جميلة بدون كل هذه الأشياء السخيفة ، و لكنها ترد قائلة أن خطيبها سامر قادم اليوم ، و تريد أن تبدو جميلة في عينيه السخيفتين ، أكرهه بشدة ، سيأخد أختي مني كما أخدت حنان أخي مني ، فبعد زواجه منها أصبحت لا أراه كل يوم ، و لا أضحك و أعبث بلحيته الجميلة ، كما أن سامر و حنان يكرهانني بشدة ، أشعر بذلك من نظراتهم لي ، فليذهبوا إلى الجحيم فأنا لا أهتم .

هنالك شيء غريب ، أشعر بأن سامر و حنان على علاقة ببعضهما ، ليست علاقة طبيعية ، يا للهول !! هل معقول ما أفكر فيه ؟ الخائنان ، كيف يستطعان فعل ذلك بإخوتي الملائكة ، طبعاً فهما شيطانان و لا يجتمع الشيطان إلا بشيطانة مثله ، و الغريب أنني الوحيدة التي لاحظت ذلك ، فأنا ذكية و سريعة الملاحظة .. أمي تقول لي ذلك دوماً .

البارحة ماتت حنان فجأة ، قالت الشرطة أنها عملية سرقة ، فهم لم يجدوا حقيبتها ، لكن اللص لم ينتبه إلى السلسلة الذهبية التي تحيط بعنقها .

تزوجت أختي من سامر ، تبدو سعيدةً جداً ، لكنها ابتعدت عني كثيراً ، أشعر بالوحدة ، أشتاق إلى جمعتنا سويةً كما اعتادنا دائماً ، و لكنها الحياة ، نودع أناس و نستقبل آخرين .. هكذا تقول أمي ..

اليوم مات سامر ، يبدو أن الحظ السيئ يلاحق عائلتي ، فلقد سقط سامر من شرفة إحدى الفنادق ماذا كان يفعل في ذلك الفندق أصلاً ؟؟؟

أنجبت اختي طفلاً ، فلقد كانت في شهرها التاسع عندما مات سامر ، مسكين لم يحظَ بفرصة رؤية ابنه الصغير ، أحب الجميع سامر الصغير الذي سمي باسم ابيه ، لكني لم أحب هذا الاسم أتمنى لو سموه بإسم آخر …

مات سامر الصغير ، لقد أصيب بمرض غريب فجأة ، و مات بعدها بيومين ….

تغيرت عائلتي بشدة ، الكل حزين ، و أنا حزينة أيضاً ، أمي تتساءل عن سبب الموت الذي يحيط بنا ، فحتى أخي مات له ولدان و فتاة بنفس أعراض مرض سامر الصغير ، لعله أمر وراثي في عائلتنا ، أنا لن أتزوج أبداً ، سوف أبقى بجانبهم ، فأنا أحبهم .. أحبهم بشدة .

لتغيير الأجواء الكئيبة ، اقترحت أمي ذن نغير مكان سكننا ، و لكني أعلم لماذا تريد اأن تسافر ، فجارتنا الغبية تطلق شائعات سيئة علينا ، تقول أننا لعنة على كل الناس الذين يرتبطون بنا .

انتقلنا إلى منزل آخر ، و تأقلمنا قليلاً مع الحي الجديد ، و بدأت ألاحظ على أختي أنها أصبحت تتحسن ، و أصبحت تهتم بنفسها أكثر فأكثر .. ما سرها يا ترى !!

لقد عرفت .. لقد عرفت ، أختي تحب ابن الجيران ، آه تبدو كأنها فتاة مراهقة ، لم أثق بذلك الشاب يبدو خبيثاً .

دخلت إلى غرفتي لأجد أختي تبكي بحرقة ، لقد كسر قلبها كما توقعت ، فعلى ما يبدو أن لديه أقرباء في حينا السابق و سمع عن قصتنا ، و هو صحفي فأراد أن يحصل على سبق صحفي مع “غراب البين” كما أطلق علينا .

أمي تدمرت بشدة ، و كذلك أخي و أختي ، لم يسبق لي أن رأيتهم بتلك التعاسة ، لم أحتمل أو أنسى منظرهم أبداً .

قررت اليوم أن أمارس دوري الذي لطالما مارسته في هذه العائلة ، سوف أحميهم من الحزن و الألم و كل شيء .

مات أخي و والدتي و أختي اليوم ، انتحروا ، كانوا جالسين حول الطاولة كما اعتدنا أن نفعل ، إنهم في مكان أفضل .. أنا متأكدة من ذلك .

لقد قتلتهم جميعاً ، قتلت أي اأحد أذاهم أو حاول فعل ذلك ، و لكني على ما يبدو لم أستطع حمايتهم من كل شيء ، لذلك قررت أن أرسلهم إلى مكان أفضل ..

***

تلك كانت مقتطفات من مذكرات المجرمة لينا ، تعترف بها بقتل أكثر من عشر أشخاص من بينهم أطفال ، فقد كانت المشتبه به الأول في مقتل عائلتها ، فقد اشتبهت جارتها بوجود خطب ما عندما مضت فترة و لم ترَ أي أحد يخرج من المنزل سوى لينا ، و سألتها مراراً عن أهلها ، فكانت تتجاهلها أو تنظر إلى السماء ، و تقول الجو رائع و الحياة جميلة حيثما ذهبوا .

حاولت الجارة أن تتلصص على نافذة منزلهم ، لكنها لم ترَ أحداً إلا أنها شمت رائحة سيئة جداً تنبعث من المنزل ، فاتصلت بالشرطة سريعاً ، و عندما دخلوا فيه انزعجوا من الرائحة المنبعثة من الغرف ، و عندما دخلوا إحدى الغرف وجدوا جثتين تم التعرف عليهما لاحقاً بأنهما إخوة لينا ، و في الغرفة الثانية وجدوا جثة الوالدة ، كانت الجثث موضوعة على السرير بعناية و تحيط بهم أزهار مختلفة ، و بسرعة تم اعتقال لينا للتحقيق معها ، و كان المحققون متأكدين 100% أنها القاتلة .

دخل المحقق الغرفة و ألقى بملف يحتوي على صور جثث أهلها أمامها
– ما هذا ؟
– إنهم ضحاياكِ ، والدتك و أختك و أخيك و أولادهم الذين قتلتيهم أيضاً .
– أنا لم أقتل عائلتي ، أنا أرسلتهم لمكان أفضل
– لماذا ؟
– الحياة قاسية عليهم ، و الناس أشرار يجرحون مشاعرهم ، و أنا لا أحتمل ذلك ، لذا قررت إرسالهم إلى عالم أفضل .
– ماذا عن زوج أختك و طفلهم و زوجة أخيك و أطفالهم ؟
– لم يعد أخي و أختي و أمي يهتمان بي كما اعتدت دوماً ، هؤلاء الأطفال سرقوهم مني ، و زوج أختي يخونها مع حنان ، أنا متأكدة ، لذلك عليهم أن يموتوا ..

و بدأت بخبط يدها على الطاولة ، و صرخت :

– أنا و أمي و أختي و أخي فقط ليس هناك داعي للآخرين ، أنا و أمي و أختي و أخي فقط فقط ، هل تسمعني ؟؟ أنا و هم فقط ، أنا أحبهم جداً ، لا أحد يحبهم مثلي ، أنا قتلت تلك الجارة الثرثارة التي سببت لنا التعاسة بكلامها ، و اأنا التي قتلت ابن الجيران لأنه كسر قلب أختي الحبيبة ، و لماذا فعلت ؟ ذلك لأنني أنا حارستهم ،و أنا القوية و البطلة بينهم ، أنا القوية ، أنا البطلة ، أنا التي حميتهم من غدر الأيام ، هل تسمعني ؟ أنا أنا أنا أنا .. و استمرت بالصراخ إلى أن سقطت من التعب .

خرج المحقق من الغرفة و على وجهه إمارات الحيرة ، و قال : تلك الفتاة مريضة جداً ، مريضة في عقلها .
– أنت محق سيدي ، و لكن ماذا بشان ما قالته عن ابن الجيران و الجارة ؟
– يبدو أنه علينا فتح القضيتين مرة أخرى ، و إضافتهما إلى ملفها .
– تلك الفتاة ستتعفن في المصحة العقلية ، تلك المجرمة المجنونة .
– لا تقل ذلك ، أشفق عليها ، لقد قتلت أهلها بيدها و هي لا تدرك ، و إذا تعافت عليها أن تتعايش مع هذا الذنب طوال حياتها .
– سيدي أين والدها ؟
– والدها على ما يبدو قد تركهم منذ مدة طويلة و مات في إحدى البلدان البعيدة ، و لم يحظَ حتى بدفن لائق ، لقد كان مدمناً على الخمر و القمار و مات شحاذاً .
– على الأقل لم تقتله ابنته .
– المسكينة لقد كانت فتاة جميلة و ذكية لقد برعت في الصيدلة ، و كانت الأولى على دفعتها .
– الأذكياء دوماً مجانين .
– فلتحمد الله على ذلك ، فأنت لن تكون مجنوناً أبداً .
– الحمد لله … آه فهمت قصدك ، سامحك الله يا سيدي
ضحك و قال :
– شغِّله ، و وضع إصبعه على رأس مساعده .

تم ايداع لينا في إحدى المصحات العقلية ، و لكنها لم تتحسن بشكل كامل ، كانت تأتيها بعض حالات الصحوة ، و عندما تذكر ما فعلت تبدأ باللطم و خبط رأسها في الجدران حتى تنزف .

جلست لينا في ركن الغرفة و هي تبتسم ، لقد اجتمعوا جميعاً هي و والدتها و إخوتها مره أخرى ، و لكن لماذا تتحول أشكالهم إلى أشكال شياطين ؟ لماذا يقتربون مني هكذا ؟ و .. دوى صراخ لينا في كل المشفى .

تاريخ النشر : 2016-12-20

قلم حمرا

الأردن
guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى