سلسلة أكثر الشخصيات شراً و رعباً .. الجوكـــــــــر
الجوكر شخصية غريبة تجمع ما بين الشر والظرافة |
في إطار مواصلة سلسلة أكثر الشخصيات شرّا و رعباً ، لا يمكننا أن نغفل عن ذكر أهمّها على الإطلاق و أكثرها جنوناً و تميزاً : الجوكـــــــــــــــــــــــر ..
تلك الشخصية التي لم تولد بين صفحات رواية أو مسرحية ، و إنما قفزت إلى الشاشة الفضيّة ، قادمة من مجلات “الكوميكس” أو القصص المصوّرة التي لم تكن تصنف ضمن الأدب حتى ، و لكن هذا لم يمنع الجوكر من أن يتزعم عصابة الشّر بنجاح لسنين .
شخصية الجوكر ظهرت أول مرة في احد اعداد المجلات المصورة صيف عام 1940 واقترنت منذ ذلك الحين بشخصية الرجل الوطواط |
الجوكر هي شخصية خيالية من إبداع الثلاثي “بيل فنجر” ، “بوب كاين” و “جيري روبنسون” ، و ظهرت لأوّل مرة في مجلة القصص المصورة “بات مات” في 25 أبريل سنة 1940 ، ضمن إصدارات شركة “ديسي كوميكس” ، في البداية كانت شخصية الجوكر مجرد حلقة في سلسلة طويلة من المجرمين الذين يحاربهم “الرجل الوطواط” (بات مان) من أجل القضاء على الجريمة في مدينته “غوثام” الشهيرة ، و لكن النجاح غير المتوقع الذي حققته جعل القائمين على الكوميكس يطوّرونها و يضيفون إليها العديد من التغييرات و السمات و الحبكات التي جعلتها في النهاية الندّ الأوحد و الأزلي لـ “بات مان” ، و قد تمّ اختيارها كأعظم شخصيات الشر على مدى التاريخ .
اشهر من ادى دور الجوكر هما جاك نيكلسون وهيث ليدجر |
ظهر الجوكر في العديد من الأفلام المقتبسة عن قصص “بات مان” و لكن أهمها على الإطلاق أداها كل من :
* سيزار روميو في سلسلة بات مات سنة 1960
* جاك نيكلسون في فيلم بات مان سنة 1989
* هيث ليدجر في فيلم الفارس الأسود سنة 2008 و كان أداؤه الأسطوري سبباً في حصوله على الأوسكار الوحيد في مسيرته
* جارد ليتو في فيلم فرقة الانتحار سنة 2016
نشأة أسطورة الجوكر :
هناك غموض يحيط بماضي الجوكر وسبب تحوله إلى شرير |
لا أحد يمكنه الجزم بحقيقة ظهور الجوكر و لا من أين نشأ ، فالجميع يملك جزءاً من قصته و لا أحد حتى الكتاب أنفسهم يملك القصة كاملة ، ففي كل مجلد من قصص بات مات كانت هناك حكاية جديدة عن سرّ الجوكر الغامض .. ربما لأنه لم يكن مقدّراً له من البداية أن يواصل رحلة الشر كما حصل .
أحد الروايات و أشهرها تلك التي أوردها “آلان موور” و الذي روى قصة “ريد هوود” الكوميدي الفاشل الذي سقط في هوة الإجرام لإعالة زوجته الحامل ، لينتهي في برميل ضخم من المواد الكيمائية إبان مطاردة بات مان له ، ممّا يتسبب له في تشوهاته الشهيرة و يفقد زوجته الحامل ، ليعود للانتقام في صورة “الجوكــــــــــــــر” .
بعض الاعداد القديمة تربط تحول الجوكر بما جرى لزوجته |
في رواية أخرى (فيلم الفارس الأسود) ، قام الجوكر بتشويه وجهه تعاطفاً مع زوجته التي تعرضت لهجوم من مرابين قاموا بتشويه وجهها لعدم دفع ديونها ، بل إنه في الفيلم ذاته نجد الجوكر يروي قصة أخرى مغايرة تماماً و يتهم والده السكير بتشويهه بشفرة عندما كان طفلاً !
و قد قدم الجوكر في مجلد “الجوكر القاتل” تفسيراً لتناقض قصته قائلاً : ” أحياناً أتذكر الأمر على نحو ما … و أحياناً أخرى على نحو مغاير ، إن كان لديّ ماضٍ ، فأنا أفضل أن يكون متعدد الخيارات . “
هذه إحدى نقاط قوة الجوكر ، ذلك الغموض الذي يلفه بسحر لا يقاوم ، لم يضعف حبكة قصته بقدر ما أضاف إليها جنوناً و إثارة قلّ نظيرها .
الشكل المميز للجوكر :
اكثر ما يميزه هو مظهره الغريب الاقرب إلى المهرج |
لعلّ أهم ما يميز شخصية الجوكر هو تفردها من الناحية الجسدية ، فلم يقابل القراء قبل ظهورها شخصية لها نفس السمات البدنية أو الشكل رغم تشابه معظم الشخصيات الشريرة الأخرى ، فندرتها و تميزها جسدياً و شكلياً ساهما في نجاحها .
فلو تأملنا الجوكر ، لوجدناه لا يعدو أن يكون مهرجاً ، بمساحيق التجميل الفاقعة ، و لون الجلد الأبيض الباهت ، و رسم الفم الأحمر الزاهي و شعره الأخضر و ابتسامته الدائمة ..
فكيف يكون المهرج مخيفا ؟!
هذا هو سرّ آخر من أسرار خلود الجوكر ، إنه ببساطة كيان من المفارقات ، فمعه لم يعد المهرج مرادفاً للبهجة و الفرح و الاحتفالات كما هو متعارف عليه .. بل بات أيقونة للشرّ المطلق و الجريمة المرعبة ، و لكن علينا القول بأنّ ملامح الجوكر الشهيرة تعود أساسا إلى شخصية “كونار فيد” التي ظهرت في كتاب “الرجل الضاحك” للكاتب الفرنسي الشهير “فيكتور هوغو” ، و التي أعيد تقديمها في فيلم صامت سنة 1923 بنفس العنوان ، تلك الشخصية كانت منصة الانطلاق للجوكر كما نعرفه اليوم ، و إن كان شكله يتغير تغيراً طفيفاً مع كل مجلد قصص أو فيلم جديد .
الجوكر .. تعددت الأسباب و الجنون واحد :
دافعه الرئيسي هو الانتقام من المجتمع |
عندما ننطق اسم الجوكر فغالباً ما ترافقه صفة واحدة وهي .. الجنون ! جنون تعددت أسبابه بتعدد قصص “ريد هود” أو “جاك نيبر” ، و هما الإسمان الأشهر للجوكر ، فتارة نقرأ بأنّ فقدانه لزوجته و تشوه وجهه بالمواّد الكيميائية قد سببا له إضطراباً نفسياً حادّاً بلغ حدّ إصابته بالبرانويا ، و أحياناً أخرى نراه ناقماً على أب سكير و عنيف شوه طفولته قبل أن ينهي المأساة بتشويه وجهه ، و طوراً نجد الجوكر عاشقاً آلمه حزن زوجته المشوهة ، فأراد ن يخفف عنها و يتشبه بها كي لا تغدو وحيدة ، فرحلت و تركته مشوهاً !
و لكن أيا كان السبب فدافع الجوكر واحد .. و هو الانتقام من المجتمع الذي خلق نماذج مضطهديه على اختلافها : بات مان ، الأب أو الزوجة .
و الإنتقام “كليشيه” شهير جدّاً في الأدب و الفنّ عموماً ، عندما يتعلق الأمر بخلق شخصية شريرة تنافس بطل العمل و تؤطر بطولاته ، فالخير و البطولة دوماً بحاجة للشر و الدناءة حتى تظهر و تنمو ، فبالنقيض يعرف الشيء كما يقال ..
هو الشرير قاسي القلب صاحب النكتة |
كان يمكن لجنون الجوكر و شره المطلق الذي يبلغ حدّ المبالغة أن يكون سبباً في فشله ، و لكنّ وجود مبررّ و لو غامض و متغيّر كالانتقام الذي يجمع القصص الثلاث المختلفة لماضيه ، و التي قد تكون جميعها صحيحة و واقعية ، جعله يكسب ليس فقط شهرته كأكثر الشخصيات شراً ، بل و كذلك تعاطف و حبّ الجماهير ، حبّ كسبته الشخصية الأيقونية من خلال جملة من المميزات و التناقضات الغريبة التي قد لا نقبلها معاً في كيان آخر غير كيان الجوكر ..
فهو الشرير و القاتل قاسي القلب ، و لكنّه الظريف و صاحب النكتة و خفيف الظلّ .. و هو المجنون و المصاب بالبرانويا و لكنّه العبقري صاحب الخطط العظيمة و المحكمة .. شخصية مركبة سابقة لعصرها ، أضافت إليها التراكمات و الاقتباسات المختلفة في السينما و الكوميكس و التلفزيون زخماً نفسياً محبباً جعل منها أسطورة تفوقت بكلّ عيوبها على غريمتها “بات مان” .
جرائمه :
هو المهووس بالاجرام الباحث عن الابداع فيه |
لا يمكننا طبعا الحديث عن جرائم الجوكر بالتفصيل ، فطوال 75 سنة و المجنون يتحفنا سواءٌ ضمن أحداث القصص المصورة ، أو سلاسل الأفلام السينمائية ، أو بعض الاقتباسات التلفزيونية و ألعاب الفيديو بخطط و جرائم مغرقة في العبقرية و التفرد .
فهو المهووس بالإجرام ، الباحث عن الإبداع فيه .. لا تنتهي جرائمه بتحقيق هدف ما أو الوصول إلى غاية بعينها ، بل كلما انتهى من جريمة انبرى يخطط لأخرى و يرسم تفاصيلها بنفس الحماس و الشغف ، حتى و إن انتهت معظمها بالفشل بسبب تدخل “بات مان” .
و مما يسترعي الانتباه في تاريخ جرائم الجوكر ، أنه مرّ بثلاثة مراحل كبرى :
* الأولى : المرحلة المبكرة حيث ظهر الجوكر العنيف و الدامي الذي يقتل الأبرياء في مدينة غوثام دون أن يرف له جفن ، حتى إن لم تكن خططه تستدعي ذلك .
* الثانية : تتسم هذه المرحلة بظهور الجوكر “الظريف” ، فقد قرر الناشرون بأن دموية جرائم الجوكر في المرحلة السابقة تمنعهم من استهداف شريحة كبيرة من القراء ( الأطفال و المراهقين ) ، فكان القرار بتعديل الشخصية و جعل جرائمها ذات طابع ظريف دون عنف .
* الثالثة : عودة الجوكر إلى نقطة البداية و التخلي عن الجانب السلمي لجرائمه ، و جعلها دموية و قاسية من جديد .
الجوكر وباتمان .. عداء شخصي لا ينتهي |
تنقسم جرائم الجوكر كما يلاحظ المتابعون لهذه الشخصية على مدى سبعة عقود من ظهورها إلى نوعين مختلفين ، فهو يحاول من خلال مخططاته تقويض الحياة في مدينة “غوثام” ، من خلال علميات السطو و السرقة و التفجير و القتل التي يهدف إلى أن تحقق أكبر عدد من القتلى و الخسائر العامة ، و لكنه كذلك يستهدف حياة “بات مان” الخاصة ، و يسعى ليلحق به أكبر قدر من الهزيمة في أكبر عدد من المواجهات المباشرة بين عدوين على مدى التاريخ ، و هو ما جعل حياتهما كسكتي القطار ، تسيران في خط متوازي و متساوي إلى ما لا نهاية ، فالجوكر لا يتردد في مهاجمة عائلة “وين” (بات مان) و المقربين منه ، كقتله لروبن الثاني (جيسين تود) أو كإطلاقه النار على إبنة المفوض “غوردون” .
فالجوكر بالتالي يخلق صراعاً شخصياً و حميماً بينه و بين غريمه بات مان ، يجعل المواجهة بينهما تخرج عن الإطار التقليدي لعلاقة البطل بالمجرم ، لتصبح ثأراً شخصياً بالنسبة لبات مان ، و تلاعباً نفسياً و تسلية بالنسبة للجوكر .
الجوكر و علاقته ببقية المجرمين :
الدكتورة هيرلين كوينزل .. التي تحولت إلى مساعدة الجوكر |
الجوكر كما نراه في الكوميكس و الأفلام المقتبسة عنها يحبذ العمل منفرداً ، لا يهوى مشاركة بقية المجرمين مخططاته ، و هو دليل على شعوره بالرفعة و التميز مقارنة ببقية المجرمين ، و بأنه الند الوحيد و الأكفأ لـ “بات مان” ، و إن كنا نراه يتعاون أحياناً معهم في بعض الجرائم ، كما أنه قد اتخذ في بعض المراحل مساعدة “هيرلي كوين” ، و التي ظهرت لأول مرة سنة 1992 ، و تدعى الدكتورة “هيرلين كوينزل” و التي كانت تشرف على حالة الجوكر في مشفى اكرهام أسيلوم النفسي ، و التي بدلاً من أن تعالجه تأثرت به ، و تحكّم في عقلها ، و قادها إلى أن تصبح النسخة المؤنثة عنه ،
و لكن الجوكر حتى في علاقته بهيرلي يتميز بالأنانية و الغدر ، فكثيراً ما تخلى عنها أو استعملها كوسيلة ضغط ضد بات مان .
ختاماً :
الجوكر .. شخصية اخترعت في البداية لتكون مجرد اسم بين عشرات الأسماء العابرة في قصة “بات مان” ، هدفها الوحيد هو ترسيخ صور فارس “غوثام” و بطولاته ، و لكن تركيبتها المعقدة و ماضيها الغامض و تناقضاتها الصارخة ، جعلتها أيقونة من أهم أيقونات الشر في العصر الحديث ، بل لقد تفوقت حتى على “بات مان” في بعض أجزاء القصص المصورة و الأفلام ، و إنتشرت اقتباسات من مقولاتها الشهيرة في صفوف القراء و المعجبين .. و اليوم لا يمر عيد هالوين دون أن نصادف ملايين المتنكرين في زي الشرير الأعظم … “الجوكر” .
مصادر :
– The Jokers first appearance in Batman
تاريخ النشر : 2016-12-24