تجارب ومواقف غريبة

إنه هدوء ما قبل العاصفة .. ( الرجل الغريب في حجرتي 2 )

بقلم : شيطان تائب – مصر

إنه هدوء ما قبل العاصفة .. ( الرجل الغريب في حجرتي 2 )
وجدنا شخصاً طويلاً جداً يصل طوله إلى المترين .. لا ملمح له و لا شكل سوى هيئة الرجال الجسدية و حسب

الحقيقة .. هي الشيء الأوحد الذي يسعي إليه البشر , و إن كان أعظم خصلة في بني البشر هي الكذب , لكن حينما يسأل المحقق في ليلة الرابع و العشرين من ديسمبر عام 2006 عما رأيته منذ بضع ساعات قليلة في المدرسة , حتماً ابن الاثني عشر سنة سيخبره الحقيقة , بشاربه المستدق كأنه مرسوم بقلم حبر أسود , كم هو بارع هذا الحلاق , يقطع تفكيري في شاربه صوته الأجش الذي تتخلله صوت اصطدام قواطع فكيه من شدة البرد , أو من شدة الخوف لا أعلم , لكنه أدى دوره في اخراجي من شرودي السخيف , طلب مني أن أقص عليه ما حدث منذ البداية حتي النهاية ( من طقطق لسلام عليكوو ) هكذا قال في جدية ناعمة .

استنشقت كمية كبيرة من الهواء و قلت ” هتوعدني تصدقني ؟ ” أجاب بنعم و بدأت الحديث …

” في البداية كنا نلهو , أنا و ثلاثة أصدقاء نجلس فوق استراحة أمام البيت الذي نذهب إليه حتى نحصل على حصة اللغة العربية , فأنا في الصف السادس الابتدائي , و امتحانات نصف العام بعد أقل من اسبوعين , انتهت الحصة و خرجنا و لكن شغلتنا الفكرة التي قالها أحدهم من الرفقاء قبل الحصة بأن المدرسة مسكونة بالأشباح ، و أنه رأى أشياء غريبة تحدث هناك بالليل , نعم , هو يقطن في مكان ليس بقريب للمدرسة و لكنه في مواجهتها ..

تخيل معي أيها المحقق أن تفصل بينك و بين المدرسة مسافة كبيرة و لكن كلها مساحة مزروعة , فالمدرسة في جانب صهريج المياه ، و هذان المكانان في وسط المساحات المزروعة , ظل يقسم و يقسم و يقسم و نحن نقول له أنه كاذب و يريد أن يلفت نظر الفتيات السخيفات بأي طريقة , لكنه أخبرنا بأشياء إلى حد كبير بدت واقعية , فهو لم يخبرنا مثلا بوحش ضخم مقرن يتخذ النار وشاحاً و ينفس أبخرة من أنفه , إنه أخبرنا بأنه شاهد المدرسة و التي تقفل من الساعة الثالثة عصراً و لا يسير حتى بالقرب منها أو من أمامها إلا نفر من موظفين يعملون في الصهريج .

رأى إضاءة المدرسة بالكامل , كل الفصول , إنارة الفناء و اللافتة تُضاء و تطفأ مرات متتابعة , ظن في حينها أنها مشكلة في الكهرباء أو ما شابه و لكنه تمعن في أحد الفصول و رأى شخصاً يقف يقطع شعاع النور الخارج من نافذة الفصل , يظهر فجأة و يختفي فجأة , ارتعب خوفاً و أغلق شباكه و ركض إلى حجرة والدته و أخبرها برغبته أن ينام عندها اليوم و قد كان .

في اليوم التالي حدثت في نفس التوقيت هذه الظاهرة الغربية ,و ظل يراقب و يحسب الوقت الذي بدأت فيه , إنها من التاسعة مساءً حتى منتصف الليل , استيقظ بعد نعاسه الذي غلبه و هو يراقب و ينظر ماذا حدث أثناء غفوته القصيرة !! الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و لكن النور مازال على تتابعه في الانقطاع و العودة , و لكن الرجل الذي يقف هناك لم يجده , و ظننا أنه سيقول أنه وجده في حجرته أو ما شابه , لكنه قال شيئاً أكثر غرابة ..

أخبرنا بأن الشخص كان يلوح له من أمام باب المدرسة و هو مفتوح , صرخ بأعلى صوته ليوقظ من بالبيت جميعاً و يهرعوا إلى حجرته , الحق أنك أيها المحقق توقن بأنهم لم يروا شيئاً مثلما يحدث بالأفلام الأجنبية , و لكنهم فعلاً رأوه , و لوح لهم جميعاً , و هنا أغلقت الأم النافذة و ضربت ابنتها على وجهها لتخرسها بعدما قطعت سكون الليل بصرختها الجهورة , و قالت لهم ألا تشعرون بأنها الواحدة بعد منتصف الليل , أخرجتهم من الحجرة و أخذت ولدها و جلست طوال الليل تتلو القرآن في أذنيه و تدعو الله بأن يلطف بالجميع “

وهنا تثاءب المحقق و أخبرني كم أنا ممل , أعلمه الجميع أنني أعرف كل شيء و لكنه هم بالرحيل و قال أنني أهذي و هنا صرخت قائلاً ” حسن اتقتل هناك ” التفت إلي و عيناه متسعتان تلمعان تحت ضوء المصباح الخافت و أشار بيديه ان استمر بالحديث … ”

بعدما اتهمناه بالكذب و المبالغة اقترح علينا أن نذهب هناك , إلى المدرسة , الساعة الثامنة ليلاً , مازال يفصلنا ساعة لنشاهد ما يجري حقاً , سنخبر الأهل بأننا كنا نلهو , سنعاقب و لكن , المغامرة تستحق , لن تصدق بأننا لم نكن نرتعب خوفاً أو شيء و لكن , شيء من الخوف .

سبعة أطفال بأحلام الكبار في حل لغز كوني استعصى على الكل .. جلسنا أمام المدرسة وقتما وصلنا و نظرنا من بين قضبان البوابة , نعرفها حق المعرفة و نقضي بها الكثير و الكثير من الوقت الممتع المليء بالمرح و اللعب , بفنائها الواسع و الحديقة الخلفية , حقاً تثير الرعب في الليل , و لكن الفصول و الفناء مظلمين , الحقيقة كل شيء مظلم عدا اللافتة فقط , و هنا ظللنا ننادي بصوتنا الساخر و ضحكاتنا المدوية , ننادي ..

( يا عم ياللي بتخوف يا اسمراني يا اللي بتولع النور و تطفيه اطلع الله يرضي عليك عاوزين نروح بدري )

استمرت ضحكاتنا و لهونا حتى وجدنا النور يملأ الفصول و الفناء بالتتابع كأن أحداً يضيء الفصل تلو الأخر , هرعنا و ركضنا و صوت خفقان قلوبنا أعلى من صوت حديثنا , إذ إنها حقيقة , تجمعنا على قمة الشارع و رأينا أن النور مازال يذهب و يعود , سنذهب جماعة , نوقن بأن الوحوش و العفاريت لا نظهر لجماعة , و تقدمنا فعلاً بحذر حتى وقفنا أمام باب المدرسة , و بطريقة ما وجدنا الباب مفتوح , و علمنا بأننا لابد أن نعود أدرجانها لأن هذا فعلاً خارج عن قدرتنا , قد يكون مغتصب أو سارق أعضاء أو ما شابه , لكننا سمعنا من يستنجد و يستغيث قائلاً .. الحقوني !!

هرعنا جميعاً إلى الداخل , و بمجرد رؤيتنا له صرخنا بأعلى ما يستطيع أن يصل إليه صوتنا , وجدنا شخصاً طويلاً جداً يصل طوله إلى المترين يتسلق المدرسة ليهرب منا , كان كمن خُلق من الليل .. لا ملمح له و لا شكل سوى هيئة الرجال الجسدية و حسب , هرب و مازلنا نسمع كلمة .. الحقوني يا ناس.. يا عالم .

صعدنا للطابق الثاني لنجد طفلاً صغيراً في عمري أو أقل ملطخ بالدماء غارقاً فيها , و هرعنا إليه و قال لنا ( خليهم يحفروا في الجنينة الخلفية و قولوا لهم محروس قتل منصور ) , و أخبرنا بأن نذهب و نعلم كل من نراه يقابلنا في الطريق , و ما إن قال ذلك حتى ركضنا في شوارع البلدة , أخبرنا عم علي البقال و كريم القهوجي و سعيد المكوجي و غيرهم , إلى أن وصلنا إلى عم سيد جد أحد الأصدقاء , و الذي ما أن أخبرناه الجملة حتى استحال رجلاً آخر و ركض في الشارع أمامنا كمن رجع إلى العشرين من عمره !!

يا فلان و يا فلان و نادى على الكثير من الجيران .. يقول منصور يا خونا منصور لقيناه , و ركض وراءه من ركض و منهم من ظل يضرب كفيه قائلاً بأن العم سيد صار مجنوناً , و بالفعل دخلوا المدرسة و حفر عم سيد و توالى الناس على الحديقة ينبشون التربة , حتى صرخ أحدهم و تبعتها صرخات الكثيرين ممن وقع نظرهم على هيكل عظمي يرتدي ثياب ملطخة كالتي رأيناها على جسد المصاب بالدور الثاني , و الذي شغلنا الحفر عنه ..

ركضنا نحن السبعة للطابق الثاني فلم نجد شيئاً , و رجعنا في الحال للأسفل لنجد سيدة عجوز تتكئ على أحد الرجال تدخل الفناء و تقترب من موقع الجثة و تتعثر أثناء نزولها الحديقة و تلقي نظرتها علي الجثة , و تقول ( هو منصور ابني آخر هدوم لبسها هي دي , عشرين سنة ياحبيبي يبني … ) و هنا انفجرت تبكي حتي ذهب الدمع بوعيها ..

في هذه الأثناء اتصلنا بالبوليس و الاسعاف و نقلت السيدة إلى المشفى , و سيدُفن الفتى منصور بسلام في المقابر في جنازة حتماً ستكون عظيمة بعد صلاة الفجر ” … و هنا تنفس المحقق بارتياح , و قال ..

” حسناً لابد أن نقفل المحضر عند هذه النقطة ”

فنظرت إليه و استطردت حديثي السابق ” و لكنك يا حضرة المحقق لم تخبرني من هو محروس ؟؟ ” .. لم تكن لنظرة الخوف على وجهه مثيل أبداً ” محروس هو المغتصب و القاتل للطفل منصور , فرّاش المدرسة الذي نعم بالعيش عمر مديد و مات , انتقل إلى الجحيم حتماً و لكن قرأت أن لديه ابن يعمل ضابطاً ” …

” أرجوك أنا مش قدكم أنا مليش علاقة بأبويا و علاقاته القذرة دي و الله مليش ذنب ” .. ” لم آتي لأجل ذلك , أنا هنا عشان الكتاب .. “

تاريخ النشر : 2017-01-15
guest
6 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى