أدب الرعب والعام

ريموندا و الثلاث كلمات الملعونات

بقلم : محمد فيوري – كندا
للتواصل : [email protected]

ريموندا و الثلاث كلمات الملعونات
قالت : أنت مشغول بكتابة الرواية الملعونة .. رحب بلعنتها عليك

هذه القصة حيرتني ، هذه القصة أذهلتني ، و هذه ذوبتني ، أما هذه أخافتني و أرعبتني .. هكذا نحن و دائماً عندما نحكم بآرائنا على القصص و الروايات و الحواديت بكل سهولة و بتلك العبارات السابقة .

لكن قصتي فأنا لا أعرف لها عبارات أو مسمى أو أي شيءٍ من هذا القبيل ، فهي أخذتني و قلمي لأعماق أعماقها ، و عند قيامي بتدوينها على جهاز الكومبيوتر كُسر الماوس و تفتت و لا أعلم .. هل كُسر من بدايتها أم نهايتها !

***

تبدأ الحكاية منذ عدة أعوام مضت ، أثناء دراستي بقسم الدراما و النقد المسرحي بأكاديمية الفنون المصرية ، فأنا شخص يعشق و يتلذذ و يذوب بكتابة القصص و الروايات ، و تأليف القصائد و كلمات الأغاني ، و بحكم دراستي و عملي أيضاً بالمعهد العالي للسينما ، كان يُطلب مني كتابة السيناريو و الحوار لبعض مشاريع التخرج لقسم التمثيل بالمعهد ، حينها كنت أنا و مجموعة من الأصدقاء لي و عددهم عشرون ، اختيروا ليمثلوا معهد السينما بمصر لعمل فيلم قصير يتم تصويره ببريطانيا و يعرض أيضاً بأكبر معهد تمثيل بها ، و نؤهَّل إذا نجح الفيلم بمنح جائزة كبرى تمثل مصر ..

تقابلنا جميعاً بالمعهد ممثلين و مخرج لنتناقش في فكرة الفيلم التي سأقوم بتأليفها ، تركت كل شخص يتحدث
عن فكرته و سمعت الجميع ، و أخيراً اخترت فكرة ( روجينا ) و هي صديقة من ضمن المجموعة ، كانت فكرتها أن نقوم بعمل فيلم رعب ، كانت فكرة جديدة نوعاً ما بالنسبة لي و فرصة لعدم توافر تكنيك و تكنولوجيا تصوير أفلام الرعب بمصر .

تم تحديد موعد السفر بعد ثلاثة أشهر من المقابلة و ورشة العمل ، فأعطيت الجميع خبر بأنني سأبدأ بالكتابة فوراً لتوزيع الشخصيات ، و عمل بروفات أول بأول لكل جزء ينتهي من الرواية و قبل موعد السفر ، و بالفعل انتهيت من تأليف نصف الرواية سريعاً لأنها مخصَّصة لعمل فيلم قصير ، و تم الاتفاق بكتابة و تأليف النصف الآخر بعد السفر إلى بريطانيا لانشغالي المستمر بكتابة و تأليف أعمال أخرى بالمعهد .

ازداد انشغالي و ضغط العمل بالأكاديمية و معهد التمثيل ، فقررت إلغاء سفري مع المجموعة ، و مرت الأيام و الأسابيع
و لم يسألني أحد من المجموعة عن النصف الآخر من الرواية ..

و في ذات ليلة اتصل بي مخرج العمل ( رامي ) و قال :

– موعد إقلاع الطائرة الساعة الخامسة صباحاً بعد ستة ساعات من الآن ، سنتقابل جميعاً بالمطار الساعة الثالثة ، هل ستأتي لتوديعنا و تعطينا النصف الآخر من الرواية أم مازلت مشغولاً كالعادة ؟ إن كنت مشغولاً سآتي أنا إليك لأخذ السكريبت يا سيدي ..

– رامي أنا أسف جداً جداً .. أنا نسيت أكمل الرواية ، أوعدك هنهيها سريعاً و سأقوم بإرسالها لك على الايميل ..

أنهيت مع ( رامي ) المكالمة و أنا في أشد الاحراج ، و قلت لابد أن أجلس الآن للبدء بكتابة النصف المتبقي من الرواية بأي شكل من الأشكال ، و كعادتي انشغلت بكتابات أخرى و نسيت ، كان يرن هاتفي كل ليلة مئات المرات من بريطانيا ، كنت أنظر إليه و لا أبالي ، كأن شَيْئاً يمنعني من أن أقوم بالرد على الهاتف أو الاطمئنان على المجموعة أو كتابة و إنهاء تلك الرواية !!

و في ذات ليلة رن الهاتف و قمت بالرد و كانت ( روجينا ) تتحدث معي بعصبية و قالت :

– اعتمدنا عليك و أنت غرقتنا معاك ، أنت شخص بتحب نفسك وشغلك وبس وشوهت صورتنا وصورة الأكاديمية . على العموم المجموعة كلها بتشكرك و أحنا هنتصرف ..

– روجينا أقسم لكِ بالله عشرة ساعات من الآن و يكون السكريبت معاكِ ، الفكرة كاملة والسيناريو والحوار برأسي محتاج الكتابة فقط وسأرسل السكريبت علی إيميل ( رامي ) أوعدك ..

أغلقت الهاتف مع ( روجينا ) و نظرت إلى الساعة أمامي ، كانت تشير إلى السابعة مساء ، أحضرت القهوة و فتحت جهاز الكومبيوتر و بدأت بكتابة النصف الآخر من الرواية ، أثناء الكتابة نظرت إلى الساعة وجدتها تشير إلى الثانية صباحاً ، مرَّ الوقت كالثواني ، قلت سأريح عقلي من التفكير لمدة ربع ساعة فقط و سأعاود الكتابة ..

أثناء فترة الراحة كنت ممسكاً بيدي ماوس جهاز الكومبيوتر و سارحاً ، و كنت أقوم بحركة عشوائية ، و بالضغط على جميع الأيقونات المتواجدة أمامي على شاشة الجهاز ، قمت بالضغط بالخطأ على برنامج محادثة و فُتحت نافذاته أمامي ، فنظرت إلى أسماء المتواجدين في تلك الساعة على برنامج المحادثة ، لفت نظري أسم غريب و هو ” الحب الثالث عشر ” فأرسلت رسالة لصاحب أو صاحبة الأسم كدعابة مني لكسر الملل ، و قلت :

– ليه الحب الثالث عشر ، عن نفسي لم أرَ أحداً وقع في الحب أكثر من ثلاثة مرات ..
جاء الرد على رسالتي ” أنت ”
– أنا !!
– نعم … أنت ” الحب الثالث عشر ”
– ممكن نتعرف ؟
– أنا ” ريموندا ”
– أهلاً ريموندا ، بصراحة أسمك غريب نوعاً ما لكن جميل .. هل من الممكن أن أعرف معناه ؟

– هو أسم فتاة انجليزية و معناه ” الحياة الحكيمة ” أرسل المايك من فضلك ..

قلت محدثاً نفسي .. مش وقتك نهائي يا ريموندا .. لكن شيئاً ما جعلني أقول :

– أكيد أكيد .. و أرسلت لها المايك .. ” أهلاً و سهلاً ريموندا فرصة سعيدة ” ردت هي الأخرى ” أهلاً بيك ” ..

لكنني شعرت أن نبرة صوتها حزينة كأنها تبكي و تتألم ، فسألتها ما الأمر .. جاء ردها و هي تصرخ :

– أنتم جميعكم نسخة واحدة ، جميعكم نسخة واحدة ، عادتكم واحدة ، طبائعكم واحدة ، إنس ولا جن يا ريتكم ما خلقتم ، إنس ولا جن يا ريتكم ما خلقتم ..

– آسف ريموندا أنا مش فاهم تقصدي إيه ! ، لكن أنا مشغول جداً جداً لازم أنهي المحدثة معاكِ الآن ..

– أنت مشغول بكتابة الرواية الملعونة ، رحب بلعنتها عليك ، ارضي بلعنتها ، عليك رحب بلعنتها عليك ..

أخذت تكرر تلك الجُمل مرات عديدة مع ارتفاع نبرة صوتها و حدته و سرعته ، و فجأة كُسر الماوس بيدي و انقطعت الكهرباء و أصبحت غرفة مكتبي في ظلام و هدوء تامين ، شعرت بقشعريرة تنتاب كل جزء بجسدي و برودة شديدة ، كنت أتتحسس بيدي فوق سطح المكتب و أنا أرتجف ، وجدت هاتفي المحمول ، و عند الضغط عليه لتشغيل ضوئه لكي أرى عادت الكهرباء مرة أخرى بالغرفة ..

نظرت لكف يدي وجدته ينزف بغزارة و تتساقط الدماء منه بشدة على الأرض ، شعرت أن شيئاً غريباً قد اخترق جسدي بأكمله ، و برودة كالثلج تنتشر بجميع عروقي ، دققت النظر أمامي وجدت الماوس قد تفتت إلى شظايا صغيرة كأنه انفجر تماماً و أصابت جميع شظاياه كف يدي الأيمن ، ذهبت سريعاً لغسل يدي بالماء و إخراج قطع البلاستيك الصغيرة من يدي ، و وضعت مطهِّر و قمت بوضع الشاش ، لكن مازال شعور القشعريرة و البرودة ينتاب كل جزء بجسدي ..

عُدت إلى غرفة مكتبي و أشعلت سيجارة و جلست بهدوء و أنا أنظر للدماء المنتشرة بكل مكان أمامي على أرض الغرفة ، ثم حدثت بالي و سألت نفسي .. ريموندا !! الحب الثالث عشر !! كيف عرفت تلك الفتاة أنني أقوم بتأليف و كتابة رواية رعب ! من الممكن أن يكون رامي أو روجينا أو أي أحد من المجموعة أراد أن يمزح معي .. لا .. لا لا أعتقد ، إنهم مشغولون ، لكن ما الذي حدث للماوس و أصاب يدي هكذا ، أغمضت عيني و أخذت نفساً عميقاً ثم قمت بتشغيل جهاز الكومبيوتر مرة أخرى ، و حمداً لله سطراً واحداً فقط تم حذفه من الرواية لعدم حفظي له قبل انقطاع الكهرباء ..

أكملت السكريبت بالكامل في تمام الثامنة صباحاً ، و قمت بإرساله على الإيميل الخاص بـ ( رامي ) ، و عند تسجيل الخروج من الإيميل الخاص بي ، رأيت نافذة المحادثة فُتحت تلقائياً ، فنظرت و وجدت رسالة منها ..

” هذا رقمي في انتظار مكالمتك ريموندا ” ..

نظرت إلى رقمها باستغراب و تعجب و المكون من ” 666666 ” أغلقت الكومبيوتر و نهضت و توجهت إلى غرفة نومي ، و قمت بالقفز بوجهي فوق السرير و وضعت وسادة فوق رأسي و ذهبت في نوم عمييق …

استيقظت في تمام الثالثة عصراً ، نظرت إلى هاتفي لألقي نظرة علي مواعيدي اليومية ، فوجدت عيد ميلاد صديقتي ( سيانا ) ، و وجدت أيضاً ميعاد صيانة السيارة و تغيير الزيت و مواعيداً أخرى أقل أهمية ، أخذت سيارتي و توجهت إلى مركز الصيانة ، فرأيت موظف الاستقبال ينظر لي باستغراب و قال :

– تم عمل صيانة لسيارتك بالأمس و تغير الزيت يا فندم ..

نظرت له بتعجب ! ثم نظرت لتاريخ الصيانة بهاتفي و وجدته اليوم و ليس بالأمس ، فأنا لا أتذكر نهائياً أنني أتيت
إلى مركز الصيانة بالأمس ، قلت للموظف شكراً ، و ذهبت إلى سيارتي و انطلقت متوجهاً لشراء هدية عيد ميلاد ( سيانا ) و أثناء القيادة كنت أنظر إلى منظر غروب الشمس على كورنيش النيل بمنطقة المعادي ، وجدت رجلاً عجوزاً جالساً أمام عربة لبيع البطاطا الحلوة ، فتوقفت بسيارتي على بعد عدة أمتار و نزلت و توجهت إليه و اشتريت منه ، ثم ذهبت بجواره و جلست فوق السور الفاصل ما بين الرصيف و النيل ، و أنا أنظر لغروب الشمس فهو المشهد و الوقت المفضل لي دائماً ، كنت آكل البطاطا بشراهة لا أعلم لماذا ، وفجأة شعرت بألم فظيع و شديد بيدي اليمنى ، فنظرت إلى كف يدي المصاب و سرحت و تذكرت الموقف الذي حدث ، و بأحساسٍ لا شعوري ادخلت يدي في جيبي و قمت بإخراج الهاتف و اتصلت بالرقم .. و شيءٌ ما جعلني أقول :

– لو عندك مشكلة أو محتاجة حد يسمعك أنا تحت أمرك ..

– بصراحة عندي مشاكل ممكن ترميك ورا الشمس اللي أنت بتتأمل غروبها على الكورنيش ، أتمنى تكون البطاطا عجبتك ، هنتظرك غداً الساعة عشرة مساء بسكوشا كوفي .. لو محتاج ترجع بيتك سالم أمامك داقيقتين من الآن و تكون داخل سيارتك .. أنا حذرتك

أنهت ريموندا المكالمة و لم تعطني فرصة لكي أتحدث معها أو أسألها عن أي شيء ، وضعت الهاتف بجيبي و نظرت إلى البطاطا بيدي ثم انتبهت لشيءٍ غريبٍ جداً و تعجبت !. فأنا لا أحب البطاطا و لا أطيق رائحتها منذ صغري !! تذكرت كل الأحداث التي حدثت لي منذ الأمس حتى اللحظة ، حاولت أن أتمالك نفسي و أتماسك كعادتي ، لكن غلبني خوف شديد لا يُحتمل ، و انتابتني الحيرة و ازدادت نبضات قلبي و سرعتها تدريجياً ، ثم سمعت صوتاً راهيباً كأنه شيء ضخم قد سقط من السماء جعل الأرض بأكملها تهتز من حولي ، التفت بنظري إلى الخلف فوجدت سيارة ضخمة محملة بأسياخ الحديد الصلب قد انقلبت على جانبها للتو و هي تزحف بسرعة رهيبة باتجاهي و اتجاه بائع البطاطا .

قفزت من أعلى السور سريعاً و جريت بكل ما أوتيت من قوة و سرعة لأبتعد ، حتى وصلت بالقرب من سيارتي ثم توقفت بجانبها و أنا واضعٌ يدي على قلبي و ألهث بشدة ، كادت أنفاسي أن تنقطع ، ثم نظرت خلفي بهدوء و إلى مكان الحادث لأجد بائع البطاطا الرجل العجوز المسكين مستلقياً على الأرض غارقاً في دمائه بين أكوام الحديد ، و قد فارق الحياة ..

حزنت حزناً شديداً و بكيت .. و أنا أفتح باب سيارتي كنت أنظر إلى جثته و أتسائل هل أنا سبب لكل هذا ! من هي ريموندا ! ماذا تريد مني ! لماذا تفعل معي هكذا ! و ما ذنبه الرجل المسكين ؟! كأنها معي تتحكم بي تلازمني تعرف عني كل شيء كل شيء ، يا الله يا الله كن معي كن معي يا الله ..

***

وصلت البيت و أنا في حالة ذهول ، صعدت إلى غرفتي بالطابق العلوي و أشعلت سيجارة و استلقيت على السرير سارحاً .. لا لا مُستحيل أن أذهب لأراها غداً مُستحيل ، سأعتبر كل ما حدث لي منذ الأمس حتى الآن كأنه لم يكن ، كأنها مشاهد قد قمت بتأليفها و كتابتها بأي قصة أو رواية ، سأنسى كل شيء فأنا مشغول .. أنا مشغول ، ريموندا مجنونة تعاني من شيءٍ ما ، و كل ما حدث لي مجرد صدفة ، نعم صدفة …

سأتصل الآن ( بسيانا ) كي أعتذر لها لأنني أشعر بالإرهاق الشديد و تفكيري منهك ، أمسكت بالهاتف و اتصلت و اعتذرت لعدم حضوري حفل عيد ميلادها ، أنهيت معها المكالمة و وضعت هاتفي بجواري و ذهبت في نوم عميق ، حلمت بكابوس مرعب مخيف ، صرخات لنساء و رجال يعذَّبون بشدة ، كانت تأتي صرخاتهم من تحت الأرض و من أسفل شجرة ضخمة بجوار بيتي ، و كنت واقفاً أمامها ليلاً و لا يوجد أحدٌ غيري ، ثم أتت لي فتاة صغيرة شعرها أسود كثيف و طويل يغطي جسدها بالكامل ، كانت لها عيناً واحدة تغمض و هي تنظر لي من خلف الشعر ، قالت لي و هي تشير بيدها باتجاه الشجرة :

– هذه الشجرة هي بابك الوحيد “
ثم اقتربت مني و وضعت بيدي المصابة ورقة و قالت :
– و هذا هو رقمك ، عليك أن تختاره أو تختار الموت

اختفت الفتاة من أمامي و تبخرت كالدخان ، نظرت إلى الورقة فرأيت رقم ” 13 “

استيقظت مفزوعاً ، جلست على السرير و أنا أستعيذ بِاللَّه ، أمسكت بهاتفي و نظرت إلى السَّاعَة فكانت العاشرة و النصف صباحاً و اليوم هو الجمعة ، قلت أحضِّر نفسي للاستحمام و الوضوء لصلاة الجمعة ليحميني الله من أي مكروه ، أثناء قيامي من السرير رن هاتفي في يدي نظرت إليه ” 666666 ” يتصل بك .. .. قررت عدم الرد ، و قمت بقذف الهاتف من يدي على السرير و بدأت أتوجه خارج غرفتي ، فوجدت “اسبيكر” الهاتف قد فُتح من تلقاء نفسه ..

– مش هينفع تصلي الجمعة علشان أنت هاتشوفني بالليل ..

– إنتِ عايزه إيه مني و ازاي فتحتِ الأسبيكر !. حطي في بالك أنا مش هاشوفك وإياكِ تتصلي بيا نهائي
إياكي ..

– هي كلمه وحده هاتشوفني يعني هاتشوفني ، ممنوع إنك تصلي و ممنوع تقرأ قرأن … أنا حذرتك ..

جلست عليی السرير و أنا أنظر للهاتف بذهول تام ، ثم استلقيت بجسدي و وضعت يدي فوق رأسي و بكيت و انتابني الخوف الشديد ، أنا خائف .. أنا خائف ، خائف يصيبني مكروه خائف أن أقرأ قرآن ، خائف أن أذهب للصلاة
لأنني خائف من الموت .. نعم خائف من الموت ، لا أريد أن أقراء القرآن لا لا .. لا صلاة لا قرآن ، سأنفِّذ ما طلبته مني
لكني لا أريد أن أراها أو أرى وجهها .. ريموندا لا أريد أن أراها ..

أغلقت هاتفي تماماً و قررت أن أبقى داخل بيتي تلك الليلة و لن أخرج منه مهما حدث ، اتصلت بالمطعم وأحضرت طعامي وجلست أشاهد التلفاز ، و نظرت في بعض الأوراق و أنهيت بعضاً من المشاهد للشغل المطلوب مني ، كنت أكتب على ورق لأنني لا أريد الذهاب إلى غرفة مكتبي و إلى جهاز الكومبيوتر منذ الليلة ألملعونة ، حاولت أن يمضي الوقت بأي شكل من الأشكال ، نظرت إلى ساعة الحائط أمامي فكانت تشير إلى التاسعه مساءً …. لكن ..

انتابني فجأة شعور غريبٌ جميلٌ ، شعورٌ بالسعادة لم يوصف ! سأطير من شدة الفرح .. أنا أحب ريموندا أنا أحب ريموندا .. بدأت أردد تلك الجملة و أنا أبتسم و أضحك بصوت عالي من شدة سعادتي ، فتحت هاتفي المُغلق مُنذ الصباح ، فوجدت رسالة مكتوبة من ريموندا تقول ” وأنا كمان بحبك ” نظرت إلى كلمات الرسالة و كأنها حروف مكتوبة من الذهب و الألماس مع رائحة عطورٍ أخَّاذة تفوح من الهاتف …

صعدت سريعاً إلى غرفتي و اخترت أشيك ملابس و أفخم “برفيوم” ، و في دقائق معدودات كنت داخل سيارتي متوجهاً لشراء أغلى و أجمل باقة ورد لريموندا ..

وصلت سكوشا كوفي في تمام العاشرة إلا ثلاثة عشر دقائق تماماً ، كنت أنظر إلى كل طاولة بالداخل أريد أن أرى وجهها ، فهي أصبحت الآن كل حياتي ، اخترت طاولة بجانب نافذة كبيرة من الزجاج ، جلست و وضعت بوكيه الورد أمامي و طلبت قهوة في انتظار الفاتنة ريموندا ، أحضر الجرسون القهوة لي و أنا لا أطيق الانتظار ، أريد أن أراها ..

كنت أتصفح هاتفي ثم أنظر إلى النافذة بحيرة شديدة ، و ما بين الهاتف و النافذة رأيتها فجأة جالسةً أمامي تشم الورد و تنظر لي و هي تبتسم ، أسنانها أبيض من الثلج ، عيونها زرق صافيين ، شعرها طويل كالحرير ، بشرتها بيضاء صافية ، ملامحها رقيقة و جمالها فتان يأخذ عقول جميع الرجال .. كنت سارحاً بخيالي و أنا أنظر إليها متأملاً جمالها ، ثم قالت من تلقاء نفسها :

– طالما أنا حلوة زي ما أنت متخيل كده يبقي توعديني إنك تسمع كلامي علشان ديما أكون جميله في نظرك ..

و بدون أي شعور مني قلت :

– أنا مايهمنيش إللي بيحصل منك ، أنا تحت أمرك وعمري كله ليكي عايزه تموتيني موتيني مش هاقول لاء ..

ضحكت بصوت مرتفع و قالت :

– ماتستعجلش على إللي أنت بتقوله ده .. علشان ده ممكن يحصل فعلاً و في أي وقت أنا عايزاه ..

كنت أسمع تهديدها لي كأنه أجمل كلام أسمعه في حياتي .. نظرت بجانبي و إلى النافذة الزجاجية ، فوجدت مجموعة صغيرة من الفراشات قد تجمعن و التصقن خلف الزجاج من الخارج ، كانت أحجامهن ما بين الصغيره و المتوسطة و الكبيرة ، فنظرت ريموندا إليهن ثم لي و قالت .. عددهم 12 جاؤوا ليرحبوا بك .. ثم وضعت إصبعها على الزجاج و طارت الفراشات و تبخرت في الهواء ، حينها شعرت بأن تأثيرها عليَّ اختفي وتلاشي تماماً و عدت إلى طبيعتي ، لكني مازلت سارحاً بجمالها الفتان ..

– علشان ماتسألش نفسك كتير ، أنا مين و ليه لخبطت حياتك في يوم وليلة و شقلبتلك كيانك لخوف و رعب و قلق ، أولاً أنا مش مصريه و لا عربية .. أنا إنجليزية من ريف بريطاني ، وإللي أنا وصلتله من عوالم تحت الأرض خلاني أنطق جميع لغات العالم وأعمل إللي نفسي فيه قبل ما أشاور بصباعي ، لكن أنا محتاجه نفوذ أكتر وأكتر وأكتر .. أنا خليتك تيجي النهارده علشان أنا أنقذتك من الموت ، وأشكرك في نفس الوقت على حاجه أنت عملتها ممكن تفرحك لما تعرفها أو تغضبك … أنت هتكون تاني مخلوق في الوجود و بعدي يعرف السر ده ..

– أنا مش فاهم حاجه .. وإيه إللي هايفرحني أو يغضبني ، يعني أنتِ من الآخر جنيَّة و جيالي من بريطانيا مثلاً ؟!

– أنا مش جنيَّة ، أنا إنسانة زي أي حد و زيك تماماً … أنا الإنسانة الوحيدة إللي عامله عهد معاهم لطلاسم من تلات كلمات بيتنطقوا ..

– يعني إيه إنسانه زي أي حد وبتعمل إللي أنتِ بتعمليه ده يُعقل إزاي ، وعامله عهد مع مين !. ويعني إيه طلاسم و تلات كلمات ؟ ..

– يا سيناريست يا مؤلف يا عظيم وأنت سهران بتألف روايتك المرعبة ، كنت محتار تكتب كلمتين يتكلموا عن السحر و تحضير الجن والشياطين ومش عارف تكتبهم ، وعلشان تنهي روايتك بسرعة فتحت كتاب قديم عندك فالبيت بيتكلم عن السحر الأسود و الجن والشياطين و اخترت منه كلمه ، و بعدين فتحت الإنترنت وبصيت علي كتابين للسحر الأسود واخترت من كل كتاب كلمه ، وكتبت التلات كلمات جنب بعض في روايتك علشان الحبكة وطابع التشويق والرعب .. حصل ولا ماحصلش ؟ ..

– أيوه فعلاً حصل .. لكن أنا مش فاهم إيه علاقة التلات كلمات دول بيكِ وانتِ بتقولي إنك إنسانه مش من الجن ولا الشياطين ..

– أي مخلوق من الأنس ينطق التلات كلمات دول بالترتيب بيموت فالحال ، وأنا بوصل لدرجه أعلى و أكبر ونفوذ أكتر وخدام أكتر على حساب أي حد ينطقهم ، وهي دي طلاسم عهدي بالسحر الأسود مع الشياطين والجان .. أظن إن جه الوقت المناسب إللي أقولك فيه عن الحاجه إللي ممكن تفرحك يمكن تفهم شويه ، أولا أنا أنقذتك من الهلاك و الموت المؤكد ، وبشكرك لأن بفضلك وفضل روايتك هاتخلي أصحابك ينطقوا من نفسهم التلات كلمات لما يقرؤوا سكريبت الرواية ، و ماتزعلش لأن روايتك مافيش حد غيرهم هيقرأها ولا هيعرفها ولا هاتتمثل من الأساس ..

كلماتها نزلت على مسامعي كالصاعقة ، و تمالكني الخوف الشديد و القلق على كل فردٍ من أفراد المجموعة ، و تذكرت لحظة إرسالي سكريبت الرواية على إيميل ( رامي )

– إنتِ تقصدي إن أصحابي كلهم هايموتوا بسبب التلات كلمات دول .. لا لا أنتِ واحده مجنونه استحالة ، استحالة إن ده يحصل ..

– قبلك إللي ماتوا في العالم كله عددهم 12 قالوها نطقوها { طيا } { چين } { سو } و رقم 13 كان من نصيبك أنت ، لكن أنا خليت خدامي يرحموك و يعتاؤك من الموت علشان ترسل الإيميل ، التلات كلمات دول أنا ماليش حكم عليهم ، هما إللي ليهم حكم عليا ، لازم كل إنسان ينطقهم من نفسه من غير ما أنا أتدخل ..

اقتربت بوجهها إلى وجهي تماماً ، فتغير لون عينيها إلى الأبيض ، و تبدلت نبرة صوتها إلى صوتٍ مبحوحٍ كفحيح الثعابين ..

– شظايا الماوس إللي دخلت كف إيدك و بتجري في دمك و عروقك ، ده أنا إللي بجري في دمك مستحوذة عليك ، وأعرف عنك كل كبيرة وصغيرة ، حسك عينك تحذر أصحابك ، حسك عينك تصلي أو تقرأ قرآن ، حسك عينك تقرأ أي كتاب سماوي .. وأنت بنفسك إللي هتختار .. ما بين لعنتي …. أو الموت

– مستحيل أخليكِ تقربي لأي حد من صحابي ، هامنعك ، مش هاتقدري لأني هقرأ قرآن ، وهاصلي غصبن عنك ، سمعاني ؟ هقرأ قرآن و هاصلي ..

الجرسون : ” يا أستاذ .. يا أستاذ هو حضرتك بتكلم مين ! ”

– ها !! كان .. كان في وحدة قعدة معايا هنا صح ..

– أيوه يا فندم كان في وحده قعده مع حضرتك ، لكن هي أخدت بوكيه الورد ومشيت من حوالي ساعه ونص ..

عدت إلى بيتي في تمام السابعة صباحاً ، و لا أعلم كيف مر الوقت أو أين ذهبت بعد خروجي من سكوشا كوفي ، لكنني كنت أشعر بسعادة عارمه ، ذهبت إلى الحمام للاستحمام و أنا بكامل ملابسي ، فتحت الماء الساخن فقط على آخره ، و كنت أنتظر ليصل إليى أعلى درجاته و القريبة من الغليان ، حتى أصبحت لا أرى شيئاً أمامي من شدة البخار المتصاعد ، و الذي بدأ يخرج من باب الحمام ، و عندما بدأت أخطو لأدخل تحت الماء ، رن هاتفي في جيبي ، فنظرت حولي و أنا في أشد الاستغراب و شعرت باختناقٍ شديدٍ ، فتوجهت سريعاً خارج الحمام أنظر للهاتف ..

قالت ( سيانا ) بعصبية :

– أنت فين من امبارح ومش بترد ليه على التليفون ، أنا قلبت عليك الدنيا .. المهم كويس إنك رديت علشان أأكد عليك و عارفه إنك بتنسي ومشغول .. العزاء بكره بعد المغرب

– عزاء !! عزاء مين ؟؟

– عزاء رامي … أنا فكراك أول واحد عارف ..

– رامي مات !! . رامي حبيب مات .. أكيد هي السبب أكيد هي السبب ..

– رامي حبيب إيه إللي مات ، رامي حامد مهندس الديكور هو إللي مات .. أنت بتقول إيه ! هي مين السبب ألو .. ألو ..

قمت بقذف الهاتف بعيداً من يدي ، وصعدت إلى الطابق العلوي في ثواني و إلى غرفة مكتبي ، فتحت جهاز الكومبيوتر و إيميلي ألخاص و بحثت في جميع الإيميلات التي أرسلتها في آخر ثلاثة أيام ، فوجدت أنني أرسلت الإيميل و السكريبت بالخطأ إلى رامي حامد مهندس الديكور صديقي ، و ليس رامي حبيب المخرج الذي سافر بريطانيا ..

جلست و أنا مندهش و لا أعلم ماذا أقول ، هل أفرح أم أحزن ، هل أشكر الله أم أستغفره ، لكن حمداً لله على كل شيء ، قدر الله و ما شاء فعل ، قرأت له الفاتحة و ترحمت عليه .. كنت أقرأ الفاتحة بصعوبة تامة ، مر من الوقت عشرة دقائق أو أكثر لإتمامها ، أخذت سيارتي و في أقل من نصف ساعه و رغم بعد المسافة كنت أمام بيت ” رامي حامد ” مهندس الديكور …

فتح لي الباب أخيه ، و قمت بواجب العزاء و تحدثت مع كل فردٍ من أفراد العائلة ، قالوا لي سبب وفاته طبيعية داخل غرفته و هو يتصفح الكومبيوتر ، فطلبت من أخيه أن أذهب إلى غرفة رامي لأمرٍ هام ، أخذني من يدي و دخلنا الغرفة سوياً ، فرأيت جهاز اللابتوب الخاص بالمرحوم حملته فوراً في يدي ، و سألته عن أي جهاز آخر يوجد بالمنزل ، فقال لي نعم يوجد جهازين آخرين ، فقلت له أن يحضرهم و يحضر الهاتف الخاص برامي فوراً ، تعجب من طلباتي ، لكنه خرج من الغرفة ليحضر لي جميع الأجهزة ، قمت بإشعال سيجارة آخذاً نفساً عميقاً و أنا مغمض عيني ، ثم نظرت أمامي فرأيتها واقفة أمامي وجهاً لوجه ، و هي مرتدية الأسود و شابوه أحمر فوق رأسها ..
سيب اللابتوب و اخرج فورا من البيت ده ، علشان ماتحصلش صحبك … روح بيتك و أرسل الأيميل ..

دخل أخو رامي الغرفة علينا و نظر لريموندا باندهاش و استغراب و هو يتساءل في باله من هي ! و كيف دخلت الغرفه ؟!

فقالت له بحزن و هي تنظر إلى الأرض ” كلنا هانموت ” ثم ذهبت بخطوات هادئة خارج الغرفة .. مددت يدي و أغلقت الباب وراءها سريعاً ، و أمسكت بجميع الأجهزة و الهاتف الخاص برامي و وضعتهم على أرض الغرفة و قمت بتحطيمهم بأقدامي بكل ما أوتيت من قوةٍ و عزم ، خوفاً مني أن يكون المرحوم أثناء قراءته الروايهة قد قام بتحميلها علي أي جهاز ..

بعد ذلك انطلقت بسيارتي وسط المدينة المزدحمة ، كنت شارد التفكير سارحاً أتساءل ، هل كل هذا واقعٌ حقيقي أنا أعيشه بالفعل ؟ هل يوجد جن أو شياطين أو سِحر أسود أو طلاسم أو لعنة ؟ هل كنت مخطئ عند اختياري كتابة تلك الرواية ؟ هل ريموندا حقيقة أم خيال أم ماذا ؟! لا أعلم .. لا أعلم !! سكوتي لن يفيد بشيء و لابد أن أحكي أو أتحدث مع أحد فوراً .. وحالاً .. اتصلت ” بسيانا ” و طلبت منها أن نذهب إلى الغداء سوياً بأحد المطاعم ، و لأنني أريد التحدث معها في أمرٍ هام .

بالفعل أتت سيانا و جلسنا بأحد المطاعم و طلبنا الغداء ، كنت أتناول الغداء بهدوء و لا أتحدث ، كنت صامتاً تماماً .. فنظرت لي سيانا و قالت ..

– أخبار مراتك أيه ، دي وحشاني جداً ..

– مراتي …. مراتي مين ؟!!

– إيه في إيه مالك استغربت كده ليه .. مراتك ريموندا طبعاً !!

– مراتي ريموندا .. أنا متجوز ريموندا. أنا ..

– هههه .. هما التلات شهور جواز يعملوا فيك كده ويخلوك تنسى مراتك بالسرعه دي .. المهم قولي في إيه مضايقك أوعي تكون زعلتها أو في مشاكل معاها ، إنتوا لِسَّه متجوزين و مايصحش ..

– سيانا مافيش وقت أضيعه معاكِ دلوقتي أنا هسألك وتردي عليا من غير كلام كتير ، كفايا إللي أنا فيه ، ممكن تكون دي أخر مرة تشوفيني فيها ، أنا متجوز فعلا ريموندا ؟.. معاكِ صور أو أي حاجه تثبت كلامك ده ..

– أيوه معايا طبعاً صور فرحكم على الموبايل و كل المجموعة كانت حضرة فرحك .. هو في إيه ؟ وليه بتقول آخر مرة إني ممكن أشوفك فيها ..

قمت بخطف هاتفها من أمامها سريعاً ، و تصفحت جميع الصور بالهاتف … و بالفعل وجدت صور زفافنا أنا و ريموندا بحضور جميع الأصدقاء ، و دون أن أنطق بأي كلمة تركت سيانا وحدها بالمطعم و توجهت إلى بيتي في الحال ، دخلت البيت كالمجنون و أنا أنظر إلى جميع حوائط البيت ، أريد أن أري صورة واحدة تجمعنا سوياً ، لكن لا يوجد .. لا يوجد .. لا يوجد !!

كنت أنده عليها بأعلى صوت ، صعدت إلى الطابق العلوي و أنا أفتش بجنون في جميع الدواليب و الغرف ، أريد أن أري ثوباً نسائياً واحداً في بيتي لأنني أعيش وحيداً منذ سنوات و سنوات و سنوات لا أحد معي ..

عدت بهدوء إلى الطابق الأرضي ، و جلست على الأرض وسط “الريسبشن” صامتٌ تماماً دون أن تطرف لي عين .. حاولت أن أقرأ قرآن و لكن كالعادة شيئاً قوياً يمنعني ، يجعل لساني لا يتحرك عند التفكير بتلاوة أي سورة أو دعاء أو ذكر اسم الله … و فجأة شعرت بأحدٍ يضمني بلطف من الخلف و يضع قبلة بهدوء على رأسي ..

– الدنيا كلها عارفه إني مراتك .. مش هينفع .. مش هينفع تبعد عني أو تهرب أو حتى تموّت نفسك ، أنا إللي بتحكم فيك و فكل شيء حواليك ، بخليك سعيد ، بخليك حزين ، بخليك خايف مفزوع و قلقان ، و قولتلك تسمع كلامي و ماتخلنيش أغضب منك أو عليك علشان أكون جميلة في نظرك ديماً ، لأنك ماشوفتش حقيقتي و لا شوفت الرعب بعينك لحد دلوقتي ، و قولتلك التلات كلمات دول أنا ماليش حكم عليهم هما إللي ليهم حكم عليا ، وخيّرتك ما بين لعنتي أو الموت وصبري معاك نفد ، لازم ترسل الإيميل لأصحابك في الحال بأيدك و برضاك ، و أوعدك .. أوعدك هاسيبك في حالك حر تعيش حياتك ، و ماتزعلش لما تسمع كل ساعة والتانية خبر وفاة حد منهم ، اعتبرها شكّة دبوس و مرحلة صعبه هاتعدي في حياتك .. دلوقتي أمامك الاختيار الأخير و بإيدك القرار .. يا أصحابك يا أنت ..

قامت بوضع يدها في يدي و سحبتني بهدوء لنصعد السلالم و إلى غرفة مكتبي لكي أقوم بإرسال النصف الآخر من الرواية أمامها و أمام عينيها ، فقررت أن أرسل الإيميل خوفاً على حياتي منها ، حينها كنت أفكر في نفسي فقط ، تذكرت ما قالته ” روجينا عني و لي ” أنت شخص بتحب نفسك وشغلك و بس ” …

كنت أري السعادة في عيني ريموندا و أنا أبحث عن الملف الخاص بالرواية ، و وجدته .. و قبل الضغط على كلمة إرسال نظرت إلى وجهها وقتاً طويلاً يتخلله الصمت و الحذر ، قمت بركلها بقدمي بشدة فسقطت على الأرض ، جريت خارج الغرفة بكل ما أوتيت من سرعة ، كانت تنهار السلالم تحت أقدامي أثناء نزولي السريع ، و كنت أقفز فوقها بحذرٍ و خوفٍ شديدين ، كانت جدران البيت بأكمله تهتز و تنهار ، و تتساقط الأحجار فوق رأسي حجارة تلو الأخرى ، مخلفةً أمامي عفرة كثيفة كالضباب ، حتى وصلت إلى حديقة البيت بالخارج و أنا أبحث عن سيارتي كالمجنون .. لم أجدها ، مازلت أجري بسرعة دون توقف متجهاً إلى الشارع و أنا ألهث دون النظر خلفي … و فجأة توقفت تماماً ، جلست على الأرض مستسلماً وسط الشارع المظلم ، متوسلاً إليها أن ترحمني لأنها كانت أمامي و بجانب تلك الشجرة التي رأيتها بالحلم ..

كانت تنزف دماءً من وجهها بشدة ، كأنها أصيبت بعدة طلقات في رأسها للتو ، كنت أري أماكن الإصابة للطلقات المخترقة فروة الرأس وسط عظام جمجمتها المتهتكة ، كانت بشرتها زرقاء كالجثة التي مر على وفاتها عدة أيام .. سحبتني من ذراعي و أنا أرتجف رعباً لا أطيق النظر إليها ، و عندما نهضت واقفاً على قدمي بصعوبة بالغة ، ركلتني بشدة في بطني باتجاه الشجرة ، فاخترق جسدي بالكامل الشجرة و أصبحت بداخلها ، لأري عالماً آخر بعيداً كل البعد عن عالم الإنس و البشر ، و لتسمع أذناي صرخاتٍ لنساءٍ و رجالٍ يعذبون بشدة و يطلبون العفو و الرحمة ، و لا أعلم ممن كانوا يطلبونها !!

كنت واقفا فوق درجة و هي الدرجة السفلى من درجات سلالم متجهة إلى الأسفل ، و معلقة في الهواء دون عمدان ، و أمام تلك الدرجة باب حديدي يملؤه الصدأ معلق في الهواء و مدون عليه رقم ” 13 ” .. فكانت تنزل السلالم متجهة نحوي ببط ء شديد و هي تتحسس رأسها بيدها و تتألم و تصدر صوتاً كالأنين ، كانت دماؤها المسالة فوق السلالم تسبقها لتصل تحت أقدامي تلطخ حذائي ، كنت أنظر إليها و هي تخطو الدرجات إلى الأسفل لتقترب مني ، و كنت أنظر إليى الباب أمامي ، لا مفر أو مهرب ، و علي أن أدخل الباب أو أن أسقط في الهواء الذي لا نهاية له ..

كانت تقترب و تقترب و تقترب ، أغمضت عيني و فتحت الباب و قفزت بداخله ، لتختفي جميع الأصوات من حولي إلى صمتٍ و سكونٍ تام … فتحت عيني بهدوء و أنا خائف أرتجف ، لأجد نفسي بوسط بيتي من الداخل ، وسط العفرة الكثيفة كالضباب و الركام المتساقط في كل مكان حولي .. حتى بدا لي أن أسمع صوتاً كصوت رامي حبيب آتياً من بعيد.يقول :

– يا جماعة العفرة إللي نزلت من السقف زيادة عن اللزوم … ممكن نعيد تاني ؟

تاريخ النشر : 2017-01-25
guest
53 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى