أدب الرعب والعام

بوابة العالمين

بقلم : فتاة دموية – مملكة الدماء

بوابة العالمين
قال لي .. سأحميك و لن أسمح لأحد بأن يؤذيك أو يجرحك

أذكر أني كنت طفلةً وحيدةً لم أجد بيني و بين العالم الخارجي أي صلةٍ ، أرى من هم في مثل عمري يلعبون و يتواصلون معاً ، كنت أعجب منهم ! كان الأمر شبه غريب بالنسبة لي لأني لم أتكلم مع البشر الآخرين مثلهم حتى التقيته ذلك اليوم .. الشخص الذي غير مجرى تفكيري 

لا أعرف كيف التقيته ، من أين أتى و من هو و لمَ أنا بالذات ؟؟ كنت طفلةً غريبة الأطوار بالنسبة للجميع حتى أهلي ، كل ما كنت أراه هو شاشة التلفاز وانشغل بالتكلم مع يداي و أصابعي ..
مرةً حلمت أني رأيت شخصية أنمي بشعرٍ أحمر ، لا أذكر الحلم بالذات لكن من يومها تعلقت به .. حاله حال أصابعي ، أعطيته اسم و هو ميديا .

مرت الأيام و كنت أحلم به يكلمني و كنت أفرح ، حتى علق بذهني يخبرني بالأمور التي أجهلها ، كأن شخصاً آخر سكن روحي لكنه كان يهمس لي بصوته الجميل
– لا تتركيني كما فعل الآخرون معي .. كوثر ابقي صديقتي و كوني البشري خاصتي .
– ميديا لا تقلق أبداً أنا لن أتركك فأنت صديقي المفضل ، سأبقى معك دائماً 

كنت أرى ميديا أمامي حين نتكلم رغم الفترات الطويلة معاً ، بدأنا نتشاجر قليلاً بشأن الأمور التي نفضلها رغم أننا جسد واحد إلا أن أذواقنا مختلفة ، كبرنا معاً طيلة الأعوام ، لم أستطع تحمل أن أبقى لحظة دون أن أكلمه 

*****

بعد ستة أعوام ..

أصبحت أبلغ 14 عاماً من عمري ، لازلت أنا و ميديا معاً و لازلنا مجنونين و غريبين ، الملابس التي نفضلها سوداء و غريبة أشبه بملابس الإيمو .. ميديا كان يحفزني على أن أجدَّ في دروسي لأننا نريد أن نصبح الأفضل ، و بالفعل تفوقت و أحببت حياتي الدراسية ، خرجنا من الصف بعد أن استلمت أعلى درجة في الصف ..

صادفت بعض فتيات صفي يتكلمن عني
سوسن : أتصدقان من أخذ أعلى درجة ؟! إنها غريبة الأطوار البشعة كم أكرهها
لبنى : بالفعل كلما اتجهت نحوها أراها تتمتم مع نفسها أو تضحك
أحمد : يا فتيات لماذا تدعنها تأخذ هذا الكم الكبير من تفكيركما ؟ أراهن أنها مجنونة أو تعاني انفصام 
سوسن : أنت محق ، أرايتما ملابسها ؟ من أين أحضرتها ؟!

أصبت بالصدمة .. أهكذا يرونني ؟؟

– كوثر لا تحزني ، لن أسمح لأحد بأن يجرحكِ
– ميديا ، هل فعلاً يكرهني الجميع ؟ لكن لم أخطئ بحقهم ، أنا لم أقترب منهم حتى..

– عااااااااا
أتى صوت صراخ من خلفنا ، و عندما ذهبت إلى ذلك المكان تفاجأت .. كان الطلاب الثلاثة الذين تحدثوا عني بسوء قد سقطوا في الأرض و علامات الشحوب تبدو عليهم ، و وجوههم جامدة خالية من الملامح !!
أخلو مكان الحادث من الطلاب و عدنا لصفوفنا ، و بعد ساعة دخل مرشد المدرسة قائلاً
– للأسف الطلاب الثلاثة قد دخلوا غيبوبة و سبب الغيبوبة غير معلوم ، فهم شبه موتى و قد يفارقون الحياة قريباً ، الشرطة حققت و قالو أن قضيتهم غريبةٌ جداً و لم يتعرضوا لمثلها .

*****

عدت للمنزل أفكر في حادثة اليوم ..
– ميديا ألا تظن أن الأمر الذي حدث في المدرسة غريب ؟ لقد ماتوا فور تكلمهم عني ! أشك أنك الفاعل ..
– اسمعيني جيداً ، أضن أنه الوقت المناسب لقول هذا لكِ .. أنتِ لم تعودي بشرية 

بدت علي وجهي علامات الذهول ، و بعدها أكمل قائلاً 
– أنتِ لا تعرفين بالضبط ما أنا .. أنا جنيّك و أنتِ بشريتي ، في كل مرةٍ يموت ملك بوابة العالمين يختار بشرياً واحداً ليحكم ، و كل من حكم امتلك جني ، أي أنتِ يمكنكِ التنقل بين العالمين و لن يؤذيكِ أحد .. لديكِ قوةً تفوق قوة البشر ، و الدليل هو ما حدث .. لقد أُرسِلوا ليتعذبوا لاأنهم آذوا نفسيتكِ 

– ميديا لا أريد أن يتعذبوا
– لا يمكنني إيقاف الأوامر ، سينتهي الأمر بهم في الموت أو يسكنوا العالم الآخر و يعشوا بقية حياتهم في الألم و العذاب 
– ميديا .. خذني إلى هناك
– قبل أن تقرري الذهاب عليكِ أن تعرفي هذا
– قل ما لديك .
– هناك احتمالٌ أن تفقدي سلطتكِ
– لا يهم مادام أني لن أقتل أحداً .
– و أيضاً … سيموت أحدنا أو نفترق ، لن نرى بعضنا بعد أن تفعلي هذا  .. و الآن ما قراركِ ؟؟
– ميديا أيمكنك أن تريني عذاب هؤلاء الثلاثة لكي أقرر ؟ 

بعدها أراني ميديا عذاب كل منهم على حدة .. سوسن كانت معلقةً في الهواء و تصرخ عالياً لدرجة أن صراخها كاد يثقب طبلة أذني .
لبنى كانت قد حامت حولها دائرةٌ من النيران الهائجة و يوجد جني يجلدها ، أما أحمد فقد كان يجلس بهدوءٍ على كرسي و مربوطٌ بحبل 

– ميديا .. لمَ أحمد لا يتعذب مثلهما ؟
– بلى إنه يتعذب أكثر منهما حتى ، تعذيبه نفسي و يعاني أكثر مما تعانيان ، هناك جني يتسلل في داخله و يقوم بتعذيبه .. 

ما رأيته قد آذى نفسيتي فعلاً ، اتجهت نحو غرفتي لأنام ..

– ميديا لا تكلمني ، أشعر بالتعب و أريد أن أنام .

غطيت في نومٍ عميقٍ لكن ثلاثتهم كانوا في أحلامي ، كنت أراهم يطلبون النجدة كي أساعدهم .. استيقضت و أنا أصرخ بصوتٍ عالٍ  ، بدأ ميديا يهدئ من روعي و يقول 
– لا تقلقي ، نامي الآن و سأحاول منع تلك الكوابيس ..

نمت بعد أن طمأنني ميديا ، لكن نمت بسلامٍ لساعةٍ واحدةٍ و عادت تلك الكوابيس و استمرت لساعات ..

استيقظت صباحاً و قال لي ميديا 
– أنا آسف فقد كانت قواكِ أكبر من قواي لذا لم أستطع منع تلك الكوابيس .
– ميديا .. متى سينتهي عذابهم ؟
– لن ينتهي .. حين ينتهي يحل محله عقابٌ أسوأ منه

استمرت تلك الكوابيس لأيامٍ كثيرةٍ لم أذق وقتها طعم النوم .. ناداني ميديا و قال 
– أتذكرين ذلك اليوم حين وقع على رائسكِ دلو ماء بارد ؟ 
– أجل أذكر .. وقتها مرضت لأسبوع
– و هل تذكرين العام الماضي حين وجدتِ كتبكِ ممزقة ؟
– أجل أذكر .. لقد حرمت من استلام غيرها 

بدأ ميديا يذكر تلك المقالب و الأمور التي عانيت منها في المدرسة 
– أتعلمين أن هؤلاء الثلاثة من كانوا يدبرون لكِ تلك المقالب ؟ ألم تلاحظي توقفها حين وقعوا في غيبوبتهم ؟
– أنت محق 
– و الآن ماذا بشان قراركيِ ؟ هل تريدين إنقاذهم و تلغين العقوبة ؟؟
أجبته بتردد :
– نعم .. مازلت أريد ، إن تركتهم قد أندم طوال حياتي .
– إذاً هيا بنا فلنذهب ..

أمرني ميديا بالوقوف أمام الحائط و بعدها ظهر دخان و على يساري خرج منه ميديا .. لقد كان كما رأيته أول مرةٍ ، أشبه بشخصية أنمي بشعرٍ أحمر .. لطالما أحببت شكله هذا 
أمسك يدي و قال كلماتٍ غير مفهومةٍ فظهرت بوابة من نور لم أستطع النظر إليها لشدة سطوعها .. ادخلني ميديا فيها و وجدت نفسي في عالم الجن ..

ظللت ممسكةً يد ميديا و قادني إلى مكان الجني المسؤول عن معاقبة من يؤذيني ، بقيت أنظر إلى وجه ميديا فهذه آخر مرة قد أراه فيها .. صديق طفولتي و كل شيءٍ بالنسبة لي ، أيعقل أننا سنفترق بعد هذا ؟؟ عشنا طفولتنا معاً ، لكن أنا بشرية .. حتى لو بقينا معاً سأموت في النهاية .

بدأت التساؤلات تحوم حولي ، كيف سأعيش بدونه بعد أن كان كل ما لدي ؟ فاضت دموعي دون أن أشعر

– ها قد وصلنا 
– هاه بهذه السرعة !! لم يتسنى لي الوقت لأنضر إليه ، دخلت القصر و كان الجني جالساً ، حياني باحترام :
– أهلاً يا ملكة بوابة العالمين ، مرحباً بالبشرية الأهم .. أهناك أمر مهم جعل جلالتكِ تدخل عالمنا ؟
– مرحباً بك أيضاً .. نعم أريد أن تلغي عقوبة هؤلاء الثلاثة
– مولاتي لكن ستفقدين سلطتكِ ، أنت موافقة ؟؟ و أيضاً لن تري هذا الجني من جديد .. نظرت إلى ميديا و عانقته بشدة و بدأت أبكي 

– أنا آسفة أود أن أبقى لكن…
– أعلم .. الأمر ليس بيدك 
لن أتمكن من وصف ذلك الشعور ، إنه آخر لقاءٍ بيننا ، لم أستطع أن أفي بوعدي .. كان ذلك الشعور أليم جداً
– هيا إنه قراركِ عليكِ أن تنهيه ..
– حسناً .. بصفتي ملكة بوابة العالمين ألغي هذا القرار و أتنازل عن سلطتي مقابل تحرير البشر الذين يعذبون ..

استيقظت وووجدت نفسي ملقاةً في حديقة ، قلت لنفسي هل انتهى كل شيء ؟؟

*****

بعد ثلاثة أيام على الأمر ..

كانت حياتي من دونه كالجحيم ، مرت تلك الأيام ببطء ، كل لحظةٍ كأنها عام من دونه ، لم أعرف كيف سأكمل حياتي هكذا ! كلا .. لست نادمةً على قراري فأنا لم أستطع جعل أولئك الثلاثة يموتون بسببي على الرغم مما فعلوه معي ، لكن بنفس الوقت لا يمكنني العيش بدون ميديا ، لم أحتمل هذه الأيام الثلاثة إذاً كيف بالأعوام ؟؟ 
سأنهي حياتي الآن .. فأنا قبل تعرفي على ميديا كنت لا شيء ، و سأبقى كذلك ..

وقفت على سطح المنزل و رميت نفسي منه منهيةً جحيمي من دونه ..
لن أنساك أبداً ميديا .. ستظل ذكراك حتى بعد مماتي 
وداعاً أيها العالم الكئيب .
 

تاريخ النشر : 2017-04-05

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى