أدب الرعب والعام

حبيسة المرايا

بقلم : شيطانة منتصف الليل – كوكب الظلام

حبيسة المرايا
مدت يدها إلي و قالت : تعالي لنعيش معاً ، سأسعدك وستكونين مصدر سعادتي ، سنحيا معاً ونموت معاً ، ولن يؤذينا أحد

 أجلس وحيدة متكومة على نفسي في هذه الزاوية الخالية ، أضم ركبتاي إلى صدري و أقبض عليهما بقوة ، احتضنت نفسي وأخذت أحدق بهذه المرآة القابعة أمامي ، كانت كبيرة الحجم و يغطيها الغبار ، كان هناك بصيص ضوء يسطع عليها من النافذة ، كان ضئيل جداً بحيث كانت العتمة تسود المكان .

أخذت أترقبها لألمح كف يد في موضع سقوط الضوء ، وقف قلبي من الخوف و شعرت بخدرٍ تام في جسدي لم أستطع الحركة أبداً ، ثم لمحت شخصاً قابعاً خلف ذلك الزجاج المغبر ! حاولت التقدم لأتأكد لكنني خفت كثيراً ثم ظهرت يد أخرى بجانب الأولى و بدأت تتضح معالم شخصٍ خلفهما .

تسارعت دقات قلبي و اتسعت عيناي ، تعرق وجهي وأصابني شلل تام منعني من الحركة ، أخذت تلك المعالم تتضح أكثر و أكثر حتى ركزت فيها وأطلقت صرخةً مدويةً هزت الأركان .
خرجت راكضةً لأصطدم بالممرضة ، أخذت تهدئ من روعي و تضمني إليها .. احتضنتها بدوري وطلبت منها أن تأخذني بعيداً . 

حل الظهر باكراً و رأيت قرص الشمس مرتفع في السماء وكان ضوؤه يعمي الناظرين إليه ، بقيت أحدق فيه طويلاً حتى انعدمت الرؤية عندي وأصبحت أرى كل شيء مشعاً حتى حل وقت الغداء و تناولت الطعام مع البقية ، انتهيت باكراً من الطعام لأغتسل وأجلس وحدي ، بدأت أراقبهم وهم يلهون ويلعبون ، انطويت على نفسي واستمريت أحدق بالنافذة حتى حلول الليل حيث نتجمع كلنا بالمكان المخصص لنا ، لم يكن لدي لا أم ولا أب ولا أخ ولا صديق أو حتى حبيب ، ليس لدي سوى عزلتي ووحدتي وعالمي الخيالي الذي هو بذاته أصبح أسوداً كئيباً يسوده الظلام والعتمة .

قضيت أغلب أوقات طفولتي في هذا الميتم الكريه ، لم ألقى إلا المعاملة السيئة وسوء التغذية ، أنظر يومياً إلى جسدي النحيل وأشفق على نفسي . 
ولكن بعيداً عن الميتم وضجيج الأطفال والمراهقين .. ذلك الكائن الذي بلا هوية هو سبب لكل شيء ، فمن يا ترا يصدق يتيمة لا تعرف حتى اسمها بأنها ترى شخصاً جالساً خلف المرآة ؟! لطالما خفت من النظر في المرايا أو أي قطعه زجاج أراها أمامي ، صرت أتمنى أن أرى نفسي يوماً بالمرأة ، عجباً حتى من نفسي قد حرمت !!

كلما أحاول النظر لانعكاس صورتي لا أرى غير تلك الصورة البشعة أمامي ، أجل ذلك الوجه الشاحب كالأموات وتلك العينان السوداوين من غير نقطة بيضاء حتى فيهما ، ولكن الأكثر رعاباً هو فمها المخيط وشعرها الطويل الذي كان ناصع البياض خالياً تماماً من أي لون آخر . 

كانت تبدو كالدمية التي أساء صانعها صنعها ، هل من المعقول هي أنا ؟ هل تلك نفسي ؟؟ لا أكيد لا ، إذاً ما الذي يجعلني أراها دون غيري ؟ لماذا أنا بالذات من دون الجميع ؟حاولت الشكوى للمربين و المسؤولين عن الميتم ، شكوت للممرضة التي ترعانا ، حتى للأطفال الذين في سني ولكن دون فائدة .. كلهم يسخرون مني و فِي الآخر اعتبروني مجنونة بحيث أرغمت على شرب حبوب وأدوية ، وتم عزلي عن البقية ..

عجباً لهم ! ألا يشفقون على طفلة يتيمة مثلي ؟ ينعتونني بالشبح المجنون بسبب كوني نحيفة كالمومياء ، وكوني أتوهم برؤية أشياء من نسج خيالي وأصدقها ، لم أجد أحداً أشتكي له غير الله فقط .. لطالما تساءلت من يا ترى والداي و لماذا وضعاني هنا يا ترى ؟ هل أنا ابنة غير شرعية ؟ أمعقول أنني نتيجة علاقة محرمة ؟ التفكير يكاد يقتلني ، لا يسعني فعل شيء غير البكاء والدعوى إلى الله .. 

***

مضت أربع سنوات و ها أنا ذا بعمر العشرين سنة ، كبرت وكبرت معي مصائبي واشتدت علي البلوى ؟ فلقد تم طردي من الميتم بحجة أنني كبرت وأنه قد اشتد عودي ، سألت عن الأطفال والمراهقين الذين كانوا معي فتفاجأت عندما عرفت أن كلهم تم تبنيهم ، والآن الميتم يريد استقبال أطفال جدد .. هنا ركضت إلى مكتب رئيسة الميتم لأتحدث إليها وقد وصلت لها بشق الأنفس بعد أن أثرت ضجة ، فأجبرت على الخروج من مكتبها ..

– ما الذي يحصل هنا ؟
تقدمت ناحيتها بعد أن أفلت من الحراس ، رميت نفسي على قدميها راجيةً الحديث معها .
– أرجوكِ سيدتي كل ما أريده هو مأوى لي ، ليس لي أحد ليرعاني ، لا يحق لكم طردي من هنا .
– من تكونين يا فتاة ؟ هيا انهضي وقفي جيداً ، من أنت ومن تكونين ؟
– سيدتي هذه فتاة مجنونة ربيناها منذ كانت رضيعة و لقد أصبحت في العشرين من عمرها ، لم يتبناها احد وهي ليست بكامل قواها العقلية .
صرخت قائلةً :
– ليس صحيح .
– ليصمت الكل ، ما مشكلتك أنت ها ؟ ماذا تريدين الآن؟
– أرجوك سيدتي عشت طوال عمري هنا ، لقد كانوا يحبسونني في غرفة بعيداً عن الأطفال لذلك لم يرني أحد ولم يتبناني .. أرجوك دعيني أعمل هنا ، أنا سأعتني بالأطفال الأيتام مقابل أجر حتى لو بدون أي مقابل .. فقط أريد البقاء .
– كيف سأأتمنك على الأطفال وأنت لست عاقلة ؟
– أنا عاقلة تماماً لا أشكو من شيء ! كلامهم كله كذب ، صدقيني .
– اجلبوا ملفها الشخصي لأراه

دخلت مكتبها وأنا أمامها واقفة مذلولة ، أخذت تقرأ عني معلومات كانت لأول مرة أعرفها عن نفسي !

– الاسم : سارة .
العمر: عشرون سنة تعيش بالميتم منذ أن كانت رضيعة .
الحالة : لم يتم تبنيها بسبب إصابتها بخلل عقلي وتعاني من انفصام حاد في الشخصية وظهرت عليها أعراض المرض منذ عمر يناهز الخامسة عشرة ..

رفعت نظرها ناحيتي وأكملت : هل تريدين سماع المزيد ؟ ثم التفت لواحدة من الممرضات الواقفات :
ـ ضعوها خارجاً ، سأتصل بمستشفى خاص للأمراض العقلية سيهتمون بها جيداً ، هناك ربما يرجع عقلها لها .
– لا لست مجنونة ، اتركوني لا أريد الرحيل اتركوني .. ظللت أصرخ حتى شعرت بخدر قوي جداً بحيث شللت تماماً عن الحركة وغبت عن وعيي .

***

استيقظت بعد مدة طويلة جداً فرأيت نفسي أرتدي ملابس المرضى العقليين ، ومحبوسة بغرفة بيضاء تملؤها رائحة الأدوية ، كانت الغرفة باعثة للكآبة ، خفت كثيراً وأخذت أتلفت حولي ، فتح الباب لياتي رجل عرفت أنه طبيب لأنه كان يرتدي سترة الأطباء ، أخذ ينظر إلي ومعه امرأة كانت تدلي عليه وهو يكتب ، خرجت بعدها ليأتي ناحيتي .. كان من واضح أنه بعقده الأربعين ، وقف أمامي وسحب كرسياً وجلس .

– أهلاً بك هنا ، أنا د .قاسم ، معالج ناجح في تخصص الطب النفسي ، شرحوا لي حالتك بالتفصيل .. سأبدأ علاجك لربما تتذكرين أيضاً شيئاً عن عائلتك . 

نظرت له ولم أنطق بكلمة ، كنت مرتعبة جداً ، أمضيت شهراً كاملاً تعذبت فيه جداً هنا ، كانوا يعطونني المهدئات والعلاجات بكميات كبيرة ، أدمنت عليها وأصاب بهستيريا إذا لم آخذ دوائي ، تطور الأمر معي لدرجة صرت أتعرض لجلسات الصعقة الكهربائية ، وفوق ذلك إبر الدم التي كنت أحقن بها حتى تعود لي صحتي كما يدعون . 

تدمرت كثيراً و تألمت ، حاولت الانتحار ولكن بلافائدة ، صرت أدّعي أنني أتجاوب مع العلاج ومنعت نفسي من أخذ الحبوب التي يعطونني أياها حتى صدقوا أنني شفيت ، ولكن لطالما كان بالي مشغولاً إذا استطعت الخروج من هنا كيف سأتدبر نفسي ؟ لا اعرف الكتابة ولا القراءة ، حتى اسمي تواً عرفته ! كيف سأعتمد على نفسي . 

إذا بقيت سأموت بين يدي هذا الطبيب المجنون ، وإذا خرجت سأصبح فريسة سهلة لمن يريد استغلالي ، هذا التفكير عذبني .. كل يوم أجلس أفكر مع نفسي بصوتٍ عالٍ وأجهش بالبكاء ، حتى في يوم جفت دموعي ولم تعد لدي قدرة على البكاء فتناهى إلى سمعي صوت أنثوي واهن ! أخذت أصغي اليه لأفهم ما يقول ، أخذ الصوت يعلو حتى اتضح كلامه لي !

– أنا معكِ لا تخافي ، أنا أيضا أعاني هنا ، أنا وحيدة مثلك لا أحد لي ، ولكن يمكننا أن نكون لبعضنا ..

أخذت أتتبع الصوت .. نهضت ووجدت خلفي مرآة كانت مغطاة بغطاء أبيض اللون ، أزلته ببطء لأتفاجا بوجودها جالسة خلف الزجاج ، وقفت بمكاني وقد سيطر الرعب على جسدي ، نهضت ووقفت أمامي وضعت يديها على الزجاج وأخذت تلصق وجهها به وهي تكلمني ، كان صوتها عميق جداً بالرغم من أن فمها مَخيط ، ولكنها كانت تتحدث ! بقيت صامتة أراقب بدهشة وكان عقلي واقف تماماً عن الحركة .

– تعالي لنعيش معاً ، سأسعدك وستكونين مصدر سعادتي ، سنحيا معاً ونموت معاً ، ولن يؤذينا أحد . 

أخذت تلتصق أكثر بالزجاج وكأنها تريد الخروج ، ولكن يبدو أن ذلك مستعصٍ عليها ، ابتعدت شيئاً فشيئا حتى أخذت تناديني كأن صوتها بباطن عقلي .. وضعت يداي على أذناي محاولة التخلص من صوتها ، اخذت تُلِّح وتلح وأنا أطلب منها التوقف ، بقيت أصرخ بصوتٍ عالٍ حتى كسرت المرآة ..

أخذت أكسرها بيدي بلا توقف ، لم أشعر بأي شيء ، أحسست فقط بأيدي كثيرة أمسكت بي ، لم أستطع التخلص منها فغرقت بعالم أسود ، أخذت أسقط بوهن ، حاولت فتح عيناي لكن لم أستطع .. ظللت ألمح عينيها بقطع الزجاج المتناثر وهي تنظر إلي ، كل ما رأيته هو عينها تبرز من إحدى الشظايا وقد غرقت بالدموع ..

غبت عن الوعي تماماً و استيقظت لأجد نفسي مربوطة إلى السرير ذاته .. خفت كثيراً وحاولت الإفلات فلم أستطع ، آتى  د .قاسم وأعطى إشارة للممرضين لأتعرض لتيار كهربائي قوي جداً ، استمروا لمدة شعرت بها كالدهر قد مرت علي بعدها توقف كل شيء ، لم أستطع النهوض ولا الحركة ، كان هناك صفير قوي جداً في أذناي ، غبت عن الوعي ولم أعد أذكر شيئاً فقدت الإحساس بكل شيء ، مرت الأشهر حتى أتى الي د .قاسم بخبرٍ أدهشني واقلقني بالوقت ذاته .

– لقد شفيتِ تماماً يا ابنتي سارة ، تجاوبت مع العلاج خلال الستة الأشهر التي مضت ، و الان لقد كتبنا بالتقرير أنك تعافيت ولهذا قد جاء شخص طيب وكريم وتطوع لتبنيك .

– حقاً ! وفِي عمري هذا !

-السيد أياد يزورنا منذ مدة طويلة وهو أيضاً يطمئن على المرضى ، كان طبيباً ناجحاً في مجاله في السابق ، لكنه تقاعد واتخذ من التأليف حرفةً له ، ولديه بنتان وولدان سوف تتأقلمين معهم ، وهو قد تطوع لأخذك لكونه شخص طيب ورقيق القلب .

خرج تاركاً إياي في بهجة وسرور ، سيُصبِح لدي عائلة ، سأعتاد عليهم وسيعلمونني القراءة والكتابة وربما حتى سأصبح مثل السيد أياد ، بعد نصف ساعة جاءتني ممرضة أخذتني وأدخلتني الحمام لأغتسل وأعطتني ملابس نظيفة .. تجهزت وجلست بغرفتي ، وبعد مرور بضع دقائق عاد د .قاسم ودخل معه رجل يبدو في عقده الخمسون ، كان يبدو عليه الحكمة ونباغة العقل .

– هذا هو السيد أياد .

نهضت فرحة وتقدمت ببطء ناحيته : 
– أهلاً .. أنا اسمي سارة .
– أعرف ذلك يا ابنتي ، من الآن فصاعداً سوف تكونين ابنتي الصغرى ، كل أولادي كبرو وتزوجوا ، لم يتبقَ لدي غير بنت واحدة وستتزوج قريباً ، سأعلمك كل ما تريدين تعلمه .

***

ذهبت معه وأول ما أخذني اشترى لي ملابس راقية جداً ومناسبة لي ، ثم اشترى لي زينة وكل ما أحتاجه ، ثم وصلنا إلى بيت كبير جداً ، كان أشبه بالقصر بالنسبة لي ، شعرت وقتها بأنني طفلة صغيرة .. نزل وأمسكني من يدي وأدخلني للبيت ، استقبلتنا امرأةً كبيرةً في السن ولقد عرفت أنها رئيسة الخدم ، كان المنزل جميلاً لدرجة لا يتصورها العقل ، أرشدتني إلى غرفتي ، دخلتها وقد تركت لي أغراضي وأخبرتني أين أضعها ..

جلست ارتب أغراضي الشخصية ورحت أتجول بغرفتي ، كانت واسعةً جداً وفيها مدفأة وشرفة وفراش واسع ومريح ودافئ ، إنه أفضل بمليون مرة من الفراش الذي كنت أنام عليه بالمأوى .. كنت فرحةً جداً لدرجة لم أكن أتوقف عن الابتسام أبداً حتى أصبحت أبكي لا إراديا ..

حل المساء وبعد أن غططت بنوم عميق أتت السيدة آمال رئيسة الخدم لتوقظني ، ارتديت ملابس جيدة وهي قامت بوضع الزينة لي وجملتني ، نظرت للمرأة بخوف وقلق لأرى نفسي !

****

ما هذا .. أخذت أتلمس وجهي ، كان وجهاً عادياً ولم أكن نحيفة ، كان وجهي تملؤه الصحة وفوق ذلك شعري كان قد نما لدرجة كبيرة ، وكنت لم أعرف يوماً بأنني جميلة هكذا !أخذت أنظر بدهشة إلى نفسي وملابسي الفخمة ، وإلى تلك القلائد والزينة التي زينتني ، حتى بخيالي لم أتصور يوماً أن أصبح هكذا .. ابنة رجل ثري وفوق ذلك سأتعلم وأصبح مثقفة مثله ، لم أشعر يوما بالفرح لدرجة أنني أريد الطيران أو القيام بأي شيء مجنون .. كالصراخ أو حتى البكاء .

نزلت بخجل حتى رأيت أمامي السيد أياد .
– تبدين جميلة جداً يا ابنتي .
– كل هذا بفضلك أنت يا سيدي .
– من الآن فصاعداً سوف تناديني بابا أياد موافقة ؟
أجبته بفرح وخجل :
– أجل موافقة .
رد بابتسامة :
– لأعرفك على إخوتك إذاً..

أمسك بيدي وأرشدني إلى مائدة الطعام حيث كان أبناؤه هناك .. نهضوا جميعا وقد كانوا عائلة كبيرة ، كان قد عرفني عليهم واحداً واحداً ..

– هذا أخوكِ الكبير رضوان ، وهذه زوجته ليلى ،وهذا ابنهما حسن ، تلك أختك ميرفت وزوجها أحمد وابنها علي ، هذا أخوك الآخر عصام وزوجته نورهان ، وهي كما ترين لا زالت حامل ، وأخيراً أختك نرجس الأكبر منكِ بقليل ، وهي مازالت تكمل دراسات عليا و ستتخرج قريباً .

ثم التفت اليهم وتكلم بصوت جهوري :

– وهذه ابنتنا سارة ، من الآن فصاعداً ستكون أختكم الصغرى وستساعدونها في حال احتاجت لشيء .

ثم دعانا للجلوس على المائدة ، لأول مرة أرى أصناف طعام متنوعة ، كان هناك الكثير من الطعام .. أكلت من دون أن أشعر بنفسي حتى توقفت بعد مدة وقد شعرت بالتخمة ، أخذت أنظر حولي وقد شعرت بالخجل ، فلم أشعر بنفسي وأنا آكل بطريقة غير لبقة .. أخذ الجميع يضحك ثم بدأو يكلمونني عن حياتهم ..

كلهم كانوا يشغلون مناصب عالية وكل كلامهم كان عن السفر والترحال وعن أماكن لأول مرة أسمع بها ، فرحت جداً معهم ، الكل تكلم وفجأة عم الصمت وأخذوا يحدقون بي ، استغربت كثيراً ، عندها نطق عصام وقال : 
– كلنا تحدثنا عن أنفسنا إلا أنتِ .. هيا أخبرينا عنك يا أختنا الصغرى .

خجلت كثيراً وشعرت بحزن عميق ، توترت ولم أعرف بماذا أتكلم ، اخفضت رأسي قليلاً وقبل أن انطق بكلمة تدارك الموقف والدي حيث قال بحزم : 
– بني أنت تعرف والكل كذلك أن سارة فتاة يتيمة عانت خلال حياتها ، بالمختصر والداها عديمي الرحمة تخليا عنها فلا داعي للتكلم بالماضي ، علينا التكلم بالمستقبل أليس كذلك ؟ 

ختم كلامه بابتسامة وكان يبدو عليه القليل من الغضب ، نظرت للبقية وقد أكملوا طعامهم .. 

***

مرت الأيام وكان الأقرب هو الأقرب إلي .. والدي أياد ، كان يعلمني القراءة والكتابة ، و كان ينوي إدخالي الجامعة ، فقد كان دائما يقول أن الشهادة هي سلاح المثقف ، بفضله أصبحت كاتبة روائية ، بدأت بكتابة خواطر وبعدها أفكار مخربطة ، وكان هو يرتبها لي حتى أصبحت أكتب باحتراف وتناسق .. أخذت اكتب روايات كثيرة وكنت لا أفترق عنه ، لكن أين هي زوجته يا ترى ؟ لطالما تساءلت عن هذا الأمر .

حل الصباح وبعد الإفطار ذهبت إليه وجلست أمامه ، ترددت كثيراً بسؤاله ولكنه سبقني قائلاً :
– هل تريدين السؤال عن شيء يا ابنتي ؟
نظرت إليه وقد كان يبتسم برضا .
– أجل .. 
ترددت كثيراً ولكنني استجمعت شجاعتي وسألته :
– أين هي أمي ؟ أقصد زوجتك 
– كنت متوقعاً ذلك السؤال منك ، ابنتي أمك إقبال توفيت رحمها الله بمرض خبيث .
-مرض خبيث !
– إنه السرطان يا ابنتي ، مرض ينهش بجسم الإنسان ويأكله حتى آخر لقمة ثم يرحل بعد الانتهاء .
– رحمها الله .. 
اخفضت راسي قليلاً ثم عدت ابتسم له .. 

انتهيت من الافطار و انشغلت ببعض الأمور ، حل الليل باكراً ليأتي إخوتي للعشاء ، جلست بينهم واستمتعنا بالحديث ، تركتهم بعد العشاء بعد أن نادتني نرجس للصعود معها إلى غرفتها ، أخذت تطلب رايي فيما سوف ترتديه ، كانت تهتم برأي خطيبها بها كثيراً ، اخترت لها ثيابها وخرجنا بعد نصف ساعة ، ذهبت لغرفتي وهي نزلت للأسفل . 

فجأة طرق الباب لأجد أخي عصام ، تفاجأت وتوترت قليلاً منه ، فلم يسبق لي أن بقيت لوحدي مع شاب غريب ، فبالنهاية هو ليس أخي فعلياً ، رحبت به بتوتر ، تقدم ناحيتي وأخذ ينظر إلى الغرفة حتى وقف أمامي مباشرةً .
– اعتدنا فعلاً وجودك معنا هنا ، لكن والدي يرفض الحديث عنك لسبب ما ، عادة أنا ابنه الأقرب إليه ولا يخفي عني شيئاً !!
نظرت له باستغراب وقد عرفت غايته ، لكنني ببساطة لا أملك له جواب ، شدني من يدي واجلسني عنده على السرير ، نظر بنظرة اطمئنان وابتسم قليلاً ثم اكمل قائلاً :

– اسمعي اأت فرد من عائلتنا الآن ، وسوف تشاركيننا بكل شيء ، المال ، هذا البيت ، المحبة ، وحياتنا .. أنت أختنا الآن ، لكن نجهل من تكونين فعلياً ، كلنا نحترم قرار والدي بتبنيك ولكن لماذا يرفض بشدة الحديث عنك ؟

استسلمت له وقصصت له وضعي بالميتم ، لم أتمالك نفسي وأخذت أبكي ، عندها ضمني إليه وهدأني ، بكيت بحضنه لمدة طويلة حتى هدأت تماماً ، عندها نظر في عيناي ومسح دموعي .. ابتسم لي بحنان وقال :

– من الآن فصاعداً نحن عائلتك ، أنا والبقية إخوتك ، والذي بالأسفل هو والدنا نحن جميعاً .

ابتسمت له في رضا لتدخل زوجته .. تبدلت ملامحها عندما رأتنا هكذا ، نهضنا وذهبنا للأسفل ، وأنا عدت لغرفتي بعد أن رحلوا جميعاً ..

نمت حتى استيقظت على صوت بكاء ! تجمدت في مكاني من الخوف ، نهضت تدريجياً وأضأت الإنارة وبدأت أبحث بكل مكان لكن لم أجد شيئاً !! أمعقول أنني أتوهم ! لا .. لقد شفيت ، لست مريضة ، هذه كلها أوهام .

عندما هممت بالنوم نظرت لا إراديا للمرآة ، رأيت خصل شعر بيضاء ! عندها رأيت تلك اليد ذاتها وبانت خلفها تلك الملامح التي لطالما سببت لي رعباً قاتلاً وكوابيساً لا تنتهي .. أخذت دموعي تتساقط لا إراديا وشلت حركتي ، أما هي فلقد انتصبت بجلستها أمام المرآة لكنها كانت تبكي !

اقتربت ببطء حتى وقفت أمام المرآة ، بقيت هي تحدق بي لا أعرف لم شعرت بألم غزير في قلبي وقتها ، وكأن دموعها أثرت بي ، جلست بترو أمامها و وضعت يديها على الزجاج ، كانت دموعها شفافة تبدو كقطع زجاج صغيرةٍ متناثرة على وجهها .. أخذت تكلمني وأنا أحاول تهدئة نفسي كي لا أخاف منها .

– أنتِ عائلتي الوحيدة ، أنتِ ملكي .. لطالما كنت هكذا لكنهم أخذوك مني ، لم أعد أراك ولم أعد أستطيع ذلك .

أخذت دموعها تنهمر بشدة ، اقتربت أكثر ولكن لم أشعر بالخوف أبداً وقتها .. وضعت يدي حيث موضع يدها ولأول مرة ومنذ سنوات استجمعت شجاعتي لأكلمها .

– من أنت ؟ لماذا تظهرين لي منذ سنوات ؟ ما الذي تريدينه مني ؟
– أنا أحبك .. لطالما أجبرت على تركك ، فقط تعالي هنا معي وسأريك كل شيء .
– ماذا تقصدين ؟
– سترين .

فجأة أمسكت بيدي فخفت كثيراً وقتها ، أخذت تشدني بقوة وكانت تجبرني على الدخول إليها ، أبعدتها عني فتكسرت المرآة ، أخذت أكسرها واأنا أصرخ من الخوف ، حتى شعرت بشخص يشدني من الخلف ، خفت كثيراً وبعدها غبت عن الوعي ..

كنت أشعر بألم حاد في يدي وبخدر تام اكتسح جسدي .. مرت مدة طويلة على استيقاظي و وجدت والدي وأختي نرجس ، وكانت السيدة آمال معهما .
رأيت يداي كلتاهما مضمدتان وكان هناك مغذي مربوط بذراعي ، استغربت كثيراً فلا أذكر شيئاً عدا عن محاولة تلك الماكرة لأخذي معها .

– هل أنت بخير يا ابنتي .
– ماذا حدث ؟
– لقد حاولت قتل نفسك !
– ماذا ؟
– نرجس ابنتي اخرجي لو سمحتِ واتركيني مع أختك سارة .

خرجت نرجس وهي تبكي ، ما الذي حدث معها يا ترى ؟ لقد تعلقت بي جداً منذ قدومي إلى هنا ، نظرت إلى والدي وبدأ بالتكلم ، وكان يبدو عليه الحنق :
– ماذا حدث يا ابنتي ؟
– لقد حاولت أخذي معها .. لقد خدعتني وأنا صدقتها .

اخفض راْسه للأسفل ، كنت متاكدة لن يصدقني : 
– لست مجنونة ، أبي لست مجنونة صدقني .

نهض وجلس بجانبي ، أخذ يربت على رأسي وضمني إليه .. رفعت رأسي لأراه يبتسم لي ثم قال بكل حنان :
– أخبريني من تكون ولن أدعها تقترب منك ..

أخبرته بكل ما عانيته منها من سنوات ولحد البارحة ، بعدها تركني لأرتاح وجاء عندي في المساء .
– كيف أصبحت يا ابنتي .
– بخير .
-سآخذك غداً إن شاء الله إلى راقي وسنرى ماذا سيحدث معنا .. صدقيني ستتخلصين منها يا ابنتي .

نزلت معه وأخذ يقص علي روايات كثيرة كان هو قد ألفها بنفسه ، غفوت بحضنه وكانت تلك أول مرة أشعر بها بالأمان والدفئ .

حل الصباح التالي والتقيت باإخوتي ، كلهم هنأوني بالسلامة ، و عندما بقيت لوحدي بدأت بالبكاء الشديد ، جلست على الأرض حتى أحسست بمن يربت على كتفي ، التفت خلفي لأجد شقيقي عصام جلس بجانبي .. كان حنوناً كوالده بحيث كان هو أقرب إلي من البقية من بعد ابي العزيز طبعاً .. أخذ يضمني إليه و يهدئني ، أتت نرجس ومعها الآنسة نورهان التي عقدت جبينها وبدا عليها الانزعاج وبعد أن دعتانا للغداء أخذتني زوجة أخي لتجرحني بكلامها :
–  الحمد الله على سلامتك سارة .
– شكراً لك .
– يبدو أن حالة الهستيريا قد عادت لك ، سبق وأن سمعت أنك فعلت ذات الاأمر في مستشفى المجانين .. أتمنى أن تشفي وتصبحي طبيعية مثلنا ، شفاك الله يا عزيزتي سارة .

رحلت بعد أن تركت بقلبي جرحاً عميقاً ، حزنت كثيراً وقتها ، مرت الأيام واعتدت على صوت بكائها ، كنت أسمع الأغاني بصوتٍ عالٍ حتى لا أسمع صوتها ، لكنه بداخل رأسي لا يمكنني التخلص منه أبداً ، ومع ذلك كنت أَجِد ملجئي عند والدي حتى أتى يوم فقدت به ذلك الحضن الدافئ ..

استيقظت في يوم و وجدت نرجس تبكي ، لم أستطع أن أفهم شيئاً منها بسبب بكائها .. وجدت في طريقي للأسفل أخي رضوان وكانت عيناه محمرتان ، سألته عما يجري فاكتفى بالصمت والدموع تتساقط من عينيه ، عندها خرج عصام وتقدم ناحيتي ليقول لي : 
– البقية في حياتك .
أبعدته لأرى والدي على سرير الموت !

ذهبت مسرعةً باتجاهه ، كان كأنه نائم .. اقتربت منه ونمت على صدره ولكن لم أسمع دقات قلبه أبداً .. لماذا ؟ متأكدة ليس به شيء ! حاولت إيقاظه مراراً وتكراراً لكنه أبى الاستيقاظ .. أخذت أبكي و أصرخ،  ظللت أضرب بقوة على صدره حتى أبعدوني عنه بالقوة .

****

مر أسبوع على وفاة والدي والذي كان سببه جلطة دماغية إصابته في نومه .. لم أكن أتوقف عن البكاء وكنت أكره الكل بشدة ، وفوق ذلك لا تنفك هذه المخلوقة عن الظهور أمامي ، أينما أذهب أجدها ترجوني كي أرحل معها .

ساءت حالتي النفسية كثيراً بحيث أدمنت على المهدئات  والمنومات ، كنت أسكن قبر والدي ولكن حارس المقبرة كان يطردني رغماً عني ويمنعني من البقاء مع والدي .. ألا يكفي أن الدنيا حرمتني منه والآن هذه الأسوار وهذا التراب وقسوة قلوب البشر تبعدني عنه .

كلما أعود للبيت لا أرى غير نظرات الشفقة في أعين إخوتي ولا أسمع غير الكلام الذي يسم بدني من قبل زوجة أخي ، فهي تتهمني بمحاولة أخذ زوجها على الرغم من أنه أصبح أباً لطفلين !

***

مرت الأشهر وكان عصام أقرب إخوتي ، كان الحضن الحنون والملجأ الآمن لي من بعد والدي .. أو هكذا ظننت ، فحتى هو تغير واتضحت حقيقته في النهاية ، فلم يكن سوى ذئب ماكر يسعى خلف رغباته .

أصبح قريب جداً مني ، يجعلني أبكي في حضنه لأشعر بيديه تضمانني بقوة وتلمسانني بشكل يثير ارتيابي .. ظننتها أوهام ولكنها للأسف ليست كذلك ، أخذ يوماً بعد يوم يتودد لي ويختلي بي عندما يكون المنزل شبه فارغ ، حتى أتى فيه يوم تطاول علي وزاد عن حده ..

كنت جالسةً في المطبخ أشرب القهوة ، صادف وقتها عيد الأضحى وكان الكل مشغول عداي أنا ، فقد فضلت العزلة عن الجميع ، لم أستغرب أبداً عندما رأيت عصام قد دخل بخفة خلفي لكنني لم أنتبه أنه أغلق الباب خلفه .. أخذ يقترب أكثر ولكن كانت نظراته مرعبة ، وقتها لم يكن ذاته أخي عصام الذي عرفته في البداية ، احتضنني وطوقني بذراعيه وأنا أحاول الإفلات منه ، أخذ يقول لي بأنه لم يقاوم جمالي وأنه عشقني ، أخذ يهاجمني من دون وعي وأنا أبعده ، وفوق ذلك لم أستطع الصراخ وكنت متعبة من فرط البكاء .

فتفاجأت بدخول إحدى الخادمات التي اكتفت بالصمت بعدما رأتنا هكذا ، أكيد ستظن أننا على علاقة مع بعضنا ، تركته وهربت ..

و بعدها أخذ يضايقني أكثر ويهدد بطردي من المنزل إن لم أطع كلامه ، لم أفكر سوى بحل واحد .. علي أن أخبر نرجس بما أنها اختي الكبرى وهي الأقرب لي .. لم أكن أستطع رؤيتها كثيراً فعصام قد سكن هو وعائلته بعد موت والدي هنا ، اخاف حتى الخروج من غرفتي لأنه لو رآني لن يتركني بحالي وقتها .

خرجت على مهل وببطء بعد أن راقبت الكل ورأيتهم مشغولين ، تتجهت ناحية غرفة نرجس ودخلت عليها ، كانت جالسة تطلي أظافرها ، اقتربت منها وأغلقت الباب خلفي ، جلست أمامها وقد ملئت عيناي بالدموع .

– أختي أريد مساعدتك ، لا يوجد لدي أحد سواكِ ليساعدني .
– ما الأمر ؟
– نرجس .. عصام يؤذيني كثيراً ، إنه يتحرش بي منذ وفاة والدي ، إنه حتى أصبح يهددني يقول لي إن لم ..

هنا بالذات تلقيت صفعة أخرستني تماماً ، وضعت يدي على خدي وأنا أنظر لها باندهاش ..
– ألا يكفي أنك دخلت بيتنا وشاركتينا بكل شيء والآن تتهمين أخي بفعلة شنيعة كهذه ؟ الخادمة رأتك معه ، وهو بالذات وزوجته يلاحظان كيف تحاولين التقرب والتودد إليه ، هكذا خدعت والدي ولكن عصام أذكى من هذه الحيل .. 

امسكتني من يدي وطردتني خارج الغرفة .

أقفلت الباب على نفسي ، ليس لدي أحد ليحميني .. فوالدي قد رحل بعيداً ولن يعود ، أخي رضوان سافر مع زوجته واستقر بمكان آخر ، ونرجس لا تصدقني لأنني أبقى في النهاية لقيطة .. أجبرت على اعتباري أختاً لها .

أخذت أبكي وأبكي ، التفت إلى المرآة وتقدمت ناحيتها ، وضعت كلتا يداي عليها وأنا أبكي ، كنت أنظر إلى وجهي وعيناي المحمرتان ، والى دموعي المنهمرة .. أخذت أترجاها للخروج ولكن لم يحدث شيء ، لم تأتي لي أبداً ، أخذت أبكي وأرجوها حتى تأتي لكن لم تأتي ، هنا رأيت انعكاس عصام وهو خلفي ، التفت ببطء لأرى الباب مغلق والمفتاح ملقى على الأرض ..

هربت ليمسكني من شعري ، حاول تثبيتي على الأرض فلم يستطع ، كنت أقاوم بشدة لكنه استمر بتثبيتي وشدي من شعري ، حاولت الهرب بكل الطرق فلم أستطع ، أخذ يصفعني على وجهي ويمزق ملابسي ، فوهنت واستسلمت بين يديه لأسمع صرخة مدوية كانت مصدرها المرآة .. 

تكسرت المرآة ولم أشعر بشيء ، نظرت أمامي لأجدها تمسك به وقد غرزت قطعة زجاج كبيرة في قلبه ورمته خارجاً بعد أن شوهت وجهه وعادت المرآة كما كانت .. !!

اقتربت ناحيتها ، ورأيت عصام مضرجاً بدمائه ، كنت أسمع صوت زوجته تناديه من بعيد ، ظلت تصرخ حتى كسر أحدهم الباب ورأوه هكذا .. ألقت بنفسها عليه وهي تبكي ، جاء الكل وأحاطوا به وقد ملئ المكان بالبكاء والعويل ، كانوا كلهم يسبوني ويقولون أنني السبب بكل شيء .. أخذت أبكي كثيراً حتى التفت خلفي ووجدتها أمامي ، مدت لي يدها واحتضنتها ، ضمتني إليها لأستمر بالبكاء دون توقف .

****

لا أعرف كم المدة التي قضيتها في هذا العالم المجهول ، ولكنني كنت سعيدة معها ، كنت أتجول بين المرايا لأرى الكل مختلف الناس من مختلف الأعراق أراهم ماذا يفعلون في حياتهم اليومية .. كانوا كلهم سعداء . 

لطالما بقيت أتساءل من هما والداي ، هنا بالذات وقفت أمام امرأة عجوز كانت جالسة على كرسيها الخشبي وتحتضن تلك الدمية بيديها ، كانتا دميتان واحدة ذات شعر أسود والثانية ذات شعر أبيض .
-إنهما نحن يا سارة .
التفت ناحية الصوت لأجدها .. استغربت من كلامها عدت أنظر للعجوز التي احتضنت الدمية ذات الشعر الأسود بينما لم تبالي بالأخرى .
-ماذا تقصدين من تكون هذه ؟
– جدتنا يا سارة ..

التفت اليها وقد وقفت بجانبي ، أخذت تنظر بحزن عميق. وأنا استمع لكلامها .. الجواب الذي لطالما كنت أبحث عنه ، الآن أنا أراه وقد عرفته .

***

جدتي كانت ساحرة مشهورة قديماً بحيث أنها استطاعت أن تزوج والدي بأجمل امرأة ، ذات حسب ونسب .. حتى بعد أن استقر في حياته أصبحت أنا ابنته الوحيدة والمدللة ، ولكن خدام جدتي طالبوها بالمقابل فأعطتهم نصفي الآخر .. بينما تخلى عني والدي لأنه اكتشف ببساطة أنني ابنة رجل آخر ولست من صلبه ..

مع مرور الوقت تربيت أنا بالميتم بينما تزوجت أمي من عشيقها ، وأبي رحل بعيداً تاركا والدته هنا .. و التي ندمت أشد الندم على ما فعلته ، لم يتبق لدي أحد غير نصفي الآخر الذي رافقني طوال عمري والذي أجبر على أن يعيش حياته خلف زجاج المرايا ..

رحلنا أنا وهي بعيداً ممسكتين بيدي بعض ، احتضنتها بقوة ليحيط شعرها بي من كل الجهات ، وقتها فقط توقف الوقت عندي ولم أعرف كيف مضى الزمن ، فهذه اللحظة التي شعرت بها بالأمان هي من أجبرتني فقط على النسيان .

تمـت
 

تاريخ النشر : 2017-04-11

guest
60 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى