أدب الرعب والعام

لماذا ؟؟ بجميع اللغات

بقلم : ميار علي محمود – العراق

لماذا ؟؟ بجميع اللغات
إنه ملجئي ، إنه الرعاية و الأمان إنه … أبي

جالسة وحيدة في غرفتي ، ككل يوم يمضي من حياتي البائسة ، لم أفهم هل العالم قاسي أم أنها الدائرة التي أعيش فيها ؟؟ أنا وحيدة بين أربعة جدران ، تكاد أن تغلق علي ، أشعر بارتجاف بكامل جسدي ، والدموع ليست كافية لتطفئ تلك النيران التي تجتاح جوارحي ، أشعر بأن قلبي يحترق ويحترق لكن لا يتوقف ! حتى هذا القلب الذي يسكن جسدي خذلني ، خذلني كقلبي الذي خارج جسدي ، عائلتي ، فكل يوم أبتعد عنهم وكل يوم أكتشف أني سيئة جداً بنظرهم ، مهملة ، غير محببة إلى قلوبهم ، أنا … أنا المنبوذة فيهم .

منذ أن ولدت و أنا أحظى باهتمام كبير من قبل أمي وأبي ، وبعد سنين قليلة ولد أخي ، لم أشعر بوقتها بالغيرة ككل الأطفال فبالعادة يغار الكبار من الصغار ولكني لم أفعل ، من المحتمل أني كنت أعرف ما سيأتي لاحقاً على أي حال .. الألم إذا كان اليوم أم غداً فما الفرق .

كان أبي عطوفاً جداً ، يحبنا جداً ، لا يميزنا عن بعضنا ، فلنا مثل الحقوق والواجبات ، ولكن شاء القدر وكان قضاء الله أن يجعل مني يتيمة الأب ، مررت بأبشع أيام حياتي ، إنها آلام تمزق داخلي وأنا فتاة بعمر الثانية عشر عاماً ، لم أحتمل فكرة عدم وجود أبي حتى في أحلامي ، ولكن قدر الله وما شاء فعل .

ومن هنا بدأت الآلام ، بدأ الجميع بتفضيل أخي ، بتزويده بالحب والرعاية ، حتى لا يشعر بغياب أبي ، وهنا تتساءلون وأنتِ ؟؟ سأجيبكم ، لم أحظى بشيء للأسف ، فساءت حالتي النفسية و أصبحت عدوانية ، كثيرة البكاء ومتذمرة .. فأنا طفلة فلا تلوموني فعقلي لا يستطيع تقبل الواقع ، مرت الأيام ، وأصبحت بفضل الله والعلاج أفضل حالاً ، ولكن لم يتركوني أعيش بعض الأيام بهناء ..

بدأت المعاملة القاسية ، اتركي هذا فهو لأخيكِ ، أغراض والدك هي لأخيك ، الكومبيوتر كان لوالدك والآن لأخيك ، لماذا لا تتركون شيء لي من أبي حتى زجاجة العطر أصبحت لأخي ، ألست ابنته أيضاً ؟؟ هل أخي الحزين فقط وأنا لا ؟؟ لفترة فكرت بأنني لست ابنة أبي ، فانعزلت بغرفتي و البكاء ونيسي ، وما كان يجعلني أعيش هو وعدي لأبي بأن أرفع رأسه و أدخل الجامعة التي كان يتمناها لي ، وها أنا لا آكل ولا أشرب وتمر ثلاث ليالي ولا أحد مهتم ، فقط يدخلون للغرفة يسألون هل تريدين أن تأكلي أم لا ؟ وحين أجيب بالنفي يخرجون بدون أي اعتراضات ، حتى جاء اليوم الرابع …!!

كنت نائمة أشعر بالإعياء الشديد ولا أستطبع الحراك تقريباً ، لأشعر بقبلة تطبع على جبيني ، ومن شدة التعب لم أستطع حتى أن أفتح إحدى عيني ، لأرى من ، فشممت رائحة أفتقدها كثيراً .. رائحة جعلت عيوني تفتح و الدموع تسيل وتسيل ، أعرفتهم رائحة من ؟؟؟ نعم إنه هو .. إنه سندي ، إنه حمايتي ، إنه ملجئي ، إنه الرعاية و الأمان إنه … أبي

  تلك رائحة ابي أميزها لو بين المئات ، فتحت عيني لأجد أبي يمسح على شعري وينظر لي نظرة حزن وعطف لم أعهدها مسبقاً ، لم أفكر ولم أقل كيف وهو استشهد قبل شهور ، بل أغمضت عيني واستسلمت للنوم وعيني أبي تحميني من أحزاني .

استيقظت من نومي على صوت أذان الفجر ، فاستغفرت ربي و قمت بما لدي من قوة وتوضأت و صليت الفجر وأنا على السجادة بين يدي الله ، بدأت أبكي وأبكي وأدعو الله ، فأنا طفلة ، مجرد طفلة لا أحد يهتم لها ، ما يهتمون به هو أخي فقط ، ولا أعرف كيف ومتى أصبح أبي أمامي ، إنه حي يرزق لا أعرف ؟ ما أعرفه أنه أبي فقفزت كالمجنونة أحتضنه بكل ما أوتيت من قوة ، وأنا أشكو له من عذابي بعدة كلمات كونت سطراً وخرجت من لساني .

– أين ذهبت وتركتني وحيدة ؟؟
*أكرر هذة العبارة حتى انهرت في نوبة بكاء شديد ، وأبي يحتضنني ويمسح على شعري و ظهري بيديه الحنونتين ، حتى قال :

– ملاك … ابنتي ملاكي الجميل هلا توقفتي عن البكاء ، فبكائك يحرقني يا ابنتي الغالية .

– أبي كيف اأتوقف ؟ أبي أنا متعبة لا أحد يهتم لأمري أبداً ، أخي يعود من المدرسة يسألونه عن يومه و كيف كانت دراسته و ينفقون عليه كلمات الحب و الحنان ما تكفيه لأيام وأما أنا فيكتفون برد السلام والسؤال إذا كانت درجاتي منخفضة أم مرتفعة ، فهم ينتظرون أقل غلطة حتى يبدؤون برشقي بأسوأ الكلمات فأنا المهملة الباكية فقط .. لماذا لماذا يا أبي لماذا ؟؟؟؟؟ ماذا فعلت أنا و لم أستحق هذة المعاملة ؟

– لا أمتلك إجابة ، ولكن هل أطلب منك شيء ؟؟
– نعم ..
– لا تهتمي بهم أبداً ، أنا هنا ، عديني أن تكوني فتاةً قويةً وأنا لن أتركك أبداً .
– أرجوك لا تتركني أبي أرجوك .
– لن أتركك
– أحبك أبي .
– أحبك ابنتي .

*ومن ذلك اليوم وأنا آكل مع أبي و أنام قربه ، و هو من يدرسني .. 

مرت السنوات حتى أصبحت في 15 سنة ، لا يختلف كثيراً حالي فلست أنا المفضلة عندهم ولكن المفضلة عند أبي ، قررت أن أجعل أبي يذهب معي إلى كل مكان ، المدرسة الحديقة العامة و المطعم و كل مكان ، وهو وافق على الفكرة ، فبدأت أجلس معه في الفسحة و أذهب معة إلى المطعم لتناول شاورما اللحم التي نحبها ، و يؤرجحني و يلاعبني في الحديقة ، كنا أباً وابنة مثاليين ، فأنا أشكو إليه أحزاني و همومي وهو يسمعني ويغدق علي النصائح والحب الذي أفتقده ، فأنا لا أحتاج سوى لأب ، لا أحتاج صديقات ولا أهل أنا فقط أحتاج لأب ، وها هو عندي فماذا أريد أكثر !!

لكن ما يزعجني هو نظرة الناس لي وأنا أتحدث إليه ، وأمي تريد عرضي على طبيب نفسي فقط لأنني أمتلك أبي وهو يريدني ولا يريدهم لأنهم لم يحبوني ، بدؤوا بأإزعاجي ، فحتى في مدرستي يعتقدون بأني مجنونة وهم المجانين ، يعتقدون أنني أتحدث مع نفسي ولكني أتحدث مع أبي ! يا لهم من أغبياء .

– أبي لماذا الجميع لا يريدون أن نبقى معاً ؟

– لا أعرف لماذا ولكن هذا لمصلحتك ، يجب أن يكون لديك أصدقاء و تعيشين وسط من تحبين وليس احتجاز نفسك داخل هذة الغرفة .

– أبي ولكن لا تتركني أرجوك أرجوك ، فأنا لا أريد غيرك .

* الأيام تمر وأنا أعيش مع أبي بكل ما يمر بي من أحداث وهو معي ، بكل وقت و كل حين ، فأنا حياتي الآن مقتصرة على غرفتي الصغيرة و الحديقة و أبي ، وكل الموجودين في المنزل لا يهتمون بوجودي أساساً و كأنني غير موجودة .

صحوت اليوم فلم أجد أبي .. بحثت وبحثت فلم أجده !! أين أبي ؟؟ … بعد دقائق من البكاء و الصراخ دخل علي رجل غريب يرتدي ثياب الأطباء ، أكيد إنهم عائلتي من أرسلوا الطبيب حتى يقول أنني مجنونة ، ولكن أين أبي ؟ أين هو أريده أن يحميني ، أبي … أبي أين أنت ؟؟

*دخل مع الطبيب ممرضين و ممرضات طلب منهم الطبيب تهدئتي .

-من أنتم ؟؟ وماذا تفعلون ؟؟ اتركوني .. هيا اتركوني .. أريد أبي ..أبي أبي أين أنت ؟؟

*الطبيب :

-احقنوها بمهدئ و اتركوها ترتاح وعندما تستيقظ سوف أتحدث إليها .

لقد حقنوني في ذراعي إبرة مهدئة وما عدت أسيطر على عضلاتي ، وانهار غضبي و كل قوتي ، وماتت المقاومة في داخلي ، فاستسلمت لهم ، نمت على السرير و ذهبت في نوم عميق جداً ، وصحوت بعد مدة لا أعرف هل هي كبيرة أم صغيرة لأجد نفسي في غرفة المستشفى !! هل نقلوني إلى المستشفى وأنا نائمة ؟؟ بدأت بالنداء على أبي فهو مختفٍ حتى الآن ، دخل علي في هذه الأثناء الطبيب ، وقابلني بابتسامة لطيفة .

– كيف حالك سيدة (ملاك) ؟ هل أنتِ بخير الآن ؟؟

* ماذا سيدة ماذا يقول هذا أعتقد أنه أخطأ بالكلام لا أكثر .

– أنا بخير الآن ولكن أين أبي وأين عائلتي ؟؟

– بالنسبة لوالدك (فالله يرحمه) وأما عائلتك فسيد (أنس) و السيدة (ندى) اتصلوا البارحة حين كنت نائمة و غداً سوف يزوراك في المشفى كالعادة كل يوم جمعة .

*من أنس وندى ؟؟ ماذا يقول هذا الطبيب أيريد أن يجعلني أفقد عقلي ؟؟؟

– من هم أنس وندى يا حضرة الطبيب أنا أسألك عن جدتي عن أمي وأخي وأعمامي وعماتي خالاتي وخالي أين هم ؟؟ ولا يوجد في العائلة هذان الاسمان .

– سيدة (ملاك) كل الذين ذكرتيهم غير موجدون الآن للأسف .

– لماذا تناديني بالسيدة أنا عمري خمسة عشر عاماً ، أنا آنسة أنا فتاة مراهقة ، وأيضاً لماذا عائلتي غير موجودة ؟؟

-سيدة (ملاك) عمرك الآن اثنان وخمسون عاماً والكل غير موجود فالأغلبية توفوا .

-ماذا ؟؟؟؟ أنت تكذب أنت كااااذب كاااااذب !!!!!

– اهدئي أرجوك وانظري بالمرآة ، انظري إلى يديك ، جلدك سوف يخبرك بالحقيقة استمعي إلى صوتك هل بدا لك مختلفاً ؟

-مستحيييل !! وجهي نحت به العمر الكثير من أنهار التعب و صوتي انسحبت منه النعومة وجلدي يحكي لي قصة .. قصة الخمسون عام ، ولكن كيف يا طبيب كيف ؟؟؟

– عندما جئتِ الى هنا كان عمرك قرابة الخمسة عشر عاماً وكنتِ تعانين من مرض نفسي شديد بعد موت والدك ، فالمعاملة الباردة والتمييز في البيت والإهمال بإعطاء الحب لك جعلك تنشئين في مخيلتك صورة لأبيك تتحدثين إليه و تأكلين معه وووو… إلخ حتى أصبحت هلاوس غير طبيعية ، وقد دخلتِ في نوبة حادة من الاختناق و عدم الرؤية وعندما استيقظتِ في اليوم التالي كنت قد انفصلتي عن العالم الخارجي ولا تعرفين شيئاً سوى والدك ، و كانوا عائلتك يزورونك باستمرار حتى توفيت والدتك و لم يبقَ سوى أخوك وهو من كان يتحمل مسؤولية علاجك ، وهو الآن مريض و أولاده يهتمون بك ، و بدأت أنا كبداية بعلاج مختلف لك لأنني تخرجت من الجامعة من فترة قصيرة و عرفت قصتك وقررت أن أعيد علاجك بطريقة أخرى لتعودي للحياة الواقعية ، وبالفعل بعد جهد سنة استجبتي للعلاج .

– ماذا ؟؟؟ لماذا فعلوا بي هذا ؟ لماذا لم يحبوني ، لماذا جعلوني أفقد سنين حياتي وأنا في المشفى لا أعرف حتى عمري الحقيقي لماذا ؟؟ لو أعطوني القليل من الحب والاهتمام ولم يميزوني عن أخي فما الذي كانوا سيخسرونه ؟ لماذا فعلوا ذلك ؟؟؟؟؟

* أنا مصدومة جداً جداً ، اأنا لا أرى شيئاً ..  يا إلهي ما هذا الظلام !!!!

-سيدة (ملاك) افتحي عينك … هيا … بسرعة تعالوا .. إنها صدمة قوية … سيدتي هل تسمعينني .. تنفسي .. تنفسي .
……………………………….

– أبي إن الحياة قاسية ، إنهم يحبون أخي ولا يحبوني .

– بنيتي ألا يكفي أني أحبك .

– نعم يا أبي يكفي .

* في الحديقة نجلس على أحد الكراسي الخشبية وأبي يلف ذراعة حول كتفي و يعطي حنانه لطفلته الصغيرة ذات الخمسة عشر عاماً .

(النهاية)
 

تاريخ النشر : 2017-05-14

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى