أدب الرعب والعام

سر لوتس – يوم في العلية

بقلم : TheXFrog – الجزائر

سر لوتس - يوم في العلية
و بينما كنت أنظف العليَّة لمحت صندوقا ًيمثل دفينة صوري عندما كنت صغيراً ..

الخامس من ديسمبر , استيقظت على الثامنة صباحاً واتجهت مباشرةً إلى النافذة , إنه ليوم ممطر , السماء تمطر بغزارة , لا يمكنني الذهاب إلى العمل اليوم ربما علي البقاء في المنزل لمساعدة زوجتي قليلاً , حسنا أظن ربما علي تنظيف العلية , اغتسلت وتناولت إفطاري ثم توجهت للأعلى

-“ماري سأنظف العلية اليوم هل تريدين شيئاً مني ؟”
فأجابت : “لا يا عزيزي , سأقوم بتحضير الغداء لكن احذر من الجرذان”وتبعتها بضحكة جميلة
– “لا عليك , أنا في الأعلى إذاً”

من أين علي أن أبدأ , ربما علي مسح الغبار من الصناديق , فجأة انتابني شعور غريب بعد أن أطلت التحديق بصندوق أعادني إلى أيام الطفولة فوضعت الممسحة جانباً وتوجهت إليه , قمت بالجلوس على أحد العلب الحديدية الصغيرة ووضعت ذلك الصندوق على ركبتي , فتحته بهدوء وقمت بسحب علبة صغيرة كانت داخله مكتوب عليها “سام” وهو اسمي , مازالت كما كانت , إنها دفينة صوري عندما كنت صغيراً

-“سأقوم باسترجاع بعض ذكرياتي على ما أظن” همست مع نفسي وقد اعتلت وجهي إبتسامة مزيفة

إنها أول صورة لي في المتوسطة , لم أتعرف على معظم الوجوه في الصورة لكنني سررت عندما وجدت نفسي أنظر إلى إحدى الفتيات , إنها “لوتس” فقد كنت حقاً مغرماً بها , سرحت في ذهني وبدأ شريط طفولتي يمر بين عيني وكأني أعيشها من جديد

عام دراسي جديد

-“أمي أنا ذاهب الآن إلى اللقاء”
-“اعتني بنفسك يا عزيزي , سآتي لاصطحابك في المساء”

خرجت من البيت وسرت مباشرةً نحو المدرسة , فكانت تبعد عن منزلنا بحوالي ربع ساعة , هاقد دق جرس الدخول إلى الأقسام , علي أن أسرع قليلاً حتى يتسنى لي اختيار مكان يناسبني , جيد أن المقعد الأخير قرب النافذة كان شاغراً ولم أتردد في الجلوس هناك , فقد كنت وحيداً نوعاً ما , فلم أكن من الفتيان الذين يحبذون تكوين صداقات فوجهت اهتمامي نحو دراستي فقط 

مرت ستة أسابيع على ما أعتقد ونفس الروتين يتكرر و لم يتبقى للعطلة سوى عشرة أيام هذا رائع

صباح يوم الإثنين من الأسبوع الأخير زارنا الناظر وبجانبه فتاة , أطلت النظر في عينيها لكن حينها قاطع الناظر شرودي قائلا :
“اليوم سأقدم لكم زميلتكم الجديدة في الصف , اسمها لوتس فلترحبوا بها” بدأ الجميع بالتصفيق ماعداي أنا لم أحرك ساكناً , كنت أحدق في ملامحها وكل تفصيل في وجهها

– هيا لوتس فلتتفضلي بالجلوس في ذلك المقعد قرب سام , على ما يبدو أنه لا يريد الترحيب بك

بدأ الجميع بالتحديق إلي , ارتبكت ولا أدري أي تعبير بدا على وجهي وقتها , توجهت نحو المقعد وكنت أتتبعها بعيني , استأذنت الجلوس فلم أمانع طبعاً
أخبرنا الناظر بأن في المساء ستكون هناك صورة فصلية وهم بالخروج , الجميع بدأ بالتحديق المستمر في لوتس حتى أنا إلا أنها كانت مطأطأة رأسها

نادتها ماري التي كانت تجلس أمامها وأخبرتها أن لا تقلق وأنها ستتأقلم بسرعة , فردت لوتس عليها بابتسامة ضعيفة و يا ليتها لم تبتسم , لا أذكر أنني كنت مركزاً بل كان جل تفكيري في لوتس

توجهنا إلى الساحة بعد الدوام من أجل التذكار , وكالمعتاد لم أستطع إزاحة نظري عنها ولو لجزء من الثانية
“يا لها من صورة جميلة , تبدون رائعين” هكذا علق الجميع

انتظرت أمي بعد المدرسة لاصطحابي للمنزل لكنها تأخرت يبدو أنها منشغلة قليلاً سأحاول العودة بمفردي لم أتذمر أبداً , قمت بوضع سماعاتي وشغلت الموسيقى وأنا أفكر فيما حدث اليوم وفي الشعور الغريب الذي انتابني تجاه لوتس , أنا متأكد أنني لم أقابل إحساساً مماثل تجاه فتاة ما من قبل خصوصاً وأنني في الحادية عشر

لم أحس بالوقت ولا بالمسافة إلى أن وصلت لحيِّـنا حتى مرت جابني سيارة بيضاء لتتوقف بالجهة المقابلة لشارعنا , نزل رجل وقام بفتح الباب من الجهة الأخرى لتنزل منه فتاة , تسريحة الشعر تلك تبدو مألوفة , نعم إنها لوتس , لكنني أعلم أن ذلك البيت لم يسكن فيه أحد , يا لها من صدفة سعيدة يبدو أنهم انتقلوا حديثاً إلى هنا , نظرت إلى باب المنزل وإذا بأمي تخرج منه , ماذا تفعل هناك يا ترى ؟

رأتني ونادت بأعلى صوتها : 
– “يا إلهي , سام تعال” 
توجهت نحوها فأخبرتني قائلة :
– “آسفة عزيزي , لقد انشغلت بمساعدة جيراننا الجدد”  عرفتني بوالدي لوتس وبعدها سألت والدة لوتس أمي عن مدرستي فأجابتها , ابتسمت وخاطبتنا أنا ولوتس قائلة:
– ” يبدو أنكما في نفس المدرسة وبنفس الصف أيضاً , يالصدفة ” فعلاً يالصدفة

بعدها إستأذنا منهم وعدت أنا وأمي إلى البيت , كانت لوتس خجولة جداً يبدو أنها حتى هي لا تحاول كسب صداقات , فلولا ماري التي حاولت التقرب إليها لبقت لوتس وحيدة طوال الوقت , رغم أننا كنا من نفس الحي لكننا لم نتكلم من قبل عدا التحيات كصباح الخير أو ما شابه

كانت تزورنا هي وأمها مرات عديدة , طلبت مني أمها المذاكرة معاً , لم أمانع لهذا بدأت لوتس بزيارتنا بمفردها لتستقبلها أمي وترافقها إلى غرفتي , كنت مسروراً جداً لكن رغم ذلك فقد كنت حريصاً جداً على دراستي , فقد كانت لوتس من المتفوقات في القسم وهذا ما جعلني أتحفز لبذل قصارى جهدي , كنا زميلين وكسر حاجز الصمت بيننا أخيراً , لكن رغم ذلك لم تتعدى العلاقة بيننا حدود الدراسة , أمضينا العطلة في المذاكرة حتى عدنا إلى المدرسة مرة أخرى , دائماً ما كان والدها يأتي لاصطحابها في المساء أما أنا فقد تعودت على العودة بمفردي

لكن في إحدى المرات لم يأتِ والدها , لذا كانت تقف بالخارج مرتبكة توجهت نحوها وسألتها
-“ألم يأتي والدك ؟ لا تقلقي ربما انشغل قليلاً يمكنك القدوم برفقتي إن شئتي “
لم تقل كلمة لذا ودعتها وكعادتي أخرجت سماعاتي وسلكت طريقي نحو المنزل , بعد لحظة اكتشفت أنها كانت تتبعني من الخلف بخطوات بطيئة ومتثاقلة لم ألتفت خلفي كي لا أحرجها وصلنا إلى حينا .. عندها تفاجأنا برؤية والدتها تبكي عند عتبة الباب وكانت بجانبها أمي , هرولنا مسرعين باتجاههم ونحن لا ندري ماذا حدث , طلبت أمي منهما القدوم إلى منزلنا فوافقت , وعند دخولنا طلبت مني أمي اصطحاب لوتس إلى غرفتي , صعدنا إلى الأعلى وكانت لوتس شاردة تماما , اقتربت منها وسألتها : 

– “هل تريدين شوكولا ساخنة ؟” 
أجابت بتردد :
– “حسنا!”
عند إنتهائي من تحضير الشوكولا سمعت والدة لوتس تقول أنها لم تجد مكاناً آخر لتعيش فيه مع ابنتها , لم أفهم ما كانت تتحدث عنه لذا توجهت نحو لوتس وقدمت لها الشوكولا , التفتت إلي وقالت بأن والديها دائماً ما يخوضان شجاراً ويبدو أنهما انفصلا هذا الصباح , وأن عليها الانتقال للعيش مع والدتها , لكنها ستشتاق لوالدها كثيراً ثم إنهارت بالبكاء ..

جلست بجانبها وحاولت التخفيف عنها قائلا :
– “لا عليك فنحن متشابهان , حتى أنا لا يمكنني رؤية والدي مجدداً فقد توفي منذ ولادتي” 
عندها استندت على كتفي وقد اكتشفت أنها نامت بعد دقائق , مددتها على السرير بحذر كي لا أوقظها , وجلست في الكرسي المقابل ورحت أتأمل ملاكي النائم إلى أن قاطعتني والدتها وقالت بأنها ستأخذها إلى المنزل .. لم أنم ليلتها فقد كان ذهني يعج بالأفكار إلى أن غلب النعاس جفناي ونمت أخيراً 

استيقظت باكراً وتوجهت مباشرة نحو منزل لوتس فاستقبلتني والدتها وأخبرتني أن لوتس في غرفتها , توجهت نحوها وجلست بجانبها ولم أستطع التفوه بكلمة ولا حتى هي , إلى أن جاءت والدتها وقالت لي :
-“سام ما رأيك أن تساعدنا قليلاً فسننتقل غداً صباحاً”

لم أستطع استيعاب الأمر بعد , نزلنا إلى الأسفل وقد أوكلتنا والدتها مهام سهلة لم نستغرق وقتاً طويلاً في إنهائها , قضينا وقتا ممتعاً وقد توطدت علاقتي مع لوتس أكثر فأكثر
-“تستحقان صورة بمظهركما هذا هيا ابتسما” وتبعتها بضحكة
لم نفهم ما قالته إلى أن نظرنا إلى بعضنا البعض لقد كانت وجوهنا ملطخة تماماً كالمهرجين , فبدأنا بالضحك على مظهرنا

-“عزيزي سام الغداء جاهز هيا تعال”
قاطعت زوجتي حبل أفكاري فوضعت الصور فوق العلب وكانت تعتليها صورتي مع لوتس التي بدونا فيها كالمهرجين
-“ياله من يوم مناسب لاستعادة الذكريات !”
سألتني عن المقصد من كلامي فأكملت أكلي ولم أجب , رغم ذلك لم تصر على الإجابة واكتفت بالتحديق فيَّ باستغراب ..
ربما علي أن أكمل حديثي مع الصور 

أنهيت أكلي وتوجهت مجدداً نحو العلية , وقبل أن أبدأ تفحص الصور لاحظت شيئاً لامعا داخل العلبة , لا أصدق إنها قلادة لوتس التي أهدتني إياها قبل أن تنتقل مع أمها , لحسن الحظ أنها لازالت معي ولم أفقدها

لم أستطع كتم نفسي من البكاء عندما رأيت سيارتهم تصغر شيئاً فشيئاً إلى أن اختفت , لم تمض سوى أسابيع على تعرفي إليها لكنها كانت صديقتي المقربة بل الوحيدة وها أنا أعود إلى وحدتي مجدداً , ربما سأبقى وحيداً إلى الأبد , لم أعتد على رحيلها لكن الأيام عدوة الذاكرة

ها أنا اليوم قد نجحت في دخولي الثانوية بعد أربع سنوات من الإنشغال في الدراسة لكن رغم ذلك تمنيت أن أجد لوتس في إحدى أروقة الثانوية
تغيرت كثيراً في تلك المدة فقد استطعت تكوين بعض الصداقات , فماري تلك التي كانت صديقة لوتس في المتوسطة هي الآن زميلتي في القسم مجدداً , استطعت التقرب منها شيئاً فشيئاً حتى أصبحنا مقربين كنا نمضي معظم أوقاتنا في المكاتب العامة لأن كلينا كان من هواة المطالعة كانت أياما جميلة حقاً

مرت ثلاثة سنين أخرى وها نحن نحضر للبكالوريا , بذلنا قصارى جهدنا للحصول على نتيجة مرضية ولم يبقَ سوى يومين لإعلان النتائج سيطر علينا التوتر كلياً
حان يوم النتائج , استيقظت باكراً وقد اتصلت بماري للذهاب سوياً نظرنا إلى القائمة وإذا بماري تعانقني وصرخت : 
– “لقد نجحنا يا سام لا أصدق أننا فعلناها”
-“أجل لقد نجحنا لكن لمَ العناق ؟”

تراجعت وقد احمر وجهها خجلاً واعتذرت وتحججت بأنها تحمست قليلاً ولم تستطع التحكم في نفسها , لم أرد إحراجها أكثر فقمت بتغيير الموضوع , سألتها عن الجامعة التي سترتادها , فمن المرجح أننا سنكون في نفس الجامعة بحكم أننا في نفس التخصص , وقد كان ظني في محله
أمضيت معظم عطلتي الصيفية رفقة ماري , كنا نلتقي دائماً بقصد الذهاب في رحلات للاستجمام أو التسكع أو حتى التسوق , بدأت في الانجذاب إليها وأعجبت بها حقاً لكنني لم أبدي أي إهتمام في دخول أي علاقة جدية معها

انقضى الصيف بسرعة , وها نحن في نفس الجامعة كنا نمضي أوقاتنا هناك في كافيتيريا الجامعة مع بعض الزملاء الذين تعرفنا إليهم مؤخراً , وأتذكر في مرة أننا كنا مجتمعين وبدأت سارة إحدى الأصدقاء في التحدث عن العلاقات العاطفية وكان الآخرون يبادلونها أطراف الحديث ما عداي أنا وماري .. 

اكتفينا بالانصات لأننا لم نخض مثل هذه الأمور من قبل , إلى أن سألتني إيما فجأة :
– “وأنت يا سام ألم تحب فتاة من قبل ؟ أنت مع ماري منذ مدة لا شك أنك معجب بها” 
التفت إلى ماري وقد احمر وجهها خجلاً لذا خرجت عن صمتي وأضفت :
– “أجل أنت على حق يا إيما أنا معجب بها” 
ساد الصمت وبدأ الجميع بالنظر إلي لمعرفة إن كانت مزحة , عندها إستأذنت ماري وغادرت
-“ماذا تنتظر ؟ ” قالت سارة وهي تنتظر إلي بابتسامة واثقة
عملت بنصيحتها ولحقت بماري واعتذرت لها عن حماقتي , لكن ردها لم يكن ما انتظرته
– “أنا أيضاً أحببتك يا سام ولم أرد إخبارك خشية من ردة فعلك”
كانت هذه بداية علاقتي مع ماري رغم ذلك لم يتغير شيء , كنت متحفظاً تماماً رغم أنني أحبها لكنني لم أكن مثل باقي العشاق بل اكتفيت بالتسكع معها , يبدو أنني صعب المراس

هذه صورتي مع ماري عندما كنا في الكافيتيريا , أذكر تماماً ماحدث بعد هذه الصورة , ذكريات الجامعة لا تنسى حقاً , هي زوجتي الآن لكنها مختلفة عن ماري الذي كنت أعرفهما منذ سبع سنوات , لن أتفحص جميع الصور الآن سأكمل في المساء
إنها العاشرة ليلاً , أخبرت ماري بأنني لست جائعاً , لهذا تناولت العشاء وحدها ثم أخبرتني أنها ذاهبة لتنام
أحضرت العلبة مجدداً وجلست قرب المدفأة , وسألت نفسي هل مازالت ماري تتذكر ماحدث بعد هذه الصورة ؟

-“سام ماري هيا ابتسما للصورة !”
-“أرني , سام تبدو وسيماً سأحتفظ بها”
-“حسناً لا أمانع”
-“سام انظر هناك أظن أنني أعرف تلك الفتاة , إنها لوتس !”
التفت إلى حيث كانت تشير سارة , إنها لوتس فعلاً لا أصدق لقد جمعتنا الصدف أخيراً بعد هذه المدة الطويلة , ترى من هذا الشاب بجانبها , إستأذنت رفاقي وتوجهت نحوهما
-“قد مضى وقت وقت طويل أليس كذلك”
-“عذراً ؟ عما تتحدث عنه ؟” سألني الشاب
-“أنا سام وكنت أكلم لوتس , نحن أصدقاء منذ الطفولة”
-“حقاً ؟ لوتس هل تعرفينه ؟”

قاطعته لوتس قائلة :
– “أهلا أيها المهرج لم أرك منذ مدة , هذا روبرت خطيبي , روبرت هذا سام صديقي عندما كنت صغيرة, أخبرتك عنه سابقاً على حد علمي “
– “آآه حسناً لقد تذكرت , عذراً لقد تشرفت بمعرفتك “
لم أعلم ما علي فعله حينها لم أكن أتخيل سيناريو لقائنا هكذا أبداً , تمالكت نفسي وخاطبتها :
-“لم أظن أنني سأجدك بعد هذه المدة , لم أرك من قبل هنا يبدو أن الجامعة كبيرة حقاً “
-“فعلاً , وأنت ما أخبارك أتمنى أنك وجدت أصدقاءاً أخيراً”
-“نعم أنا مع حبيبتي الآن ولدي أصدقاء بالفعل هناك” أشرت بيدي إلى الطاولة لكنني لم أرَ ماري
-“ولديك حبيبة أيضاً ؟ لقد تغيرت فعلاً أيها الشقي , أي واحدة هي حبيبتك ؟
-“يبدو أنها غادرت علي الذهاب الآن أراك لاحقاً”
-“حسناً , نراك لاحقاً”

عدت نحو أصدقائي وسألتهم عن ماري , قالوا لي أنها غادرت وأنها غاضبة منك ولا تريد رؤيتك , هل كان واضحاً علي أنني مغرم بلوتس فقط من نظراتي إليها ؟ ربما كان كذلك
اتصلت بماري مراراً حتى أجابت في النهاية كانت تبكي وطلبت مني أن أقابلها في الحديقة
انتظرتها بالحديقة أتت بعد دقائق ولم تكن على ما يرام جلست بجانبي وقالت :
– “أنا أعلم أنك مغرم بلوتس منذ الطفولة , لقد رأيت قلادتها في حقيبتك أظن أنه يجب علينا إنهاء هذه العلاقة هنا والآن” 
ثم انصرفت مباشرة , لم تعطني حتى فرصة لأتحدث رغم أنه ليس لدي ما أقوله إنها محقة في ما قالته يبدو أنني لا أستحقها

لم أذهب للجامعة لأسابيع , وقد علمت من سارة أن ماري قد انتقلت إلى مدينة أخرى , كانت أياماً صعبة فعلاً فقد
كنت أفكر في كل من لوتس التي هي الآن لغيري وماري التي خيبت ظنها وجرحت مشاعرها , كلا لا يجب علي البقاء على هذا الحال علي المضي قدماً ولا أجعل مما جرى عائقاً لي

“مازال دافئاً منذ ذلك اليوم” قلت لنفسي وأنا أخرج وشاح لوتس والذي كان آخر ذكرياتي معها

بعد سنتين منذ انفصالي عن ماري قررت أن أفاجئها بطلب الزواج منها , فلم تكن هناك طريقة أفضل للإعتذار من هذه عسى أن تسامحني
كان ذلك في فبراير , اشتريت خاتماً بالمال الذي كنت أجمعه من عملي في المطاعم
والآن سأحاول الاتصال بها
-“أجل من معي ؟ “
-“ماري هذا أنا سام , لا تقفلي رجاءِ أريد أن أراك مجدداً, هل تمانعين إذا التقينا بعد أسبوعين ؟ سأتي إلى مدينتك عن قريب “
-“حسناً لا بأس أراك لاحقاً علي أن أقفل “

انتظرت يوم السفر بشوق , كنت أفكر في ماري كثيراً وفي ما سيحدث عندما أخبرها , حجزت تذكرة للطائرة التي كانت ستقلع بعد يومين حزمت حقائبي وأنا أنتظر آخر ليلتين قبل السفر

أتذكر تلك الليلة جيداً , ليلة إقلاع الطائرة لم أستطع النوم حينها وأتذكر هذه الجريدة القديمة وهذا العنوان “تحطم طائرة”

إنها التاسعة صباحاً , علي أن أتصل بماري قبل الذهاب
-“صباح الخير لقد اشتقت إليك هل أنت بالمنزل ؟ “
-“نعم أنا في انتظارك سنلتقي بالمساء”
-“جيد سأكون هناك , وداعاً أحبك”

أوقفت أول سيارة أجرة لمحتها وطلبت منه التوجه نحو المطار , طائرتي ستقلع بعد ساعتين علي الوصول قبل الوقت وكأنني في سباق مع الزمن بالنسبة لي إنه أهم أيام حياتي , أتمنى ولو كانت أمي بجانبي الآن لكانت سعيدة جداً .

وصلت قبل ساعة من الإقلاع توجهت إلى مطعم قريب , معدتي فارغة لم أكل شيئاً منذ الصباح , سأطلب شيئاً ..
-“مرحباً أيها المهرج , لقد التقينا مجدداً أظن أن الصدف لا تتركنا وشأننا ؟ “
-“أهلاً لوتس يبدو أنك مستعدة للسفر أنت أيضاً “
-“نعم رحلتي بعد نصف ساعة تقريباً ماذا عنك ؟”
-“إذاً فنحن في نفس الطائرة , أنا ذاهب لأطلب ماري للزواج , حبيبتي التي تكلمت لك عنها في الجامعة والتي كانت صديقتك في الطفولة “
-“جميل , أتمنى لكما حياة سعيدة” تبعتها وقد تنهدت

كنت أرتجف من البرد فلم أهتم بالطقس هذا الصباح فقد كنت في عجلة من أمري , لاحظت لوتس ذلك وقد اقتربت مني بكرسيها ووضعت وشاحها على كتفي , شعرت بالخجل لحظتها :
-“هذا لطف منكِ أشكرك”
-“لا عليك”
-“كيف هي أمورك مع روبرت هل ستتزوجان ؟ “
-“كلا , لقد فسخنا الخطوبة منذ أسبوع لم نكن على وفاق “
حظ سيئ أم قدر محتال ؟ هكذا قلت في نفسي
-“أظن علينا الذهاب فقد حان موعد الإقلاع”

صعدنا على متن الطائرة وجلست قرب لوتس , أقلعت الطائرة وغطت لوتس في نوم عميق , كم تكون جميلة وهي نائمة , ملامحها الطفولية لم تتغير أبداً , عادت ذكرياتي إلى تلك اللحظة التي دخل فيها الناظر برفقة لوتس وكل أوقاتي معها
, فجأة فتحت علبة كانت فوقي ونزل منها كيس أصفر , ماذا يحدث ؟ هل نواجه خطباً ما ؟ بدت علامات الفزع على وجوه المسافرين ماعدا لوتس التي كانت نائمة , خاطبنا قبطان الرحلة بلهجة خائفة :

– “نحن نواجه عطلاً في المحرك بسبب العاصفة وقد نواجه هبوطاً إضطرارياً قد يؤدي إلى تحطم الطائرة!”

بدأ المسافرون في الصراخ والبكاء , كانت لحظات مروعة , أيقظت لوتس وأخبرتها بالوضع , ارتعبت كثيراً وكادت تفقد الوعي .. ضممتها إلى صدري , كان كل همي حينها هو حماية لوتس هذا ما يجب علي فعله الآن
-“لوتس هل تسمعينني يجب أن أخبرك بشيء الآن !!”
بدأت مقدمة الطائرة تميل نحو الأسفل بسرعة كبيرة
-“هل سنموت يا سام لا أريد لهذا أن يحدث !”
-“كلا سننجو , سأخبرك بشيء مهم الآن , لوتس أنا منذ أول لحظة رأيتك فيها وأنا أفكر فيك , لم أستطع نسيانك كل ما أريدك أن تعرفيه هو أنني أحبك يا لوتس “
-“سام أنا ….”

لم أتذكر ما حدث وقتها إلى أن استيقظت في سرير المستشفى وبجانبي ماري .. وبعد أشهر تزوجت من ماري وهي زوجتي الآن , لكن إلى اليوم لم أعرف ما كانت ستقوله لوتس لو عاشت !

-“عزيزي ماذا تفعل هيا فلتنم “
-“قادم يا عزيزتي”
 

تاريخ النشر : 2017-05-28

TheXFrog

الجزائر
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى