أدب الرعب والعام

أغرب ما رأيت

بقلم : رضوان – الجزائر

أغرب ما رأيت
أشجار كبيرة تتحرك وتمشي ! ما هذا الجنون !!

سأحكي لكم هذه القصة من منظور صاحبها الشخصي .. يقول صاحب القصة أن ما حدث كان أمام عينيه وفي وقت متأخر من الليل ، و بالضبط في الساعة الثالثة صباحاً وهي كالتالي ..

بينما كنت نائماً في غرفتي ومن طبيعتي أن نومي خفيف وأقل حركة وأخفض صوت يمكنني سماعه ويمكنه أيقاظي من أعمق أحلامي ، و كانت شرفتي كبيرة جداً ، تطل على باحة المنزل و أمامها غابة كبيرة ، فمنزلنا يقع على حدود هذه الغابة و يفصل بيننا وبينها الطريق العام ، و كنت أرى تلك الغابة بوضوح من شرفة غرفتي ، حيث أن منزلنا كان فيلا من ثلاثة طوابق ، وكانت غرفتي في الطابق الثالث ..

المهم .. وبينما قطعت نومي تلك الأصوات التي لم أتبين جيداً ماهيتها إلا بعد أن استيقظت تماماً فعرفت أنها أصوت سيارات تقف غير بعيد في الجهة المقابلة للغابة .

ألقيت نظرة من الشرفة لأرى سيارتين سوداوتين متوقفتين على حدود الطريق المؤدية للغابة ، وكان ذلك واضحاً لي من الأعلى ، إضافة إلى ضوء القمر الذي كان يبين كل شيء بأدق التفاصيل وكأنه مصباح إنارة ، استغربت حينها أن مصابيح الإنارة منطفئة تلك الليلة لكن لم أهتم ، فضوء القمر كان كافياً لأرى عدة أشخاص يلبسون السواد يتجهون إلى جهة معينة من الغابة لكنهم لم يدخلوها ، كانوا ينظرون يميناً وشمالاً وكأنهم ينتظرون شخصاً ما أو ما شابه ، وكان في أيديهم ما يشبه الهواتف ربما كانت للاتصال بأحدهم أو مع مجموعة أخرى كانت في الانتظار .

ولم يخب ظني بعدها ، لكن ما أدهشني هو رؤيتي لعدة شجيرات تخرج من الغابة هالني منظرها ، وخروج الشجر بتلك الطريقة جعلني أستغرب ، ما الذي يحدث هناك !! قررت النزول من غرفتي حالاً وأسرعت بالجري في ساحة المنزل والاختباء في جهة أقرب حيث كان هنالك باب خشبي صغير مخفي في جدار الساحة لكي أتمكن من الرؤية جيداً وسماع ما كانوا يتمتمون به ، لأن الأمر ازداد غرابة وفضولي ازداد لمعرفة كيف تتحرك أشجار وتخرج من الغابة لمقابلة مجموعة من الأشخاص في مثل ذلك الوقت .

لكن المكان الذي كنت فيه لم يوفر لي زاوية جيدة للنظر والاستماع ، فقررت أن أتسلل وراء إحدى السيارات التي كانت مركونة بجانبهم ، و بعد أن استقريت في مكاني الجديد  سمعتهم يتهامسون مع تلك الأشجار التي بدت مضحكة ، وكأن احدهم كان يلبسها و فعلاً كما توقعت .. كانت ألبسة تنكرية متقنة الصنع ، من أغصان وأوراق أشجار حقيقية لتزيد من واقعيتها ، لكن لم أعرف لمَ !! ورأيت أحد الأشخاص يلوح بيديه للآخرين بأن يتبعوه إلى داخل الغابة.

انتابني الفضول مرةً ثانية و قررت أن أعرف ماذا يحدث هناك ، وما كل هذا التكتم والسرية ، وما هذه الأشجار البشرية التي تجوب الغابة ، ولمَ في هذا الوقت ؟؟ 
لفت انتباهي حمل أحدهم لقارورة بخاخ ، لا أعرف لأي نوع هو ، كان يرشها على جماعة الأشجار أو فريق الأشجار كما سميته ، فلم أجد لهم اسماً مناسباً غير هذا !

تبعتهم وهم يتوغلون إلى منطقة بعيدة في الغابة ، صراحةً لم أشعر إلا وقد ابتعدت عن بيتنا كثيراً ، انتابني شعور بالخوف وقررت لوهلة أن أتراجع وأعود لفراشي الدافئ لكن شيء ما في نفسي يحرضني على مواصلة التجسس عليهم ومعرفة سرهم وسر ما يخططون له ، فالفضول وحب الاستطلاع منعني من معرفة مغبة ما أنا مقدم عليه .. و بينما أنا أهمس مع نفسي وضميري ونتناقش في قضية عودتي من حيث أتيت لفت انتباهي صوت تكسر وتحطم كبيرين من مسافة غير بعيدة ، توقف فريق الأشجار في مكانهم و جمدوا وكأنهم أشجار حقيقية أو أصنام ، لو لم أميزهم منذ البداية لاعتبرتهم أشجاراً حقيقية ولن أفرق بينهم وبين بقية أشجار الغابة ..

اختفى الأشخاص الذين يلبسون الأسود ببخاخاتهم في عدة جهات غير بعيدة ، كنت متشوقاً لأعرف ما يحدث وما ينتظرونه و لماذا يختبئون ، و سمعت أحدهم يقول لصاحبه وكانوا يتكلمون بصوتٍ عادي ربما لأنهم في الغابة وفي مأمن ولن يسمعهم أحد :
– إذا كشفنا ولم تغطي رائحة البخاخات وجودنا فإننا في ورطة ..
أجابه صديقه وعلامات الخوف بادية على وجهه :
–  أتمنى لو أننا لم نأتِ ، إنها فكرة سيئة ، كيف يمكننا أن نمسكهم ؟ 
رد عليه رفيقه :
– نحن لن نمسكهم ، سنتأكد أولاً من وجودهم ، ونتسلل بينهم ونراقبهم من غير أن يشعروا بنا .

تساءلت بيني وبين نفسي من هم هؤلاء الذين يريدون مراقبتهم ، ولماذا في هذا الوقت ؟!! شعرت بنوع من الريبة والخوف مما يمكن أن يحدث ، وإذا بي أسمع أحد الشخصين يقول :
– إذا لم يكتشفوا رائحتنا سنكون في أمان .
فقال رفيقه :
– وإن فشلت بخاخاتنا في إخفائنا عن قدرة شمهم القوية فماذا سيحصل ؟! 
رد عليه صاحبه :
– أتمنى أن تكون مخطئاً .. اسكت الآن لقد اقتربوا ، لا نعلم عددهم وأرى أنك أصبحت غراباً وستجلب لنا الفأل السيئ بجبنك .
صاح أحد رفاقهم من جهة أخرى :
– دعك منه إنه جبان ، منذ البداية ما كان يجب أن يأتي معنا ، أشعر أن نهايتنا ستكون بسبب رائحة خوفه وسيكشفنا لا محالة
ضحك أحد الاثنين وقال :
– أنت على حق أخشى أن قوة رائحة خوفه ستتفوق على رائحة التمويه التي استعملناها
همس رفيقهم من تلك الجهة وأشار بيده إلى الانحناء والاختباء وراء فريق الأشجار ، كل وراء واحدة .. 

وجاءت لحظة الحقيقة .. يا إلهي ما هذا !! ما الذي أراه ؟!

 

مستحيل ، غير ممكن ، لا أصدق ما أراه أمامي .. ! قلتها وفي نفسي عتاب .. يا ليتني لم أترك فراشي ، يا ليتني غبت عن الوعي ، أحسست للحظة أن قلبي سيخرج من قفصي الصدري ، فركت عيني جيداً ، كان ضوء القمر يتخلل الغابة لا مجال للشك ، ما أراه حقيقي ، لو حكى لي شخص عن شيءٍ كهذا لما صدقت ، فركت عيني مرة ثانية ، ربما لشدة تعبي وقلة نومي أصبحت أهلوس .. قطع تفكيري رؤية ظلال كبيرة وعملاقة على بعد عدة أمتار من تواجدي ، وقبل عدة أمتار من فريق الأشجار .

وبينما أنأ مسمر في مكاني من شدة الرعب وقدماي ترتعشان وربما هربتا قبلي من هول ما رأيت ، كانتا كبيرتين وأكبر من فريق الأشجار بثلاث مرات .. أشجار كبيرة تتحرك وتمشي ! ما هذا الجنون !!

نظرت جيداً من حولي ، أردت أن أتكلم مع أحدهم لكن تذكرت أنني وحدي ، ومن مغبة المخاطرة بفعل أي حركة فقد أصبحت في قلب الحدث ، و لا مجال للتراجع ، فقد أردت الإثارة وقد حصلت عليها … بل حصلت على أكثر مما أريد .

جثمت في مكاني لبرهة وتجمدت ، فقط عيناي تبحلقان في ذانك الشيئين اللذين كنت متأكداً أنهما أي شيء إلا أن يكونا أشجاراً ، لكن ما بيدي حيلة ، أي خطأ مني قد يعرضنا جميعاً للموت ، وكما ذكر هؤلاء الأشخاص رائحة الخوف ستكشفنا ، حاولت أن أتشجع لكن صراحة لم أستطع أن أتوقف عن الارتعاش مع طريقة تحركهما المريبة ، وتلك الأصوات الغريبة التي لم أسمع مثلها ، وكأنها مزيج من عواء ذئاب و غطيط نمور ، و قد اختلطت مع حفيف الأوراق والأغصان التي تنكسر من حولهما و التي زادت من رعب الموقف حولي ، وللحظة كادت روحي أن تفر من جسدي لكنني تماسكت فقط لأكمل لكم ما حدث .

احكي هذا الأمر وإنا مازلت أشعر بالخوف مما رأيت ومما حدث من بعد .. نعم ، حدثت أشياء أخرى أكيد تريدون سماعها ، سأكمل :

بينما أنا مكوم على نفسي غير بعيد عن المجموعة وأشاهد تلكم المخلوقات الغريبة عن بعد ، انحنى أحدها على أحد أفراد فريق الأشجار ، انحنى وانحنى و انحنى حتى أنه كاد يطرحه أرضاً ، ولا اعلم كيف استطاع ذلك الشخص أن ينحني إلى أن كاد أن يصل إلى الأرض هو أيضاً ، ورفيقه متشبث معه ، ولولا خوفي من المبالغة لقلت أنني سمعت دقات قلبه من ذلك البعد من شدة الخوف ، ورأيته يحاول سحب شيء من جيبه لكن أحد رفاقه أشار من بعيد له بعدم فعل ذلك .

لا اعلم ماذا كان سيسحب ، ربما مسدس ، لكن لا اعتقد أن مسدساً كان سيفي بالغرض مع ضخامتهما ومعظم جسدهما مكسو بالحطب ، لا اعلم فيما كان سيفيده ! أخيراً تراجع رفيقه وبقي متشبثاً بصاحبه الشجرة الصغيرة ، وتلا ذلك انحناء المخلوق الأخر على شخص أخر من فريق الأشجار ،
يبدو أن تلك الكائنات لا ترى وتعتمد على حاسة الشم لديها لكن بطريقة ما هؤلاء الأشخاص وجدوا سبيلاً لإخفاء رائحتهم عنها ، و رغم ذلك لم يفدهم الأمر لسبب ما لم أفهمه

حينها حصل شيء لا أعلم ما هو ، وقف ذلك المخلوق وبدأ ينتفض ويهتز و يصدر أصواتاً أرعب من قبل ، و بطريقة ما وكأنه يحاور رفيقه بوجود خطب ، فهمت أن فريق الأشجار قد كشف ، وعلمت السبب فيما بعد ، إذ في تلك اللحظة تغيرت أشكال المخلوقَين ، وبديا وكأن لهما أيد و أرجل بدأت تخرج منهما مع كثرة الأغصان والأصوات المرعبة ، هرب أحد أفراد الجماعة الذي نعته أصدقائه بالجبان ، لكنه لم يستمع لهم 

قفز أحد المخلوقين وبدأ يلوح بقدميه و كأنه حصان و قذف بالجميع الذين بدؤوا بالهرب ، فالأمر لم يعد مجدٍ حسب ما رأيت ، حتى من كانوا متنكرين تم سحقهم تحت أقدامهما ، وكان منظراً مرعباً و أنا أرى أحدهما والدماء تخرج منه لتلطخ وجه رفيقه في ذلك الظلام على ضوء القمر ، كان منظر مرعباً و هم يسحقون ، فلا أحد نجا مما حدث ، فهذين المخلوقين بدآ بالصراخ و إصدار أصوت لا أعلم ما كان يقصدان بها ، ربما لأنهما خدعا ولم يتوقعا أن يصادفا مخلوقات مثل البشر أو لا أعلم .. المهم أنهما بدآ يقفزان ويجريان كأحصنة .

في خضم كل هذا أنا طبعاً لم أنتظر حتى يكتشفا أمري .. أطلقت العنان لقدمي بينما كانا يسحقان الجميع ، ولا أعلم ما حدث لأول الهاربين منهم ، فلا أذكر أثناء هربي والتفاتي للوراء إلا و أنا أرى أحد المخلوقين يقفز على شيء في جهة الهارب الأول أظنه سحقه ، لكن يا الهي يبدو أن الأمر لم ينتهي بعد ، فقد بدآ بالجري في اتجاهي ، عرفت حينها أن نهايتي قادمة لا محالة ، وبأسوأ و أبشع طريقة ..

لا أذكر إلا أنني جريت وجريت كثيراً ولم أصدق أنني كنت سريعاً ولم يستطيعا اللحاق بي ، وأثناء سماعي لتكسر الأشجار من ورائي و دنوهما أدركت أنني لم أكن بتلك السرعة التي جعلتني اطمئن ، وتأكدت أنني لن أنجو ، فقفزت في حفرة مليئة بأغصان الشجر قد لاحت لي من بعيد ، لحسن الحظ كانت الليلة مقمرة والطريق في الغابة واضحة ، ولسوء حظي لحقا بي ، وكنت أسمع فقط صوت أقدامهما أو حوافرهما ، لا اعلم حينها ما كان يجب علي فعله وهما يقفزان عودة وإيابا من فوق الأغصان التي كنت مختبئاً تحتها ظناً مني أنها ستحمي ظهري من رفساتهما القوية ، لكن لا أعلم لمَ لم يدوسا علي !

لا اذكر ما حدث بعدها ، بدأت تخفت الأصوات ، فلم أرفع رأسي ، وبدأت أشعر بالتعب من شدة الخوف والجري ، وأحسست بأنه سيغمى علي ، فاستسلمت لما كان يمكن أن يحدث ، وانبطحت و تركتهما يواصلان حفلة رقصهما فوقي ، وإن طاب لهما المقام فليفعلا بي ما فعلاه بالآخرين .. بينما كنت أسمع أصواتهما تنخفض ، وبدأت الأنوار تنطفئ بين جفوني أحسست بإرهاق لم أشعر به في حياتي ، وسمعت صوتاً يقول : 

– أنتم البشر فضوليون كثيراً ، لمَ لا تدعوننا وشأننا ؟؟

لم اذكر إلا تلك الكلمات وأنا أغفو فجأة بين طيات الظلام وهو يلف عيني رغما عني .. لكنني فجأة لم أعد أسمعهما ، وكنت قد استفقت من غيبوبتي تلك على ضوء القمر يدخل من نافذة غرفتي ، تحسست الفراش جيداً وجسدي ، ربما كنت أحلم ، لا .. لم أكن أحلم ، أنا حي الحمد لله ، لكنه كان كابوساً مرعباً من حسن حظي ، لم يكن حقيقياً ، رأيت الساعة فوجدتها الثالثة صباحاً ، وبينما أنا أتسائل عن سر هذا الكابوس سمعت صوتاً في الخارج ، لكنني لم آبه له ؛ بل عدت لفراشي وتذكرت .. لو توفرت لي فرصة ثانية لبقيت في فراشي الدافئ في أمان ، وقد توفرت لي فرصة ولن أضيعها ، فهل تفعلون أنتم غير هذا في مكاني………….؟ 

 

تاريخ النشر : 2017-06-30

رضوان

الجزائر
guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى