أدب الرعب والعام

الدماء عبر الأنابيب

بقلم : آنجي – بلاد العرب

الدماء عبر الأنابيب
سمعت صوت حركة ورأيت ظلاً يسبح في المكان

توهمت بأني سمعت طرقاً على الباب أيقظني من نومي ، خفق قلبي بخوف وتجمدت في مكاني ، ركزت سمعي ولكن صوت الطرق لم يعد فظننته وهماً ..

بعد عدة دقائق من التنفس الخافت تحركت من فراشي ببطء وكأني أخشى أن تستيقظ الوحوش أسفل سريري ، أخذت خطواتي بمهل للحمام الصغير ، وتركت بابه مفتوحاً حتى يتسنى لي الهرب إذا ما أراد الشيء الذي يقف خلف النافذة مهاجمتي ، صدري كان مقبوضاً وألم صغير يسري أسفل معدتي ، كنت أرتجف كورقة خريف تحت سلطة الظلام .

أدرت مقبض الصنبور فأصدر صريراً جعلني أعض شفتاي بقلق من أن تسمعنا المرأة الممدة في حوض الإستحمام ، ولكنها لم تفعل ، في الحقيقة كل شيء كان ساكنا كما في كل ليلة .

أحنيت رأسي وضممت كفاي لأملأهما بالماء ، ثم رشيته على وجهي ، شعرت بأ الماء بارد أكثر من المعتاد ، ارتعشت وقضمت شفتي السفلية ، تسلل مذاق غريب وداعب لساني للحظات ثم تلاشى ، عقدت حاجباي وأنزلت نظري بشك للماء ، مررت كفي تحته ثم لعقت أطراف أصابعي ، شحب وجهي وجحظت عيناي ..

راح صدري يعلو ويهبط بسرعة حين رأيت خيوطاً من الدم تمتزج بالماء ، باغتني دوار عنيف للحظات وبالكاد أستندت على الحائط بجواري ، راح رأسي يدور بعنف ومعدتي يشتد ألمها ، تشتت تفكيري تحت صوت انحدار الماء ، شعرت وكأن صوتها يجرفني للجنون ، تلقائياً مررت بصري عبر الأنابيب و لاح لي شبح الدم يملؤها ويمتد فيها براحة ، رفعت بصري مع امتداد الأنابيب حتى أختفت في زاوية السقف القذرة ، كالسم انبعثت في رأسي فكرة مجنونة وراحت تنتشر فيها بسرعة ..”على السطح هناك خزان المياه حيث تنتهي الأنابيب” صرخت وشديت شعري “أخرس!”

كان الخوف قد غادرني وحل محله إحساس قوي بالعودة للفراش وكأن شيئاً لم يكن ، أخبرت نفسي أنني سأتجاهل هذه الأفكار وكل شيء سيكون بخير كالعادة ، نعم فالأشباح تحت السرير لم تخرج أبداً ، والرجل خلف النافذة لم يحرك ساكناً ، والمرأة في الحوض دائما نائمة ، الشياطين تنعم في سلام بالجحيم وأنا لن أعكر صفوها .

أغلقت الصنبور وجررت ساقاي الثقيلتان نحو فراشي البائس ، وقبل أن أحط بجسدي عليه امتلأت شقتي الصغيرة بصوت طرقات الباب العالية ، جفلت وتجمد الدم في عروقي ، ازدردت ريقي وألتفت للممر الصغير المؤدي لباب الشقة ، جاء الطرق مجدداً بنفس الإيقاع والقوة ، ارتجفت وسار الوهن في عظامي ، تساءلت للحظات .. لم أشعر بأني يجب أن أجيب الطارق هذه المرة ؟ لم أشعر بأنه مختلف ؟ لا أعرف ولكن كل ما أعرفه أني تجرأت بشكلٍ غريب على التقدم نحو الباب وإزالة الأقفال الثلاث منه ، وبدون النظر حتى من خلال المرآة السحرية قمت بفتح الباب دفعة واحدة وعيناي مشخصتان للأمام بترقب ، وفجأة لم أرَ سوى الظلام ، وهدوء يملأ الطابق وكأن أحداً لم يكن هنا !

نظرت يمنة ويسرة ومن خلال الظلام الشديد لم أستطع رؤية أي شيء ، قررت العودة ولكن قبل أن آخذ خطوة للوراء جذبني سحر خفي نحو باب السطح الحديدي الصدئ ، نظرت إليه كان على بعد أمتار يظهر بشكل قوي وواضح ، من بين أكوام الظلال كان هو واضحاً أكثر من الطبيعي ، ليس وكأني أردت أن أذهب إليه ولكني فقط لم أستطع أن أكسر السحر والهالة التي حركتني نحوه ببطئ وثقل ، أردت العودة ولكن جسدي اندفع نحوه بلامبالاة بدقات قلبي وألم معدتي الذي وصل لحده .

حين أصبحت على بعد إنشات منه هب نسيم بارد اخترق قميصي الرمادي ، وفجأة تحرر جسدي واختفى السحر ، وحل محله إحساس قوي بالرهبة ، أخذت نفساً عميقاً ومددت يدي ودفعت الباب الحديدي للداخل ، أصدر صريراً كافياً لإيقاظ كل شياطين المبنى المهجور الذي أسكنه .
في السطح شعرت بالجو يزداد برودة ،منذ متى ونحن في فصل الشتاء؟ لا أعلم .. ولكننا دائماً في الشتاء.. كان السطح ضيقاً محاطاً بسياج مكسور ،ضربت الرياح من حولي وهمست بأذني سراً لم أدركه ، كان كل ما يحيط المبنى هو ظلام لانهائي 

كان خزان المياه الكبير في مكانه المعتاد .. أعرف مكانه جيداً .. تحركت نحوه وتسلقت السلم الصغير لأصل لسقفه ، وهناك حول غطاء الخزان رأيت آثار الكثير من قبضات الدم بذات الحجم .. كانت بحجم يدي.. بدا وكأن تلك الآثار لشخص يحاول الخروج من الخزان ، رفعت الغطاء بصعوبة بسبب ثقله ورميته جانباً   ثم أطليت برأسي للأسفل ، مظلم ولكن يلمع فيها سطح الماء على ضوء القمر ، سمعت صوت حركة ورأيت ظلاً يسبح في المكان ، شهقت ورفعت رأسي بسرعة في حين أنقضت علي قبضه ملخطة بالدماء وكادت تسحبني من عنقي ، صرخت وسقطت للوراء ، بدأت أزحف بعيداً ولكن ذاك الشخص يحاول بيأس أن يتمسك بأطراف الفتحة للخروج تاركاً خلفه آثار دموية ، جمعت شتات عقلي وقفزت كالملدوغ لأسحب الغطاء ، وقبل أن أضعه في مكانه صرخ الشخص من الداخل “أرجوك لاتنسى!” ثم ساد الهدوء المكان ..

هرولت بأقصى سرعتي وأقدامي تلاحق بعضها البعض ، أغلقت باب السطح وهرولت لشقتي وصفعت الباب خلفي وأوصدته بالأقفال الثلاثة ، هرولت لفراشي ودسست نفسي فيه .. حلقي قد جف من شدة الخوف

ولكن أي خوف ؟!.. أوه صحيح لقد توهمت بأني سمعت طرقاً على الباب أيقظني من نومي ، خفق قلبي بخوف وتجمدت في مكاني ، ركزت سمعي ولكن صوت الطرق لم يعد فظننته وهماً .
 

تاريخ النشر : 2017-07-04

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى