روحان في جسد واحد
سمع لحن ناي عذب يخطف الألباب |
كان هنالك فتى فنان ، يرسم لوحاتٍ جميلة وفاتنة ، كان ماهراً في الرسم جداً لكنه قليل الحظ و لا أحد يقدر موهبته ، كان فقيراً و يعيش في غابة جميلة ، يتأمل الطبيعة ويستشعرها ، وتلهمه برسم لوحات بديعة ، كان هذا الرسام يدعى غيثم ، شديد سواد الشعر والعينين ..
في يوم من أيام الخريف كان غيثم يجلس تحت إحدى الأشجار فسمع صوت استغاثة ، أسرع متجهاً نوح الصوت فرأى فتاة جميلة ممسكة بغصن تحاول النجاة من السقوط في الهاوية ، فمد يده إليها وأنقذها
غيثم : كيف سقطتِ هنا
الفتاة : كنت أحاول قطف زهرة البنفسج لكنها كانت قريبة من المنحدر
ثم جرت الفتاة وذهبت بعيداً ، وعاد غيثم إلى منزله و هو يفكر في تلك الفتاة الجميلة و يحدث نفسه .. لقد كانت تشبهني كثيراً حتى في سواد عينيها وشعرها ، أشعر بأنها توأم روحي ، ليتني ألتقي بها مرةً ثانية
وفي يوم و هو يتجول في الغابة سمع لحن ناي عذب يخطف الألباب ، سحر بذلك الحن وأخذ يتجه نحو مصدره ، فوجدها تلك الفتاة ، فلم يصدق ، اقترب منها قائلاً :
- لحنك جميل جداً
- أنت ذلك الفتى الذي أنقذني ! آسفة لأني لم أشكرك في المرة السابقة ، مرحباً أنا اسمى غيداء
- وأنا اسمى غيثم .. أرسم لوحات جميلة
- تشرفنا أهلاً بك
جلس بقربها تحت ضوء القمر الذي عكس جمالها فسحر بها و ملكت قلبه .. قالت غيداء :
- لقد حل الظلام ، يجب أن أعود إلى المنزل
- حسناً .. هل يمكننا أن نتقابل هنا غداً
- نعم ، إلى اللقاء
عاد إلى منزله وجلس طوال الليل يتذكر شكلها و يرسمها ، و في اليوم التالي أخذ لوحته و انتظرها في نفس المكان ، وأتت إليه كما وعدته وجلسا ، قال لها :
- لقد رسمتك ..
و أطلعها على اللوحة فأعجبت بها و قالت له :
- أنت رسام بارع .. شكراً لك
- هل يمكنكِ أن تعزفي لي على الناي ؟ فعزفك جميل جداً
فعزفت له بعض الألحان ، و بعدها أخذا يتجاذبان أطراف الحديث ، وتعرفا أكثر على بعضهما .. ثم عادا إلى منزليهما .
أصبحا كل يوم يلتقيان و لا يفترقان إلا عندما توشك الشمس على المغيب .. لقد وقع كل منهما بحب الآخر و جاء اليوم الذي أفصحا فيه عن هذا الحب و تواعدا على الزواج و العيش معاً إلى الأبد .
ذهب غيثم ليطلب يد غيداء من أبيها و كان ذلك في يوم عاصف ينذر بهطول المطر .. رفضه الأب بحجة أنه فقير ، وأن ابنته من عائلة غنية ويجب أن تتزوج من يلائم طبقتها الاجتماعية ، و لم يكتفِ بالرفض بل طرده خارج المنزل أيضاً ..
خرج غيثم مكسور القلب وهو يبكي بحرقة ..
كلمت غيداء والدها قائلةً بحزن :
– لماذا يا أبي ؟ لقد كنت أحبه جداً ، المال ليس كل شيء
- إنه لا يستحقك و لا تناقشيني بهذا الأمر
تركته غيداء و مضت خارجةً خلف غيثم وهي تبكي وتناديه ، لكن الظلام كان حالكاً جداً والأمطار تحجب الرؤية ، فسقطت غيداء من نفس ذلك الجرف الذي في الغابة و الذي رأت فيه غيثم أول مرة ، و هوت في النهر الذي جرفها بعيداً جداً و ابتلعتها مياهه ..
خرج أهلها يبحثون عنها لكن سوء الأحوال الجوية منعهم من رؤية شيء و في الصباح اقتربوا من ذلك الجرف فوجدوا وشاحها عالق على غصن نابت أسفله فاستنتجوا أنها لابد سقطت و جرفها التيار بعيداً .. هبطوا المنحدر من جهة أخرى و بحثوا عنها كثيراً لكن بلاجدوى ، فالأمطار كانت غزيرة و الرياح شديدة فاستسلموا للأمر الواقع و علموا أن ابنتهم قد ماتت ..
سمع غيثم بموت حبيبته فلم يتمالك نفسه وبكى كثيراً و مرض وأصبحت الحياة في عينيه لا معنى لها .. قال لنفسه :
– لن أدع الموت يفرقنا ، يجب أن أعيد غيداء إلى الحياة فأنا لا أستطيع العيش بدونها ..
ذهب إلى إحدى المشعوذات و أخبرها بقصته و قال أنه لا يستطيع العيش من دونها ، وأنه يجب أن يعيدها إلى الحياة ..
أخذته المشعوذة إلى بئر الأرواح ، وأرته روحها هناك تطفو مع باقي الأرواح و قالت له :
– نحن فقط نحتاج إلى جسدها لنعيد الروح فيها
فعاد غيثم إلى المكان الذي سقطت فيه وحاول البحث عن جثتها دون فائدة ، ثم عاد إلى الساحرة مكسوراً و خائباً ، و أخبرها بأنه لم يجد جثتها ..
قالت له المشعوذة :
– و لكن نحتاج إلى جسدها لنرجع الروح فيها
- ضعي روحها في جسدي إذاً
فوضعت المشعوذة روحها الطاهرة في جسده ، و هكذا سكنت روح غيداء في جسد غيثم إلى الأبد ..
و إنك إذا ركزت فى وجهه فستجد ملامحها تسكن وجهه ، وإذا ضحك تسمع صوت ضحكها معه ، ويعزف الناي بأنفاسها العذبة فيرسل لحناً جميلاً … هذه كانت قصتهما ، روحان في جسدٍ واحد
تاريخ النشر : 2017-07-06