أدب الرعب والعام

روحان في جسد واحد

بقلم : قطعة سكر – السودان
سمع لحن ناي عذب يخطف الألباب

كان هنالك فتى فنان ، يرسم لوحاتٍ جميلة وفاتنة ، كان ماهراً في الرسم جداً لكنه قليل الحظ و لا أحد يقدر موهبته ، كان فقيراً و يعيش في غابة جميلة ، يتأمل الطبيعة ويستشعرها ، وتلهمه برسم لوحات بديعة ، كان هذا الرسام يدعى غيثم ، شديد سواد الشعر والعينين ..

في يوم من أيام الخريف كان غيثم يجلس تحت إحدى الأشجار فسمع صوت استغاثة ، أسرع متجهاً نوح الصوت فرأى فتاة جميلة ممسكة بغصن تحاول النجاة من السقوط في الهاوية ، فمد يده إليها وأنقذها
‏غيثم : كيف سقطتِ هنا
‏الفتاة : كنت أحاول قطف زهرة البنفسج لكنها كانت قريبة من المنحدر 
ثم جرت الفتاة وذهبت بعيداً ، وعاد غيثم إلى منزله و هو يفكر في تلك الفتاة الجميلة و يحدث نفسه .. لقد كانت تشبهني كثيراً حتى في سواد عينيها وشعرها ، أشعر بأنها توأم روحي ، ليتني ألتقي بها مرةً ثانية

وفي يوم و هو يتجول في الغابة سمع لحن ناي عذب يخطف الألباب ، سحر بذلك الحن وأخذ يتجه نحو مصدره ، فوجدها تلك الفتاة ، فلم يصدق ، اقترب منها قائلاً :
‏- لحنك جميل جداً
‏- أنت ذلك الفتى الذي أنقذني ! آسفة لأني لم أشكرك في المرة السابقة ، مرحباً أنا اسمى غيداء
‏- وأنا اسمى غيثم .. أرسم لوحات جميلة
‏- تشرفنا أهلاً بك

جلس بقربها تحت ضوء القمر الذي عكس جمالها فسحر بها و ملكت قلبه .. قالت غيداء :
‏- لقد حل الظلام ، يجب أن أعود إلى المنزل
‏- حسناً .. هل يمكننا أن نتقابل هنا غداً
‏- نعم ، إلى اللقاء

عاد إلى منزله وجلس طوال الليل يتذكر شكلها و يرسمها ، و في اليوم التالي أخذ لوحته و انتظرها في نفس المكان ، وأتت إليه كما وعدته وجلسا ، قال لها : 
‏- لقد رسمتك .. 
و أطلعها على اللوحة فأعجبت بها و قالت له :
‏- أنت رسام بارع .. شكراً لك
‏- هل يمكنكِ أن تعزفي لي على الناي ؟ فعزفك جميل جداً

فعزفت له بعض الألحان ، و بعدها أخذا يتجاذبان أطراف الحديث ، وتعرفا أكثر على بعضهما .. ثم عادا إلى منزليهما .

أصبحا كل يوم يلتقيان و لا يفترقان إلا عندما توشك الشمس على المغيب .. لقد وقع كل منهما بحب الآخر و جاء اليوم الذي أفصحا فيه عن هذا الحب و تواعدا على الزواج و العيش معاً إلى الأبد . 

ذهب غيثم ليطلب يد غيداء من أبيها و كان ذلك في يوم عاصف ينذر بهطول المطر .. رفضه الأب بحجة أنه فقير ، وأن ابنته من عائلة غنية ويجب أن تتزوج من يلائم طبقتها الاجتماعية ، و لم يكتفِ بالرفض بل طرده خارج المنزل أيضاً ..
خرج غيثم مكسور القلب وهو يبكي بحرقة ..

‏كلمت غيداء والدها قائلةً بحزن :
– لماذا يا أبي ؟ لقد كنت أحبه جداً ، المال ليس كل شيء
‏- إنه لا يستحقك و لا تناقشيني بهذا الأمر 

تركته غيداء و مضت خارجةً خلف غيثم وهي تبكي وتناديه ، لكن الظلام كان حالكاً جداً والأمطار تحجب الرؤية ، فسقطت غيداء من نفس ذلك الجرف الذي في الغابة و الذي رأت فيه غيثم أول مرة ، و هوت في النهر الذي جرفها بعيداً جداً و ابتلعتها مياهه ..

خرج أهلها يبحثون عنها لكن سوء الأحوال الجوية منعهم من رؤية شيء و في الصباح اقتربوا من ذلك الجرف فوجدوا وشاحها عالق على غصن نابت أسفله فاستنتجوا أنها لابد سقطت و جرفها التيار بعيداً .. هبطوا المنحدر من جهة أخرى و بحثوا عنها كثيراً لكن بلاجدوى ، فالأمطار كانت غزيرة و الرياح شديدة فاستسلموا للأمر الواقع و علموا أن ابنتهم قد ماتت .. 

سمع غيثم بموت حبيبته فلم يتمالك نفسه وبكى كثيراً و مرض وأصبحت الحياة في عينيه لا معنى لها .. قال لنفسه :
– لن أدع الموت يفرقنا ، يجب أن أعيد غيداء إلى الحياة فأنا لا أستطيع العيش بدونها ..
ذهب إلى إحدى المشعوذات و أخبرها بقصته و قال أنه لا يستطيع العيش من دونها ، وأنه يجب أن يعيدها إلى الحياة ..

أخذته المشعوذة إلى بئر الأرواح ، وأرته روحها هناك تطفو مع باقي الأرواح و قالت له :
– نحن فقط نحتاج إلى جسدها لنعيد الروح فيها ‏
فعاد غيثم إلى المكان الذي سقطت فيه وحاول البحث عن جثتها دون فائدة ، ثم عاد إلى الساحرة مكسوراً و خائباً ، و أخبرها بأنه لم يجد جثتها ‏..
قالت له المشعوذة :
– و لكن نحتاج إلى جسدها لنرجع الروح فيها‎
‏- ضعي روحها في جسدي إذاً

فوضعت المشعوذة روحها الطاهرة في جسده ، و هكذا سكنت روح غيداء في جسد غيثم إلى الأبد ..

و إنك إذا ركزت فى وجهه فستجد ملامحها تسكن وجهه ، وإذا ضحك تسمع صوت ضحكها معه ، ويعزف الناي بأنفاسها العذبة فيرسل لحناً جميلاً … هذه كانت قصتهما ، روحان في جسدٍ واحد‎

 

تاريخ النشر : 2017-07-06

قطعة سكر

السودان
guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى