أدب الرعب والعام

شبح المصعد

بقلم : نجلاء عزت (الأم لولو) – مصر
للتواصل : https://www.facebook.com/naglaezaat

شبح المصعد
ظهرت له المرأة و كانت في هيئة مريعة

بعد الغروب و الليل يكسو بظلمته الطريق ، دخل علي باب العمارة مع زميله طارق ليعاينا شقتهما الجديدة التي استأجراها بعد نقلهما من مقر الشركة لفرع الجيزة ليكملا مشروعاً هاماً بالشركة و يعود بعدها طارق لمقر الشركة و يبقى علي الذي قرر أن يتمم زواجه من زميلته في فرع الجيزة و يقيما سوياً في هذه الشقة الجديدة .

كانت علامات الانزعاج بادية على وجه طارق ، سأله علي :
– ايه يا طارق لسه زعلان ؟ عموما كلها شهرين بالكتير و ترجع ..
قاطعه طارق :
– شهرين ايه ، احنا هنخلص المشروع في شهر ، انا قلبي مقبوض من ساعة المأمورية دي و اتقبض اكتر لما دخلت العمارة دي
– مالها العمارة ؟
– يا ساتر انت مش واخد بالك كئيبة إزاي

دلف إلى المصعد و هو يشير إلى طارق للدخول و طارق محدق بقلق ثم صاح قائلاً :
– اطلع انت انا هطلع على السلالم

وصل علي للدور الرابع فوجد ممراً طويلاً ضيقاً بعض الشيء ، و لاحظ رجلاً خمسيناً نحيل الجسد أسود البشرة جالس أمام الشقة المجاورة لشقتهم ، ألقى عليه السلام في الوقت الذي ظهر فيه طارق يلهث مجهداً من صعود السلالم
نظر الرجل بتفحص للوافدين الجدد و سأل : 
– هل أتيتم لعيادة الكلى ؟ و لم ينتظر و أجاب إنها في الدور الخامس و هذه عيادة تخاطب للأطفال المتأخرين في الكلام

رد علي :
– لا يا عم..
سارع الرجل قائلاً : 
– فتحي 
– يا عم فتحي ، أحنا اجرنا الشقة اللي جنب العيادة 

فغر الرجل فمه و تلعثم في الكلام:
– شش شق قه اللي جنبنا ..
سخر منه طارق قائلاً :
– يا عم فتحي في عيادة تخاطب كويسة قوي تعلمك الكلام ..
و جذب علي ليدخلا الشقة فقد كان في حاجة للراحة 

فتح علي الباب و هو يرحب بطارق الذي لم يكن قد شاهد الشقة ، فلم يكن مع علي حين أتم الاتفاق عليها ، فهو في النهاية سيستقر فيها بشكل مؤقت و علي يعتبر صاحبها الأصلي الذي سيتزوج فيها .

– الحمد لله..
كان هذا رد طارق عندما سأله علي عن الشقة
فأعاد علي السؤال :
– يعني حلوة .. ؟
– الحمد لله إني مش هقعد فيها الا فترة مؤقتة ، انا مش عاوز اقلقك لكن البيوت اعتاب يا بني و انا مقبوض من ساعة ما دخلت العمارة و الشقة قبضتني اكتر
و بعدين الرجل فتحي دا استغرب كده ليه ؟
– عموما انت من الأول رافض السفرية دي..
– طبعا يا عم انت هتقرب لخطيبتك لكن انا مجبر على الشغل هنا ، بقولك ايه انا هدخل انام

دخل طارق أحد الغرف و وضع حقيبته أرضاً و استلقى على الفراش ، في حين جال علي ببصره في أنحاء الشقة المكونة من حجرتين و صالة أجرهم بفرشهم القديم مؤقتاً لأنه سيستغنى عنه بفرش العروس لاحقاً ..

حاول علي أن يخفي قلقه من رخص الشقة و من استغراب عم فتحي و من قبضة قلب زميله طارق من الشقة ..حاول علي كثيراً طرد الأفكار الكئيبة التي استولت على رأسه و هو يقنع نفسه بأن كل شيء تمام .. صحا فزعاً من نومه على صوت طارق الذي ما لبث أن عاد للنوم كأن شيئاً لم يحدث
، و لكن علي قلق فقد شعر أن هناك أحد معه بالغرفة ، فنهض مسرعاً يتخبط في الظلام باحثاً عن مفتاح الإضاءة ، و ما أن وجده حتى انتفض جسده من الماس الكهربائي الذي أصابه و سقط أرضاً و هو يشاهد خيالاً لامرأة تدور حوله و هو بالكاد يفتح عينيه ، و فجأة أضيء النور و طارق يرفع علي متسائلاً :
–  ماذا حدث ؟؟
لم يذكر علي شيئاً عن خيال المرأة ..

في الصباح كان طارق قد قرر عدم البقاء في الشقة حتى و لو عاش هذه المدة في “لوكاندة” ، ليس بسبب ما حدث لعلي فقط و لكن من الكوابيس التي أرهقته طوال الليل لكنه استجاب لرجاء زميله بعد أن وجد في عيون علي نظرة إحباط و توسل .

ذهبا للعمل و عادا سوياً ، و عند المصعد دخل علي و صمم طارق أن يصعد السلالم ، و في المصعد وجد علي امرأة في الثلاثينات قصيرة الشعر بخصلات ذهبية لامعة و عيون باهتة حزينة لدرجة كادت تدفعه للتساؤل ، و لكنه صمت و داس على الزر الرابع و أقفل المصعد ..كانت دقائق قليلة صامتة و لكنها مليئة بالتساؤل خاصة و هناك شعور لدى علي أنه رأى هذا الوجه و لكنه لا يدري أين ؟!

خرج علي من المصعد و شعر بالمرأة تخرج خلفه فتعجب أين تقصد هل لعيادة التخاطب ؟ و عند باب الشقة و هو يدخل المفتاح نظر بطرف عينه و لكنه لم يجدها !

لحق طارق علي و دخل ليسترح ، و حاول علي دخول المطبخ ليعد بعض الطعام للعشاء و لكن فجأة انقطع النور
خرج طارق من غرفته و هو مفزوع و كأنه رأى شبحاً ، فاصطدم بعلي الذي كان خارجاً من المطبخ..
بات الشعور بأن شيء مريب يحدث في هذه الشقة و لكن الاثنان كان يتجنبان الحديث عن الأمر و يشغلا نفسهما بالمشروع.. و قد تكررت رؤية علي للمرأة داخل المصعد ثم تختفي دون تفسير

ثم اتضح الأمر ذات مرة عندما دخل علي المصعد و هو عائد من العمل و كالعادة صعد طارق السلم ..
انقطع النور و علي في المصعد و كان وحده و هنا ظهرت له المرأة و كانت في هيئة مريعة صرخ علي من الفزع و هي تدور حوله حتى فقد وعيه .. أستفاق على وجه طارق و عم فتحي و هما ينقلانه للشقة ، و لما وجداه عاد لوعيه سألاه عما حدث فلم يرد..

خرج عم فتحي و هو يخبط كفاً بكف و يتمتم بكلمات غير مفهومة ، بقي طارق مع علي حتى اطمأن عليه ، ثم اتجه لعم فتحي و هو مصمم أن يعرف منه ما يخفي
أنكر عم فتحي في البداية ثم قال :
– يا أستاذ طارق ، شوف أنت و صاحبك سكن تاني بعيد عن هنا ، الكلام اللي بيتقال كتير و محدش عارف الحقيقة إيه..
– إيه الكلام اللي بيتقال ؟
– الست صاحبة الشقة ..
– احنا مأجرينها من راجل مش ست
– ايوة دا جوزها اللي ورثها بعد بعد ….
– بعد إيه يا عم فتحي
– بعد ما ماتت
– لا انت كنت هتقول حاجة تانية
– يا بيه مش أنا اللي بقول الناس هي اللي بتقول
– احكي يا عم فتحي متعصبنيش بيقولوا إيه ؟
– بيقولوا إنها اتقتلت

شهق طارق و صرخ :
– آه أنا كنت حاسس إن البيت دا في حاجة
– الله يكرمك يا بيه ، متقولش إني قولت لك حاجة إلّا صاحب البيت يقطع عيشي ، محدش قعد في الشقة دي أكتر من ليلة …

عاد طارق للشقة و هو يقدم خطوة و يؤخر عشرة ، ولا يعرف أيصارح علي بما عرف أم لا .. حدث نفسه قائلاً :
– دي الشقة اللي المفروض إن صاحبه هيتزوج فيها ، و مناسبة له في سعرها و مكانها ، ثم إن مفيش حاجة واضحة حصلت يمكن مجرد أوهام .. 
حاول طارق اقناع نفسه بذلك و قرر ألا يخبر صاحبه ..

لكن علي الذي رأى شبح المرأة في المصعد كان مازال صامتاً حائراً ، و منذ ذلك اليوم لم يصعد أو يهبط به ، و كم مرة ينظر لطارق و هو يكاد يخبره بما رأى ثم يتراجع ، جافى النوم علياً أياماً و ليالي حتى بدا شاحباً مضطرباً و هو الأمر الذي كان سبب تأجيل طارق الانتقال من الشقة و ترك صاحبه وحيداً ، و لما ساءت أحوال علي أكثر قرر طارق أن يخبره بالأمر و لتذهب الشقة للجحيم و يبحث صاحبه عن غيرها يتزوج فيها..

و في المساء دخل علي المطبخ بعد عودتهما من العمل ليجهز طعام العشاء الذي جلباه و هما عائدان من الشركة ، و دخل عليه طارق ليحمل الأطباق و قد عزم على إخباره بأمر صاحبة الشقة القتيلة و لكن علي سقط مغشياً عليه أمام طارق الذي ذهل فحمله بصعوبة لأقرب مقعد و حاول إفاقته فوجده محموم ، فنقله إلى فراشه و هو يلعن الشقة و الشركة و الليلة التي أتى فيها ..

كان مرض علي معناه تعطل إتمام المشروع خاصةً أن طارق لن يستطيع أن يقوم بعمله و عمل صاحبه لأنه بالفعل بجواره يمرّضه ، و قد خشى أن يتركه في هذه الحالة ، و كان علياً في أسوأ حالاته ، فبدا و كأنه شبح شاحب لا يكاد يفيق من الحمى إلا ليهذي بكلمات غير مفهومة عن شبح و امرأة ، ثم يفقد وعيه ثانية ..

استمر على ذلك يومان حتى بدأ يستعيد وعيه و انخفضت حرارته ، فتركه طارق و ذهب ليحاول تعويض ما تأخر في المشروع و ذهب لعم فتحي يوصيه أن يطل و يطمأن على علي ، و لم ينسَ أن يوصيه بألا يقص شيئاً لعلي عن أمر صاحبة الشقة ..

كان عليا قد مل من الرقاد فقام يجول في الشقة يتلفت و يتأمل كل تفاصيلها ، و كان يشعر كأنه يحلم أو عاش في هذه الشقة من قبل ، فخلال الحمى رأى رؤية غريبة و لكن لا يتذكر تفاصيلها ، و كأنها أطيافاً تلوح أمامه و تختفي فجأة ..
اقترب علي من صورة معلقة على الحائط ، و هنا رن جرس الباب فجأة ففزع علي و خبطت يده البرواز الذي سقط على الأرض ، تركه علي و ذهب ليعرف من الطارق ، فإذا هو عم فتحي يسأله إن كان بحاجة لشيء تنفيذاً لوصية طارق الذي شفعها ببعض المال دسه في جيب عم فتحي و لولا ذلك ما سأل عم فتحي و لا اهتم ..

طلب منه علي الدخول ، فتسمّر الرجل و هو يحدق في الشقة بقلق فنهره علي بضعف و فراغ صبر
-ما تدخل يا عم فتحي ..
دخل الرجل و هو يبسمل و يتعوذ بالله ثم سأل علي
– اعملك حاجة يا بيه أنا اصلي لازم افتح العيادة ..
– اقعد يا عم فتحي
– يا بيه..
– بقولك اقعد ، هديك تجيب طلبات ، نفسي افطر حاجة تانية غير الجبنة و البقسماط اللي نشفوا بطني ..
– احمد ربنا يا بيه دا إنت كنت تعبان قوي ، بس الشهادة لله صاحبك استاذ طارق دا جدع قوي مافاتكش ليل و لا نهار ..

جلب علي محفظته و أخرج منها بعض النقود و هو يعدد طلباته من عم فتحي ، ثم نظر إلى الصورة الواقعة على الأرض فطلب من عم فتحي أن يناولها له ، فرفعها عم فتحي و هو يقول :
– أعلقها يا بيه ؟
و لكنه وجد حبلها ممزقا فوضعها أمام علي على المنضدة و نزل و لم ينس أن يبسمل و يحمد الله و على وجهه علامات الفرحة كأنه خرج منتصراً من معركة .

أمسك علي باللوحة يحاول إصلاح خيطها ، فوجد غلافها الخلفي منتفخ و على حافته لاصق ، و كأن أحدهم أخفى بداخله شيئاً ، هنا قفز لذهنه صورة امرأة رآها في هذيانه و هو محموم ، أزال علي اللاصق فوجد ظنه صحيحاً ، ورقتان كورق المذكرات قطعوا على عجل كما يبدو و التصق بهما بضع شعرات شقراء و دسهم شخص ما ليخفيهما !

بدأ علي يقرأ الورقتان و ما كاد يكمل سطر حتى شعر بأنفاس تلهبه خلف أذنه فالتفت فزعاً فلم يجد أحداً ، تحرك علي نحو الفراش و قد شعر بأنه كاد أن يفقد وعيه ، تمدد على الفراش و قرأ في صمت و ذهول ..

جلب عم فتحي الطلبات و أدخله علي بإلحاح و هو يطلب منه أن يعاونه لإعداد الطعام و أخذ العلاج ..
دخل عم فتحي و هو يبسمل و يتعوذ كما فعل سابقاً ، و لكنه ذهل من منظر علي و ارتعب عندما وجده يغلق باب الشقة بالمفتاح و كأنه ينوي على شيء !

صرخ عم فتحي بقلق و هو يرفع يديه في مواجهة علي و كأنه يدفع عن نفسه شراً متوقعاً : 
– في إيه يا بيه ؟!
– اقعد و احكيلي كل شيء عن ست صفية
فغر الرجل فمه في ذهول : 
– و عرفت اسمها منين يا بيه ؟!
– انت ترد و بس و اي حاجة هتخبيها هعتبرك بتتستر على جريمة
– يا بيه أنا ذنبي إيه ؟ ، ما قولت لصاحبك سيبوا البيت قبل ما تعيا بيوم ..
– صفية ماتت ازاي ؟
– الاسانسير (المصعد) وقع بيها ، و الناس بقت تقول إن جوزها اللي قتلها لكن هو اثبت إنه كان مسافر يومها رغغغمم ..
– رغم إيه ؟ انطق
– رغم إنه كان موجود ساعتها ..
– و مقولتش كدا ليه ؟ مش في ضابط حقق معاك ؟
– لا محدش حقق معايا و لو كانوا حققوا مكنتش هاعرف اقول حاجة كانوا هيكدبوني ، الموضوع قالوا قضاء و قدر و اهمال صيانة من الست صفية نفسها لأنها هي صاحبة البيت
– الست صفية شبحها ظهر قبل كدا ؟
– من ساعة الموضوع دا و البيت كله بقى شؤم و محدش عمّر في الشقة دي أبداً و ادي حضرتك شايف اللي حصلك..
– أنت لازم تشهد بالكلام اللي حكيته ليّ ، أنا هطلب فتح القضية ، أنا معايا دليل إن زوجها كان ناوي يقتلها ..

أتى طارق في المساء فقص عليه علي ما حدث فطلب منه طارق أن يتركا الشقة و لا يهتم بالأمر فلن يجني من ورائه إلا المتاعب لكن علي صمم ..
– خلاص لحد كدا انا هسيبك ، أنت خفّيت ، و أنا كنت ناوي اقولك قبل ما تعيا نسيب الشقة و بعد اللي حصل عاوز تقعد اقعد لوحدك ..

حضّر طارق حقيبته و وضعها أمام باب الشقة ليرحل في الصباح..

في الصباح خرج علي و طارق ليذهبا للعمل و لكن طارق كان يحمل حقيبته حتى لا يعود للشقة ثانية .
و في المساء عاد علي وحيداً و قد دخل المصعد بعد أن كان امتنع عنه من يوم رؤيته لشبح صفية كما يعتقد و هو على ثقة أنها لن تؤذيه و هو ينوي مساعدتها ، و على عكس ما توقع ظهرت له بنفس صورتها السابقة و هي أكثر غضباً ، ففتح المصعد بسرعة في الطابق الثالث و صعد يلهث جرياً على السلالم حتى صعد للرابع و لكنه لم يجد عم فتحي !

تعجب علي و سأل عنه الممرض بالعيادة فأخبره بسفره لبلدته في المنيا !

احس علي أن عم فتحي هرب حتى لا يوقع نفسه في المتاعب ، اتجه علي للشقة و هو يشعر بالخوف أن يرى هذا الشبح مرة ثانية ، وضع المفتاح في الباب و دخل ببطء و قلق وجال بذهنه خاطر مقلق ، ما يدريه أن الرجل المجنون عم فتحي لم يذهب لصاحب البيت و يخبره بالأمر فيأتي لقتله كما قتل زوجته ؟ ! ..
ارتعد جسده و كأنه يطرد من ذهنه هذا الخاطر ، و أخرج المفتاح من باب الشقة و تراجع للخلف مغلقاً بابها و هم بالنزول على السلم و هو لا يعرف أين يذهب ؟ “المهم إنه ميقعدش لوحده في الشقة دي” ..

خرج علي من البيت و هو يبسمل و يتعوذ كما كان يفعل عم فتحي ، سار هائماً في الشارع حتى وجد نفسه أمام قسم الشرطة و كأنه سيق إليه مرغماً !
سأل عن الضابط الموجود ليعلم إن كان هو نفسه الذي حقق بالحادث فعلم أنه ضابط جديد ، دخل و هو لا يعلم أيذكر اسم عم فتحي أم يكتفي بالورقتان اللذان تؤكد فيها صفية بمحاولة زوجها قتلها ، قرر أن يحكي الأمر كله دون أن يذكر أمر الشبح حتى لا يظن الضابط أنه مجنون

– دي قضية بقالها ثلاث سنوات .. 
قال الضابط محسن ذلك و هو يتفحص الورقتين و لفت نظره الشعرات اللاصقة بالورق
– انا لقيتهم كدا
– يظهر إنك هتشجعني افتح القضية تاني ، انا هعتبر دا حرز بس لازم الأول استدعي عم فتحي لو شهد هنطلع الجثة و نشرحها من جديد يمكن نلاقي دليل تاني .. تعرف إني كنت هاسكن في الشقة دي لكن واحد معرفة حذرني و أنا مخدتش في بالي ، تقدر تمشي يا علي و روح بات في الشقة يا رجل ، متخفش و إلا إيه هههههه

و قهقه بسخرية و هو يرمق علي المضطرب

عاد علي للشقة و أنار كل الأضواء و فتح الراديو على إذاعة القرآن الكريم و جلس على مقعد في الصالة ممدداً قدمه و قد اعتزم أن ينام في مكانه حتى الصباح ، غفل علي و رأى المرأة في الحلم كانت واضحة هذه المرة هادئة و لكنها تختلف قليلاً عن المرأة التي ارعبته في المصعد ، كانت تشير إلى عمود زخرفي في الصالة أمام المقعد الذي جلس عليه ، فتح علي عينيه و إذا بالمرأة أمامه فرك عينيه متسائلاً هل مازلت احلم ؟ ! عندما فتح عينيه ثانية لم يجد شيئاً !
سمع أذان الفجر فتوضأ و خرج للصلاة و هو ينوي أن يذهب بعدها للعمل و لا يرجع للشقة .

ذهب طارق لمقر الشركة ليجد عليا متكئاً على كرسي بجوار باب الشركة و قد غفى ..
– علي إيه اللي جابك بدري كدا ؟ ! إنت مبتّش في الشقة و إلا إيه ؟ !
تنهد علي و هو يصافح طارق :
– كانت أطول ليلة عشتها
– أنا قولت لك سيبها و تعالى معايا بلا مشاكل و قلق ..
– أنا بلغت خلاص ..
– برضه نفذت اللي في دماغك
– و عم فتحي هرب ..
– طبعا عنده حق ، رجل في السن دا يتبهدل في سين و جيم وعشان إيه .. شبح ؟ !
– سيبك من الكلام دا اللي حصل حصل ، يلا نشوف شغلنا
– اعمل حسابك هتروح معايا نبات سوا في اللوكاندة ، ماشي ؟
– إن شاء الله .

في المساء و بعد انتهاء العمل عرج علي على القسم ليسأل الضابط هل وجد عم فتحي ؟ و يخبره أنه غيّر مكان مبيته مع صاحبه طارق ، كان محسن قد جلب عنوان عم فتحي و جهز أمر استدعائه ، و بالفعل أتى عم فتحي و أكد كلام علي بتواجد زوج صفية وقت سقوط المصعد بها على عكس ما ذكر في التحقيق القديم .

أمر محسن بفتح المقبرة بعد إذن النيابة لإعادة التشريح و فوجئ بأن التحقيق لم يذكر شيئاً عن تشريح الجثة مطلقاً ، فإما لم يحدث تشريح أو حدث و أحدهم أخفى التقرير ..
و لكن عند فتح القبر وجدوا جثتين و كان يتوجب إخراج واحدة فقط و الأخرى أكيد دفنت في وقت سابق أو لاحق و دفنت في مقبرة العائلة .

قال التُربي إن والده رحمه الله هو الذي كان موجوداً أثناء الدفن و لا يعرف هو من الأحدث ، أغلق الضابط المقبرة و أجّل أمر إخراج الجثة حتى يأخد حمض “الدي إن إيه “من الشعيرات التي كانت ملتصقة بالورق ليخرج الجثة المطلوبة و إلا أخرج الاثنتين و في ذلك مسؤولية عليه ..

تلاحقت الأحداث سريعا ليتم القبض على زوج القتيلة صفية من المطار و هو يحاول الهرب بعد أن علم بإعادة فتح التحقيق في القضية ، و الغريب أن الجثتين لم تتطابق إحداهما مع البصمة الوراثية بالشعر اللاصق على الورقتين ، مما دفع الضابط للبحث في سجلات بلاغات الإختفاء ليتطابق وصف إحدى الجثتين بعد استبعاد الثانية لمعرفة هويتها من أهلها ، و ظهر أن الجثة المجهولة المتطابقة مع أحد بلاغات الإختفاء من أخت بأختفاء أختها في نفس الفترة و بنفس المواصفات ، و بعد مطابقة البصمة الوراثية تأكدت الفتاة أن القتيلة أختها و بقى سؤال أين صفية ؟ !

كان على الزوج القاتل أن يعترف بعد تضييق الضابط عليه ليتهاوى صارخاً بأنه قتل الفتاة ليداري على اختفاء جثة زوجته التي صب عليها العمود الإسمنتي بصالة الشقة بعد أن اكتشفت نيته في قتلها ، و خاف أن يفتضح أمره فلا يرثها فتعارك معها و حاول إسكاتها و لكنه خنقها و ماتت فصب هذا العمود و دفنها فيه و أخفى الأمر بالزخارف ، و بقي أن يبحث عن جثة أخرى يتمم بها خطته ليحصل على الميراث ، فوجد هذه الفتاة أحلام التي سمعها تتحدث عن حلمها أن تصبح ممثلة فأوهمها أنه سيكتشفها و طلب منها أن تأتي معه و ابتاع لها ملابس تشبه ملابس زوجته و لم ينس أن يغطي وجهها بقبعة كبيرة ليخفي ملامح وجهها حتى لا يعرف أحد الفرق و أدخلها المصعد ، ثم أخبرها أن سجائره نفدت و سيذهب ليشتري سريعاً و يلحقها ، و لكنه صعد السلالم جرياً ليصعد إلي حجرة المصعد و يتمم إتلاف كبل المصعد الذي كان يمزقه يوميا ببطء ليبدو قضاء و قدر ، حتى تحين اللحظة و ينفذ خطته كما فعل ..

انهار الرجل و بكى دموعاً لم تجلب له إشفاق من أحد بل زادت لعناتهم عليه خاصةً أخت الفتاة أحلام التي قتلها فقط لشبهها بزوجته لتحل محل الجثة المختفية .

ذهب محسن إلى الشقة مع قوة قامت بتكسير العمود الوهمي و أخرجوا منه جثة صفية و انتهت القصة و استقرت الأرواح الهائمة .
 

تاريخ النشر : 2017-09-19

guest
31 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى