أدب الرعب والعام

الشجرة الملعونة

بقلم : نجلاء عزت (الأم لولو) – مصر
للتواصل : https://www.facebook.com/naglaezaat

لماذا انزعجت هكذا ؟ ربما غراب كسر أغصان الشجرة ..

تعودت أن أشرب شاي المساء فوق سطوح بيتنا الجديد المبني وسط الزراعات ، و الملتفة حوله الأشجار في منظر ساحر بديع ، أرتشف الشاي واستنشق نسمات الليل الرطبة العليلة و اتأمل الليل و هو يدنو رويداً رويدا ، فينتصر على كل أشعة النور ليلقي على الكون عباءته السوداء فارضاً سطوته و سحره و كأنه الفارس المنتصر ، يُلقي على حبيبته عباءته ليخفيها عن الأعين و يثبت تملُّكه وحده لها .

ساد الظلام الحالك فالليلة هي آخر الشهر الهجري حيث لا بريق للقمر ، و الغريب حتى النجوم لا ألمح لها بريقاً !
فجأة سمعت صوت حرفشة ، ارتعدت فرائصي و تلفتت حولي فلم أجد شيئاً و لن استطيع أن أجد شيئاً في هذا الظلام .

حاولت كبح خوفي و قربت كوب الشاي لأرتشف آخر و ألذ قطراته ، و فجأة عاد الصوت فوضعت الكوب و هبطت هاربة أطوي درجات السلم و كأنني أنزلق على باب الشقة حيث النور مضاء .
وقفت ألهث لحظات ثم لامتني نفسي على هذه الحماقة ، فلماذا انزعجت هكذا ؟ ربما غراب كسر أغصان الشجرة أو ربما بومة هاجمت أحد أعشاش الطيور أو .. أو ..أي شيء ، قررت الصعود ثانية و أخذت معي هاتفي لأتلمس به بعض الضوء لأجد الكوب الذي تركته قبل أن أرتشف آخر و ألذ قطراته .

صعدت و ضوء الهاتف يؤنس ظلام السلم و لكنه يعكس حركات أوراق الشجر في مشهد أكثر رعباً و لكني تماسكت حتى صعدت فوجدت الكوب ، قرّبته من الضوء فوجدته فارغاً تماماً إلا من تفل الشاي اللاصق به و كأن أحداً امتصه كله ! تعجبت و شعرت بقشعريرة تسري في جسدي فهبطت درجات السلم ببطء و قدماي ترتعشان و أنا أشعر أن أحداً ما يراقبني ، بل و يهبط خلفي ..

مضت الليلة دون أن أخبر أحداً عما جرى ، فقد كنت أستهزئ بأحاديث الجن و العفاريت فماذا أقول لهم الآن ؟!
ظللت في فراشي طوال الليل لا يغمض لي جفن و إن أغمضت أصحو مفزوعة و أنا لا أذكر شيئاً مما حلمت إلا إحساس قوي بانقباض صدري و تسارع أنفاسي و كأنني توقفت لتوي من سباق المارثون .

في الصباح بدا على وجهي إرهاق و شحوب أزعج أمي ، فررت من أعينها المتسائلة ..

مرت أيام غيرت فيها عادتي فلم أصعد للسطوح إلا نهاراً حتى اقترب الشهر الهجري من الانتصاف و كان القمر أشبه بالبدر ، فاشتقت لشاي المساء و صعدت .
كنت أشعر بالسعادة و الاطمئنان ، فكم أُحب هذا الجو الحالم ، و تكررت أيام صعودي كالسابق حتى انمحق القمر و ازداد الليل حلكةً ، واضطربت نفسي و اجتاحني شعور غريب بالضيق و الخوف .
وضعت الكوب جانباً و تحسست الهاتف لأتاكد أنه بجيبي و لكنه سقط فجأة ، لا أعلم كيف ! ربما انقطع جيبي و لكنني ازدت توتراً و سقطت ..

أفقت لأجد نفسي في أحضان أمي و هي تبسمل و تنضح على وجهي قطرات الماء فتمسح جبيني ، و حمدتْ اللهَ عندما فتحت عيني و بادرتني بسؤال كنت أريد أنا أن اسأله : ماذا حدث ؟!!!
كانت الليلة بطيئة و كئيبة و زادت كوابيسي و صرخاتي و تساؤل من حولي عما حلّ بي

لم أعتزل الصعود كالمرة الماضية و لكنني قررت تحدي خوفي و استبيان الأمر ، صعدت بدون الشاي فهدفي ليس التمتع بالجو ، وقفت بجوار سور البلكون و اقتربت أغصان الشجرة من وجهي و أنا أتأملها و كأنها تنمو و تمنو حتى أصبحت ذراعين التفا حولي و سمعت صوتاً : أين الشاي ؟ و كأنني أصابني الشلل و الخرس ، فلم أقدر على الحركة أو النطق ، فقفز شيء من على الشجرة و وقف أمامي ..

اصابتني قشعريرة عندما لمسني هذا الشيء ، و كأنه شجرة على شكل إنسان أو إنسان على شكل شجرة ، له ذراعان كالأغصان و قدمان كجذور الشجرة و ليس له رأس ، إنما أغصان قصيرة و كأنها شعر على جزء مستطيل من الشجرة ، به تجويف يتحرك و ينطق ! نعم ينطق .. لقد طلب كوباً من الشاي ! هنا صرخت بكل قوتي ولكني لم أسمع صوتي ، فقط قهقهات هذا الشيء .

جريت و لكنني لم أجد درجات السلم تحول كل ما حولي لأشجار عملاقة تمد أغصانها لتمسك بي ..
وجدني أهلي فاقدة الوعي في أسفل الشجرة أمام المنزل و ليس في جسدي موضع إلا و به جروح و تغطيني أوراق الشجر ، حاولت الكلام فوجدتني عاجزة عن النطق و اندفعت من فمي أوراق أشجار كثيرة كأنها عُبّئت في فمي ، فبصقتها فكانت تخرج من فمي مرة بعد مرة كأنها لا نهاية لها ، ثم أصابتني شرقة ظننت أني لن أنجو منها .

أصبحت حديث القرية و ظن الجميع بي سوءاً رغم أن الأطباء أكدوا لأهلي أنني بخير و لكن في حاجة لعلاج نفسي
، منذ هذا اليوم و الجميع يراقبني و لكني أشعر بأن هناك من يتلصص عليّ من خلف أهلي ، و أشعر به حولي و كأنه تحت ملابسي ..

عشش على الشجرة الملاصقة لبيتنا غربان كثيرة و انزعج أهلي بشدة من منظرهم و أصواتهم ، حتى زارتنا امرأة عجوز و تحدثت مع أمي و دخلت عليّ و حسست على رأسي و هي تتلو أشياء لا أفهمها ، ثم تحدثت مع أمي مرة ثانية و مضت ، يومها لم تفارقني الكوابيس رغم أن الغربان أختفت تماماً و وجدت أمي تسقيني مشروباً و أخيراً استطعت أن أنطق ..

ظن الجميع أن الأمور تحسنت حتى صحونا ليلاً على صوت ارتطامٍ مفزعٍ مصدره حجرتي ، تفاجأ الأهل بجذع شجرة ضخم سقط على نافذة غرفتي فانخلعت ضرفات الشرفة و سقط جزء من الحائط ، و أنا أصرخ بهستيرية و أشعر أن هذا الجذع سينقض عليّ ..

عادت المرأة العجوز و لكنها رأتني و مضت دون كلمة واحدة
، كان الأهل يتحدثون عن ترك البيت ، البعض يصر و البعض يرفض ، و توالى على البيت المشايخ و علا صوت القرآن ليلاً و نهاراً .

بدأت أختي الصغيرة تتجنبني و تصرخ عندما تراني ، احمرت عيناي ، كانت الكوبيس لا تفارقني و أصبحت أشبه الشبح .
صحوت مرة و أنا أصرخ : اقطعوا الشجرة اقطعوا الشجرة
اقطعوا الشجرة اقطعوا الشجرة…..ظللت أكررها حتى بدأ إخوتي في تهدئتي ، و هنا وجدت المرأة العجوز لا أعرف كيف أتت بهذه السرعة و لا أعلم كيف عرفت بما حلمت و أتت لتحذر أهلي و أهل القرية جميعاً من قطع الشجرة و إلا أصابتهم لعنة !

اجتمع أبي بمشايخ القرية ليشيروا عليه ، فطال حديثهم و لم يتفقوا في النهاية على شيء ، لكن أحدهم ظلَّ بعد انصراف الجميع و سمعته يخبر أبي عن هذه الشجرة الملعونة التي دفنت فيها و بين أغصانها أعمال الشر التي قامت بها عجوز سحّارة آذت الكثير من أهل القرية ، ثم أتت ابنتها من بعدها لتحل محلها ، و حاول والده منعها و لكنه اختفى و لم يعلموا عنه شيئاً حتى الآن .. ثم اتيتم أنتم و اشتريتم الأرض و بنيتم البيت فحلتم دون إتمام أعمالها الشيطانية لأن هذه الشجرة شجرة الجن التي زرعتها أمها و روتها بالسحر ، فإما ترك البيت أو اقتلاع الشجرة من جذورها و حرقها .

اجتمع بعض شباب القرية و قليل من شيوخها و حمل جميعهم فؤوسهم و توالت الضربات على الشجرة ، كان يوماً غريباً ، مع كل ضربة فأس يتردد صدى في القرية و كأنه صرخات المرأة العجوز ، خرجت الكثير من الأعمال المدفونة و خرجت معها رائحة نتنة و آثار دماءٍ جافة ، و اجتمعت نساء القرية و وقفن يزغردن كأنهن مجتمعات في فرح ، حتى ضربت فأس أحدهم هيكلاً عظمياً دفن تحت أحد جذوع الشجرة ، فصرخ الشيخ و قال : أبي..

و توقف كل شيء حتى تم التحقيق و دفنت الجثة بعد أن صلى عليها أهل القرية ..

كان الوقت يقترب من الفجر و لكنه مضاءٌ كالظهر ، مضاءٌ بالمشاعل التي يحملها أهل القرية و هم يحرقون الشجرة حتى لم يبقَ منها مثقال ذرة إلا رماداً تذروه الرياح ، ثم اتجهوا لبيت الساحرة و رغم هربها و لكنهم أشعلوا فيه النار حتى لا تعود ، تآكل البيت و تهدمت جدرانه و سطع نهار القرية و هي بدون شجرة السحر و الساحرة .

تمت بحمد الله ..

نجلاء عزت

 

تاريخ النشر : 2017-10-04

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى