تجارب ومواقف غريبة

عطية في رداء بلية – الجزء الثاني

بقلم : فايزة – أرض الأحبة

رأيت فتاة غريبة تلبس عباءة سوداء .. كانت شاحبة الوجه

السلام عليكم ..
أولاً أشكر ربي سبحانه و تعالى أنه أنار بصيرتي حتى دخلت لهذا الموقع الشيق والرائع .
أشكر كل القائمين عليه من صميم قلبي و أدعو لهم بالتوفيق.
أما بالنسبة لأحبائي المعلقين و المعلقات فدعواتي لهم بتيسير أمورهم و قد أسعدني مرورهم.
أتقدم بأسفي لعدم كتابة الجزء الثاني وذلك لأنني كنت مشغولة بالامتحانات و أيضا قمت بتعويض إحدى زميلاتي فكنت أداوم صباحاً ومساء .

بعدما اعترفت أم عواطف رحمها الله و غفر الله لها و لنا أصبح هناك بركان يتأجج في صدري فقبل ذهابي لعملي قررت زيارة قبري أختي و أبي رحمهما الله .. فسبحان الله قبر أختي بجانبه قبر أبي و ما يفرق بينهما و بين قبر أم عواطف صفين ، بكيت فوق قبرهما بحرقة و صرخت بأعلى صوتي في تلك المقبرة الخالية قلت أنظري يا أختي من قتلتك و قتلت والدك هناك مدفونة انتقمي منها شر انتقام ، بصراحة لو كان الوضع الآن لما فعلت هذا و مازلت نادمة على ذلك.

رجعت إلى عملي و بدأ الروتين اليومي حتى جاءت عطلة الصيف و اجتمعت بأسرتي فقرر إخواني أن نسافر أنا ووالدتي إلى أحد الشواطئ لنقضي العطلة أو بالمعنى الصحيح لنسيان الذكرى الأولى لتلك الكارثة ، سنة فاتت على تلك المأساة ، و لا أخفيكم أننا استفدنا من هواء البحر فشعرنا بتحسن و بقينا هناك حتى اقترب موعد دخول المدارس حيث رجعنا إلى بيتنا ثم كالعادة جمعت أغراضي و ذهبت إلى مزاولة عملي .

في تلك القرية كان هناك نهر يبعد عنها بـ 8 كيلومترات لقد تعودت على رؤية المياه و استنشاق هوائها العليل فكان هو ضالتي ، بجانب النهر هناك غابة ليست بالكثيفة ولكن مساحتها شاسعة .
لقد أدمنت على الجلوس على ضفة النهر كل يوم, عندما أنتهي من عملي استقل إحدى سيارت الأجرة التي أغلبها تمر من الطريق المؤدية إليه فأكمل المسير على أقدامي .

في يوم من الأيام و أنا كعاداتي جالسة في نفس المكان وقد غربت الشمس ولم أحس بها لأن ذهني تائه يحاول جمع أفكاره لقد اعتبرت النهر طبيبي النفسي, و إذا بي أرى على الضفة الأخرى فتاة تلبس عباءة (قميص طويل) سوداء ممزقة حافية القدمين لا أرى وجهها فشعرها يغطيه ، فقلت في نفسي من هذه الفتاة ؟ لم أراها من قبل ؟ وماذا تفعل هنا؟ فكل الفتيات اللواتي يقمن برعي الأغنام و الأبقار قد رحلن منذ مدة ؟ و إذا كانت منهن فأين أغنامها؟ بعد لحظات جرت و دخلت إلى الغابة .

في اليوم الثاني و الثالث حصل نفس الشيء ، فزرع في نفسي الفضول ، قصدت صديقتي وزميلتي سعاد لعلكم تذكرتموها هي تلك المدرسة (الأستاذة) التي استضافتني عندما جئت للقرية وهذا مثبت في الجزء الأول.
سعاد مدرسة (أستاذة ) متزوجة من موظف في البلدية (اسمه عمر) بتلك المنطقة ، فقد تعرفت عليه عندما قدمت للعمل في الثانوية ..

المهم توجهت لبيتها وسؤالها عن تلك الفتاة ، رحبت بي و قدمت لي الشاي و قطع الحلوى فقصصت عليها ما حدث ، و بمجرد انتهائي من الكلام تجهمت و نظرت إلى زوجها الذي تجهم هو الآخر ، استفسرت عن ذلك فقالا لي لقد بدأت هذه الفتاة في الظهور في أواخر شهر يوليو والناس جميعاً يعرفون أنها من الجن لذلك لا يبقى أحد في النهر عند اقتراب مغيب الشمس ، ضحكت ضحكة عريضة وقلت لهما أنتما متعلمان ومازلتما تؤمنان بالخرافة أي جن هذا و أي خرابيط.

حاولا أن يقنعاني ولكن بدون فائدة ..

في اليوم الموالي قررت أن أنتظر الفتاة و فعلاً في الوقت المحدد جاءت كعادتها تجلس على ضفة النهر و تجعل رجليها في الماء قطعت النهر عبر جسر صغير يربط بين الضفتين و ذهبت إليها فبدأت بالاقتراب منها رويداً رويدا ، وجدتها تدندن بكلام غير مفهوم ، ألقيت عليها التحية مرحباً السلام عليكم توقفت عن الدندنة وهذه المرة مددت يدي وربت على كتفها آه ما إن أحست بيدي حتى دارت إلي بقوة ورأيت ما لم أتوقعه في حياتي ، وجهاً شاحباً وعينين تكاد تجزم أنهما بدون بؤبؤ ، صرخت في و دفعتني وانطلقت نحو الغابة بسرعة فائقة حتى لو جئت بعدَّاء عالمي لما استطاع أن يلحق بها .

الاعتراف بالحق فضيلة ، في تلك اللحظة فعلتها على نفسي كالأطفال (أتمنى أن يكون المعنى واضحاً) من شدة الرعب و الخوف ، لم أستطع أن أنام في بيتي توجهت إلى سعاد وزوجها و أخبرتهم بما حدث فقالا ألم نحذرك قلت بلى ولكن عندما ربت على كتفها إنه جسم صلب كالإنسان وحتى أنني رأيت في أصابع رجلها دم ، فقال عمر يا فايزة لقد جعلتينا أكثر فضول منك ، غداً نذهب ونراقب من بعيد و يفعل الله ما يشاء.

جاء الغد الذي كنت أنتظره بلهفة كبيرة فلم يغمض لي جفن تلك الليلة ، المهم ذهبنا ثلاثتنا و جاءت الفتاة ورأيناها و قرر عمر أن يقترب منها أما أنا و سعاد فكنا نرتجف من الخوف . اقترب منها عمر وهربت منه كما هربت مني و لكنه أكد لنا أنها بشرية ..

في المساء اجتمعنا لفك هذا اللغز فقال عمر الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا هو الشيخ عبد الغفور صديق أخي الأكبر وهو شيخ حافظ لكتاب الله متفقه بدين الله ، و هو أستاذ الفقه في إحدى المدارس الشرعية التي تهتم بتدريس علوم الفقه والحديث و التجويد وغيرها من العلوم الشرعية وهو معروف لدينا بأمانته و حسن خلقه وهو أيضاً راقي.
فقلت له متى نذهب إليه ؟ قال في عطلة نهاية الأسبوع . قلت حسناً يوم واحد سأحاول أن يمر بسرعة .

بكل صراحة أصبحت قضية فتاة النهر كما سميناها أنا و سعاد وعمر شغلنا الشاغل ، لقد نسيت أحزاني ولم أعد أفكر سوى فيها .
ذهبنا إلى الشيخ عبد الغفور و تحدثنا له عن الأمر فقال أمهلوني ساعة واحدة أبحث عمن يعوضني و أذهب معكم .
فعلا وصلنا إلى القرية تناولنا وجبة الغذاء وانتظرنا الموعد المحدد فذهبنا .

انطلق الشيخ ومن وراءه عمر و أنا و سعاد فقد كنا نشعر بالأمان لوجود الشيخ حتى وصلنا ، تقدم الشيخ عبد الغفور و أمسك بيد الفتاة بقوة وبدأت تصدر أصواتاً لم أسمع مثلها في حياتي ، أصوات مخيفة والشيخ يقرأ القرآن وهي تصرخ حتى أغمي عليها ، فطلب من عمر أن يساعده في حملها ونقلها إلى السيارة ..

وصلنا إلى البيت و أمرنا الشيخ بربطها لكي لا تؤذي نفسها و إحضار ماء ثم أخرج من حقيبته المسك الأبيض و بدأ يقرأ والفتاة تهز السرير هزاً ، أما نحن فجامدون لا نتحرك .
بقي الوضع حوالي ساعتين أو ثلاث أغمي على الفتاة مرة أخرى ، فقال لنا الشيخ عبد الغفور لقد نامت لندعها ولكن باب الغرفة يجب أن يبقى مفتوحاً .

حضَّرنا العشاء و جلسنا نتكلم مع الشيخ عبد الغفور عن الفتاة فقال إن الفتاة تعرضت لأكثر من مس ولذلك سأبقى هنا معها حتى تشفى بإذن الله ، فقلت له يا شيخنا أنا من سأتكلف بأتعابك فقال لا أريد شيئاً هو لله وعسى ربي أن يتقبله مني ، أنتم فعلتم خيراً و أنا بمشيئة الله سأساعدكم

أصبح الشيخ عبد الغفور يسهر على رقية الفتاة و يجعلها تشرب الماء المقروء عليه بالقوة وقد كنا نرى كم يتعب وهو يخرج الجن منها ، لقد كنت أحس أن الشيخ عبد الغفور في مصارعة حقيقة مع هذه المخلوقات اللامرئية ، مرت أربعة أيام على هذا الحال و في اليوم الخامس عندما رأينا أن الفتاة أصبحت أكثر هدوءاً من قبل أخذناها أنا و سعاد إلى الحمام لنساعدها على الاغتسال ، و عندما خلعت ملابسها رأينا جسمها كله خطوط حمراء و أخرى خضراء و أخرى اختفت يبدو أن أشجار الغابة كانت تؤذيها .

انتهت من حمامها و خرجنا بها فبدأ الكل ينظر إليها ، ما هذا الجمال الرباني ! عيونها عسلية و شعرها طويل كالحرير ولونه جميل جداً رغم أن المرض أخذ منها بعض الأشياء .
جلست وبدأت تنظر إلينا وفي لحظة تكلم الجني على لسانها فبادر الشيخ عبد الغفور إليها .

تجاوزنا الأسبوع و أنا و سعاد نتناوب عليها ومعنا الشيخ الذي لم يتركنا أبداً ، لقد عهد على نفسه أنه لن يرحل حتى تصبح الفتاة بألف خير .
لقد كنت أحس بأنني في دوامة ولدي العديد من الأسئلة و أولها ما يخص أختي رحمها الله وما تعرضت له .

في يوم عندما فرغ الشيخ عبد الغفور من قراءة القرآن اجتمعنا به أنا و سعاد وعمر وكانت الفتاة نائمة وقلت له يا شيخنا هنا شيء يطبق على صدري فأرجو أن يكون جوابك شافياً وكافياً ليزيحه.
قال خيراً إن شاء الله .. 
حكيت له كل القصة من أولها لآخرها (قصة أختي رحمها الله).
صمت الشيخ عبد الغفور قليلاً وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، سأفسر لك كل تصرفات أختك متوكلاً على الله سبحانه و تعالى وعلى ما درسته في هذا الباب …

إن شاء سأكمل لكم في الجزء الثالث لأن بعض أحبتي طلبوا مني عدم الإطالة .
الصبر مفتاح الفرج
موعدنا إن شاء الله في الجزء الثالث ..
أحبكم في الله
 

تاريخ النشر : 2017-11-01

guest
109 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى