أدب الرعب والعام

لعنة العجوز الصيني 

بقلم : مهدي – الجزائر

كان العجوز الصيني حقاً غاية في اللطف واللين ، لكن لماذا يحس الفتى بشيء غريب تجاهه ؟

في تلك البلدة المسالمة يستيقظ الشاب وسيم كل صباح ويذهب مباشرةً إلى نافذته لينظر عبرها مدة من الزمن ثم يذهب في مهامه اليومية .
أصبحت هذه عادة من عاداته اليومية إلا أنها عادة جديدة منذ قرابة سنتين عندما انتقل إلى جوارهم ذلك العجوز الصيني ، كل ليلة يسمع وسيم أصوات غريبة وفي الصباح تختفي هذه الأصوات .

في البداية قد أخبر عائلته بالموضوع لم يصدقوه فأصر عليهم فأخذوا ينتظرون الليل معه لسماع تلك الأصوات لكن دون جدوى ، لم يسمعوا شيئاً رغم أن وسيم كان يسمع تلك الأصوات ، ربما كان هو وحده الذي يستطيع أن يسمعها ، لم يستسلم وسيم من المرة الأولى وفي إحدى الليالي عند سماعه لتلك الأصوات الصادرة من بيت ذلك الصيني اتصل بالشرطة وأخبرهم بأن هنالك مشكلة في بيت جارهم ، داهمت الشرطة المكان فلم تجد شيئاً سوى عجوز صيني حسن الخلق طيب الصفات والأخلاق وهنا وجهت إلى وسيم تهمة الاتصالات الزائفة والكاذبة فأصبح المجتمع ينظر إليه كأنه حاقد على الناس أو مجنون ، نعم هذا كان عقابه لقد استحقه لأنه لم يتعلم من الضربة الأولى .

ترك وسيم محاولة معرفة وكشف سر الأصوات الغريبة في بيت العجوز الصيني لأن المجتمع سيصفه بالجنون وهو لا يريد هذه الصورة عن نفسه خصوصاً أمام عشيقته ماريا ، كانت ماريا كالنسمة الخفيفة ، يشعر وسيم أمامها بإحساس آخر ، نعم هذا ما يُعرف بالحب ، فعندما يراها تضحك وتتحدث إليه يحس بأنه الكائن الوحيد الحي الموجود على هذه الكرة الأرضية ، بعد ذلك الوقت الجميل يعود وسيم إلى منزله ليصادف دكان الرجل الصيني فيبتسم الرجل الصيني ويقول أهلاً وسيم أمازالت أصوات قططي تزعجك ؟ نعم كان هذا رد العجوز الصيني على أقوال وسيم ، إنها مجرد قطط .. فيبتسم وسيم لا يا جدي

لقد كان العجوز الصيني حقاً غاية في اللطف واللين ، لكن لماذا يحس الفتى بشيء غريب تجاهه ؟ أهي مجرد تخيلات ؟ ولكن الأصوات الغريبة في منزله ليست مجرد تخيلات ، هو الوحيد القادر على سماعها ، لقد أصبحت تهويدة نومه .

في إحدى الليالي نام وسيم واستيقظ كالعادة ليطل على بيت ذلك العجوز الصيني ثم يذهب لأداء عمله ، لكن فجأة يسمع بالخبر الذي يهز كيانه ، لقد ماتت ماريا يا وسيم .. فيحس الفتى بأن السماء انشقت نصفين ، لقد اختفت كل أحلامه وسعادته ، كيف لا و ملاكه قد صعد إلى السماء نعم ماتت ماريا ولكن طريقة الموت كانت غريبة ، لقد قطعت إلى أشلاء ! من هو الوحش الذي يفعل ذلك ؟ بعد معاناة كثيرة يجمع فريق الشرطة الأجزاء كلها ويذهب وسيم مع حزنه و آلامه بعد تردد كبير للقاء حبيبته والتي قد وعد بأن ينتقم من فاعل هذه الجريمة ، يكشف عن وجه ماريا و يا لها من مفاجأة الجميع يبكون إلا وسيم ، لماذا ؟! لم يكن هذا وجه ماريا ومع ذلك أهلها يعتقدون أنها هي ، كيف أهو الوحيد الذي يستطيع أن يرى بأنها ليست هي ؟ ربما لأنه رافض فكرة موتها

مستحيل ، عقله سليم ونظره سليم ، أدرك وسيم أن ما يحدث معه أمر يجب إنهاءه ، أصوات غريبة يسمعها وحده ، جثة حبيبته لا يراها جثتها وكل هذه الأمور بدأت بمجيء العجوز الصيني بقربهم ، لابد إذاً من وجود صلة تربط هذه الأمور مع بعضها ، عندها قال وسيم في نفسه يجب أن أنهي هذه السخافة ، أيها العجوز الصيني من أنت و ما الذي تسعى إليه ؟؟؟

يذهب وسيم إلى منزل ذلك العجوز الصيني وكل ما في قلبه مجموعة من الأسئلة محملة على سفينة غضب ، فيدخل المحل بعد أن فتح الباب بقوة ، فيبتسم العجوز الصيني ويقول السلام عليكم يا ولدي ، لماذا أنت مستعجل ؟ هل تريد دخول الحمام ؟
فيقول وسيم في نفسه تباً ، هذا العجوز يمزح معي في وقت مثل هذا ، ثم يقول له من أنت ؟؟ فيرد العجوز الصيني و ابتسامة على وجه :
حسناً اسمي هونغ تشان والناس تناديني هنا بأسم العم عمر ، فيرد وسيم حسناً يا هذا ، ما الذي يحصل معي ؟ لقد طفح الكيل أأنت الذي قتلت ماريا ؟ والله لأذبحنك .. فيقاطعه العجوز – وهو ينظر إلى تمثال عجيب له شكل طائر أسطوري يشبه العنقاء – قائلاً : اتظنني قتلت تلك الفتاة ؟ حسناً إن كان بإمكاني فعل ذلك لماذا لا أقتلك أنت ؟! فأنت الوحيد الذي تسمع هذه الأصوات . 

سكت وسيم ودب الرعب في جسده لكن غضبه كان أقوى منه ، فهم بقتل ذلك العجوز لكن يفاجئه هونغ تشان أو العم عمر بسؤاله الذي جعل وسيم متوقف عن الحراك الجسدي والفكري : أتعتقد حقاً أن هذه ماريا الذي ماتت أو بالأحرى أتعتقد أنه كانت لديك حبيبة اسمها ماريا ؟؟ 
هذا السؤال لم يفهمه وسيم فقال : ماذا تقول أيها الخرف ؟؟فابتسم الجد كعادته وقال لست خرف ، أنا عاقل وأفهم أموراً لا تعرفها ، اسمعني وكن منطقياً ، منذ متى تعرف هذه المدعوة ماريا ؟ 

تمتم الشاب بصوت منخفض منذ عام و أربعة أشهر .
العجوز : وما الذي حصل في ذلك الوقت ؟ 
فقال الشاب : لا شيء 
فرد العجوز : لا ، بل حصل شيء ، بدأتَ حنيها تخبر الجميع أنكَ تسمع أصوات غريبة في هذا المنزل ، بعدها بيومين تعرفتَ على هذه الفتاة وتوقفتَ عن إخبار الجميع بشأن الأصوات بعد حادثة الشرطة خوفاً من تشوه سمعتكَ أمام الجميع وخاصة أمام ماريا .

فدهش الفتى لمعرفة ذلك ورد عليه كيف تعرف كل هذا فأجابه العجوز : أنت تراقبني كل صباح وأنا أراقبك كل الوقت منذ لحظة قدومي إلى هنا 
قال الفتى وقد بدأ الرعب يدب في جسده :كيف ؟؟ لماذا ؟
فرد العجوز ببساطة .. لأنك المختار
الفتى: مختار ؟؟ لماذا أنا مختار وما هذه السخافات ؟؟
العجوز: حسناً تلك الفتاة لم تكن ماريا بل هي إحدى فتيات قبيلة الليل ، ماريا الحقيقة توفيت منذ عامين يعني أنت كنت مع مسخ شرير تتبادل معه الحب وأنا أنقذتك منه
الفتى : كيف ؟ ما هذا الهراء ؟ ما الذي تقوله أنت؟؟

فرد العجوز : يا بني وسيم ،لن أعلمك شيئاً كما فعل معلمي معي ، فأنا وقتي قد حان لكن سأقول لك شيئاً واحداً ، هل تعرف كل القصص والأساطير التي سمعتها من قبل كلها حقيقية ومهمتك أن تجعل عالمنا بعيد عن مشاكل ذلك العالم الغريب ، أما أنا فمهمتي قد انتهت وأديت واجبي ، إلى اللقاء .

وهنا حمل العجوز كتاباً عجيباً مكتوباً بالصينية وقال : الآن أستطيع أن أموت وأرقد بسلام .
فتحلل إلى تراب تاركاً وسيم في حالة من الذهول والأسئلة المتراكمة في ذهنه .. لماذا هو المختار ؟ عالم مرعب كيف ؟ حتى إنه قال لنفسه من أنا ؟؟

يذهب وسيم مباشرة إلى منزله ليستريح محاولاً أن يستيقظ من هذا الكابوس المليء بالألغاز لكن عندما يذهب إلى غرفته وقد حان وقت النوم يتفقد جميع أرجاء الغرفة خوفاً من أن يلقى شيء يحاول قتله ، يستلقي بعدها على سريره وهنا يسمع صوتاً رقيقاً ليس كتلك الأصوات الغريبة ، صوت كان يناديه بإسمه فيقرر الفتى أن يذهب على أن يبقى في هذا الخوف الدائم ليدخل إلى منزل العجوز فيجده منزلاً غريباً من الداخل ، فيذهب وسيم إلى مكتبة الجد دون وعي ليجد مجموعة من الكتب مكتوبة باللغة الصينية 

في وسط هذا الغموض والخوف يقول وسيم باستهزاء (لأن قلب الانسان يضحك على مشاكله) : مختار و ربما يريد مني أن اقرأ هذا الكتاب باللغة الصينية ، يا له من مجنون ، وقد نقل إلي جنونه ، كيف أقرأ هذا الكتاب وأنا لا أجيد الصينية أنا أعرف اللغة العربية فقط .
عندها تتحول جميع الكتابات إلى اللغة العربية ، فيندهش وسيم لهذا الأمر لكن بعدما رأى العجوز تحول إلى تراب لم يعد يستغرب شيئاً 

يأخذ وسيم تلك الكتب إلى منزله و يبقى عدة أيام يقرؤها و يحللها ، الغريب أن أهل البلدة لم يتذكروا أبداً أمر هونغ تشان ، والبيت لطالما اعتقدوه ملك لوسيم منذ زمن بعيد ، هنا يفهم وسيم كل شي ، لم يكن يحتاج إلى معلم إنما احتاج إلى كتاب فقط ، فأتقن مهارات عجيبة ، أصبح قادراً على رؤية العالم الآخر ، والحقيقة قد أعجبه هذا الأمر لكن هنالك مشكلة ، لكل بطل قصة شرير ، وهنا لدينا بطل ومجموعة أشرار ، فيتقاتل وسيم كل ليلة مع هؤلاء الأشرار ، حقاً لقد أرهقته هذه المهمة لكن لا يمكن أن يستسلم ويدع واجبه يذهب مع الرياح 

تتعقد الأمور فيقوم وحوش قبيلة الليل الأسود باختطاف عائلته وتمزيقها إرباً إربا وإلقائها إلى وسيم ، نعم لقد بكى فى ذلك الشهر بكاء الطفل الصغير لا يستطيع بعد الآن ترك هذه المهمة ، لقد حاول لكن الأشرار يلحقون به أينما ذهب ، وهو أيضاً لا يستطيع الموت مهما أصيب أو تأذى ، مصيره الدفاع عن العالم وتحمل الألم النفسي الذي يفوق الألم الجسدي بمرات ، حقيقةً الموت أهون عليه من هذه المهمة الصعبة ، قتلت عائلته ، خانته حبيبته و ذبحت خطيبته وأصبح وحيداً في عالم غريب .

يذهب وسيم الى مكتبته فيأخذ آخر كتاب لم يقرأه بعد وكان المحتوى كالآتي :
أيها المحارب لقد كلفت بمهمة شريفة وهي حماية هذا العالم من أخطار الشر ، في زمن بعيد عاشت الوحوش والبشر مع بعضها تحت حكم ملك كان من الأنس لكن حقد بعض الوحوش الذين منع عليهم الملك القتل والتصرف بعدوانية أدت إلى تمردهم وبالتالي أسسوا قبيلة ما يعرف بقبيلة الليل ، كانت تقتل كل إنسان ، لكن حكماء ذلك العصر وبمساعدة من العالم الآخر أسسوا حلف العنقاء كدليل على النصر وعدم الاستسلام للشر ، لكن يكون من يمتلك قوة العنقاء شخص وحيد ، الوحوش لن تستطيع السيطرة على العالم ما لم تقتلك ، ولأنك لا تموت فإنها ستلجأ إلى قتل عائلتك وكل من تعرفهم لتحس بمرارة العالم ، وبالتالي ستقتل نفسك ، وهي تسيطر على العالم .

أيها المحارب تأكد أن عائلتك ستقتل عاجلاً أو آجلاً ، وأنت لن تبقى لديك حياة عادية ، لن تستطيع الزواج أو تكوين صداقات لأنك بذلك ستزيد تصعيب الأمور ، كن طيباً مع الناس لكن لا تصاحبهم ، و افني حياتك تقاتل تلك الوحوش ، فهي لن تسطيع السيطرة على العالم مادمت لم تمت ، لكن بعد مرور مائة وعشرون عام حاول نقل تلك القوة إلى خليفة آخر ، ستعرف من هو عندما يقترب الأمر ، وإياك أن تخبره بشيء عن هذا الموضوع فاستسلامه يعني نهاية البشرية .

وهنا يقرأ وسيم تلك الجملة التي جعلته يندب حظه العاثر و يقول إنها ليست قوة العنقاء إنها لعنة العنقاء التي تجعلك تضحي بحايتك ومن تحب من أجل إنقاذ البشرية جمعاء – وفيهم المجرمين – مقابل حياتي وحياة من أحب ..
بعدما قاله وسيم بكى بكاءً شديداً على حظه ، وتحسر على وضعه و وضع الخليفة الذي يأتي بعده

تمت 

 

تاريخ النشر : 2017-12-23

مهدي

الجزائر
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى