أدب الرعب والعام

طموح سندريلا

بقلم : أبو عمار – مصر

كانت جميلة و وجهها صبوح و كانت أمها تطلق عليها لقب سندريلا

عادت صفاء إلى بيتها متعبة و مرهقة إرهاقاً شديداً ، خلعت حذاءها و نظرت إلى قدميها اللتين تورمتا من المشي طوال النهار لساعات الطويلة ، حيث كان مطلوباً منها أن تخرج كل يوم للبحث عن عمل لتساعد أمها وأسرتها.. فهي يتيمة الأب و أمها تعمل في مصنع ملابس بأجر هزيل لا يكاد يلبي مطالبهم الأساسية من الطعام و الشراب ، لكنها كانت تعود دائما كل يوم خالية الوفاض .

جلست على سريرها و نظرت في مرآة صغيرة بجانبها ، كانت جميلة و وجهها صبوح و كانت أمها تطلق عليها لقب سندريلا ، لكن جمالها أرهقته الضغوط و المشاكل ، و أعياه الهم و تحمل المسؤولية .

تذكرت عندما كانت صغيرة في الإعدادية و حصلت على مجموع كبير و كان حلمها أن تكون طبيبة أو مهندسة و لكن أمها لم تسطع أن تلحقها بالثانوي العام ، فأين لها بمصاريف الدروس و الكتب الخارجية و اللوازم ، فالتحقت بالدبلوم التجاري ، و منذ أن أنهت دراستها تبحث عن عمل و لو لتغطية مصاريفها الشخصية و لكن دون جدوى ، و كان لا يعزيها في همها سوي فتحي الموظف البسيط ابن عم بخيت بائع الفول في الحي الذي تسكنه ، فكان يحبها حباً كبيراً ويحلم بالزواج منها ، و كانت هي تبادله الحب ، فهو كان الوجه المضيء الوحيد في حياتها ، فكان يحميها من مطاردات وغزل شباب الحي .

كان فتحي حاصلاً على دبلوم تجارة ويعمل موظفاً في أحد المصالح الحكومية ، مرتبه ضئيل و يعيش مع والده ، فهو ابنه الوحيد ، حيث توفيت أمه و هي تلده ، و كان والده رجلاً فقيراً لا يملك ما يتركه لابنه ، و رغم ذلك أصر فتحي على طلب يديها ومنعها من مواصلة رحلة البحث عن عمل ، أما هي فلم تكن تملك من الدنيا غير مبلغ ضئيل من المال أعطته لها أمها من”الجمعية” التي قبضتها وكانت تنوي أن تدخر مبلغاً لشراء كفن لها يسترها في آخر يوم لها فوق الأرض .. في الوقت الذي كان فتحي لا يملك من الدنيا غير حب والده لذلك اضطر أن يتزوجها ويعيش معها في بيت والده.

تم الزواج في حفل بسيط للغاية ، و وجدت نفسها لأول مرة في حياتها أمام أول رجل صار من حقه أن ينام إلى جوارها في حجرة واحدة ، أغلق فتحي باب الحجرة التي لم تكن تحتوي إلا على أثاث بسيط و قديم تم شراؤه على عجل ، ليلتها دار حوار سريع وهامس بينها وبين فتحي
فتحي : الليلة فقط سوف أقول لك على أكبر سر
صفاء : سر ! ما هو هذا السر يا فتحي؟
فتحي : كنت خائفاً عليك من الغرور يا حبيبتي
صفاء : تكلم يا فتحي ما هو السر
فتحي : أنت أجمل بنت في الدنيا ، لا أنا ولا أعظم مني مليون مرة يستحق شعرة منك ، لو كان الأمر بيدي لجعلت مهرك مال الدنيا كله .. هل تعلمين ؟ أنت فعلاً شبه سندريلا بل و الله أجمل .

أخذته صفاء بين ذراعيها لأول مرة و همست له : أنت في نظري أعظم ملك فوق الأرض وأنت عندي بكنوز الدنيا والله أنني أحسد نفسي على زواجي منك

وابتسم فتحي.. أخذها بين أحضانه و قضوا معاً ليلة من أفضل أيام حياتهما

****

لكن كالعادة لم تدم الأيام الجميلة كثيراً ، فأمها مريضة لا تجد ثمن الدواء.. أشقاءها لا يجدون مصروفات المدرسة الابتدائية.. زوجها يحاول قدر جهده أن يوفر لها حياة كريمة.. لكن التحديات والأزمات كانت تقصم ظهره يوماً بعد يوم.. خاصةً بعد أن مات أبوه بعد عام واحد من زواجها.. فاضطرت للنزول و العمل في محل الفول حيث لا يوجد أحد يرعاه غيرها ، لكن دخله هو الآخر لم يعد يغطي نفقاتهما بعد أن تم افتتاح مطعم كبير سحب البساط من تحت أقدامهما .

كان عقل صفاء متيقظاً يفكر في مرض أمها و تعليم إخوتها الصغار ، وبيتها الذي لا يحتوي على أي مدخرات لمواجهة أي أزمة طارئة ، حتى جاء يوم كان أحد الزبائن يشتري بعض السندوتشات منها ، دفع لها ثمن السندوتشات ثم
قال لها : أنت شكلك متعلمة هل أنت جامعية ؟
صفاء : لا للأسف أنا معي دبلوم تجارة قسم سكرتارية
الزبون : عظيم ، أنا فايز زهدي منتج سينمائي و أمتلك شركة إنتاج سينمائي ، ما رأيك تعملين معي سكرتيرة بشركتي؟ على فكرة أنا سوف أعطيك مرتباً قدره ثلاثة آلاف جنيه في الشهر ، أنا لا أعتقد أن هذا المطعم الصغير يحقق هذا المبلغ

طار عقل صفاء مع المبلغ الذي سمعته.. و لمعت عيناها.. و قالت :
و حضرتك لماذا اخترتني أنا على وجه الخصوص ؟ كان بإمكانك عمل إعلان بالجرائد و على مواقع التواصل الاجتماعي و كان سيأتي لك من هو أفضل مني
فايز : اسمعي أنا اخترتك لأن وجهك وجه سينمائي وقد يصلح لإسناد بعض الأدوار السينمائية و طبعاً هذا له حساب آخر و ممكن ينقلك نقلة ثانية
صفاء : لكن موضوع السينما هذا لم يخطر ببالي كما أني متزوجة و لا أعلم هل سيوافق زوجي على العمل مع حضرتك سكرتيرة أولاً أم لا
فايز : لا يوجد مشكلة ، اعرضي الأمر على زوجك و إذا وافق ممكن تأتي في هذا العنوان بعد 3 أيام

أعطاها كرت فيه اسمه و عنوان الشركة و أرقام التليفون الخاصة بالشركة

****

صفاء : لماذا أنت رافض يا فتحي
فتحي : طبعاً أرفض .. هؤلاء من عالم آخر و لهم حياتهم كما أن سمعتهم ليست على ما يرام
صفاء : يا حبيبي أنا سوف أعمل سكرتيرة فقط و لن يكون لي علاقة أبداً بعملهم فقط علاقتي بالأوراق و تنظيم العمل بالشركة
فتحي : يا سلام يعني حضرتك تريدين أن تقنعيني أنك لن تتعاملي مع فنانين أو رقاصات.. صدقيني هؤلاء لهم حياتهم و نحن لنا حياتنا
صفاء : اسمعني يا فتحي أنا سوف أعمل لمدة محدودة فقط و بمجرد تحسن الأوضاع سوف أترك العمل
فتحي : خلاص لكني سوف آتي معك و أقابله بنفسي حتى أرى الوضع عن قرب

و بالفعل بعد ثلاثة أيام ذهب فتحي و صفاء لمقابلة فايز في شركته ..
كان فايز لطيفا للغاية مع فتحي و تعامل معه باحترام و طمأنه أن العمل لن يخرج عن أعمال السكرتارية ، فوافق فتحي على عمل صفاء معه

شهور قليلة وبدأت رحلة تمرد صفاء على زوجها و حياتها
صفاء : أنا لم أعد أستطيع التحمل .. أنا انخنقت من الفقر و ضيقة المعيشة التي نحن نحياها
فتحي : ما بك يا صفاء ؟ هذه الحياة التي تشتكين منها ليست غريبة عليك ما الذي غيرك !
صفاء : تعبت من الحجرة الصغيرة التي نعيش فيها و من اللحم المستورد الذي نشتريه من الجمعية كل أسبوع ، و من الملابس التي بليت على أجسامنا
فتحي : يا بنتي هذا رزق من عند الله،  ربنا قد يعطي بعض الناس الصحة و يأخذ منهم المال و بعض الناس العكس و ناس أخرى يعطيهم الستر و راحة البال كل واحد في الآخر يأخذ 24 قيراط
صفاء : عندك حق ربنا يرضينا بالذي قسمه لنا .

لكن مرت الأيام و أتت الرياح بما لم تشتهِ السفن ، و حدث الصدام !..

طلب المنتج أن يختبرها في الرقص لأنه يفكر في إسناد دور لها في فيلم سينمائي ينتجه.. عارضت صفاء في البداية لكن المنتج أخبرها أنها فرصتها الأخيرة لكي تحدث نقلة حقيقية في حياتها .
فايز : اسمعي يا صفاء أنا كان بإمكاني اختيار أي واحدة لكي تعمل في شركتي لكن اخترتك لأن لك وجهاً سينمائياً و جسداً رشيقاً ، و ممكن أن تصبحي نجمة كبيرة
صفاء : لكن فتحي مستحيل يوافق على هذا أبداً
فايز : هذة مشكلتك ، إما أن توافقي على هذا الدور و إما سيكون اليوم هو الأخير لك في الشركة

****

خرجت صفاء من الشركة لا تدري ماذا تفعل ، فهي تعلم أن أن زوجها لن يوافق أبداً على أن تعمل في مجال التمثيل ، ما بال إذا أخبرته أنها سوف تمثل و ترقص !
ظلت طوال الليل تفكر و في النهاية قررت أن تخبره و تحاول أن تقنعه ، إلا أن فتحي رفض بشراسة ، بل و صمم أن يمنع صفاء من العمل في تلك الشركة

فتحي : أنت مستحيل تذهبي إلى تلك الشركة مرة أخرى
صفاء : يعني أيه و حضرتك سوف تستطيع أن تعطيني المرتب الذي أتقاضاه منها
فتحي : يحرق الفلوس التي ممكن تأتي من تلك القذارة نحن نأكل ملح و نعيش على حصير أفضل من أن نبيع أعراضنا و أجسامنا
صفاء : لماذا تقول هذا أنا أقول لك سوف أعمل ممثلة لم أقل لك سوف أعمل غناية في بيوت الدعارة
فتحي : يا سلام سوف تعملين ممثلة وراقصة و لكن هذا لا يعني أنك تبيعين جسدك ! أنت بتضحكي علي أم تضحكي على نفسك
صفاء : خلاص لو هذا الدور هو المشكلة ممكن نرفضه لكن لا تحرمني من التمثيل و الوقوف أمام الكاميرا
فتحي : صدقيني لن تفرق كثيراً هذا الوسط لا ينجح فيه إلا من يقدم الكثير من التنازلات و أنا مستحيل أن أوافق على أن تعمل زوجتي في هذا المجال
صفاء : خلاص طلقني
فتحي : أطلقك ؟! هل تعرفين ماذا تقولين
صفاء : أعرف و أقصد ما أقول ، صدقني هذا أفضل لك و لي و الحمد الله أننا لم نرزق بأولاد كان الموضوع سيكون أصعب
فتحي : أنا لا أصدق ما أسمعه ، أكيد أنت أصابك الجنون
صفاء : أنا سوف أكون مجنونة لو ضيعت تلك الفرصة من يدي و دفنت جمالي و موهبتي معاك
فتحي : يا خسارة يا صفاء لقد كنت عندي بالدنيا كلها لكن طالما وصلت لهذة المرحلة فأنت بالنسبة لي قد متِّ ، أنت طالق.. طالق.. طالق

****

خرجت صفاء إلى بيت أمها لكن المفاجأة كانت من نصيبها ، فأمها لم تفتح لها البيت و كلمتها من وراء الباب ، فكان من الواضح أن فتحي كلمها تليفونياً و حكى لها ما حدث
أم صفاء : أنا بنتي ماتت و سوف آخذ عزاها اليوم
صفاء : أمي ماذا تقولين افتحي لي حتى أتحدث معك
أم صفاء : لن أفتح لك أبداً ، أتريدين أن تمثلي و ترقصي و تعرضي جسدك و لحمك لذئاب البشر و شياطين الإنس ؟ أهذه هي تربيتي لك ؟! و الأدهى من ذلك تتمردي على زوجك المحترم الذي كان يضعك في عينيه و تتطلبي الطلاق لمجرد أنه شخص عفيف ليس ديوث ممكن يبيع لحمه من اجل المال
صفاء : يا امي أنا سوف أمثل فقط و لو المشكلة في دور الراقصة أنا ممكن أرفضه لكن يا أمي مستحيل أن أضيع تلك الفرصة من يدي و الله يا أمي أنا ما أفعله من أجلك أنت و إخوتي ، هل نسيتِ يا أمي الديون التي علينا ؟ هل نسيت أنك تحتاجين علاج شهري بمبلع كبير
أم صفاء : اخرسي ، أنا أشرف لي أن أموت و لا أن أعالج بمال ملطخ بالقذارة و كل ما يغضب ربنا ، أنا لا أريد أن أراك مرة أخرى ، و من سيسأل عنك سوف أخبره بأنك توفيت .

خرجت صفاء من بيت أمها و ليس لها مأوى إلا بيت فايز !الذي استقبالها أفضل استقبال و عينها مديرة لمكتبه في الشركة كما أحضر لها مدربين في التمثيل والرقص الشرقي. فكان من الواضح أنه معجب بها جداً ، و بالفعل ما كادت تنتهي فترة العدة و إلا و طلب الزواج منها .
لم تتردد صفاء في الاختيار و الحقيقة أنها لم تكن لديها أية فرصة لاختيار شيء آخر فهي قد أحرقت جميع سفن العودة و راهنت عليه بكل أوراقها ، لذا لم يكن أمامها إلا أن توافق على ما يطلبه منها .

و بالفعل تم الزواج ، و استطاعت صفاء أن تستحوذ على قلبه و عقله ، فقد كان كالخاتم في إصبعها ، طلباتها تنفذ في الحال
وأغدق عليها بالهدايا الثمينة.. اشتري لها أغلى الفساتين.. وأرق المجوهرات.. وأغلى العطور.. ولم يكن يناديها باسمها بل باسم سندريلا ، فمعه تحولت فعلاً إلى سندريلا حقيقية تمشي على الأرض

و بدأت تتوالى أدورها السينمائية و بدأت نجمها يبرز و اسمها يتردد و لكنها كانت تلمع بسرعة في الرقص الشرقي .. وتضاعف أجرها و أصبحت نجمة في أكثر من ملهى ليلي و مع الوقت اصبحت ضيف دائم في أكبر الحفلات و في أفراح المشاهير و كبار رجال الدولة ، و في يوم تم توجيه دعوة لها
لإحياء حفل زفاف ابن رجل أعمال عربي في القاهرة عبد الرحمن جابر

****

كان عجوزاً أرملاً ، ثراؤه فاحش ! أحيت الليلة دون أن يخطر ببالها لحظة أن هذا الكهل سيطلبها للزواج ، كانت مفاجأة كبيرة لها و لكنها لم تتردد .. كان القرار واضحاً أمامها .. فايز كان خطوة و مرحلة و حان وقت انتهائها .. يجب أن تنتقل إلى مرحلة أخرى و تأخذ خطوة جديدة .. فهي سندريلا زمانها و يجب أن تنال ما يليق بها حتى و إن كان ذلك على حساب مشاعر الآخرين

صفاء : فايز أنا أريد الطلاق

فايز : نعم ! ماذا تقولين

صفاء : أقول ما سمعته أريدك تطلقني

فايز : لماذا يا حبيبتي أنا ماذا فعلت لك كي تغضبي و تطلبي الطلاق

صفاء : الصراحة لم تفعل شيء و لكن الظروف اتغيرت أنا أصبحت نجمة كبيرة و عندي فرصة زواج افضل

فايز : ماذا تقولين أبعد أن صنعتك و أحضرتك من الحارة و جعلت لك اسم و شهرة و أصبحت كما تقولين نجمة…. تأتين ببساطة و تقولين أن الأمر انتهى و أنا أريد الطلاق… هل نسيت نفسك هل نسيت الفستان المرقع التي كنت ترتديه و الحذاء الذي لا يتغير إلا كل سنتين على الأقل ؟ لا يا حياتي
الطلاق هذا لن يتم و لو هبطت السماء على الأرض

صفاء : لا يا حبيبي لم أنسَ و لم أنسَ أيضاً أنك حصلت على أموال و نجاحات لم تحققها من قبل أن تعرفني ، كما أني لا أمانع أن أعطيك كل ما تطلبه مقابل أن تطلقني

فايز : مستحيل أنت الآن لا تساوين عندي شيئاً و لكن سوف أتركك هكذا معلقة و لن تنالي شيئاً أبداً ، و ليس هذا فقط بل سأرميك في الشارع بملابسك تلك

ثم امسكها من شعرها و جرها – وهي تصرخ بشدة – إلى باب الشقة ثم دفعها إلى خارج و أغلق الباب بشدة و ظلت صفاء لفترة تدق على الباب و ترجوه كي تلبس ملابسها إلا أنه لم يعرها انتباهاً ، و لما يئست خرجت و أوقفت تاكسي ، طلبت من السائق أن يصطحبها إلى الزمالك حيث يقطن عبد
الرحمن الثري العربي ..

حكت صفاء له كل ما حدث مع فايز فطمأنها عبد الرحمن و أخبرها أنه سوف يتصرف مع فايز ، ثم حجز لها جناحاً في أكبر فنادق القاهرة .
بعد يومين اتصل بها عبد الرحمن و أخبرها أنه سوف يرسل سيارة تأخذها إلى شقة على النيل اشتراها لها ، طار قلب صفاء من الفرحة و ظلت تقفز و تغني في سعادة كبيرة و بدأت ترتدي ملابسها و هي تفكر في شكل الشقة ، و لم تمض نصف ساعة حتى حضر السائق و ركبت معه ، و عندما وصلت الشقة لم تصدق عينيها ، فهي أروع مما تتصور.. مساحتها شاسعة .. ديكوراتها البديعة .. تشطيبها راقي .. أثاثها ينم على ذوق رفيع .

هل أعجبتك ؟ كان هذا هو عبد الرحمن و عندما رأته لم تسطع أن تملك نفسها و قفزت تعانقه ، ضحك عبد الرحمن ثم قال : انتظري عندي لك مفاجأة أخرى
ثم أخذها إلى حجرة جانبية و فتحها لها لتفاجأ بفايز مقيد و مكمم الفم و محاط برجلين أشداء ، كان فايز يبدو عليه التعب و المعاناة ، و ما إن دخلت الحجرة حتى طرح أحد الرجلين فايز أرضاً تحت قدمي صفاء ثم نزع الكمامة من على فمه ..
أنتِ طالق
خرجت من فمه تلكما الكلمتين و معها خرجت من عينيه دموع الذل و القهر ، كان من الواضح أنه تم اختطافه و تعذيبه فالدماء تسيل من وجه و أجزاء متفرقة من جسده

عبد الرحمن : عنيد جداً فايز لم يوافق على الطلاق إلا بعد أن تم كسر قدميه الاثنين و شق بطنه .
لم ترد صفاء فقد ألجمتها المفاجأة لكنها كانت سعيدة بعد أن شعرت بأن عبد الرحمن استطاع أن يعيد لها كرامتها بعد أن أهانها فايز و طردها بملابس البيت

أشار عبد الرحمن إلى رجاله الذين حملوا فايز و غادروا المكان ثم نظر لها و قال ما رأيك ؟ أدعوك للغداء و أخبرك بمفاجأة أخرى

ابتسمت صفاء و هزت رأسها موافقة

****

في أحد أشهر مطاعم القاهرة و أفخرها جلس عبد الرحمن و صفاء يتناولان الغداء
عبد الرحمن : هل أنت الآن سعيدة يا حبيبتي ؟
صفاء : طبعاً أنا لم أتوقع بصراحة أنك سوف تأتي لي بحقي بهذة السرعة و لكني أيضاً لم أكن أعلم أنك قاسٍ و مخيف بهذا الشكل
عبد الرحمن : ليس مع كل الناس فقط الذين يستحقون ذلك و لا تنسي أنك من لجأت إلي لأخلصك منه و أنا كنت على قدر المسؤولية ، و الآن أنت حرة طليقة و ورقة طلاقك خلال يومين ستكون معك
صفاء : لكني لم أتخيل أنك سوف تستخدم هذا الأسلوب في معالجة الأمور ، أنا اعتقدت أنك ستساعدني في الحصول على الطلاق بالقانون
عبد الرحمن : القانون طريقه طويل و أنا رجل عملي و لا أحب الانتظار ، أحب الطرق السريعة والمختصرة حتى لو كانت صعبة
صفاء : لكن..
قاطعها عبد الرحمن : حبيبتي نحن لن نضيع كل الوقت نتكلم في ما حدث ، ثم أخرج من جيبه علبة صغيرة و فتحها لتفاجأ صفاء بخاتم سلوتير ألماس
صفاء : هذا لي ؟
عبد الرحمن : هذا جزء صغير من شبكتك ، ما رأيك كتب كتابنا يكون فور انتهاء عدتك و سوف أقيم لك حفل زفاف سيكون حديث العالم كله ، حفل زفاف يليق بسندريلا القرن الحادي و العشرين

ابتسمت صفاء و شعرت أنها تسير لتحقيق أحلامها و أنها سوف تصعد إلى القمة بسرعة الصاروخ

****

لم تعد الأمور مع فايز كما كانت من قبل ، فمنذ أن تركته صفاء و الخسائر تلاحقه ، فبعد أن تعاقد مع أبطال أعماله السينمائية و المخرجين و تم بناء الديكورات و حجز أماكن و مناطق التصوير توقفت الأفلام السينمائية نظراً لانسحاب صفاء بطلة الأفلام ، و إصاباته البالغة التي اضطر على إثرها
للسفر إلى الخارج للعلاج والغياب لفترة شهرين متواصلين هذة الرحلة التي كلفته مصاريف باهظة للغاية ، كل ذلك أدى إلى تراكم الديون عليه مما اضطره إلى بيع شركته لسداد تلك الديون .

و أمام عينه بدأ يرى حلمه يضيع ، هذا الحلم الذي من أجله تحمل الضغوط و الاإهانات .. ضحى بصحته و جهده .. كان لا ينام إلا قليلاً ، كل هذا ليضع الجنيه فوق الجنيه حتى يحقق حلم حياته و هو تكوين شركة إنتاج سينمائي ، و في النهاية تأتي امرأة تدمر كل هذا ، و يا ليتها أي امرأة ، فهي كانت زوجتة و حبيبته ، لم يحب سواها و فعل كل ما يستطيع ليخطفها من زوجها و لكن و يا للقدر ، ما فعله مع فتحي حدث معه من عبد الرحمن و مع نفس المرأة ، لكنه لن يستسلم مثل فتحي ، ففي رأسه يختمر قرار خطير

****

في واحد من أجمل منتجعات شرم الشيخ بدأت مراسم الاحتفال بزفاف عبد الرحمن على صفاء ، كان حفل زفاف أسطوري ، حيث تم بناء ديكورات لقاعة كبرى على شاطئ البحر فقط ليتم بها الحفل ثم يتم ازالتها بعد الانتهاء منه ، وكانت الفخامة تطغى على ديكور القاعة ، فقد توزّعت
الورود في كل زاوية من زوايا القاعة و على بابها الرئيسي تم تصميم دميتان كبيرتان على شكل العروسين ، فكانت الأناقة عنوان زينة المكان بأكمله كأنه عرس خيالي نشاهده فقط في السينما .

و على مسرح كبير كانت أحد الفرق الموسيقية تعزف مجموعة من الألحان في الوقت الذي اكتظت القاعة بالمدعوين الذين كانوا يمثلون صفوة المجتمع من كبار رجال الدولة و رجال الأعمال و أسرهم و مشاهير الفن و الرياضة .

تعالى في الخارج ضجيج ينم على قدوم العروسين ، و بالفعل في موكب يتقدمه مجموعة من السيارات الفخمة هبط عبد الرحمن ببدلة سوداء تم تصميمها خصيصاً في إيطاليا و هو يبتسم للمدعوين ، و المفاجأة أن صفاء لم تكن معه ! تعالت همهمات المدعوين متسائلة أين العروس ، لم يسكت تلك الهمهمات إلا صوت طائرة صغيرة تهبط في وسط المدعوين خارج القاعة ، و من الطائرة خرجت صفاء على عرش يحمله أربعة رجال ، ترتدي فستان زفاف لافت للنظر ، مصنوع من
الحرير الصافي على رأسها تاج فخم مرصع بالماس ، و حول عنقها عقد مزين بماسة بيضاء .

وضع الرجال العرش على الأرض أمام القاعة في الوقت الذي تقدم نحوها عبد الرحمن  و قبّل أناملها ، ثم تقدم أحد رجاله منه و هو يحمل علبة فخمة مرصعة بالأحجار الكريمة ، ثم أعطاه تلك العلبة .
فتح عبد الرحمن العلبة ليخرج منها حذاء فضي رائع الجمال ، ثم انحنى ليلبس صفاء ذلك الحذاء الفضي ليكون هو الأمير و هي سندريلا وسط دهشة و تصفيق المدعوين ، بعد ذلك أخذ بيدها و بدأ يدخل بها القاعة و يتقدم نحو الكوشة في زفة كبيرة .

جلست صفاء في كوشة بجانب عبد الرحمن و بدأت تتلقى التهاني من صديقاتها و زملائها ، كانت صفاء قي تلك اللحظة تشعر بأنها تطير فوق الأرض .. السعادة تغمرها .. تشعر أنها فوق الجميع .. تشعر أنها تستحق ما هو أكثر .. فهي سندريلا أجمل الجميلات .. الأفضل الذي يتمنى الكبار و الصغار رضاها
، الغريب أنها بدأت تفكر في خطواتها التالية ، يجب أن تجعل عبد الرحمن ينشئ لها شركة إنتاج خاصة تكون ملكها ، يجب أن يكون لها طائرة خاصة بها ، بل يجب أن يكون لها قصر فهى ليست أقل من زوجات الأمراء ..

– مبروك يا سندريلا ..

أفاقت صفاء من أحلامها على صوت تعرفه جيداً ، صوت فايز ..
و ضح الخوف و الاضطراب عليها و على عبد الرحمن ، و قبل أن يشير عبد الرحمن إلى رجاله أخرج فايز مسدس من جيبه و أطلق رصاصة نحو صفاء أصابتها في جبهتها لتنسف أحلامها .

سقطت صفاء على الأرض و سال دمها الأحمر على فستانها الأبيض المرصع بالماس ، نامت سندريلا تحت أحذية المدعوين ، و في رمقها الأخير و قبل أن تغلق عينها لآخر مرة أدركت صفاء خطأها .. أدركت أن الدنيا ما هي إلا سراب كبير و بحر مهما شربت منه لا ترتوي أبداً ، إن الدنيا إذا حلت أوحلت .. إذا كست أوكست .. إذا جلت أوجلت .. إذا أينعت نعت .
تمنت في هذه اللحظة أن يعود بها الزمن و أن ترجع لأمها و تعترف بخطئها وتقبل يديها ، ألا تترك فتحي الذي كان يحبها و يحترمها لشخصها بصدق و وفاء .. ألا تتمرد على حياتها البسيطة التي بداخلها سعادة و نقاء لا يعوضان ..
تمنت ألا يكون عندها .. طموح سندريلا

تاريخ النشر : 2018-03-17

guest
45 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى