تجارب من واقع الحياة

طفولة معذبة وحياة ضائعة

بقلم : قلب ينزف – سوريا

حياتي كلها ضائعة لا معنى لها أبداً أبداً سوى الألم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، تحية عطرة للجميع .

إخوتي أنا بحاجة ماسة جداً للفضفضة عن آلامي ، وفي هذه السطور أمور أتكلم عنها لأول مرة لبشر كبتّها في داخلي سنوات طويلة ..

نشأت في أسرة فقيرة وأفرادها كثر ، لي فوق العشرة إخوة ، أبي كان يضربنا ويعاقبنا على أتفه الأخطاء وكان روتينه اليومي عقاب أحد أولاده – أي إخوتي – أمام إخوته الآخرين وكذلك ضرب أمي ونعتها بأبشع الصفات .
أمي يتيمة الأم وتزوجت بأبي رغم فارق السن الكبير لكي تعيش بمنزل تستطيع فيه أن تجد الطعام ، فزوجة أبوها عذبتها كثيراً في طفولتها ، حرمتها من كل شيء ، يعني زواج أمي من أبي كان مجرد هروب من زوجة الأب للمجهول 

 طفولتي كانت قاسية بحق ، ضرب إهانة توبيخ خوف في خوف ، بيت غير آمن ، إخوة كبار متسلطون عدوانيون ، لم أكمل تعليمي لسبب سأذكره في السطور القادمة ، أنا تائهة فالذكريات تندفع كبركان محموم .. في طفولتي كنا ننام على الأرض والضحية التي كان يختارها أبي كانت تضرب بالحزام أمام الجميع ثم يستفرد فيها أبي ليفعل بها أفعال مشينة جداً جداً .

كان السؤال كل ليلة من طرف أبي لأمي مَن مِن أولادك الحيوانات أختار لأضربه ؟ وإن لم تجب كان يضربها هي !! وفي بعض الاحيان كان الضرب جماعي لسبب مجهول ، لقد ضرب أختي مرة بحذاء خشبي على عينها فأدماها ، وأخرج أخي من المنزل دون ملابس للشارع بعد أن فضحه أمام الجيران 

كنا مهانون مذلون دون كرامة أمام كل الحي ، فأصبحنا عرضة للمضايقات والتعدي من قبل من يعرفون أبي وأفعاله معنا ، كان يدعو في صبيحة كل جمعة علينا بالموت ، أبي هذا جلدني بحزامه آلاف المرات و بصق على وجهي كثيراً ، وأذكر كم كان يدوس على أصابعي وخدي ، طعم الدم كان دائماً في فمي ، وأنفي المائل سجل في ذاكرتي تلك اللكمة القاسية ، كل ذلك يهون وكل السباب والشتم والذل يهون إلا استباحة عرضي والتحرش بي ..

بحكم أنه كان فقيراً كان يعتبرنا جواري ، كنا نناديه سيدي ، والله عمري ما قلت أبي ، وكان يطلب منا أفعال لا تكتب هنا ، ويمارس أمور لا تقال ، وعندما كنت أرجوه أو أتوسل إليه كان يضربني حتى أفقد وعيي أو يهددني بأن يعذبني حتى الموت ، ومرة كان سيحرقني بعد أن صب الكاز علي لأنني دعوت عليه و ذلك عندما كبرت وأدركت فظاعة ما يحصل..

 هذا ولم أتحدث عن حالة البيت بعد تلك الأمور التي اعتاد أبي ممارستها ، أصاب إخوتي الشباب سعار ، أصبح واحد منهم وهو قليل عقلي ويعد مريض نفسي يتحرش بي ، أستيقظ لأجده يعبث ، نهرته و أخبرت أمي ، حاولت .. أمي كانت في عالم آخر تائهة لا عائلة لها وكابوسها الوحيد أن يطلقها أبي ويرميها ويرمينا بالشارع ، وهو كان يمسك بتلك اليد التي تؤلم أمي ويهددها دائماً بطلاقها والانتهاء منها والتخلص منا ، فنحن قمامة كما كان ينعتنا .

لم أتذكر أنني نمت يوماً واحدا في طفولتي بهناء وأمان ، دائماً ما كنت أغفو بعد عناء وخوف وأنا أبكي حتى أصاب عيوني تضخم بالغدد الدمعية وجفاف مزمن ، كانت دائماً حمراء كالدم وضعف بصري مستوى واضح .
لماذا تركت المدرسة مع أنني كنت برغم الظروف السيئة وفقري وانعدام الزي المدرسي ومعاقبتي كل يوم أمام الطلبة على عدم إحضار دفتر وقلم وعلى زي المدرسة وسخرية الطلبة ووالخ ؟؟ السبب هو أخي الكبير الذي كان يتحرش بي ( لقد تغدا بي قبل أن اتعشى به ) قال لأبي أني على علاقة مع رجل في حارتنا وحصلت مشاكل وأتذكر ليلتها الصدمة التي عشتها ، صفعات من كل حدب وصوب ، اشترك الحقير مع أبي في ضربي وركلي حتى أنه اقترح أن يربطني بجنزير للسقف 

فقدت وعيي ودخلت في الظلام وانفصلت عن الدنيا ، يبدأ يوم ويختم يوم وأنا في غرفة مربوطة لا أفك إلا للذهاب للحمام ، والطعام آكل ما لا يأكله الحيوانات ، وكذلك الشراب ، مرضت كثيراً وساءت نفسيتي وأبي فرض علي ترك المدرسة لأنها ليست لي ، فأنا بهيمة .. للآن أتذكر كلامه .
 وفضحت في الحي وأصبحت كرامتي في التراب..

ساءت نفسيتي وأصبحت في حالة يرثى لها ، وأكثر شيء كان مستحوذ علي الخوف ، كنت أخاف من كل شيء ، مجرد أن يناديني أبي أرجف وتصيبني حالة هستيرية تصل إلى أن أتبول على نفسي.. وكنت كثيرة الإغماء ربما من سوء التغذية ، حتى مرة سقطت على الدرج عند الدوخة وأصيب رأسي .

امي علمتني مهنتها الخياطة ، بالمناسبة هي كانت تخيط لنا الملابس من القماش الذي يتبرع الناس به لنا وكان أغلبه يأخذه أبي ويرجع يبيعه ، أبي لم يشتري لنا شيء قط سوى الطعام الذي يذهب أغلبه له ولا يكفينا لعددنا الكبير ، لا أذكر أنني شبعت يوماً في بيت عائلتي… مازالت طفولتي مليئة بالأحداث لكنها لا تذكر هنا لفظاعتها…

وقعت أمي سامحها الله في خطأ فادح ، تعلقت بالعرافين والسحرة من جهلها لفتح نصيبنا كي نتزوج ونتخلص من أبي وأخي المجنون عقلياً ، وبما أن الحي بأكمله يعرف بأبي وتسلطه وعنفه معنا فلا أمل بالزواج أبداً إلا من أحد غريب لا يدري عن ماضينا .

طبعاً القصة مع السحرة قصة طويلة لا تنتهي ، وخرجنا منها بخسائر فادحة ، والدليل ما يحدث معي في حياتي حالياً من مشاكل معقدة ، السحرة أثقلونا حجابات وأحراز وبخور وذبح ديوك للجن ، بئساً لهم ولجهل أمي ..

المهم أنني في الآخر تزوجت للغربة عن طريق صديقة لأمي عرّفتها على خطابة والأخيرة عرفتها على رجل فقير و(..) ، تزوجني لبلد آخر ، وأبي لم يهتم حتى أنه لم يحضر أي شيء يخصني ولم يرَ زوجي ، والرجل تعلق بي وأحبني (هذا ما ظننته) فلم ينتقد شيء ولم أشعر أنه متضايق من معيشتي و واقعي ، وأضيفوا لذلك أن فترة التعارف كانت معدومة ، والذي حصل أنني تزوجته للمجهول ، وكل ما كان في رأسي الخلاص من كابوس أبي الذي يجردني من ملابسي كل يوم ..

 اشترط زوجي أن نعيش في الأردن وفي بيت أهله ، أنا وافقت طالما سأخرج من ذلك الجحيم ، وتم الزواج وكان السفر بعد ذلك للأردن

ودعت ذلك البيت المقرف ، بكيت فقط لأنني سأشتاق لأمي، في الأردن بدأت التحديات تنهال علي: بيئة جديدة، حماتي كانت ظالمة وانتهزت فرصة أنني من بيئة فقيرة ومعدومة السند ( لا أب ولا إخوة يقفون لجانبي) فاستعبدتني ، كل يوم تنظيف البيت والتسوق وحمل الأغراض الثقيلة والشتائم دونما سبب والمكائد ، وزوجي كان طامة كبرى حدّث ولا حرج ..

تملكني ، فممنوع علي أي شيء ، عشت كالجماد (وحملت بابنتي البكر) في تلك الفترة كنت متعبه جداً والحمل صعب ، دوار ، تعب ، تقيؤ ، وهن و أرق .. وعندما كنت أغفو كانت حماتي توقظني للتنظيف .
بعد ولادتي لابنتي بسنة خرجنا لبيت آخر أو بالأحرى غرفة كانت ملحق لمسجد (جدير بالذكر أن زوجي فقير ولا يملك شهادة ليشتغل ، ويعتمد على والده ليعيش ، كان والده يدفع أجرة الغرفة له) في تلك الغرفة كان زوجي يضربني ، يشك بي وتصيبه هلاوس فينقلب إلى عدواني ويعلو صوته بالصراخ والشتائم ، وعندما وجد عمل بشق الأنفس(عتال بضائع ) أصبح يقفل الباب علي من الصباح للمساء لا أرى أحداً وكأنني في زنزانة 

كنت مصابة بإحباط واكتئاب حاد ووحدة ، ولأنني لست متعلمة وهو لا يسمح لي بالخروج أصبت بأمراض كثيرة ، منها القرحة وصولاً إلى السكري ، كنت أسلي نفسي بالخياطة (كنت قد أحضرت عدة الخياطة معي) لم أرَ اهلي أبداً بعدها إلا مرتين متباعدتين لمدة أيام محدودة

أنجبت ابني وبعدها بثلاث سنين ابنتي الثانية ، المشكلة أن زوجي منعزل لا يرى أحد إلا أمه وأبيه ، وليس عنده أصدقاء ، وأنا أتيت من غربة ولا أهل لي ، وهو لم يسمح لي بالتعرف على أحد ، فأصبح أولادي يشعرون بالنقص والوحدة والفراغ الكبير ، و يتساءلون لماذا ليس عندنا معارف ولا أهل ؟ لماذا لسنا كباقي الناس ؟ لماذا نحن مختلفون ؟

ابنتي الكبرى لم يخطبها أحد قط مع أنها جميلة جداً ، لأننا لا نخرج من المنزل ولا أحد يعرف عنا شيء ، زوجي سبب دماري وألمي ، فبدلاً من أن يعوضني عن حياتي القاسية زاد علي مصائبي وجراحي وقسا علي جداً وقتل كل أمل في ( حتى أنه غير سوي ، كان يربطني عندما ينام معي ويعذبني بطرق أخجل ذكرها ولا أعرف هل أحزن منه أم عليه لأنه (مجنون) مجنون مجنون مجنون
مرة يكون جيد وهادئ ومرة يكون سيئ وعدواني وشاذ في التعامل ! أصبت بالحيرة والضياع ، يشك بي ويظنني على علاقة بغيره (هلاوس) ، وكيف لي ذلك وأنا لا أخرج من البيت أبداً إلا مرة في السنة ! يفتش ملابسي والسرير ، والله إنني أشعر أن شبابي ضاع معه كما ضاعت طفولتي مع أبي ، لقد امتلأ قلبي بالألم حتى فاض وأدمنت المسكنات والمنومات لأنسى همومي .. أتمنى الموت في اليوم ألف مرة ، أحزن على أبنائي وكم يلاقون من أبيهم ، ملابس لا يشتري لهم ( سبحان الله إنه مثل أبي لا يشتري إلا الطعام لنا فقط ) الملابس من أهل الخير يساعدوننا بها 

أنا للأسف وأكرر للأسف غير قادرة على الانفصال عنه ، فنبقى بلا مأوى ولا أحد يطعمنا ، هو فقير لكنه على الأقل يوفر الطعام وأجرة البيت والكهرباء .. لا أدري ما الحل !
أبنائي يعانون الاكتئاب وابني ضعيف شخصية وخجول جداً جداً ولديه مشاكل مع زملاء مدرسته ، حاول الانتحار مرة ، وابنتي المراهقة الصغيرة منطوية لا تتحدث ولا تعبر عن أي شيء ، دائماً ما أجدها تبكي بخلسة وتقضم أظافرها وتجرح نفسها ، أما الكبيرة فأخشى أنها متورطة في عالم الجن و عندها مس عاشق ، فهي تصرع وتفقد الوعي وتظهر عليها علامات مثل الخرمشة وكدمات في ساقيها ، فكل الأعراض الخاصة بالمس تنطبق عليها ، وهي دائمة الشجار مع والدها دفاعاً عني حتى أنه طردها من المنزل مرة وكاد يحرقها بالكاز وكثير من الأشياء حصلت معها صدمتها بقوة .

أنا نادمة على أنني أنجبت أبنائي لهذا الجحيم ، وهم كذلك يقولون لي ليتك لم تتزوجي أبونا وليتك لم تنجبينا .. أخطاء أمي في الماضي مازلت تؤثر علي ، مازلت أعاني من لعنة الدجالين القديمة فأشعر أنني ممسوسة أو مسحورة ، لست طبيعية أبداً ، دائما مريضة ومتعبة ، لم أنعم بيوم واحد وأنا سعيدة أو بصحتي الكاملة ، وأشعر أن هناك أحد خفي معي لا أراه ، ودائماً ما أصاب بالجاثوم وكوابيس عن أبي وهو يعذبني ، أظنني بحاجة لطبيب نفسي بارع .

حياتي كلها ضائعة لا معنى لها أبداً أبداً سوى الألم ، لا أستطيع إعطاء أبنائي الحنان ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، و أنا أكره نفسي فكيف أشعر بالحب ؟!؟!
أمي توفيت دون أن أراها ، لم يسمح لي زوجي بالسفر إلى سوريا لرؤيتها ، تخيلوا ! و أبي مازال حياً لا سامحه الله ، كم أكرهه وأتمنى لو يقتص منه الله .

أشكركم على الاستماع لشكواي وقصتي الطويلة .. أخبرتكم بأمور ظلت حبيسة داخلي لمدة تزيد عن ١٠ سنوات ومازالت هناك أسرار كثيرة جداً جداً
ادعوا لي وانصحوني ، رأيكم يهمني …

شكرا لكابوس .. شكراً لكم .

قلب ينزف / امرأة محطمة 

 

تاريخ النشر : 2018-03-18

guest
60 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى