أدب الرعب والعام

روح هائمة وعشق صامت

بقلم : RA – أرض الخيال الرائعة

روح هائمة وعشق صامت
تأمل وجهها وسالت دموع ساخنة حزناً أم فرحاً لا تدري ؟

أطلق ساقيه للرياح , وانطلق بأسرع ما يملكه كمجنون وقطع الشارع دافعاً أمامه فتاة بعمر الزهر , لم يلتفت أمامه فقد داهمه جسم ما بقوة هائلة حلقت به في الجو , كانت أطول مدة عاشها يوماً, لحظات لكنها استمرت لدقائق رأى أضواء برتقالية متعاقبة وشرارات حمراء متصافه ممتدة على خط مقوس ثم هوى على جسم أخر بقوة هائلة أنسته الفتاة وأنسته لماذا حال به الأمر إلى هنا ، ولكن خصلات شعرها فوق جبينه كانت أخر لمسات شعر بها قبل أن يودع العالم الحي .

لم يعد يريد من أمور الدنيا شيء سوى أن يراها مرة أخرى ويعيدها إلى عالمه هو , وكان يهيم على وجهه في الشوارع مطأطئ الرأس , قبل الحادثة لم يكن يعرفه أحد غيرها ، لم يكن يفهمه أحد سواها فلذلك ضحى بنفسه لها , لم يكن ليفعلها لو لم تكن هي , أنها ملاك أنها مختلفة ، وا حسرتاه عليك يا فتاة ، أين اجدك لماذا اختفيت ؟ الناس يمرون بجانبه الأن دون أن يعيروه اهتماماً ولا الكلاب التي كانت تتأمل وجهه الساكن الحزين ولا القطط التي أخذت تتلمس في قدميه عن من يجلس وحيداً ويداعبها , كان مقعده المفضل في الشارع يجلس هناك ويراقب المارة ويتأملهم و يفهمهم ، ولكنهم لا يفهموه ، يستشعرهم ولكنهم لا يستشعرونه ، عمله الروتيني أصبح جزءً من يومه ، يجلس كل صباح وفي يده القهوة الباردة التي طالما فضلها هكذا .

غريب أمره هناك ما يجذبني نحوه ، فكرت في نفسها لم يجلس وحيداً ، هل هو دوماً وحيداً ؟ لماذا اشعر بهذا الشيء عندما اراه ؟  من أنت ، لم ولجت  إلى قلبي هكذا ؟

شخصان وُجدا ليكملا بعضهما ، هكذا اقنعت نفسها دوماً ولن يفرق بينهما سوى الموت أو هكذا اعتقدت ، لمحها من بعيد فابتسم لها , وكعادتها ترد ابتسامته بواحدة ، ولكن قبل أن تدير جسدها لترحل شعرت بتأنيب ضمير ، لماذا لا تجازف وتجلس بجانبه لمرة واحدة وتكلمه ؟ وفعلا تقدمت نحوه بثقة لم تشعر بها من قبل , أما هو فتحت عيناه على وسعها بحلق فيها كمن رأى شبحاً , لم تخفها نظراته الغريبة بل واصلت خطواتها ، وقبل أن تجلس على المقعد مدت يدها أمامه فوقف هو فجأة وصافح يدها ، ولأول مرة شعر بدفء يسري في عروقه ، تكلما قليلاً ثم سألته عن أسمه وأجابها “روح” ، وأسمك يا جميلة ؟ , ها أسمي : “هائمه ” ، ثم نزعت يدها من يده وودعته بابتسامه ناعمة ووقف هو كالمشدوه غير مصدقاً نفسه , هل هذا حقيقي ، هل لمست الحسناء الوحش أمر لا يصدق ؟!

كان ذلك اللقاء أخر ذكرى معها قبل الحادثة , تملكته الذكريات وهو جالس على المقعد , انسابت دمعة على خده بسخونة اذابت حزنه فيها .

اين انت الأن ؟.

افاقت ” هائمة ” من النوم على صوت أنين في أذنها ، كانت الساعة تقارب الثانية ليلاً ، لم تستطع النوم جل ما فكرت به هو ذلك الفتى الضائع ، لم تعد تراه إلا في أحلامها , يا ليته لم ينقذها ، لما كانت الأن باكية حزينة ومغدورة , يا ليته لم يفعل هذا , لم تعد تطيق صبراً في هذه الغرفة الصغيرة المظلمة ، فخرجت تستنشق الهواء النقي ، كان الهواء بارداً والليلة مظلمة ، ولكنها شعرت حولها بهالة دافئة , هل هذا انت ؟ رد علي لم تركتني منهارة ، لما لم تأخذني معك ؟ ها أنت حطمتني و تركتني ورقه ضائعة ، أنهارت بالبكاء وسقطت جاثية على ركبتيها, لم يستطع التحمل فعانقها بحرارته وهي علمت بأنه هو.

– أنت !

– اشتقت لصوتك.

– ههه لم نتحدث سوى مرة

– ليتني أراك

– لا يمكنكِ ، أسف ، و تبكي بشدة.

– فقط في أحلامكِ أزورك حبيبتي .

ثم أختف بعد أنهمار المطر , واختفت هالته التي تولد في البرد وتختفي في المطر , بقيت تنتظره كل ليله من ليال الشتاء الباردة يزورها ويتحدثا ثم ينهمر المطر فيختفي وهكذا إلى أن انقضى الشتاء مودعاً العاشقين .

لكن الصيف حل وحرارة الشمس القاتلة ازالت البرد الذي كانت تتولد منه حرارته فماتت هالتة واختفت واصبحت شعاعاً حارقاً في قلب الشمس , هائمة كانت تكره الصيف منذ ولادتها وتعشق الشتاء وتنتظره كل عام لتقفز بمرح في برك الماء وتركض تحت المطر ، ولكن هذه المرة انتظرته بفارغ الصبر ، وكان صيفا ثقيلاً استمر عشر سنوات متتالية ويزيد ، مرت بها حياتها بأوقات قاسية ومحن صعبة وتجارب سحيقة وفي كل مساء كانت تجلس وحدها وتتطلع على النجوم وتراقب النقاط البراقة وفي قلبها غصة ألمتها , سالت من مقلتيها دموع ساخنة وكانت تردد : هل سيكون هذا الشتاء الاخير يا روووح ؟ , هل سأشعر بك من جديد ؟ بالله عليك يا ربي أنهي هذا الصيف بسرعة أني امقته بشدة, أين أنت من هذا الصيف القاتل , يا رووووح ؟

رويداً رويداً تلاشت أشعة الشمس الحارة وبدأ الصيف يودع الارض خاشعاً , وأطل الشتاء ببرده اللطيف محيي الأرض من جفافها بزخات المطر الاولى ، أنا الليلة سأراك يا رووح ، بعد غياب طويل ، وكما أنا مؤمنة لن بفرق بيننا سوى الموت وأنت لم تمت بعد ، روحك حية وهذا كل ما يهم يا رووووح .

مرت ليالي الشتاء وروح لم يطل وهائمة تنتظره عند النافذة ، ولكنها لم تشعر بحرارته ولا بهالته ، لا ، لا أعتقد بأنك مت ، أنت تحيا وتموت لأجلي , أين دفئك يا رووح ؟ أنا أعلم انك موجود , لم لا تحدثني ؟ , لا تلعب معي هذه اللعبة , خلعت عن نفسها معطفها وقبعتها  ومدت جسدها للأمام وأحست بالرياح الباردة تلفح وجهها وجسدها بشدة ، هذا ما تريده يا رووووح ، أنا اعرف أنك تريدني كما أريدك أنا ، سأضحي بنفسي لأجلنا ، ثم أسقطت نفسها من النافذة وكانت تلك اللحظات طويلة و تراءت إلى بصرها النجوم البراقة ، ثم ارتطمت على جسم صلب وكان هذا أخر ما شعرت به من العالم الحي.

مرت ساعات وربما شهور أو اسابيع، أفاقت هائمة بعدها لتجد نفسها في عالم روحاني جميل وكانت تحس بأنها تنتمي لهذا المكان الدافئ كهالة رووح , روووح أين انت ؟ , تحركت كريشة خفيفة لم تشعر بالجاذبية ، ارتفعت في الهواء وتأملت الناس كم يبدون صغاراً ! , ها هم يسرعون إلى أعمالهم , هل حقاً كنت هناك ؟ , التفتت بعيداً لتجده جالس في المقعد يتأمل المارة وكان شاحباً حزيناً بلا مؤنس . نادته : “روووووح ” ، لم يسمعها ، اقتربت : “رووووح ” ، التفت وراءه ليجدها هائمة كما كانت بشعرها الطويل وردائها الابيض ووجها المضيء , ، تحرك هو بخفة ، احتضنها بين ذراعيه ، تأمل وجهها وسالت دموع ساخنة حزناً أم فرحاً لا تدري ؟  كل ما فكرت به الأن أنه اصبح ملكاً لها ، وأصبحت هي ملكاً له ، ثم طافا بالهواء معاً كروح هائمة , وضربت قصتهما مثلا بالعشق الصامت ، وهل هناك ما هو أجمل منه ؟!

تاريخ النشر : 2018-04-24

guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى