أدب الرعب والعام

بابل القديمة

بقلم : Crazy boy – الجزائر
للتواصل : [email protected]

صار يحكم بابل كلها التي هي من أعتى الحضارات على مر التاريخ

في تلك الليلة الماطرة و المبرقة جلس الملك على عرشه مختلياً بنفسه و الحرس من حوله ، فأمر بإحضار الشراب ، و سرعان ما لبى له الخدم طلبه ثم انزوى تحت ضوء الشموع الخافت يحتسي الخمر من كأسه الذهبي وهو يراقب قطرات المطر الغزيرة التي كانت تنزلق من على نافذة القصر. كانت نفسه تتوجس خيفة بالرغم من منظره الهادئ وهو يترقب ولادة زوجته.

سكون رهيب مخيم على الاجواء وما لبث الوضع دقائق معدودات حتى دوى صراخ زوجته و بكاء المولود ليكسر به الصمت القاتل ، و دخلت عليه إحدى الجواري وهي تبشره بولادة ذكرين له ، في هاته اللحظة سقط الكأس من يد الملك ليرتطم بالأرض و يتطاير الشراب منه وارتسمت على محياه ابتسامة عريضة مليئة بالغبطة و السرور ثم قال:
– “انشروا الخبر في انحاء بابل و اقيموا الاحتفالات فرحاً بقدوم الولدين”.

ذهب الملك ليرى طفليه و زوجته. (في غرفة شاسعة مليئة بالحرس و عدد قليل من النساء متكأة على سرير أبيض مصنوع من الحرير وهي تحمل ولديها)
دخل الملك و ذهب إليها قائلاً:
– “اشكر الآلهة أنكِ معافاة و أحضرتِ إليَّ جوهرتين أغلى من الدنيا وما فيها”.
– “إحدى الجوهرتين شبيهة لك يا ملكي فماذا تسميها؟!”.
ردت الملكة مبتسمة..
أجاب الملك:
– “الذي يشبهني سأسميه (يُوسِنْ) أما الآخر فسأسميه (آيزاك)”.
(صوت الجواري وهن تتهامسن فيما بينهن):”يا إلهي ما أجمل ذاك الطفل كثيراً!”.
– “أعتقد أنه زاهاك”.
– “و أنا كذلك ، سيكون له شأن كبير حينما يكبر”.

في تلك الليلة و على الجهة الأخرى من المملكة كان هناك فلاح عجوز يعيش في كوخه المهترئ الذي يوشك ان تتداعى جدرانه ، يجلس قرب كلبه وهو يغني أغنية باللغة البابلية القديمة ، صوته كان عذباً جداً -بالرغم من كبر سنه- يشد سامعه و يغرقه في بحر عذوبته ، وبينما هو يغني إذ تأتيه إمرأة بجروح بليغة و الدماء تغطي ثوبها الأزرق المائل للبنفسجي تستنجده ليخبئها عن أهلها الذين يريدون قتلها ، و سرعان ما نهض الشيخ وأدخلها إلى كوخه فقال:
– “ما الذي حدث لك حتى طاردك اهلك يا ابنتي”.
تجيب المرأة بشق الانفس:
– “يا أبتاه، إن أهلي أرادوا أن يزوجوني من رجل غني رغماً عني فلم أرد ذلك لكنهم اصروا حتى وافقت ، لكن بعد الزواج صار يضربني و يهينني بكلامه القاسي فلما أردت تركه ذهب إلى أهلي و أخبرهم انه وجدني أخونه مع شخص آخر و ان الفتاة الي ولدتها ليست إبنته ، لكنه كان يكذب و للأسف صدقه أهلي فطاردوني انا و ابنتي و ارادوا قتلي لكني تمكنت من الهرب”.
استوقفها الشيخ قائلا:
– “ولكن أين هي طفلتك يا بنيتي لِمَ لم تحضريها معك؟”.
– “لقد خبئتها في مكان آمن و لن يجدوها أبداً”.
ردت المرأة وهي تلفظ انفاسها الأخيرة ثم فارقت الحياة ، وقف العجوز ممتصا شفتيه و الدموع تسيل من عينيه و تبلل لحيته البيضاء ثم ذهب ليدفنها وراء بيته الصغير.

في الصباح الباكر استيقظ الشيخ و ذهب إلى بركة قريبة ولما وصل وضع قوته (مأكله) اليسير و الذي كان بعضاً من اللبن و الخبز و عددٌ من التمر ، ثم شرع ينزع ثيابه و دخل البركة التي كانت شديدة الصفاء و هادئة للغاية ، غطس غطسة في هدوء تام و سكينة والأسى يملأ قلبه لما تذكر المرأة وابنتها ، و عندما انتهى من الغطس خرج على ضفاف البركة و جلس يفكر في الطفلة..

فكر طويلاً إلى ان قاطع تفكيره صوت معدته و هي تقرقر من الجوع ، فبدأ يأكل من زاده ولما انتهى ذهب قرب شجرة و اتكأ عليها متأملاً الأجواء، كان صمتاً جميلاً و النسيم الهادئ يلفح وجهه بينما يراقب حقول القمح من أمامه وهي تتراقص على أنغام الريح كان جواً مسالماً ويدعو إلى السكينة والإطمئنان لكن باله كان منشغلاً بالفتاة الصغيرة.

تأمل كثيراً إلى ان غفا فاستيقظ بعد مدة على صوت بكاء رضيع ، ارتدى ثيابه و تتبع الصوت الذي قاده خلف الأجَمَة حتى انتهى أمام طفلة صغيرة جداً ، سحرته عينيها البنيتين و شعرها الذهبي المنسدل عن وجهها ، بدت له و كأنه رآها من قبل لكن بقي شارد الذهن وهو يحدق في جمال هذه الفتاة التي بدت له كملاك فوق الأرض.

اقترب منها وحملها بين يديه الهرمتين وهي تبكي وبقي يمعن النظر في وجهها الملائكي حتى ادرك انها ابنة المرأة التي جائته بالأمس القريب ، ضمها إلى صدره بقوة يملأها حب و حنان كبيرين ثم تعهد أن يربيها ما دام قادراً و أعادها معه إلى المنزل وأسماها شيرا.

مرت الأيام و بدأت شيرا تكبر شيئا فشيئا و بدأ العجوز يحس بدنو أجله فكان منشغل البال بالفتاة و كيف سيكون حالها من بعده فهو لا يجد حتى كيف يرعاها إلا بالشيء اليسير فقرر أن يبيعها في سوق البلاد السنوي ما دامت صغيرة لعلها تجد أسرة ترعاها!

وبالفعل ارتدى الشيخ أفضل ملابسه و ذهب إلى السوق ، كان يبدو كالمتسول أمام أشراف بابل و كبراءها، لكن ما كان يملكه لم يحزه بشر قط..
في تلك الاثناء كان وزير الملك في السوق لشراء بعض العبيد حتى لمحها و يال السعادة التي إكتسحت قلبه فور رؤيته لها.
(يتكلم الوزير في نفسه): “ما هذا الجمال يا إلهي لن اغادر من دونها”.
فألقى بكيس بني اللون عليه شعار العائلة الملكية ملئ بالنقود إلى الرجل العجوز ، فرح الشيخ كثيراً و قبل دون تردد فأخدها الوزير معه و هو يكاد يطير من السعادة.

مرت السنوات وكبرت الفتاة وصارت من اجمل نساء بابل وتعلمت من ثقافة بابل الشيء الكثير وكذلك كان الحال بالنسبة لآيزاك و يوسن اللّذَين كبرا و صارا على أشدهما لكن كان الملك يفضل يوسن على آيزاك لشبهه له ، صار عمرهما مائة سنة!
لا تتعجبن من عمرهما فهما يعدان شابان، من عاش مائة سنة وقتها كأنه في العشرين من عمرنا وذلك لأنهم كانوا يعيشون آلاف السنين!

جاء اليوم الذي يتم فيه تنصيب ولي العهد والوريث الأول خلفاً للملك الذي تقدم في السن كثيراً وما عادت له طاقة بالحكم، فاجتمع الملك مع حاشيته و زمرة من كبار الكهنة وولديه في بهو القصر ، كان البهو كبيراً جداً فيه أعمدة من الرخام الأزرق السماوي والأبيض الناصع عليها نقوش تحمل أسماء الملوك السابقين وفيها تماثيل للآلهة ، معلق على جدران البحر لوحات فنية لم يُرى لها مثيل خاصةً اللوحة الجدارية المصنوعة من الفسيفساء الملونة والكثير من الزخارف.

يقف الكاهن ويقول:
– “جلالة الملك لقد جاء اليوم الذي تنصب فيه ولي عهدك يا مولاي”.
رد الملك:
– “نعم نعم أعرف ذلك”.
الكاهن:
– “ألا ترى أنه يوسن يا مولاي فهو يشبهك و يتمتع بمواصفاتك يا مولاي”.
(كان الملك سيوافق مباشرة لكنه تذكر أن له ابناً آخر وأن من حقه الفرصة على العرش فهما في نهاية المطاف في سن واحد) فكر الملك ثم قال:
– “ربما.. لكني سأختار الولي بعد مبارزة فيما بينهما ستقام العام القادم”.
– “العام القادم؟!! ولكن يا مو..”.
إستغرب الكاهن قبل ان يقاطعه الملك قائلاً:
– “إذا لم تصمت حالاً سأقطع رأسك يا هذا ، لن يأتي شخص مثلك حقير محب للأموال ليريني صنيعي”.
طأطأ الكاهن رأسه غضباً و حقداً..
ثم اردف الملك:
– “المبارزة هي التي ستحدد ولي العهد الأول ومن يفوز فيها فهو أدرى بما ينتظره”.
قال الولدان(آيزاك و يوسن):
– “نعم يا مولاي”.
– “والأن انصرفوا جميعا ما عدا الوزير”.
همّ الجميع في الخروج إلا الوزير قائلاً:
– “امرك يا جلالتك”.
-“يا تُرى كم عمر الفتاة التي تبنيتَها منذ مدة؟!”.
(الوزير):
– “انها تقريباً في نفس عمر أولياء العهد يا مولاي”.
– “ما اسمها؟. انت لم تخبرني ب-إسمها أبداً”.
(الوزير):
– “إسمها..إسمها شيرا يا جلالتك”.
-“مممم اسمٌ جميل ، انت من اخترته؟”.
(الوزير):
– “لا يا مولاي ، العجوز الذي اشتريتها منه هو الذي أعطاني الاسم و ظننته جميلاً”.
-“نعم ذاك العجوز أعطاك إسما جميلاً فعلاً. إذن أريدك ان تُزوج شيرا من الفائز بالمبارزة ولكن قبل ان يحين موعد المباراة لا أريدها ان تلتقي بولدي آيزاك”.
أجاب الوزير بالقبول..

وبدأ يوسن يتدرب بجد بينما كان آيزاك يتعلم العلوم و استراجيات الحروب و المعارك و كان قليلاً ما يتدرب..
وفي يوم من الأيام بينما كان يوسن يتدرب ، إذ جاءه الكاهن و كان يرتدي عباءة سوداء ذات قلنسوة عليها تطريزات كأنها طلاسم يكتسيها اللون الأحمر الشفقي، توقف يوسن عدة لحظات يلتقط انفاسه بعدما أنهكه التعب وهو ينظر إلى الكاهن الذي بادر بالحديث:
– “يوسن ابن الملك العظيم وشبيهه، أراك تتدرب بجد للمبارزة ألا تعتقد أنه يجب أن تُوقف التدريب قليلاً و تتعلم اشياء جديدة بدلاً من القتال”.
قال يوسن:
– “وما قصدك بذلك يا عالي المقام؟!”.
رد الكاهن :
– “العلوم ، هناك أنواع كثيرة منها لكن نوعا منها يكسبك من القوة ما لا تتخيل”.
– “مازلت لم أفهم قصدك بعد و اي علم هذا الذي تتحدث عنه”.
رد الكاهن:”انه علم السحر والشعوذة، بهذا العلم ستملك ما لم يملكه بشر من قبلك و يمكنني ان أدلك على من يعلمك مقابل..”.
– “مقابل ماذا؟”.
– “مقابل ان تعلن ولاءك لي و للشيطان”.
فكر يوسن ثم قال:
– “لك الجواب بعد اسبوع”.
ثم انصرف الكاهن.

في هذه الاثناء كان آيزاك قد انتهى من علومه و ذهب يختلي مع جواريه في شرفة القصر المطلة على أجمل الحدائق فما لبث إلى ان رأى ما سلب عقله و اخذ قلبه .. رأى شيرا ، و كانت تقطف الورود وتصنع بها اكليلاً.. 

– “يا إلهي ما هذا الجمال ، ما هي ببشرٍ قط. نادوا عليها لتأتي إلي”.
وبالفعل جاءته وقد كانت فائقة الجمال و بصراحة فقد ذهلت هي من وسامته و عضلاته المفتولة ليسألها:”ما إسمك يا هاته؟”.
– “إسمي شيرا يا مولاي”.
– “مِن أين انتِ يا شيرا” .
– “انا إبنة الوزير سموك”.
ابتسم آيزاك وقال:
– “إذن انتِ هي ابنة الوزير شرفٌ لي ان ألقاكِ يا آنسة شيرا(انحنى وقبل يدها) ثم أردف :
– “موعدك معي مساء اليوم في الحديقة”.
قالت في استحياء:
– “ولكني لست جارية يا سموك”.
رد عليها مطمئنا اياها:
– “لا تقلقي حاجتي فيكِ ليست للجماع والهوى بل أريد ان اتعرف عليكِ”.
أجابت شيرا بالقبول.

لم يعلم آيزاك ان أباه قد أمر بعدم التقائه بشيرا لكنه بطريقة ما استطاع وبالفعل التقيا مساء ذلك اليوم وتعرفا على بعضهما البعض و صارا يحبان بعضهما البعض مع مرور الايام..

في هذه الأثناء استدعى يوسن الكاهن و أخبره بقبوله عرضه لكنه فوجئ بقول الكاهن له انه لكي يتعلم عليه ان يفوز بالمبارزة ، فبدأ يتدرب بجهد اكبر و كان آيزاك قد نسي تماماً المبارزة إلى أن جاء اليوم الموعود فاجتمع الملك بحاشيته مرة أُخرى ، يقوم الملك ويعلن:
– “اليوم هو اليوم الخير لمهلتكما وغداً هو يوم المبارزة والأن الفائز سيتزوج إبنة الوزير”.

فرح آيزاك كثيرا بهذا الخبر لكنه حزن اكثر لأنه لم يتدرب كثيراً مثل أخيه ، يمر يوم المهلة الأخير و هاهو يوم النزال.

وسط حلبة كبيرة يتقدم الخصمان و يلتقطان سيفيهما و دروعهما على صيحات المشاهدين و أمام ناظرَي الملك يبدأ النزال.
كان يوسن يهاجم بضراوة و وحشية لأنه في رأيه أحق بالمُلكْ من أخيه بسبب تعبه و جهده بينما كان آيزاك ينتظر الفرصة ليُسقط خصمه لكن إنتظاره انتهى بأن خارت قواه تدريجياً، لكنه كان ذكياً جداً فتظاهر بالضعف امام اخيه ، هذا الأخير ظن انها الفرصة المناسبة ليُنهي القتال فاندفع بكل قواه نحوه ، و بحركة سريعة يبتعد آيزاك عن طريقه و يلتف حوله ليُسقطه أرضاً امام دهشة الجميع ، التقط سيفه و توجه نحو يوسن (بالطبع لم يكن سيقتله فهو أخيه) لكن يوسن شعر بالغيرة فرمى بعضاً من الرمال في عيني أخيه و غلبه.

انتهى القتال و قد كان الحاضرون شاهدون على غش يوسن وظنوا أن آيزاك هو من سيفوز تلقائياً بما ان اخيه كسر إحدى قواعد المبارزة وهو عدم الغش ، لكن الملك أبى ذلك و قال بأن يوسن هو الفائز(وهذا بالطبع لتفضيله له على حساب آيزاك). في هاته اللحظة اشتعلت نيران الغضب داخل آيزاك فأعلن تمرده على الملك من وسط الحلبة!
كيف لا و هو الذي حرمه من الفوز و حرمه من حب حياته شيرا ولم يتمالك نفسه فأعلن حبه لشيرا ثم فر هارباً قبل ان يأمر الملك حرسه بالقبض عليه.

هرب آيزاك إلى قرية مجاورة و بقي أياماً يتضور جوعاً، وذات يوم بينما هو على حاله يجلس أمام إحدى دير العبادة و أمعاءه تتقطع من الجوع ، إذ أقبل عليه راهب وهو يسأله :
– “اراك لست بخير يا بني ، حالك مضطربة تماماً و وجهك شاحب ، تعالَ معي “. 

ذهب آيزاك معه دون ان يقول شيئاً فأعطاه الراهب ثياباً جديدة و هيئ له الطعام ثم سأله مرة أخرى:
– “من أين انت يا بني وما اسمك؟”.
لم يرد آيزاك ان يعطيه اسمه و اكتفى بالقول انه جاء مع نفر من اصحابه يسألون عن عمل في هذه القرية لعلهم ينتفعون منه ، لكنه لسوء الحظ أضاعهم ولا يدري ماذا يفعل..
قام الراهب و دلّ آيزاك على شخص طاعن في السن وهو من سيهديه الى سبيله ، بالطبع كان آيزاك في حاجة ماسة للعمل فهو لا يملك شيئاً لذلك ذهب إلى الشيخ الذي دلّه الراهب عليه و بالفعل وصل إليه وأعطاه الشيخ عملاً.

أما بالنسبة ليوسن فقد اصبح هو الملك المستقبلي بعد ان غش في النزال و بعد ان ساعده والده وتزوج من شيرا رغماً عنها فهي كانت تمقته لما فعله بحبيبها.

بعد سنتين من المبارزة ماتت الملكة حزناً على فراق و رحيل إبنها آيزاك ثم لحقها الملك بعد فترة قصيرة لحزنه الشديد عليها ، أصبح يوسن هو الملك و صار يحكم بابل كلها الأن التي هي من أعتى الحضارات على مر التاريخ، لكن ذلك لم يكن كافياً له و لم يشبع له رغباته فاستدعى الكاهن وأمر بالانفراد به.

– “ماهي القوة التي كنت تتحدث عنها يا هذا؟”.
الكاهن:
– “قبل كل شيء أبارك لك يا مولاي على نصرك في المبارزة ، أرى انك فكرت بما قلته لك”.
– “نعم لقد فكرت وأرى انني استحق اكثر مما انا فيه”.
الكاهن:
– “سيأتيك الشخص الذي علمني ولم يعلمني”.
– “ما قصدك بهذا أيها العجوز الخرف؟”.
الكاهن:
– “قصدي انه علمني كل ما اعرف ولم يعلمني كل ما يعرف”.
– “متى أراه؟”.
– “لا تقلق يا مولاي ستراه قريباً”.
في مساء ذلك اليوم دخل رجل عجوز متسول إلى القصر و تقدم إلى بهو القصر أينما يجلس الملك مع جواريه ، كان للعجوز ملامح آسيوية يغطيه التراب و القذارة ، له بعض من الأسنان المنخورة و شعيرات فقط في لحيته ، وقف العجوز يرمق الملك بنظرات ساخرة و خبيثة..
صاح يوسن غضبا:
– “من سمح له بالدخول!!”.
و كانت الجواري ترمقه بنظرات ـنثوية يملئها الاشمئزاز و الترفع بينما تحدث العجوز بصوت ركيك :
– “انا.. انا من سيمنحك القوة يا هذا لكن بشرط ان تذعن لي”.
امر يوسن بقتل العجوز و إذ بنصل حاد يخترق جسده الهرم ثم أمر بإلقائه من على النافذة ، فتم ما أراد يوسن ثم ذهب إلى غرفته ليرتاح ، لكنه وجد العجوز هناك ، حاول بكل قوته ان ينادي الحرس لكنه لم يقدر و كأنه ابتلع لسانه ثم قال له :
– “ما انت ايها الحيوان القذر؟”.
– “انا الحيوان القذر ام انت يا محب الجواري اللعين تجلس دائماً خلف النساء حتى اصبحت منهم ، انا هو الشيطان نفسه جئتُ لأعلمك لكن شرط ان تركع لي “.
– “هل جننت يا هذا؟! انا!! أركع لك انت؟!!”.
استلّ يوسن سيفاً من غمد أحد التماثيل الموجودة و أراد طعن العجوز لكن السيف اخترق جسده دون ان يمسه ، اندهش يوسن كثيراً بينما وقف الشيطان يحدق فيه بطريقة بشعة ، صمت يوسن قليلاً ثم قال له:
– “علمني و لك ما تريد”.

مرت السنوات وهو يتعلم السحر و في المقابل كان يطيع الشيطان طاعة عمياء ، في هذه الاثناء كان آيزاك قد استعد للعودة بعدما صار جاهزاً لذلك..
دخل بابل وهو يرتدي عباءة سوداء ذات قلنسوة كي لا يعرفه أحد وتسلل للقصر أين كان أخاه في اجتماع مع حاشيته بحضور شيرا و الكاهن ، بقي يراقب الاوضاع حتى تهيأت له الفرصة فسحب سهماً و أطلق صوب رأس يوسن ليسقط هذا الاخير ميتاً ، هنا علت الاصوات و اجتمعت الحرس حول شيرا و الكاهن و أخذاهما إلى قبو القصر لحمايتهما.
كان المئات من الحراس أمام مدخل القبو لكن ما لم يتفطنوا له هو ان القبو يحوي باباً سرياً، وبينما الكاهن و شيرا جلوس إذ دخل عليهم آيزاك وذهب ليعانق حييبته التي طال انتظاره لها ثم استدار للكاهن و قال له:
– “انا أعلم بخصوص اتفاقك مع الشيطان و مع اخي و انا أعلم أيضاً انني مطلوب حياً او ميتاً هنا”.
قاطعه الكاهن:
– “من اين عرفت حول موضوع الشيطان؟”.
رد عليه آيزاك:
– “عندما فررت ذهبت الى احد الشيوخ و كان عرافاً فأخبرته بكل ما حدث معي و سألته ان يرى لي أحوال القصر من بعدي فرأيت ما رأيت”.
– “وماذا اذاً؟! “. سأل الكاهن 
– “انا اعلم ان مصلحتك تكمن في الحكم لذا سأعقد معك اتفاقاً ، بما أنني انا الوريث الشرعي لكني منفي يمكنني المطالبة بحقي في الحكم لكن سأدع العرش لك على ان تدعني و شيرا وشأننا و تبرأني من كل التهم التي وجهها لي والدي كالخيانة و و….”.
فكر الكاهن ملياً ثم قال:
– “لك ما تريد”.
فر آيزاك و شيرا مع بعضهما بينما استلم الكاهن الحكم كأنه خليفة الملك و مستشاره بعد ان كان وسيطه مع الشيطان.

النهاية.

تاريخ النشر : 2018-05-19

Crazy boy

الجزائر
guest
19 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى