أدب الرعب والعام

رفات مظلوم

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

رفات مظلوم
الفتى المشوه الوجه كان يقف خلفي مباشرة

 صدق من قال أن الحياة لا تعطي كل شيء ، بل قل أنها أصدق مقولة سمعتها في حياتي ، كيف لا وأنا من تفطر قلبه وتمزق بين ضلوعه ، كنت أعيش في وهم ، أظن أن الحياة قد أعطتني كل شيء، ولد في غاية الجمال يشبه والدته التي كانت هدية من السماء ، المال متوفر و بكثرة و لله الحمد .

حدثت الفاجعة حينما اكتشفت أن زوجتي مصابة بالمرض الخبيث ، المرض الذي نخشى حتى أن نذكر اسمه وكأنه يأتي حينما نذكر تردد أسمه في الفراغ ، يذكرني بملوك الجان الذين يحضرون حينما تنطق بأسمائهم ، كانت صدمة ما بعدها صدمة ، كيف لا وهي قد أعطتني كل شيء في تلك الحياة ، جعلتني أسخر ممن يقولون أن الزواج تنتهي حلاوته بعد شهر واحد، فأنا متزوج منذ عشر سنوات و لا زلت اشعر أنني متزوج منذ يومين ، لا أذكر أننا تشاجرنا يوماً ، لا أذكر أنها أغضبتني و لو مرة واحدة .

ماتت زوجتي هكذا بدون مقدمات ، شعرت بخنجر حاد يخترق نياط قلبي ، بكيت يومها أكثر من أبني الصغير، أشفق الناس علي أكثر من أشفاقهم على الصغير، وقفت يومها أمام القبر لساعات غير مصدق أن هذا القبر قد أخذها مني ولكنه أمر الله ولا نملك إلا الصبر .

مر الأسبوع الأول وأنا في عالم أخر من التيه والضياع ، أبني الصغير أصبح يهتم بي حتى لا أموت من الحزن ، قررت أن اذهب إليها لزيارتها في قبرها ومن هنا بدأت الأحداث تأخذ منحنى أخر.

استقل السيارة و بجواري أبني الصغير، كنت أتمنى أن أموت قريباً كما يحدث مع المحبين ، فاذا مات شخصاً أحببته بشدة فإنك تذهب إليه بعد أيام ، هكذا قالوا وهكذا تمنيت أن يحدث .

وصلنا إلى منطقة المقابر وأنا لا أشعر برهبة المكان على عكس الصغير الذي شعرت به يرتجف من الخوف، نسير بين شواهد القبور التي أشعر أنها تمتلك أعين وتراقبنا بها ولكنني لا أهتم بها ، وصلنا إلى قبر زوجتي و وقفت أمامه ، أرى بعين الخيال ضحكتها ، أراها تبتسم لي وهي تحضر لنا الطعام، أراها نائمة بجواري كالقمر في ليلة تمامه

 وقفت أدعو الله لها وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة كما كانت تجعل حياتي من قبل جنة ، لم اشعر بدموعي التي بدأت تنساب بهدوء على وجنتي ، الذكريات تأبى أن تفارقني، أتذكر كل لحظة رأيتها فيها تبتسم ، أتذكر يوم زفافنا بكافة تفاصيله ، انتابني إحساس غريب وكأن هناك من يحذرني من التواجد والبكاء هنا ، الخوف بدأ يطرق أبواب قلبي بكل هدوء، قررت أن اذهب من هذا المكان ، نظرت بجواري فلم أجد الصغير .

يا للمصيبة ! انطلقت أهرول كالمجنون بين حارات المقابر، أسمع ضحكات شواهد القبور على فزعي ، أصوات تخترق رأسي بقوة ، الفزع يتجلى في ملامحي ، أين ذهبت يا زياد ؟

وقفت أصيح بأعلى صوتي على الصغير ولكن ما من مجيب ، سقطت على ركبتي وأنا في حالة يُرثى لها ، لقد فقدت الصغير هكذا قلت في نفسي ، لحظات وتناهى إلى مسامعي صوت أنين وبكاء ، أرهفت السمع حتى أتيقن مما أسمع ، أنا لست واهماً ، هناك أنين قادم من مكان ما ، ربما يكون زياد !

عاودني الأمل سريعاً وانطلقت نحو الصوت ، أرتفع الصوت قليلاً حينما وصلت إليه ، وقفت بين أبواب القبور لا ادري من أين يأتي هذا الصوت، أرهفت السمع قليلا حتى فوجئت بأن الصوت يأتي من داخل قبر ما ، أقتربت برأسي من الباب ، وسمعت الأنين قادماً من القبر، دفعت الباب بيدين ترتجف من الخوف فانفتح بكل سهولة ، نظرت إلى الداخل وأنا أرتجف وعلى ضوء الشمس الذي تسلل خجلاً إلى القبر رأيت زياد يجلس في ركن من أركانه واضعاً رأسه بين يديه ويبكي، انفطر قلبي من المشهد وهبطت بكل هدوء نحو القبر حتى وقفت على أرضه الرملية ، اقتربت من الصغير وأنا أقول بصوت خافت : زياد ما بك ؟ 

ولكنه أستمر في البكاء ، اقتربت منه أكثر وأنا أتمنى ألا يغلق باب القبر كما نقرأ في قصص الرعب، وضعت يدي على جسده فانتفض من مكانه وتعلق بيدي بقوة ، صرخت فزعاً خاصة حينما رأيت وجهه كان مشوها تماماً ، صرخ بصوت من ينازع الموت وقال : أرجوك أخرجني من هنا ، ما إن أنتهى حتى سمعت صوتاً من خلفي يقول لي : أبي ماذا تفعل بالداخل ؟ نظرت بفزع لزياد الذي كان يقف أمام باب القبر ونظرت للخلف ببطء شديد فلم أجد أحداً ، هرولت نحو الخارج واحتضنت الصغير وانطلقت راكضاً إلى خارج هذا المكان ..

بعد دقائق كنت أنطلق بالسيارة على أقصى سرعة تسمح بها محركاتها ، لا زالت الكلمات تتردد في ذهني ، أرجوك أخرجني من هنا .

ما هذا الذي رأيته ؟

هل كان وهماً ؟

ولكن هل جننت لتلك الدرجة؟

أفقت على صيحة الصغير وهو يصرخ فانتبهت لتلك السيارة المقابلة فانحرفت في جزء من الثانية نحو اليمين ، لحظات و كنا سنصطدم بتلك السيارة، أبطأت من سرعة السيارة ونظرت إلى زياد بغضب وقلت : لماذا تركتني وذهبت ونحن نقف أمام القبر؟

تكلم الصغير بخوف و قال :

أبي أنا لم اتركك ، لقد كنت أقف خلفك تماماً وفجأة نظرت يمينك وانطلقت تركض وتنادي بأسمي وأنا أركض خلفك وأناديك وأنت لا تسمعني، ثم رأيتك تدخل لهذا القبر فجئت إليك.

نظرت إليه بدهشة وقلت : وهل كان هناك أحداً داخل القبر غيري ؟

– لا لم يكن هناك أحد ،  قالها وهو يرتجف وقال :

أبي أنا خائف بشدة ، احتضنته وهدأت من روعه حتى وصلنا إلى المنزل .

وصلنا المنزل وكان الليل قد هبط بثقله في كل مكان ، ذهبت بالصغير لغرفته وتركته ينام ثم عدت لغرفتي .

قررت أن أنام حتى تهدأ أعصابي قليلاً ، دقائق قليلة وسقطت بين براثن النوم .

رأيت نفسي أسير بين القبور وأنادي على زياد، رأيت الفتى مشوه الوجه يسير أمامي وهو يبكي ، شعرت بالشفقة تجاهه ، ركضت نحوه ولكنه كان يركض أيضاً وكلما توقفت وقف وكلما سرت سار، ناديت عليه فلم ينظر لي، تبعته حتى توقف أمام القبر الذي دخلته اليوم وأشار عليه وجلس أرضاً يبكي

لحظات وظهر رجلاً يرتدي السواد بالكامل ، شعرت بالخوف وابتعدت ، وقفت خلف أحد الشواهد أراقب ما يحدث ، فرأيت ذو السواد يحمل الصغير الذي ظل يصيح ويطلب المساعدة مني وهو ينظر تجاهي ، لم يشفق عليه ذو السواد والقى به في القبر، انتفضت من نومي وأنا ارتجف خوفاً مما رأيت ، نظرت للأمام فوجدت طفلاً يقف وسط الظلام ، صرخت من الرعب وأنرت الغرفة فوجدته زياد يقف ثابتاً أمام الفراش ، اقتربت منه بهدوء، كان يقف ثابتاً وتلك النظرة المخيفة تطل من عينيه ، وضعت يدي على كتفه فالتفت لي بسرعة وقال بصوت مخيف : أبي حازم يطلب مساعدتك لا تخذله.

ثم سقط بين يدي ، وضعت الصغير على الفراش واطمأننت أنه يتنفس ، قررت في نفسي إن اذهب غداً لنفس القبر لمعرفة ما حدث .

أحيانا ما تضعنا الظروف في أماكن كنا نظن أننا أبعد ما نكون عنها ، ولكن نكتشف في النهاية أن الله هو المتحكم في كل شيء وليس هناك شيء يُسمى الظروف ، وفي النهاية نرى أن هناك حكمة وخيراً من ما رأيناه قبلاً وكنا نظن أنه شراً خالصاً .

هكذا قرأت تلك الكلمات وأنا أتصفح موقع التواصل الاجتماعي الشهير، شعرت بتلك الكلمات تنزل على قلبي الهدوء والسكينة وتنزع عني خوفي وقلقي ، جاء الصباح وتركت أبني الصغير عند خالته ، فليس من الجيد أن أخذه معي في تلك الرحلة ، وانطلقت اشق الطريق شقاً نحو القبور ، وما أدراك ما القبور ؟

كانت آلاف السيناريوهات ترسم في ذهني حول قصة الفتى الذي وجدته في القبر والذي طلب المساعدة قبلاً ، ما إن وصلت إلى المقابر حتى حاولت تصفية ذهني ليكون كل تركيزي على الأمر.

عدت للمرة الثانية أسير بين القبور و خلال يومين فقط ،  وصلت إلى القبر الذي كنت عنده بالأمس ، وقفت أنظر له برهبة شديدة ، رهبة من يتيقن أنه سينزل لمكان مثله عندما يموت ولن يخرج منه أبداً.

لقد نسيت أمراً في غاية الأهمية ، ماذا بعد؟

لم أخطط ماذا سأفعل بعد أن اقف أمام القبر وكأنني أظن أن بمجرد وقوفي أمامه سأعرف كل شيء، جلست أمام القبر أتلو بعض الآيات بصوت مرتفع نسبياً حتى شعرت بالهدوء والسكينة، تناسيت نفسي طويلاً وأنا أتلو حتى أوشكت الشمس على المغيب ، يا للمصيبة يجب أن أخرج من هذا المكان حالاً ،

ولكني لم أفعل شيئاً ولم أستفد شيئاً من الأمر، تذكرت أمراً هاماً ، ألم يكن باب القبر مفتوحاً من قبل؟

اقتربت منه وقد عاودني خوفي ، دفعته بهدوء فلم يُفتح ، دفعت بقوة أكبر فأنفتح على مصراعيه ، ولكن ماذا بعد ؟ لا ، لا سأذهب من هنا، التفت بهدوء لأصرخ صرخة المصروع ، الفتى المشوه الوجه كان يقف خلفي مباشرة ، وقفت أشهق من هول الصدمة ، قلبي سيتوقف عن العمل عاجلاً أم آجلاً ، نظرت لعينيه البيضاء وارتجفت من قمة رأسي وحتى اخمص قدماي، رفع يده بهدوء شديد وأشار نحو القبر، ما هذا ؟

هل يقصد أن أدخل إلى القبر ؟ هذا مستحيل !.

وقفت ارتجف أمامه وقد رفضت قدمي أن تنصاع لأي أمر مني، رأيت دموعاً سوداء تنساب من عينيه وصوت نحيب يأتي منه ، انهمرت الدموع بعدها بلا توقف وهو لا زال يشير للداخل ، صوت النحيب يعلو وتكونت أسفل منه بحيرة من الدموع، شعرت بالرعب الشديد وقفزت للداخل ، و ما أن لامست قدمي أرضية القبر حتى توقف النحيب تماماً ، وقف ثابتاً كما هو يشير للداخل ، اقتربت من الركن و جثوت على ركبتي أتحسس الرمال، اتسعت عيني ذهولاً حينما رأيت بعض العظام الصغيرة ، فزعت من مكاني ، يبدو أن هذا هو رفات الصغير، لفت نظري تلك القلادة المضيئة، التقطها بيدين أوشكا على التيبس، ما إن التقطها حتى أختفى الطفل كأن لم يكن .

خرجت أركض من المكان كمن فقد عقله حتى وصلت للسيارة وانطلق بها على غير هدى حتى وصلت إلى مقهى صغير، طلبت كوباً من الشاي وجلست بجواره أتحسس الدفئ منه .

أخرجت القلادة الصغيرة ، فوجدتها من الذهب الخالص ، ما لفت انتباهي هو الاسم المكتوب عليها، ” حازم الخليل محمد الخليل ” إذاً هذا هو طرف الخيط ، يجب أن أعرف من قتل هذا الصغير ، تلك البلدة هي بلدة زوجتي وأنا أعرف أقاربها ومن هناك سأبدأ بالبحث .

بعد ساعتين كنت أجلس مع أعمام زوجتي الذين بالغوا في كرمي ، بعد الأكل والشرب وخلافه ، فكرت أن اسأل عن الخليل محمد الخليل ، ولكن بحنكة حتى لا يشك أحداً في أمري ، فقلت :

هل يعرف أحدكم أحداً في هذه البلدة يسمى الخليل محمد الخليل ؟

وجمت الوجوه وقال أكبرهم سناً :

نعم ، نعرفه و لكن لماذا تسأل ؟

– زوجتي رحمها الله كانت مدانة له بمبلغ من المال وأريد أن أعطيه له.

– كيف هذا والخليل قد مات منذ سنتين كاملتين و زوجتك ماتت منذ أيام لماذا لم تسد دينها طوال تلك المدة ؟

تلعثمت قليلاً و قلت : ربما كانت تقصد زوجة الخليل ، فأنا أريد مقابلتها لأعطيها المبلغ.

تحدث أحدهم بعصبية وقال : إياك أن تذكر هذا الحديث أمام أحد من البلدة و إلا فلن ينالك سوى العقاب.

شعرت بدهشة لحديثه ولكني غيرت الموضوع وتركتهم وذهبت .

بعد أن تركتهم رأيت أحدهم يركض خلفي ويقول :

أنتظر فأنا أريدك.

جلسنا على أحد المقاهي وبعد أن شربنا الشاي قال :

الأمر ليس دين إذاً قل لي لماذا تسأل عن الخليل ؟

صدقني الأمر في غاية الأهمية وأنا احتاج مساعدتك ، أريد أن أقابل زوجة الخليل

لا يمكنك هذا أبداً، فبعد أن مات الخليل تزوجها رجل ظالم يخشاه أهل البلدة جميعاً ، يُسمى الطحاوي وهو رجل لا يتوقف عن الظلم وإيذاء الناس ، ولو علم أن هناك من سأل أو قابل زوجته فسيقتله في الحال ، نظرت بحزن للأسفل فقال لي :

هل الأمر مهم لتلك الدرجة ؟

– نعم مهم لأبعد مدى .

– حسناً فلتبيت معي وأنا سأجعلك تقابلها وهذا لأجل زوجتك رحمها الله.

في الصباح طلب الرجل من زوجته أن تتصل بزوجة الخليل سابقاً والطحاوي حالياً وتطلب منها المجيء لأمر ما ، نفذت الزوجة الأمر والتي كانت صديقة لها ، ساعة وحضرت زوجة الطحاوي وجلست في المنزل ، خرجت عليها فنظرت لي بخوف فطمأنها قريب زوجتي وقال لها :

سيخبرك أمراً ما فقط وسيذهب فهو ضيفنا وزوج قريبتي رحمها الله.

خرج الرجل وتركني مع زوجة الطحاوي فقلت لها:

– هل تعرفين فتى أسمه حازم ؟

نظرت لي بلهفة و قالت : نعم هو أبني هل وجدته ؟

– قبل أن أخبرك بالأمر يجب أن تخبريني قصتك كاملة وهذا شرطي.

– لقد تزوجت أبن عمي الخليل منذ سنوات وأنجبت منه حازم ، توفى الخليل بعدها وبقيت أنا على حالي أرملة ، بدأ الطحاوي يتقدم لي وأنا أرفضه لأنه كان ظالماً ولكنه ومع تسلطه وظلمه قبلت به في النهاية وتزوجني ، كان لا يطيق الصغير بل ويضربه كل يوم على أتفه الأسباب، حتى أنه كاد أن يقتله يوماً ما لولا أن دافعت عنه وكانت النتيجة أن شجت رأسي من ضربته بالعصا .

كان يقول لي دائماً أن حازم يفسد جلسته معي وهو يريدني أنا فقط و دون أي شريك هكذا قال .

و في يوم أختفى الصغير ولم يعد أبداً، بكيت يومها كثيراً ، ولكن الطحاوي كان في غاية السعادة وها أنا أبحث عن أبني من يومها ولم أجده ، والأن أخبرني هل وجدت ابني ؟

أخرجت لها القلادة فتلقفتها بلهفة وقالت : أنها ، قلادته التي أخذها هدية من والده ، أين وجدتها اخبرني ؟

– البقاء لله لقد مات أبنك .

انتفضت من مكانها و راحت في نوبة بكاء هستيرية ، حاولت تهدئتها وبعد محاولات كثيرة قالت :

كيف مات ؟

– هل تريدين ثأراً ؟

– هل مات مقتولاً.

– نعم ، ولكن أخبريني عن ملابس الطحاوي؟

– أنه لا يرتدي سوى الأسود في كل شيء .

تذكرت حينما رأيت ذو السواد وهو يلقي الصغير في القبر فقلت : لقد قتله زوجك.

صرخت من المفاجأة وقالت : سأقتله .

– لا ، لا أنتظري حتى لا تفسدي الأمر.

و بعد نصف ساعة كانت هادئة وبدأت تسمع مني .

– هل الطحاوي يحب المال .

– جداً جداً.

– حسناً ستخبريه أن هناك رجلاً غريباً يحفر في القبور بحثاً عن مقبرة مليئة بالكنوز ، وأنك سمعتي الأمر من بعض النسوة حينما كن يزرن الموتى واتركي الباقي لي .

بعد منتصف الليل، كنت أنتظر على أول المقابر، أتمنى أن تؤدي الزوجة دورها ببراعة ، ما لبثت قليلاً حتى رأيت رجلاً ضخم الجثة يرتدي السواد و بجواره رجلين يقتربان من المقابر ، ظهرت لهم وكأنني لم أقصد و وقفت أرتعد ، اقتربوا مني وقال الطحاوي :

– من أنت ؟ ولماذا جئت إلى هنا ؟

– سأخبرك ولكن لا تؤذني .

– حسناً أخبرني.

لقد وجدت مقبرة مليئة بالذهب وأبحث عن من يحمل معي الذهب ولا أجد من يساعدني ، لمعت عينيه ببريق مخيف وقال :

– حقا ؟

– نعم ، فهل ستساعدني لاستخراج الكنوز ولك نصف الكنز ؟

قال لي : لا ، لي ثلاثة أرباع والا سأقتلك هنا.

مثلت دور المرتعب ببراعة وقلت : لك ذلك .

طلبت من الرجلين أن يسرعا ويحضرا ألة حفر ، فذهب أحدهم وبقي الأخر ، فقلت للطحاوي

: أنا لا ائتمن أحداً سواك ولن أدلك على الطريق إلا حينما يذهب هذا الرجل.

نظر لي بشك ولكنه طلب من الرجل الأخر أن يتعجل زميله ، انطلقنا وأنا أحاول إدهاشه بتلك المقربة التي وجدتها وأننا نحتاج فقط لأداة حفر لاجتياز صخرة بسيطة لنصل إلى الكنز ، وصلنا إلى القبر، قبر الصغير حازم ، تعثرت أمامه وأنا أمثل أنني ملهوف على الكنز، دعوت الله ألا يلاحظ أن هذا القبر هو قبر الصغير والذي قتله ودفنه فيه من قبل .

وقف على الباب وكاد أن يدلف ولكنه توقف مكانه ونظر لي وقال : قبر من هذا ؟ وكأنه يتذكر ، لم أمهله لحظة وضربته بقدمي فسقط داخل القبر ، أغلقت الباب في لمح البصر و وضعت عليه قفل من الخارج ، في تلك اللحظة ظهر الصغير مشوه الوجه نظر لي وابتسم ثم أخترق الباب كالهواء ودخل إلى القبر.

سمعت صوت صراخ رهيب قادماً من الداخل وكأن أحدهم قد سقط في قلب الجحيم ، طرقات وصيحات وعشرات الأصوات المفزعة تأتي من القبر، بالطبع لم انتظر لأسمع كل هذا وأنما انطلقت كالصاروخ نحو سيارتي التي ركنتها مسبقاً في منطقة نائية غير ظاهرة للأعين و ركبتها وانطلقت كالصاروخ ، في طريقي قابلت رجلاً يحمل معول ، أنه نفس الرجل الذي كان مع الطحاوي ، ابتسمت وقلت في نفسي : ليس هناك كنز أيها الأحمق .

وصلت إلى البيت و نمت على الفور لأرى حازم و لم يعد وجهه مشوهاً وأبتسم لي وغمز بعينيه.

 

تمت بحمد الله

 

تاريخ النشر : 2018-06-19

guest
45 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى