أدب الرعب والعام

صائدة الجنود

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

الكل يهمس هنا ويتحدث عن صائدة الجنود

معسكر وسط الصحراء لا تجد أي أثر للحياة حوله ، أسلاك شائكة حوله ، جبل كبير أمام المعسكر ، يطلقون عليه معسكر الموت لحدوث حالات قتل يومياً داخله ، الكل يهمس هنا ويتحدث عن صائدة الجنود والقديم يحكي ويقول أنها شيطانة جبارة تقتل الجنود ليلاً ، يومياً جثة لجندي تخرج من المعسكر ليدخله جندي جديد لأداء الخدمة بدلاً منه ……

الليل وما أدراك ما ظلمة الليل ، سكون رهيب ، ذئاب تعوي ، رياح تغضب وتهدأ ، أصوات مفزعة قادمة من فوق الجبل حيث الصحراء اللامتناهية ، يحكي الجندي الذي يقف على البرج ما رآه ..

حينما أكون واقفاً علي البرج أري يومياً فتاة رائعة الجمال واقفة فوق الجبل ، وأسفل البرج خارج البوابة يقف زميلي محمود ، في ذلك اليوم رأيت ضوء فستانها يضيء الليل ، عيناها تشعان ناراً تتأجج ، سمعت صوتها الملائكي وهي تنادي على محمود ليصعد لها ، صوت عذب لا يقاوم ، لأرى محمود كالمنوم يصعد الجبل لها ، أدركت الفاجعة وصرخت محمود ، محمود ، ولكنه لم يجيب وصعد حتى وصل لها ، قلبي يخفق من الرعب على صديقي ، حتى رأيتها تلتهم صديقي نعم صدقني ، رأيت مخالبها تنغرس في عنق صديقي ثم تشرب من دمائه ، وسمعت صراخ المسكين وهو ينتفض انتفاضاتٍ عنيفةٍ جداً حتی سكن جسده وتركته ، ثم اقتربت بكل بطء وأقسم لك لقد كانت لا تمشي فقدمها مرفوعة عن الأرض …..

وقفت على باب المعسكر وأنا أرتجف من الرعب ، فلو حاولت النزول من على البرج قد تقتلني ولو بقيت قد تصعد لي ، جسدي فقدت السيطرة عليه ، دموع قهر وخوف نزلت من عيني ، وقفت على البوابة ونظرت لي وابتسمت ، ثم تلاشت هكذا بكل بساطة …

**

هذا هو يومي الأول في هذا المعسكر ، أنا معاذ واقف مع صديقي الجديد وهو يحكي لي عما رأى ، بالمناسبة هو يدعى يوسف .
بالطبع لم أقتنع بكلامه أبداً فأنا جديد هنا وهو يحاول أن يخيفني ، فهي لعبة قديمة وأنا لا أقتنع بتلك الخرافات ، لم أكذبه ولكني فضلت الصمت …

**

خدمتي في أول يوم كانت على البوابة الشرقية ، وقفت خارج البوابة في مواجهة الصحراء ، ليست البوابة التي تواجه الجبل فتلك البوابة الغربية ، رأيت العجب في تلك الليلة ، أقف في ثبات وأنا لا أرى ما بعد الخمسة أمتار أمامي ، سلاحي في يدي ، سمعت همسات قادمة من الصحراء تهمس وتنادي معاااااااااذ ، ارتجافة في كل أوصالي ولكني تماسكت حتى رأيت كيان أسود يتقدم من بعيد شهرت سلاحي في وجهه وأنا خائف جداً حتى توقف في الظلام بحيث لا تراه لأن أضواء المعسكر تنير ما حولها بخمسة أمتار وهو توقف بعيداً عن المعسكر بحوالي ستة أمتار ، أنا فقط أرى كيان ولا أحدد له أي ملامح ، صرخت فيه من أنت ، أو ما أنت …

عيناه بدأت تلمع في الظلام وهو ثابت مكانه ، وفجأة أصدر عواءً طويلاً جداً جعل جسدي ينتفض أربع مرات ، لقد كان ذئباً ثم انطلق بعيداً ، بالطبع لن أطلق نيران وأفتعل حالة طوارئ فقد يسجنني الضابط المسئول عنا …..

بدأت أردد بعض الأيات وأنا أدعو الله وأندب حظي بأن جئت لهذا المعسكر حتى سمعت خطوات قادمة من الظلام ببطء شديد ، شهرت سلاحي وصرخت وقد فقدت السيطرة على أعصابي من أنت ، رأيت بيادة تمشي بدون جندي ، نعم اقسم لك ، البيادة هي حذاء الجنود ، تمشي في هدوء مرعب تتقدم قليلاً ثم تعود للخلف ، جسدي يرتجف من الرعب ، لساني أصابه شلل حتى سمعت صرخة جعلتني أنهار أرضاً ، صرخة إنسان يحتضر ، وبعدها أجهزة الإنذار اشتعلت بالضجيج ، ليجتمع الجنود والضباط ….

**

في الصباح ، نعم ، جثة أخرى فوق الجبل المواجه للبوابة الغربية ، جثة كانت ممزقة العنق وعيناها تنظران بفزع ، الوجه أزرق كوجوه الموتى ، صرخ الضابط فينا بعد أن جمعنا هذا جزاء من يترك الخدمة ويترك مكانه تقتله الذئاب ، قلت في نفسي أي ذئب هذا الذي يجعل وجه الجثة أزرق ، أي ذئب هذا الذي يقتل ويترك الجثة بدون أكل أجزاء منها ، نظرت ليوسف رأيت الرعب في عينيه ، بدأت أصدق هذا الشاب ، فهو من نظراته واضح أنه قد رأى شيئاً فظيعاً .

**

كانت صدمة شديدة حينما طلبني الضابط وقال لي لقد كلفتك بحراسة البوابة الغربية المواجهة للجبل يا معاذ ، نظرت له برعب فقال لي لا تخف الذئاب تأكل من يصعد الجبل فقط ، قلت له لقد سمعت عن صائدة الجنود ، نظر لي بغضب وقال هذه كلها أوهام لا تصدق ، هذا أمر من اليوم أنت علي البوابة الغربية ….

الليل يهجم سريعاً جداً حينما نستأخره ، بدأت خدمتي نظرت لصديقي فوق البرج ودموعي داخل عيناي تريد أن تنهمر ، تذكرت أمي وإخوتي وبدأت أبكي بصمت ، نطقت الشهادتين ثم بدأت خدمتي …

نصف الليل مر ولم يحدث شيئاً ، بدأت أصدق الضابط هي ذئاب لا أكثر ، تبقّى ساعتين ويأتي الفجر ، فرحت كثيراً و ابتسمت ، نظرت بانبهار لهذا الضوء فتاة في غاية الروعة والجمال ، كل جمال الكون قد تجسد في تلك الفتاة واقفة فوق الجبل ، نظرت لها وقد نسيت من أنا من شدة إنبهاري بجمالها ، سمعت صوت عذب يقول معاذ تعال
قلت في نفسي أنا قادم يا حسناء وصعدت الجبل لل.. للحسناء ..

ما أجملك يا فتاة ، كل هذا النور يشع منها ، جمال لم أرَ مثله في حياتي ، تقدمت ناحية الجبل ونظري كله للأعلى حيث الجميلة الفاتنة ، خطوة بعدها خطوة وصلت لنصف الجبل وعيناي لا تنظران سوى لعينيها ، ما أجملك يا حسناء ، عيناها كالمغناطيس لا أستطيع أن أبعد نظري عنها ، أحسست بضربة موجعة جداً في رأسي وسالت الدماء من رأسي ، أفقت مما كنت فيه لأنظر لأرى صديقي يصرخ من فوق البرج ويناديني ، ورأيته يلقي أحجاراً صغيرة ناحيتي حتي أن أحدهم أصاب رأسي ، استوعبت الموقف بسرعة شديدة نظرت أعلى الجبل لأرى الفتاة تنظر بغضب وقد أصبح وجهها شديد السواد ، أطلقت العنان لقدمي وانطلقت أركض أسفل الجبل وإذا بها تركض خلفي وتصرخ باسمي بصوتٍ قاسي ، صوت جعلني أكره اسمي بقية حياتي ، معاااااااااذ ….

اقتربت كثيراً ورأيت مخالبها وهي تركض خلفي ولكني قفزت بجسدي داخل المعسكر وتوقفت هي على البوابة وصرخت وتوعدت ، الموت هو نصيب كل منكما ثم تلاشت ، أنفاسي تتسابق لسحب الهواء ، قلبي يدق بكل عنف ، نظرت لصديقي أعلى البرج فابتسم لي ……

**

ثاني يوم ، علم الضابط بإصابتي ولكني كذبت عليه في سبب الإصابة خوفاً من غضبه فكتب لي راحة اليوم

**

كلف الضابط يوسف أن ينزل الليلة من علي البرج ويقف على البوابة الغربية ، بكى يوسف وقتها ولكن الضابط عنفه وقال له الأوامر لا تناقشها ….

عرفت من يوسف ما حدث فقلت له لا تخف مع حلول الليل ستجدني معك طوال الليل بجوارك لن أتركك ، ذهبت لمكان الراحة ونمت حتى يحل الليل ،،،

**

كهف مظلم شديد الظلام وهناك أنين شخص ، اقتربت أكثر حتى وصلت لنهاية الكهف فوجدت فتاة تنكمش على نفسها وتبكي ، اقتربت منها وفجأة رفعت وجهها ونظرت لي ، وجه أزرق كوجوه الموتى وعينان صفراء ، ثم انقضّت علي وصرخت لقد هربت مني سوف أقتلك ، وغرزت مخالبها في عنقي ، انتفضت من فراشي بشهقة عالية جداً ، نظرت في الساعة وجدتها الثالثة ، هدأت من روعي ولكني انتفضت الجو بالخارج مظلم كيف هذا ؟ إنها ليست الثالثة عصراً ، إنها الثالثة بعد منتصف الليل ، صرخت بصوتٍ عالٍ يوسف و انطلقت ….

خرجت من المعسكر وأنا أركض ولكن أين يوسف ، ناديت بأعلى صوت ولكن ما من مجيب ، صعدت الجبل ونظرت بعيداً لأرى منظراً مفزعاً ، فتاة شعرها يزحف وراءها على الرمال تحمل يوسف فاقد الوعي أو ميت لا أعرف ، ودخلت كهف ، غريزتي تقول لي لا تذهب ستقتلك ، ونخوتي تقول لي لا تترك صديقك ، هو من أنقذك فذهبت للكهف …..

نفس الكهف الذي رأيته في الحلم ولكن الكهف يشع نور أزرق من الجدران ، ما هذا السحر ، دخلت الكهف وأنا أرتجف من الرعب ، دعوت الله كثيراً أن أنجو ، أمشي بكل حظر داخل الكهف حتى سمعت صوت أنين ، تذكرت ما حدث في الحلم ولكني لن أتراجع مهما كان ، وصلت لنهاية الكهف لأرى يوسف مقيد بسلاسل والدماء تنزل من فمه ومظهره يدل على أنه قد تعرض لأشد أنواع العذاب ، اختبأت قليلاً في شق داخل الحائط ، حينما رأيت فتاة بشكل مرعب تقدمات من يوسف وصرخت فيه : هل تأخذ مني صيدي يا قذر ، لن أقتلك قبل أن أريك العذاب …

يوسف يأن من شدة التعب ، الفتاة تتلاعب بجسده بمخالبها ، يبكي من الألم ، صرخت في نفسي صديقك ولا تتركه ، حملت حجر كبير بجواري داخل الكهف وصرخت فيها يا شيطانة ، وضربتها في رأسها فصرخت بصوت مرعب ورأيت سائل أزرق ينزل من رأسها وهي تتألم أرضاً ، صرخاتي داخل نفسي يارب ، يارب …

حللت وثاق صديقي بسرعة وحملته وركضت ولكن انغرزت مخالب داخل قدمي فوقعت أرضاً وأنا أصرخ من الرعب ، رأيت الشيطانة تقف وتقترب مني وأنا أشهق بسرعة شديدة ثم رفعت مخالبها و ..

ضربها يوسف بالحجر على رأسها ثانية وثالثة وهي تصرخ وتصرخ وساعدني يوسف وهربنا من الكهف ، صرخات مرعبة تخرج من الكهف وأنا وصديقي نركض بسرعة شديدة ، حتى وصلنا أعلى الجبل ، لأسمع صوتها تصرخ وهي تركض خلفنا ، نظرت خلفي رأيتها بفستانها القذر بتلك المادة الزرقاء وجهها دميم الشكل ، نزلنا الجبل و أنا أصرخ من قدمي ولكنها اقتربت كثيراً ، سقطنا أرضاً وتدحرجنا أنا وصديقي وشعرت بألم شديد ودوار شديد.
المعسكر يقترب وصرخاتها تقترب حتي فقدت وعيي …

أفقت لأري يوسف بجواري وطبيب ولواء ، ما علمته بعدها ، أن يوسف استطاع أن يقف ويسحب جسدي داخل المعسكر ، وهي وقفت أمام البوابة ثم نظرت ليوسف وقالت سأنزع روحك من جسدك يا لعين ، سأقتلك مهما حدث وانطلق لأعلى الجبل .

**

اللواء #محمد_عنان بعد أن تقدم له عدة بلاغات عما يحدث من حالات قتل داخل المعسكر حضر في صباح تلك الليلة المشئومة و رأى ما حدث ليوسف ومعاذ فقرر ترحيل الجنود وإغلاق المعسكر بأوامر من جهات سيادية …

بعد ثلاث سنوات : الكاميرا تأخذنا لداخل كهف تشع جدرانه نوراً أزرق ، فتاة تقف داخله في غاية الجمال وتبتسم ، انطلقت الفتاة بعد أن علمت أن المعسكر قد تم افتتاحه من جديد ، وقفت فوق الجبل بفستانها الرائع لتنادي على الجندي مصطفى الذي يقف امام بوابة المعسكر …

**

أسطورة #صائدة_الجنود : من الخطر معرفة تلك المعلومات ولكن يجب أن أجعلك تعرف الحقيقة كاملة : مخلوقة من مخلوقات الأرض السابعة أقوي من الجان والشياطين استطاعت ببعض السحر أن تصعد لسطح الأرض وتسكن أحد الكهوف ، لا تحب إلا الدماء البشرية فقط وخاصة دماء الجنود …

تمت

ملاحظــة :
القصة منشورة سابقاً في موقع آخر لنفس الكاتب

تاريخ النشر : 2018-06-29

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى