أدب الرعب والعام

العقل الخائن (2)

بقلم : Akuma By Angel – KSA

احتجت أن انفصل عن ذاتي لبعض من الوقت وأن أتوقف عن العيش في هذه الحياة

كنت أشعر بالحيرة الشديدة ولم أتوقف عن ملامة نفسي لتحمل مسؤولية كل هذا. لم أستطع الانتظار فأردت بشدة الامساك بمن كان وراء تلك الليلة اللعينة. كنت أعلم أن أحدهم يتلاعب بي ولكني لم أعلم من يكون. بحثت في مكتبي لعلي أجد دليلاـ ما يقودني إلى الشخص الذي كان هنا. نظرت هنا وهناك إلى أن وقعت عيني على مسجل الشرائط وكان مستمراً في التسجيل. يبدو أنني نسيت إيقافه لبعض من الوقت. شعرت بالفرح فقد ظننت أنه من الممكن أن أعثر على شيء بداخله. أوقفته و أعدت تشغيله من اللحظة التي غادرت فيها المكتب. كما أخبرتكم من قبل لقد أغلقت الباب خلفي وقد شهد أيضاً هذا الشريط على ذلك. استمعت جيداً لما حدث بعد مغادرتي ولكن لم يكن هناك أي صوت. يبدو أن توم أيضاً توقف عن محادثة دميته. بعد بضعة دقائق من الصمت بدا لي أن أحدهم يحاول فتح الباب. تعالت أصوات الخطوات شيئاً فشيئاً حتى شعرت بأن أحدهم وقف حيثما أقف أنا. أحدهم فتح الدرج الذي بجانبي. قمت بفتحه لأرى إن كان هناك شيء مفقود فوجدت كل شيء كما هو عليه عدا أن المفتاح الذي استعرته من مكتب الطبيب ويليام لم يكن موجوداً. المفتاح الذي يفتح جميع الأبواب في هذا المكان اختفى. في حوزة من يا ترى هو الآن؟

لا أجد الكلمات المناسبة لأعبر لكم فيها عن شعوري في تلك اللحظة. شعرت بأنني بيدق ويتم التلاعب بي, شعرت بالجنون والضلال. كان من الواضح أن ذلك لم يكن عملاً من أعمال إحدى المرضى. شعرت بأن شخصاً بكامل قواه العقلية خلف ذلك. ولكن من يكون؟ من يكون؟

4

من يكون ذلك أم من أكون أنا؟ شعرت بأنه يجب أن أعيد صياغة سؤالي لأصلح أفكاري. شعرت بأني فصلت عن نفسي وعن كل ما يحيط بي. لم أستطع قراءة ما بين السطور التي كتبها عقلي المتعفن. كان من الصعب أن أحدد في أي مرحلة أنا. طاردتني بعض الذكريات المؤلمة وقادتني إلى الجنون فلم أستطع التعرف على نفسي. الذكريات يسهل التنبؤ بها, الأقسى و الأسوأ هو ما نقوم بتذكره دائماً. استمرت العديد من الأحداث الغير مترابطة بالظهور في مخيلتي كما لو أنني أعيش حياة شخص آخر. كما لو أنني مصابة بالهستيريا و الهذيان, كما لو أني ألف قطعة في إنسان. احتجت إلى بعض من الراحة, احتجت أن انفصل عن ذاتي لبعض من الوقت وأن أتوقف عن العيش في هذه الحياة. الحياة التي جعلتني من ضمن العديد من أكاذيبها. الأشخاص الذين التقيت بهم كانوا من المتغيرات في حياتي. كانوا يرتدون أقنعة جميلة في عيد القديسين. كانوا يتغيرون كما تغير أشجار الخريف أوراقها. لم يكونوا حقيقين على الإطلاق.

جلست تحت مكتبي لأجمع أشتات نفسي. فقد كانت تلك إحدى عادات طفولتي حينما أشعر بالضيق وعدم الأمان والكدر. شعرت بخوف شديد وكان الوقت يمشي على مهل. تمنيت أن تنتهي تلك الليلة لأبصر ضوء الصباح ولكن تذكرت بأنني لم أتم العديد من المهام. تلك المهام التي أوقعت نفسي بها للإمساك بالمريضة الهاربة. تشابكت العديد من الخيوط في مخيلتي وتصادمت العديد من المشاعر داخل صدري. لماذا كان كل ذلك من نصيبي لماذا لم يكن شخصاً آخر بدلاً عني؟ ماذا إن كنت الآن في منزلي أشاهد فيلماً مخيفاً مع شقيقتي؟ لطالما أحببت مشاهدة أفلام الرعب وما بها من تشويق و تلاعب بالأعصاب. ولكن الأمر مختلف حينما يصبح واقعك واحداً من تلك الأفلام. إن كنت خارج الصورة سأملك القدرة على رؤية النهاية بكل وضوح. سأستطيع معرفة الضالة التي تبحث عنها بطلة الفيلم. سأستطيع اكتشاف الخائن وسأجد طريقي من كل هذا. ولكن الأمر مختلف الآن فأنا عالقة بداخل هذا الفيلم المخيف ولا يوجد أحد لمساعدتي. ماذا إن لم أكن البطلة في الأساس؟ ماذا لو كنت الشخص السيئ ؟ ماذا لو كان كل هذا كابوساً وسأستيقظ منه عما قريب ؟ ماذا لو كنت أنا الفريسة وسأقتل في نهاية المطاف؟

خرجت من أسفل المكتب أتثاءب فقد شعرت بالنعاس ولابد أنني غفوت لما لا يقل عن ساعة. كانت الساعة تشير إلى الثانية وخمس وعشرين دقيقة صباحاً . كما هو متوقع فالوقت كان ألد أعدائي تلك الليلة. عن ماذا كنت أحدثكم سابقاً ؟ مازلت أذكر ولكني شعرت بأن قرائي الأعزاء يحتاجون أن أذكرهم. أخبرتكم في السابق أنني أضعت المفتاح وأنه بحوزة شخص ما الآن, شخص يتلاعب بي. أخبرتكم بأنني فقدت أثر توم حينما عدت ولا أدري أين يكون الآن. المشتبه به هو المريضة الهاربة ولكني مازلت أشك في قدرة مريض على التفكير بدهاء.

أين يجب علي أن أذهب الآن لأبحث عن كل ما أضعت؟ أين اذهب داخل جدران هذا المكان اللعين الذي يحمل بداخله العديد من الأسرار التي لا أستطيع اكتشافها والعيش معها. ممن يجب علي طلب المساعدة؟ من المرضى أم ممن سيصبحون عما قريب مرضى؟ شعرت بالضياع في مكان لا أنتمي إليه, اشتقت إلى الممرضة ليلي وحنانها. اشتقت أيضاً إلى الطبيب ويليام بكل ما فيه من قساوة. متى ستشرق شمس هذا الصباح؟ متى سيصبح هذا المكان مجدداً مسكوناً بجنون العقلاء؟ متى سيصبح هذا المكان لي وطن لأنني أشعر الآن بالضياع ؟

” دكتورة اليكس أنت هنا؟”
سمعت صوت طفل ما فجأة من العدم. خرج توم من خلف الستائر والدمية ماتزال في يده.
” ما الذي كنت تفعله خلف الستائر يا توم؟”
سألته بصوت يملؤه الخوف.
” كنت أختبئ هناك طوال الليل.”
أجابني وهو يقضم أظافره.
” بعد ما ذهبتِ أحسست بأن أحدهم يحاول الدخول فخفت واختبأت خلف الستائر وانتظرتك.”
أضاف على ما أجابني به سابقاً .

” من الذي اقتحم المكتب؟ أخبرني يا توم لابد أنك رأيته؟”
سألته بعدما انحنيت له واقتربت منه.
” لا أعلم من تكون ولكنها كانت طبيبة.”
قال.

” ما الذي يجعلك تظن أنها طبيبة؟” سألته.

” كانت ترتدي زياً أبيضاً كالأطباء ولكن الغريب في أمرها أنها كانت ترتدي أسورة المرضى كهذه التي على يدي و كالتي ترتدينها, وأشار بخوف بإصبعه نحو معصمي. نظرت إلى يدي لأرى ما كان يقصد و وجدت معصمي مقيداً بأسورة من أساور المرضى فنزعتها لأرى لمن تكون وتسألت كيف وجدت طريقها نحوي. قرات ما كتب عليها وكان كالتالي.
” اليكس كاميليون, العمر 26 سنة, مصابة بمرض تعدد الشخصيات.”

عدت بخطواتي للوراء إلى أن اصطدمت بالمكتب ووقعت أرضاً . تساءلت عن واقع ما قرأت وكانت تلك لحظة الحقيقة وكنت أنا الضحية. وقوف توم أمامي بدميته المهترئة أيقظ بداخلي العديد من الذكريات التي ظننت أنني محوتها ونسيتها. تذكرت ما لم يمحوه عقلي على الاطلاق ، تذكرت أنني عرفت بنفسي بعدة أسماء. كما لو أني عشت العديد من الحيوات داخل حياة واحدة. شعرت بأني قطع محطمة لا يمكن إصلاحها. إن كنت مريضة كيف لي أن أصبح في زي طبيبة في نهاية المطاف ؟ إن كان هذا مكان للمجانين كيف لي أن أكون من العقلاء؟ هل هذا نوع جديد من العلاجات والتجارب الحديثة حينما يصبح المجانين هما المدراء؟ ألا يستمتع الأصحاء بممارسة ألاعيبهم وطغيانهم علينا بعد الآن؟ احتجت لمن يخبرني من أنا. احتجت أن أعرف من أكون الآن ومن كنت في السابق ومن من المحتمل أيضاً أن أكون مستقبلاً . شعرت بأن كل شيء في حياتي انقلب رأساً على عقب كانقلاب السقف الذي كنت أحدق به. كنت متعبة من محاولتي لفك الشفرة و حل الأحجية لأصل إلى حقيقتي. احتجت إلى من يخبرني الحقيقة ببساطة وجهاً لوجه, من هي عائلتي والأهم من ذلك ، من أكون؟

5

بينما اختلط ما بي من عقل مع الجنون شعرت بأن الشخص الذي كنت عليه هو الأضعف. تجمدت في مكاني وتوقف بي الوقت. اجتاح عقلي الصمت والفراغ لم تستطع أدنى فكرة من العثور على طريقها إلى عقلي. تخدر جسدي واستلقيت على الأرض الباردة بشلل. كان توم يقف أمامي كالسابق ولكني لم أكن متأكدة إن كان حقيقة أم من نسج خيالي. لم أستطع التفريق بين الحقيقة والخيال. لم أستطع أن أرى خلف ما تراه عيناي وإن استطعت لكنت شككت بذلك.

تداخلت العديد من الأشياء داخل عقلي, كيف لعقلي أن يخذلني؟ كيف له أن يجعل نهايتي هكذا ؟ استمريت في تكرار ضمير الفاعل أنا كأنني حقاً أعلم إلى من يعود. أي من الأشخاص بداخلي كان المتحدث؟ كم عدد الأشخاص الذين يعيشون بداخلي؟ كم عدد الأشخاص الذين فقدتهم بتعدد شخصياتي؟ بالتأكيد لم يحبني أحد وكنت منبوذة. بالتأكيد كنت أعيش حياتي وحيدة ولم يفهمني أحد قط. من هم عائلتي؟ شعرت بأني متبناة من قبل جنوني. كما لو أنني عشت لأصدق ما يمليه علي جنوني من أكاذيب وتأويل لذواتي. ومع ذلك قد كان الجنون الحقيقة الوحيدة التي عرفت. كيف لي ألا أصدقه؟

لم يستغرق الأمر طويلاً فقد تحققت أمنيتي سريعاً. كان ذلك قبل الفجر بقليل, إن لم أكن متأكدة من قبل بخصوص أي شيء أؤكد لكم أني دائماً محقة حينما يتعلق الأمر بالوقت على الأقل. كنت أجلس حيثما كنت من قبل أسفل المكتب وذراعي تلف كامل جسدي. سمعت خطوات أحدهم تقترب باتجاهي. أخرجت رأسي بما يكفي لأرى من ذلك. كانا الطبيب ويليام والممرضة ليلي ولكني لم أتعرف على الطريقة التي كانا يحاولان بها إيجاد فريسة ما. شعرت بأنهما غريبان وبأنني لم أعرفهما قط.

” اخرجي يا اليكس نحن نعلم بأنك هناك.”
قالت الممرضة ليلي بنبرة يملؤها الشر. كان الطبيب ويليام يحمل حقنة في يده اليمنى وظلت الممرضة ليلي تبحث على قطتها الضالة. شعرت بالخوف منهما فقد كانا يمارسان سلطتهم علي كأطباء.

” ها أنت ذا.”
قال الطبيب ويليام بينما أرخى جسده ليلقي نظرة علي بعينيه الزرقاء الباردة.
” احكمي امساكها.”
توجه بالكلام للمرضة ليلي بينما كان يملأها الفرح لتطيعه.

” ابتعدا عني !! ما الذي تفعلانه دعاني وشأني”
صرخت بما أوتيت من صوت ولكن لم ينقذني أحد فقد تمكنا مني وحقناني بما في داخل تلك الحقنة من مادة أفقدتني الوعي ولكن قبل أن أفقد وعيي سمعتهما يتحدثان عن تجربة جديدة ولكني لم أكن محظوظة بما فيه الكفاية لأستمع إلى النهاية فقد فقدت الوعي.

أكاذيب !! جميع ما نعيشه أكاذيب. الذي يجعل من الكذب كذباً هو الكاذب أليس كذلك؟ ولكنه لم يكن قط أحداً منا. نحن مجرد ضحايا فقد خلقنا لنمثل الكذب ونكون له أداة. نحن جنود في حرب ما نتلقى الأوامر لننفذها ولا نعلم أبداً إن كنا سنتمكن من النجاة. نحن أهداف لعقولنا ونلام لما لا نملك القدرة في السيطرة عليه. نتهم بالجنون ولا أحد يعلم بأننا خدعنا. خذلتنا عواطفنا ومن أحببنا. خذلتنا الحياة وسلبت منا أكثر مما منحتنا. سلبت منا أرواحنا ولم تكلف نفسها عناء تقديمنا لجثثنا. كانت أنانية بحق ولا أملك القدرة لوصفها أكثر من ذلك فإني حقا أبغضها.

6

عادةً ما يكون الفصل الأخير نهاية القصة ولكن ما الذي يخطر ببالك حينما تقرأ النهاية؟ ما الذي تشعر به الآن؟ هل تشعر بالشفقة علي؟ هل تريد موتي لأتعفن في قبري أم أنك تريد أن يصلك صوتي مجدداً ؟ هل تريد البقاء إلى جانبي أم تتمنى أن تغلق كتابك ولا تجدني خارج السطور؟

النهاية يا عزيزي بعيدة المنال ويصعب الوصول إليها. نحاول الوصول إليها ولكن في كل خطوة يزداد خوفنا منها. في كل خطوة نأخذها إلى الأمام نراها مبتعدة أكثر فأكثر. نريد معرفة نهاية كل شيء في حياتنا ومع ذلك نهاب ذلك. ماذا إن لم ترق لنا النهاية؟ ماذا إن كنا لا نريد لشيء ما أن ينتهي؟ لطالما تمنيت الاطلاع على الغيب لأرى ما تخبئه لي الحياة وأكون أكثر حذراً . فأنا لم أثق قط بالمجهول.

النهاية بداية لشيء جديد في العديد من الحالات. البداية طريق جديد لنهاية قادمة. طريق جديد للعديد من المخاوف والأحزان والجنون. كالحلقة بلانهاية, تجولها فتشعر بالدوار فتتعثر لتسقط ولا تجد من يساعدك على الوقوف فالجميع يحاول العثور على طريق الخروج. طريق باتجاه واحد فقط ولكن به العديد من المنحرفات والطرق الخاطئة. هل ما أنا عليه الآن هو النهاية ؟ هل هنالك يا ترى بداية جديدة لي أم أن هذا كل ما أحصل عليه؟ هل سيتمكن أحدهم من إصلاحي أم أني سأتعفن حتى الموت ؟

فتحت عيناي ببطء بعدما فقدت الوعي لبعض الوقت. كنت مقيدة على سرير كما لو أني حيوان بري متوحش. كان الطبيب ويليام جالساً أمامي على مكتبه يشاهد شيئاً ما على الشاشة.
” صباح الخير.”
قال لي وهو يرصد بعينيه محاولاتي لتحرير نفسي. اقترب مني ووضع يده على وجهي.
” لا تخافي, نحن فقط نحاول إصلاحك.”
قال وأشار بيده نحو ما كان يشاهده على الشاشة.
” كنت أشاهد تسجيلا كاملاً لليلة الماضية. تعمدنا إطلاق سراحك لنرى كيف يعمل عقلك. هذا جزء من تجربة جديدة نجريها على مرضى تعدد الشخصيات.”
أضاف بينما كنت أحاول فهم ما يقول. فسألته عن أي تجربة يتحدث فأجاب:
” لدى مرضى تعدد الشخصيات العديد من الأشخاص يعيشون بداخلهم. يظهر هؤلاء الأشخاص في أوقات وأماكن مختلفة.”
أجابني وعيناه تنظر مباشرة إلي ثم قال:
” بالنظر الي عينيك الآن أستطيع أن أجزم بأنها أنتِ الحقيقية.”

كان هناك شي غريب في طريقة تحدثه إلي. بدا كأنه يخاطب شخصاً آخر ولم أعي ما يقوله.
” لا تخافي فأنت لست مصابة بالجنون, أنت في الحقيقة مميزة يا اليكس.”
قال واستمر بالمشي في مكانه حول نفسه.
” قمنا بتحريرك بالأمس لنرصد تحركاتك حينما يصبح كل ما حولك في متناول يدك. اطلقنا سراحك لنرى من ستصبحين . فأنت جداً مميزة تستطيعين التأقلم مع أي بيئة توضعين بها وتصبحين جزءاً من محيطها. صدقت بأنك طبيبة بينما أنت مريضة هنا للعديد من السنوات.”

قال وأخرج ملفاً من درجه.
” هذا الملف به تشخيص كامل لحالتك المرضية منذ يومك الأول هنا. ألقي نظرة عليه.”
قال وجعل الملف قريباً بما فيه الكفاية لأقرأ ما كتب فيه.

كانت صورتي تشغل الركن الأيسر من الصفحة وبجانبها كتب, اليكس كاميليون العمر 26 سنة, مصابة بمرض تعدد الشخصيات. تماماً مثلما كتب على الاسورة التي كنت أرتديها ولكن صورتي بأعلى الصفحة كانت الإثبات لأصدق.”

” أنت مميزة يا اليكس فأنت تلائمين البيئة التي تعيشينها. لو أنني فقط لم أنسَ أن أنزع الأسورة من يدك لكنتِ إلى الآن تعتقدين أنك طبيبة. بالمناسبة !! ما الذي جعلك تنظرين إليها بينما كانت في يدك طوال الوقت ولم تلاحظي وجودها؟ قررنا إنهاء التجربة حينما بدوت مرتعبة و فقدت الصواب.”
اضاف وعاد إلى مشاهدة ما يعرض على شاشته.

” أين توم؟”
سألته.
” من هو توم؟”
أجابني بسؤاله.
” الطفل الصغير الذي كنت أسجل جلستي الأولى معه.”
أجبته بتردد.
” لم يكن هناك أحد بالمكان سواك يا اليكس.”
أجابني وتردد صوت إجابته داخل عقلي آلاف المرات. شعرت تلك اللحظة بشيء لن يفهمه أحد على الاطلاق وإن قضيت عمراً في شرحه. تساءلت ما الذي يقصده الطبيب ويليام بأنني كنت لوحدي في المكان. بدت عليه الجدية بينما كنت مليئة بالشكوك. إن لم يكن هناك توم إذاً من كان ذلك الفتى الصغير؟ لأكون أكثر دقة ما سبب وجوده داخل عقلي؟

” أخبرني المزيد عن عائلتي لا أستطيع تذكر أي شيء من طفولتي أو حياتي.”
سألت الطبيب ويليام بينما اقترب مجدداً مني بخطواته وقال:
” تعالِي معي سأُريك.”

فك قيدي وساعدني على الوقوف إلى أن وصلنا الى الباب. قادني إلى وحدة غرف المرضى وبدأت بتذكر بعضاً مما حصل ليلة البارحة. طلب مني النظر إلى من بداخل الغرفة الأولى والثانية وقال:
” كان والدك مصاباً بمرض تعدد الشخصيات ولم تستطع والدتك تحمل تقلباته فانتهى بها المطاف بفقدان عقلها. كان لديك أخت واحدة تدعى فيرونيكا وكانت عضوة في فرقة غنائية مشهورة. حينما علمت ما آلت إليه الأمور في عائلتكم قررت العودة للاهتمام بك وبأخيك الأصغر.”
قال بينما كنت بالكاد أربط تفاصيل ما قال وأحاول أن أجد ما يعكسه كلامه داخل عقلي وذكرياتي.

” لابد أنه شيء يجري في دمائكم فقد انتهى بكم المطاف جميعاً في مستشفى للأمراض العقلية. لم يستغرق الأمر طويلاً بعد عودة فيرونيكا لتجدك قمتِ بقتل أخاك الأصغر توم مدعية أنه يحدث المشاكل وأنه يزعجك في كل وقت. وجدته فيرونيكا معلقاً في سقف غرفة الجلوس ودميته ملقاة على الأرض ولم تستطع تحمل ما رأت ففقدت عقلها.”

استمر في سرد قصتي بطريقة باردة ولكنها أشعلت نيراناً في صدري. هل كان يظن أنني سأصدق ما يقول لمجرد أنه القائل؟ كيف لي أن أقتل أخي؟ بدأت في البكاء وسقطت أرضاً اتألم بشدة.
” أنت كالأحجية يا اليكس, كلما شعرنا أننا اقتربنا من فك شفرتك نجد أننا نعود إلى نقطة الصفر ونضيع من جديد. كلما شعرنا أننا سنجد علاجاً لما أنت عليه تقدمين لنا مفاجأة جديدة من نوع ما.”
قال بينما جاءت الممرضة ليلي.
أمسكت بيدي لتقودني إلى مكان ما. مشينا في صمت وشعرت بالرغبة في سؤالها العديد من الأشياء فأوقفتها و قلت لها:
” لقد كنت معي حينما وصل توم, ممرضة ليليث !! ألا تذكرين أنا لست بمجنونة.”
نظرت مباشرة إلى عينيَّ وقالت:”وإن يكن؟ لن يصدقك أحد إن قلت ذلك. عزيزتي ألم أخبرك أنه ينبغي عليك قراءة باطن الأشياء لا النظر إليها فقط؟ أتمنى أنني كنت درساً لك لتتعلمي.”
قالت ما قالته بنبرة خبيثة وابتسمت.

كنا على بعد خطوات من الغرفة السادسة, فتحت الباب و أدخلتني ثم أغلقته ورحلت. مازلت حتى الآن أستطيع سماع خطواتها تتجه بعيداً عني. مازلت أشعر بالخواء الذي شعرت به والرغبة في تفجير رأسي. ظننت أنني وجدت نهايتي ولكني كنت على خطأ. فقد كانت النهاية شيئاً لم أتوقعه وسلبت مني آخر خط يفصل بين العقل والجنون. كانت النهاية في غاية البشاعة ولم أعلم من سأكون لاحقاً لأمحي ما أصبحت عليه.

ملاحظة من الكاتب :
القصة من تأليفي وقد تم ترجمتها الى اللغة العربية وتتواجد ككتاب على موقع أمازون.

 

تاريخ النشر : 2018-08-14

Akuma By Angel

السعودية
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى