أدب الرعب والعام

روزويل ، أرض الفضائيين – الجزء الثالث

 
بقلم : كووبر حكيم – المغرب
للتواصل : [email protected]

 

لم ننتظر طويلاً حتى اكتشفنا المفاجأة الخطيرة

 

بدون مقدمات ، بدا ذلك الضوء الأبيض الصادر عن شيء ما مختبئ وراء السحاب , الذي بدوره لم يكن يؤثث السماء إلا لحظة قدوم أولئك الزوار , بدأ في رفع الكل رأيت نساءً و أطفالاً صغار و عجزة و رجالاً من كل الأصناف و الأعمار , إلى أن أتى دور والدي ثم “كريستال” الواقفة بجانبي و التي كانت هي فعلاً من تمسك يدي ثم دوري , صعد كل من كان واقفاً في ذاك الخلاء إلى متن ماذا في نظركم ؟ , لابد وأنكم تتخيلون سفينة عظيمة ناقلة للأبعاد , تغطي كل السماء , جواب خاطئ , لم تكن سوى طائرة حربية عادية كتلك التي تعمل على تنشيط الحدود أو مناطق الاشتباكات , كانت أشبه بموديل تابع للقوات العسكرية الأمريكية .. 

فور صعودنا هناك عبر موجة جاذبية عالية الدرجات , دخلنا عبر بوابة مستديرة في أسفل المركبة , و تم إقحامنا مباشرة ضمن كبسولات زجاجية فردية محكمة الإغلاق , حيث تمكننا من التنفس بكل أريحية و كذا عادت لنا كل حواسنا حيث استطعنا التحدث وكان معظمنا هادئ و مسترخٍ مما أكد لي وجود مادة غازية تحافظ على استقرار نشاط الأعصاب .

لم ننتظر طويلاً حتى اكتشفنا المفاجأة الخطيرة , والسر الذي تم إخفاؤه عنها لعقود طويلة و الذي اكتشفناه حينما رأينا أول الكائنات الفضائية التي استقبلنا على متن الطائرة .. منذ بدء أفلام هوليوود و الأبطال الخارقين و كذا أفلام الخيال العلمي كأفلام “غزو المريخ” و سلسلة “حرب النجوم ” الشهيرة , تغيرت نظرت العالم للظواهر الطبيعية , ولكي لا نكذب على أنفسنا لعب الخيال البشري دوراً محوريا في تأويل معاني الكون و صوره و كذا تركيبته , آمن البشر قديماً أن النار سرقت من حضرة الآلهة القديمة و أهديت للبشر إلا أن زيوس غضب و باقي القصة أنتم على دراية بها , و مع تطور أجهزة الفهم و تغير مدارك البشرية تبدلت أهم التأويلات وطرق الفهم بل وأصبحت قناعات و أفكار ثابتة مترسخة حتى وصولها لمرحلة ارتدت فيه جلباب القدسية فحرم مسها أو الاعتقاد بخلافها , لكننا لم نسأل يوماً السؤال المطلوب ، ما الذي جعلنا متأكدين من قناعاتنا تجاه تركيبة الكون , بالطبع هو العلم طالما العلم يؤكد ما نعتقد إذن فنحن على حق , في هذه النقطة بالضبط نهمل أن العلم قابل للتغيير و التبديل لدرجة جدرية .

ما أحاول قوله أن البشر خدعوا للعصور طويلة حينما ادعوا أن قناعاتهم الآنية على حق بحجة تأكيدها من طرق العلم , ولعلمكم فلسفة “كريستال” كانت محقة ، لسنا وحدنا في الكون الشاسع … فالذي استقبلنا في أول الأمر بدا لنا بشرياً طبيعياً مثلنا بثيابه الخضراء الطويلة, بدأ بإخراجنا واحداً تلو الآخر و إدخالنا في غرفة الفحوصات حيث نستلقي على طاولة زجاجية و يتم فحصنا .

لما جاء دوري نجحت في الفحوصات و كان لي الحق في سؤالين كباقي من اجتازوا الفحص بسلام قبل المرور للمرحلة القادمة التي سموها مرحلة التعيين و الاختبار , سألت الرجل الذي كان يرتدي كبدلة الممرضين حيث يخفي وجهه تماماً وبحيث لا يظهر سوى الأعين . من أنتم ؟ أجابني بكل إيجاز , بشر متطورين سكنا الأرض قبلكم ووصلنا إلى علوم مكنتنا من السفر في الفضاء وتكوين حضارات هناك . سألته مجدداً , ولماذا تأتون للأرض متخفيين , ضحك قليلاً بصوت ملائكي أجاب , أتعلم لمَ أضحك , أومأت برأسي أنني لا أعلم . أتمم لأن سؤالك ذكي نظراً لكائن يشري بدائي في مثل سنك , علمت أنه تبقى لك سؤال واحد فركبت جملت تضمنت سؤالين و هما , ما غرضكم من المجيى للأرض , ثم لم إخفاء هويتكم عن البشر , رغم أنني قد اتعدى بضعة بروتوكولات لكنني سأجيبك , نأتي للأرض بغرض انتقاء طبيعي , كذاك الذي أخذتموهم في مراحل تطوركم لكن هذا الشيء مغاير قليلاً , فهنا ليس الهدف من الانتقاء هو إنتاج نوع جديد من الكائنات أو حتى إبقاء طفراتها على قيد الحياة إنما فقط اختيار بشر عاديين للتكاثر في بقاع آخرى للكون , فرغم أننا فصيلة أشد تطوراً منكم إلا أننا لازلنا نحتاج لقليل من الصبغيات الوراثية و خلايا تقليدية التطور و النية لتطوير جنسنا , أما سبب تخفينا فذلك كي لا ننشأ اضطرابا في مجتمعكم المتخلف الصغير , فأنتم تهلعون لمجرد حدوث عاصفة بسيطة أو اختلال محدود في المناخ , فتفسرون ذلك بغضب الآلهة و ما إلى ذلك ,تحسبون أنفسكم خالدين وستعيشون في عالم الأحلام برفقة عائلاتكم بعد الموت , فكيف ستتقبلون إن جئنا و أخبرناكم أنكم مجرد طفيليات في هذا الكون الغير محدود بالمرة ,لكن لا نأسف لذلك ففصيلتنا أيضاً مرت بدلك العصر الدي يندرج فيما نسميه في كتب تاريخنا ضمن ” عصور ما قبل ارفيست” , للإشارة “ارفيست” هو أول كوكب سكناه بعد الأرض الأم , إذن فأنتم تمثلون تاريخ ما قبل ثورة العلم بالنسبة لنا , لكنكم على خطا جيدة , لقد انتهى وقت المحادثة فقد تجاوزنا المدة المسموحة للفصح , هيا تقدم إلى المرحلة التالية …

ذهلت تماماً مما قال ولو أنه لم يقل شيئاً غير وضع يده الطويلة في تلك القفازة الطبية ذات الستة أصابع على جبيني, انتقلنا إلى المرحة التالية , مرحلة التعيين و الاختبار , حيث وقفت أمام لوحة شفافة و بدأت في اختبار الإجابات , وكان الاتفاق واضح ، إن قبلت أنا العرض سأذهب رفقتهم إلى كوكبهم الجديد , وإن رفضت ستتم مسح كل الذكريات المتعلقة بتلك الرحلة وأيضاً بكل ذكرى تتطابق زمنيا مع تلك الليلة .

تعرقت كثيراً و كنت في حيرة من أمري , هل أختار الذهاب أم البقاء , هل اختار الذهاب أم البقاء على الأرض , ما الذي اختارته “كريستال” ثم ما الذي اختاره والدي ؟ لم تكن بيدي حيلة سوى القيام بذلك القمار الخاسر تماماً , أتذكر أنني لحظة اختياري لآخر اجابة , رمقت ذلك الشاب المكسيكي من خلال اللوحة الشفافة أمامي وقد وافق على الذهاب حيث أشارت شاشته باللون الأخضر كدليل على الاتفاق , التفت إلي وابتسم ابتسامة انتقام وغيظ أشار لي بأصبعه الأوسط وحرك ملامحه و فمه القائلين ” اذهب إلى الجحيم ” , فقد لاحظ أن لوحتي أشارت باللون البنفسجي و بالتالي اخترت أسوأ قمار قد يجري علي بشري على وجه الإطلاق ..

بعد ذلك اقتادني أحد الأشخاص إلى طاولة زجاجية مرة أخرى ,كان يرتدي نفس الزي الموحد لكل العاملين على متن الطائرة المتطورة , آخر شيء يجوب ذاكرتي هو لشخصين مستلقيان بجانبي أولهم , رجل في الثلاثينات ذو شعر قصير و شارب كثيف تشبه ملامحه الأفغانيين أو الهنود أي ذو أصول آسيوية على الأرجح ، و فتاة أخرى في العشرينات من العمر شقراء الشعر , حسناء المنوال و الهيئة تميل في خلقتها إلى الأوروبيات ذوات الأصول الآرية , أهم أو جوهر و كنز ما أذكره هو تلميحهما باسميهما لي الأول , “سيزار ابراه ” و الفتاة ” جوليا ميلاني ” .

كانت تلك آخر لحظات أتذكرها من تلك الليلة المشؤومة حيث فقدت على إثرها كل من أحببت ، عائلتي بالطبع و الحمقاء العزيزة على قلبي ” كريستال” , لست أعرف إن كنت ارتكبت خطأ بدعم اختياري للذهاب , راهنة كما أشرت سابقاً على أن عائلتي ستختار أيضاً البقاء , لكن لربما قتلوا حال فشلهم في الاختبار الأول , أحب أن أرجح سيناريو أنهم ذهبوا ، فأفضل وأتمنى أنهم على قيد الحياة ، ليس والدي فقط بل حتى “كريستال” اشتاق كثيراً لفلسفتها ومدى روعة الحديث و الاستمتاع وحتى الشجار معها في بضع الأحيان …

الغريب أنني استيقظت بعد تلك الأمسية بشكل عادي في الفندق , والأشد غرابة أنني لم أنس شيئاً من تلك الأمسية لربما إنه ضرب من الحظ أو من التعاسة فأنا من اخترت النسيان لكن الرياح لا تجري بما تشتهيه السفن , خرجت ذلك الصباح مسرعاً سألت عامل الفندق أخبرني أن مناوبته لم تكن بمساء أمس , اتصل بالعامل الآخر الذي أخبره أنني وصلت في إحدى السيارات في حدود الساعة الرابعة صباحاً , أخدت المفاتيح دون التفوه بكلمة وتوجهت إلى غرفتي في هدوء , طلبت منه أن كان يتذكر أرقام السيارة لكنه للأسف لا يفعل , إذن تركت علامات استفهام كبيرة داخل دهني عما حدث بالضبط فور نزولي من الطائرة .

توجهت إلى المنطقة التي شكلنا فيها الدوائر لاستقبال سكان الفضاء , لا وجود لأية أدلة بتاتاً , وبينما كنت خارجاً من هناك خاوي الوفاض عقرت على أول الدلائل التي على الأقل تثبت لي أن شيئاً ما حدث هناك أمس ذاك الصباح , بحيث وجدت خاتم “كريستال” قرب إحدى الشجيرات , تذكرت أنني أمسكت يدها بشدة وخصوصاً خنصرها قبل أن تسحب في السماء بحيث أسقطت خاتمها و لم أستطع الانحناء للبحث عنه , فسحبت وراءها مباشرة .

بعد إخفاقي في العثور على أي أدلة كانت في ذاك المكان , توجهت للشرطة المحلية التي لم تستطع بدورها حتى تقبل حكايتي الخيالية فماذا عن التحقيق في أحداثها و ملابستها , مر حوالي شهر كامل وأنا أخضع للعناية الطبية و النفسية في أحد المستشفيات المحلية للمرضى النفسيين , نعم لقد رموا بي مع أطباء فقدوا عقولهم يتحدثون عن النظريات و الرياضيات طوال اليوم , وأيضاً رفقة مغتصبين يخضعون للتأهيل اليومي قبيل قضائهم لفترة السجن .

وفي أحد الايام و بينما أنا جالس في هدوء وسلام تام أتناول الغداء , أخبروني عن طلب زيارة من طرف شخص اسمه ” ميشيل ” , احزروا من كان ؟ , أخ الشاب الذي لم أصدق كلامه والذي لعنني قبل الذهاب إلى الكوكب الجديد , كان أخوه أشد غرابة و هوساً بأمور الكائنات الفضائية منه , أخبرني انه على علاقة مع أحد الأطباء و قد ترخص لي بالخروج في مقابل التعاون معه للعثور على أخيه أو تمكينه من اللحاق به , وأما البقاء في هذا المستشفى إلى أن أفقد عقلي بطريقة جدية و نهائية هذه المرة

لم أستطع الرفض ولو أنني أخبرته مسبقاً أن إيجاد أخيه شيء مستحيل لأنه لم يعد على متن هذه الأرض كما أن احتمالية اللحاق به إلى كوكب “ارفيست ” منعدمة , لما سمع ذلك الاسم , نهض عن مكانه في ذهول وهلع إلى أن سقط الكرسي و قال ” لقد كنت هناك حقاً ” , سألته عن سبب قوله ذلك , فأخبرني أنه يمتلك خريطة قديمة لأجداده و أسلافه يقال أنها خريطة الكون الأصلية لمجرة درب التبانة , حيث تصور بشكل تام كل المجموعات الشمسية و كواكبها و مراكزها وبعدها عن بعضها وعن الشمس , وللصدفة السارة أنها تتضمن اسم كوكب ” ارفيست” الذي قيل قديما أنه سكن من طرف الفضائيين إلا أن ذلك اعتبر إشاعات و كلاماً خرافياً أكلت عليه الدهور و شربت , كما أن العلم الحديث لا يذكر هذا الكوكب أبداً ، و الذي حسب الخارطة يندرج ضمن مجموعة شمسية قريبة لمجموعة كوكب الأرض

صارحته أيضاً أنني أتذكر اسمين هامين لشخصين كانا على طاولة مسح الذكريات , أخبرني أنه مندهش مما أقول إلى حد كبير , كما أنه يجد صعوبة في استيعاب و فهم وتصديق ما أصفه له لكنه بلا شك يصدقني و مستعد لفعل أي شيء لاسترجاع أخيه , والذي تضمنت آخر كلماته وحواراته معه , اشتكاءً من شاب ساذج استهزأ منه و لا شك أنني أنا ذاك المتسرع ,ثم دعا “ميشيل” إلى القدوم لطقوس الاستقبال .

أخبرني أيضاً أنه هو من أرجعني للفندق حيث وجدني تائها أصرخ في أحد المناطق الخارجة بقليل عن البلدة , كان يبحث عن أثر لأخيه , ظن أنني تعرضت للسرقة أو الاعتداء , قام بنقلي بوجه السرعة إلى الفندق , و طوال الطريق لم أتوقف عن ذكر الكائنات الفضائية و اختطاف الناس و ما إلى ذلك . صارحته بأنني كنت الشاب الذي لم يصدق أخاه تلك الليلة و أنني آسف عما سببت له من حزن ووعدته بأن أستجمع قواي خصوصاً من الناحية النفسية .

إذن هكذا حدثت الأمور , قصة غريبة أليس كذلك , على أي حال خرجت من المستشفى , أبلغت عن اختفاء والدي و”كريستال” من يدري أي معلومة قد تفيد , توجهت لمنزل “ميشيل ” هناك قطنت معه لمدة أسبوعين ساعدته في ورشة السيارات وفي نفس الوقت عملنا على جمع الأدلة و المعلومات , خصوصاً و أن منزله كان كمتحف للحوادث و الأجسام الغير طبيعية , أي أجسام العالم الآخر , أطلعني على صوره وأخاه مع أزياء الفضاء و كائناته , أيضاً أراني سلاسل الأفلام الكثيرة التي كان يشاهدها برفقته .

لا يسعني التصريح إلا أنهما كانا مثالين لأخين ناجحين يعملان معاً ويتشاركان نفس الاهتمامات , أغلقنا صفحة الماضي القريب ، جمعنا ما استطعنا من عدة لرحلة وقودها الآمال و الشغف و الرغبة في التعويض عما فات , أول خطوة في خطتنا كانت إيجاد , “سيزار ابراه ” و ” جوليا ميلاني ” , أصولهما من قارتين مختلفين , أسماؤها لا بد أنها مكررة لملايين المرات تحمل من طرف ملايين الأشخاص , لكن لا حل أمامنا سوى السفر في رحلة جديدة نحو وجهة جديدة , فمن يعلم ما قد يحدث ؟ ألم تبدأ كل القصة برحلة استكشافية صيفية بالسيارة لمنطقة الكائنات الفضائية ” روزويل ” –نيومكسيكو , تذكروا دائماً الحياة أكثر مما تراه أعينكم و القصة أعمق مما يحكى لكم عنها …

الحاضر ، ألفين وثمانية عشر ‘سماء أفغانستان .

تمــــت

تاريخ النشر : 2018-08-31

guest
10 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى