ألغاز تاريخية

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟

بقلم : ريما يوسف – سوريا

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
قضية ذات ملابسات مريبة و حكم مثير للشكوك !

تميلُ المجتمعاتُ المغلقة إلى إقصاء المختلفين بل و إنزال العقوبةِ بهم لردعهم عن اختلافهم و تحويلهم إلى نسخة مطابقة للمحيط الذي يعيشون ضمنه ، و قصتنا اليوم هي أكبر دليل على خوف المجتمعات المنغلقة من الاختلاف خوفٌ وصلَ بهم حدَّ التآمر على حرية ثلاثة مراهقين و الدفع بهم بإصرار نحو السجن …

ثلاثة أطفال عُذبوا بوحشية ثمَّ قُتلوا بدمٍ بارد, و ثلاثة مراهقين سُلبت منهم حريتهم لمدة ثمانية عشرة عاماً باسم تحقيق العدالة!.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
الأطفال الثلاثة 

في السَّاعة السَّادسة و النّصف من مساء يوم الخامس من أيار من عام 1993 و في بلدةٍ صغيرة تدعى ممفيس تتبع لولاية آركنساس خرجَ تيري هوبز ليطلب من ابن زوجته الطفل ستيفي برنش _ 8 أعوام _ الدَّخول إلى المنزل فقد تأخر الوقت , و لكنَّه لم يجد حيث تركه يلعب مع صديقيه قبل ساعات, و بعد ساعاتٍ من البحث عن الطّفل ستيفي و صديقيه كريستوفر بايرز و مايكل مور ادَّعى بعض الجيران أنَّهم شاهدوا الأطفال الثَّلاثة يتجهون بدراجاتهم نحو غابة روبن هود القريبة من البلدة.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
شوهد الأطفال يتجهون بدراجاتهم نحو الغابة (الصورة من فيلم وثائقي عنهم)

اتجهتِ العائلات الثلاثة نحو الغابة مع بعضِ الجيران و الأصدقاء بحثاً عن الأطفال و لكن دون جدوى , فتمَّ إبلاغ الشرطة المحلية عن فقدان الأطفال الثلاثة غير أنَّ الشرطة رفضت اعتبار الأطفال مفقودين لعدم مرور 24 ساعة على اختفائهم و طلبت من الأهالي العودةَ إلى منازلهم و الهدوء فالأمر ليس أكثر من تأخر مجموعة أطفال في اللعب خارج المنزل!.

في تمام السَّاعةِ السَّابعة مساءً من نفس اليوم ورد اتصالٌ لمركز الشرطة من مطعم بوجانغلز Bojangles يفيد بوجودِ رجلٍ أسود ينزف حتَّى الموت في حمَّام المطعم, وصلت فرقة للتحقيق بالأمر غير أنَّها وصلت بعد مغادرة الرّجل للمطعم كما أنَّ الشرطة رفضتْ أخذ عينة من الدم الموجود على أرضية المطعم و على جدران الحمَّام لفحصه في بداية الأمر , كما أنَّهم لم يسعوا للبحث عن هذا الرجل المصاب.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
عثر رجال الشرطة على جثثهم و ثيابهم و دراجاتهم

و في تمام الثَّامنة مساءً من اليوم التَّالي و بعد احتجاج عائلاتِ الأطفال المفقودين كثفت فرق البحث جهودها لإيجاد الأطفال و تمَّ بالفعل إيجاد حذاء أحد الأطفال في النهر قرب غابة روبن هود و عندما دخل الرَّقيب ستيف جونز إلى عمق النَّهر اكتشف جثة الطَّفل الأول ستيفي برنش و كان عارياً تماماً و يداه مربوطتان إلى ساقيه بواسطةِ أربطة حذائه, و توالت الاكتشافات المفجعة بعد دقائق فعلى بعد أمتار من جثة ستيفي تمَّ إيجاد جثتي مايكل مور و كريستوفر بايرز بنفس الحال التي وجدت عليها جثة ستيفي كما وجدت الشرطة دراجات الأطفال الثلاثة و ثيابهم مطمورةً على ضفةِ النَّهر.

تشريح جثث الأطفال أظهر أَّنَّ الأطفال تعرضوا للضرب المبرح و التعذيب الشَّديد كما أظهرت النَّتائج الأولية أنَّ الطفل كريستوفر بايرز تعرض للاغتصاب أيضاً قبل و بعد وفاته. بعد إعلان مقتلِ الأطفالِ الثلاثة عادتْ فرقةٌ من الشرطة إلى مطعم بوجانغلز لأخذِ عينةٍ من دم الرّجل الذي جاءَ نازفاً إلى المطعم ليلةَ اختفاء الأطفال الثلاثة و مكث في حمَّامِ السَّيدات لبضع دقائق قبل أن يغادر مختفياً إلى الأبد!. 

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
اتجهت أنظار الشرطة نحو ثلاثة مراهقين غريبو الأطوار

منذ اللحظةِ الأولى لإعلان مقتل الأطفال الثلاثة بتلك الصّورةِ الوحشية توجهتْ أنظار الشّرطة نحو اعتبار هذه الجريمة جريمةً دينية أي أنَّ المجرمين هم من أتباع عقيدة الشَّيطان أو ما بات يعرف بـ العقيدة الإبليسية التي أسسها أليستر كراولي , و قد لاقت هذه النّظرية دعماً كبيراً من سكان البلدة المعروفين بالتزامهم الدّيني و إيمانهم بوجود السّحر و الشّعوذة و عَبَدةِ الشّيطان و خوفهم الدَّائم من ظهور هذه المعتقدات في بلدتهم. و كانَ أمام الشّرطةِ شكوك أقرب إلى اليقين أنَّ مرتكبي الجريمة هم داميان إيكولز _ 18 عاماً _ جايسون بالدوين _ 16 عاماً _ و جيسي مسكيلي 17 عاماً _ كانت لديهم الشّكوك و سعوا نحو إيجاد الأدلة أو بمعنى أدق سعوا نحو صنع الأدلة , فالمراهقيَن داميان و جايسون مناسبيَن جداً فهما غريبا الأطوار, منعزلين, يحبان أفلام الرعب و يقرؤون كتباً لم يكن من المسموح قراءتها في ذلك الوقت أمَّا جايسون فمراهقٌ فقير يعيش مع والدته على مساعداتِ الحكومة و هو متخلف عقلياً و أقلُ شأناً من أن يهتم أحدٌ لبراءته.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
فيكي هيتشسون و ابنها قدما شهادة حاسمة في القضية

بدأ الأمر بالاستناد على شهادةِ الطّفل آرون هيتشسون و هو صديق مايكل مور و كريستوفر بايرز الحميم و الذي قدّم شهادةً دسمةً جداً بُني على أساسها اتهام المراهقين الثلاثة, فقد ادّعى بشهادته أنَّه ذهب إلى غابةِ روبن هود قبل اختفاء الأطفال الثلاثة ستيفي, مايكل و كريستوفر برفقة جيسي, داميان و جايسون و رأى هناك كيف قام المراهقون الثلاثة بطقوسٍ إبليسية بحضور الأطفال كما أنَّ داميان قام بخدش ستيفي و استخرج من جسده كميةً من الدّماء وضعها في كوب و طلب من آرون شربها!. على الرّغم من كون القصة أقرب إلى الخيال إلّا أنّ الشرطة أمنت بحقيقتها بل و أخذت تجمع من الأدلة ما يثبت صحتها, زاد من يقين الشرطة شهادة والدة الطفل آرون المدعوة فيكي هيتشسون و التي قدمتْ شهادةً لا تقلُ غرابةً عن شهادة ابنها حيث ادّعت أنَّ داميان و جايسون قاما بدعوتها لحضور طقسٍ إبليسي قاما خلاله بالتضحية بمجموعةٍ من الحيوانات كقرابين للشيطان, قالت أنَّهما ارتديا الثّياب السّوداء و استمعا خلال تقديم القرابين لموسيقى صاخبة جداً ما جعلها تشعر بالرُّعب الشَّديد.

لم تتكبد شرطة بلدة ممفيس عناءَ البحث عن المزيد من الأدلة بل اكتفت بما قالته فيكي و ابنها و ما يردده أهالي البلدة عن غرابة أطوار المراهقين المتهمين و على هذا الأساس تمَّ إلقاء القبض عليهم في الثالث من تموز من العام 1993 و تمَّ توجيه تهمة القتل المباشر لهم جميعاً. خلال التَّحقيق المسجل و الموجود حالياً على يوتيوب بدا واضحاً أنَّ الشّرطة لم تكن تبحث عن دليلٍ لإيجاد القاتل الحقيقي بل كانتْ تبحث عن طريقة لتدفع المراهقين للاعتراف بأنَّهم القتلة الحقيقيون , و قد فشلوا مع داميان و جايسون اللذان رفضا الاعتراف بجريمةٍ لم يرتكباها , أمَّا جيسي فقد تمَّ تلقينه اعترافه بسهولة على الرَّغم من أنَّه معروف بكونه متخلف عقلياً و يظهر تسجيل اعتراف جيسي الموجود أيضاً على يوتيوب تلقين المحقق الاعتراف لجيسي الذي بدا غير مدركٍ لحقيقة ما يقوله. و هنا ظهر المحقق رون لاكس الذي تبرع بوقته و جهده و خبرته في التّحقيق لإنقاذ المراهقين الثلاثة لإيمانه ببراءتهم و قد وضع رون شرطة ممفيس في موقفٍ محرج عندما سألهم عن نتيجة تحليل الدّماء الموجودة في مطعم بوجانغلز و كانت الإجابة:” لقد فقدنا العينة ! ” كما وضع سمعة التّحقيق برمته على المحك عندما أعلن أنَّ والد الطّفل كريستوفر بايرز أهدى أحد الصحافيين سكين جيب عُثِر فيها على بقايا دماء أثناء فحصها و لم يُسمح له بأخذ عينة منها لفحصها بهدفِ التَّأكد من هوية صاحبها. 

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
والدة الطفل ستيفي لم تقتنع بنتائج التحقيق و رفعت دعوى فيما بعد ضد شرطة ممفيس متهمة إياهم بالتقاعس 

أمام كلّ تلك الأدلة التي تدحض شكوك الشرطة تحرك إيمان قوي لدى بام هوبز والدة الطفل ستيفي برنش بأنَّ الشرطة لم تقم بعملها كما يجب إلى أن وُجِهت الضربة القاضية للتحقيق عندما اعتلى جيسي مسكيلي منصة الشهود ليقول أنَّ الأطفال قتلوا على الطّريق إلى الغابة بواسطة مضرب بيسبول ثمَّ رُبِطوا بأحبال عريضة طويلة إلى أحد أشجار الغابة, في حين أنَّ الأطفال قتلوا في الغابة بواسطة أداة حديدية و ربطوا بأربطة أحذيتهم! هذه الشّهادة بالذَّات قلبتْ المعايير تماماً في عقل بام و أدخلتها في حيرةٍ شديدة.

حتّى ذلك الوقت أعلن القاضي ديفيد برينيت أنَّ المراهقونَ الثّلاثة مذنبون بسبب استماعهم لأغاني _ الميتال _ الصَّاخبة و ارتداءهم الأسود و بسبب قراءتهم لكتب ستيف كينغ المرعبة و بسبب بحثهم عن معلومات عن شخصية أليستر كراولي هذا بالضبط ما تمَّ قوله في قاعة المحكمة , وتوصلوا من خلاله إلى نتيجةٍ واحدة و هو أنَّ المراهقيَن داميان و جايسون هما من أتباع العقيدة الإبليسية و أنَّ المراهق جايسون تمَّ التّغرير به لارتكاب هذه الجريمة البشعة. تمَّ الحكم على داميان بالموت بالحقنة السَّامة, أمَّا جيسي و جايسون فقد حُكم عليهما بالسّجن لمدة عشرين عاماً في سجن الولاية المركزي.

مهلاً لم ينتهي الأمر فالمحقق رون لاكس رفض نسيان الأمر و قررَ البحث أكثر , و من أجل ذلك قام بفحص العينة التي طلبتها الشرطة من تيري هوبز خلال التحقيقات و في العام 2007 جاءت النتيجة الصّادمة و هي أنَّ العينة المأخوذة من تيري هوبز تطابقت تماماً مع العينة التي تمَّ أخذها من أحد الأربطة التي رُبِط بها الأطفال المقتولين! و مازالت المفاجآت مستمرة , فقد وجد المحقق رون أنَّ هناك عينة متطابقة مع صديق تيري الحميم المدعو ديفيد جايكوب والمفاجأة الأكبر أنَّ والدة الطفل كريستوفر بايرز وُجدت مقتولة في منزلها في العام 1995 أي بعد مقتل الأطفال الثّلاثة بعامين و بعد بعض التّحقيقات قررت الشرطة أنَّ سبب موتها مجهول!.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
انتجت افلام وثائقية عن القضية توضح الملابسات و اللغط الذي حصل فيها

كل ذلك اللغط حول القضية و حول تقاعس شرطة ممفيس عن إيجاد القاتل الحقيقي دفع بالمخرجين جو بلينغر و برس سينوفسكي إلى السّعي خلف الحقيقة و تقديم ما توصلوا إليه عبر فيلم وثائقي من إنتاج HBO وضعا فيه جميع الأدلة و الحقائق و نقاط الضعف في اتهام المراهقين الثّلاثة بين يدي المشاهدين بعنوان الفردوس المفقود , خرج للعلن في العام 1996 و قد شكلَّ ما تمَّ عرضه في الفيلم صدمةً كبيرةً للرأي العام و لاقى المراهقون الثلاثة تعاطفاً كبيراً من العامّة و من شخصيات مشهورة أمثال الممثل إيدي فيدر و المخرج بيتر جاكسون الذي قام بتعيين تحري خاص لجمع المزيد من الأدلة, كما قامَ الممثل جوني ديب بالمشاركة في فيلم وثائقي يحكي القصة الكاملة للمراهقين الثلاثة الذين عُرفوا بلقب ثلاثي ممفيس The Three Of Memphis بعنوان غرب ممفيس The West Of Memphis تمَّ إطلاقه في العام 2012 , من إخراج لوري ديفيس التي قامت بكتابة كتاب بعنوان الحياة بعد الموت , تروي فيه القصة الكاملة لحياة داميان إيكولز الذي تواصلت معه خلال سنوات انتظاره لتنفيذ حكم الإعدام , و الغريب في الأمر أنَّ لوري أحبّت داميان و دخلت معه في علاقةٍ عاطفية أثمرت عن زواجهما عقب خروجه من السّجن في التَّاسع من آب العام 2011 حيث تفاوض السجناء الثلاثة داميان, جيسي و جايسون مع دعوى ألفورد الاستثنائية مع ولاية آركنساس على إطلاق سراحهم و تمَّت الموافقة على إخلاء سبيلهم مع عدم تبرئتهم من جريمة قتل الأطفال الثّلاثة.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
لوري ديفيس تزوجت من داميان بعد علاقة حب نشأت بينهما

بعد أعوام من تقديمه شهادته أنكر الطفل آرون هيتشسون معرفته بحقيقة ما حصل في غابة روبن هود, كما تراجعت والدته فيكي عن شهادتها واعترفت في الفيلم الوثائقي غرب ممفيس بأنَّها كذبت في شهادتها ولكنّها ادّعت أنّها كذبت خوفاً من الشرطة الذين قاموا بإرعابها حتّى الموت.

في مقابلةٍ حديثة له أوضح داميان إيكولز أنَّ قضيته كانت قضية الاختلاف في مواجهة النّمطية معتبراً أنَّ بلدته قاضته على أساس عشقه للموسيقى الصّاخبة و ارتدائه للثياب السوداء و قراءته للكتب التي لم تكن مرغوبة لدى العامَّة في ذلك الوقت.

ثلاثي ممفيس : هل كانوا قتلة أم دفعوا ثمن الاختلاف ؟
أطلق سراح المتهمين الثلاثة بعد 17 عاما من الحبس لكن براءتهم مازالت مشكوك بأمرها

على الرّغم من إطلاق سراحهم ما تزال براءة داميان,جيسي و جايسون محط شك لدى الكثير وبالمقابل مازال الكثيرون غير واثقين من حقيقة أنَّ الشرطة قبضت على القاتل الحقيقي فعلاً , بل إنَّ البعض كانَ و مازال يعتقد بالفعل أنَّ السَّفاح الحقيقي كانَ حراً طوال الوقت …..

بام هوبز والدة الطّفل ستيفي برنش مازالت تبحث عن قاتل ابنها الحقيقي حتى اليوم ..

ستيفي إدوارد برنش مواليد 26 تشرين الثّاني من العام 1984
كريستوفر مارك بايرز مواليد 23 تموز من العام 1984
مايكل مور مواليد 27 تموز من العام 1984 و تاريخ وفاتهم جميعاً هو الخامس من أيار من العام1993 ….

المصادر : 

– فيلم Devils Knot

– The Story Of Christopher Byers, Steve Branch And Michael Moore فيلم وثائقي على يوتيوب

– Damien Echols of ” west Memphis three ” speaks out مقابة على قناة Katie Couric على يوتيوب

– Three Of Memphis 2012 فيلم وثائقي على يوتيوب

– The Story Of Three Memphis Wikipedia

 

تاريخ النشر : 2018-10-15

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى