أدب الرعب والعام

مذكرات عاهرة

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

مذكرات عاهرة
ستشعر بأن جسدك ليس ملكك وستشعر أنه ما من توبة تتسع ذنبك حينما يرى الناس ذنوبك

 

مذكرات عاهرة +21
” قصة قصيرة “

بقلم : أحمد محمود شرقاوي

حاول أن تحيا تلك الحياة وتموت ولا تدلف أبداً لتلك العوالم
” الدعارة _ المخدرات _ السحر “

***

سيندمج الماضي بالحاضر وستحيى نفس اليوم كل يوم حينما تدلف بقدميك إلى أحد تلك العوالم ” الدعارة_المخدرات_السحر “
وأنا واعوذ بالله من كلمة أنا قد ولجت إلى الثلاثة ..
ستتمنى أن يتمزق جسدك أسفل قطار مسرع وتموت ولكنك لن تحصل على الموت هكذا بسهولة لأنه سيكون هدف صعب المنال وقتها ..
إمضاء : عاهرة
صفحة من مذكرات نادين ..

***

كالعادة نفس الروتين الممل.. منبه قبيح يأسرك من عالمك المفضل ويضعك في عالمك الحقيقي .. تثاؤب وكسل شديد ثم استيقاظ.. نفس الزوجة .. نفس الأطفال نفس الفطور .. يا لتلك الحياة البائسة.. هكذا قلت وهكذا كنت أقول قبل أن أحصل على مذكراتها ..

**

جلست بعد تناول الفطور بجوار زوجتي التي أخذت تتابع أحدث صيحات الموضة في انبهار حقيقي ولو لمحت نظرتي لها لقتلتني في الحال.. نظرة استخفاف أعقبها رشفة من كوب الشاي الموضوع بجواري .. نظرت لبخاره مستمتعا وتخيلت أن البخار يتراقص على أنغام سيمفونية لهذا المغني الشاذ.. لا تتعجب من حديثي فالملل واللامبالاة قد تجعل الإنسان يمتطي قطة ويصرخ فيها ” إلى المعركة يا ناقة “
أمسكت الجريدة في ملل وبدأت أتصفح .. رئيس الأبيض يسب الأحمر وجمهور الأحمر غاضب وفلان قد ركل الكرة بمهارة بهرت علماء الفيزياء .. من هم علماء الفيزياء أصلا ؟؟! لا يهم فليستخفوا بالعقول كيفما شاءوا .. 

طالعت الجريدة وتصفحت وتصفحت حتى توقفت على هذا الخبر الغريب
” مقتل فتاة ليل في ظروف غامضة “
جذبني الخبر جدا والأدهى هي صورة القتيلة المبتسمة بجوار الخبر ملاصقة لصورتها وهي قتيلة.. تطلعت لتلك الجميلة وكدت أن أعترض على موتها ولكني ابتسمت على أفكاري الشيطانية.. ملامح طفلة بريئة على جسد امرأة.. ابتسامتها قد زينت الجريدة وجعلتها تشع نورا .. قررت أن اقرأ .. ويا ليتني لم أفعل .. ليتني احترقت بالشاي وقتها …
” في ظروف غامضة لقت فتاة مصرعها وتدعى ن.ع
في شقتها.. وقد أبلغ بعض الجيران عن وجود رائحة بشعة تخرج من شقتها وحينما تم مداهمة الشقة كان الهول في انتظارهم.. دماء تغطي الجدران بأكملها وكلمات وطلاسم مبهمة في كل مكان.. أما الضحية فقد كانت جلد على لحم.. أما العظام فكانت تطفو في البانيو وسط المياه.. وبعد التحريات التي قام بها رجال الشرطة وعلى رأسهم المقدم سامي البنا اتضح أن القاتل مختل عقليا وجاري البحث عنه “

ابتسمت في سخرية وانا أتخيل المقدم وهو يقول أن القاتل مختل عقليا ويصفق له الحضور وكأنه قد اكتشف الذرة أو حتى الإلكترون.. طالعت صورة القتيلة مرات ومرات .. وبدأت تتمحور في ذهني خطة بمساعدة بعلزبول الصغير ” ابن الشيطان”
أمسكت الهاتف وطلبت رقم وانتظرت لثواني وأنا أسمع تلك الجميلة وهي تقول ” رصيدك خلص بس ممكن تكمل المكالمة لمدة تلت دقائق مع خدمة ع النوتة بخمسين قرش أو انهي المكالمة “
بالطبع لم أنهِ المكالمة .. وسمعت صوتا يقول :
– كيف حالك يا ندل
– بخير يا رايس الأندال
– لماذا لم تسأل طوال تلك الفترة
– لقد مللت من سؤالك أنت كل يوم
ضحك الرجل ضحكات عالية وتابع :
– لازالت على حالك قاصف للجبهات
– وهل أنا ار بي جي لأقصف الجبهات أنا مجرد نذل ورث المال من أبيه ويجلس بجوار امرأة بدينة تحضر له الطعام

في تلك الأثناء دلفت زوجتي من المطبخ وهي تصيح من تقصد بالبدينة ..
ارتجف جسدي بأكمله وأنا أقول أنا أقصد تلك البدينة على التلفاز يا حبيبتي
نظرت لي نظرات قاتلة ثم عادت أدراجها لأسمع قهقهة صديقي على الهاتف فأبتسم ..
– لماذا اتصلت بي
– علي أريدك في خدمة
– انجز
– بطبيعة عملك كصحفي في جريدة أبو الهول فأنت تعرف خبر قتل فتاة الليل أول أمس ..
صمت طويل وتابع علي :
– نعم كلنا يعرف الخبر ولكن ماذا تريد من أمر كهذا
– أريد عنوان شقة الفتاة
– هل جننت ولماذا تريد هذا ؟
– بالله عليك يا علي انا مخنوووق من حياتي وأريد أن أفعل أي شيء .. أعطني العنوان فقط وسأتجول أسفل الشقة الليلة ثم سأرحل
– آسر الشقة قد شمعت بالشمع الأحمر وأنا أعرف جنانك .. أي تعدي على الشقة سينقلك إلى زنزانة في السجن ولن يخرجك أحد
– لا تقلق فقط العنوان ..
– حسنا سأعرفه من صديقي في قسم الحوادث وسأرسله لك في رسالة .

***

وصلني صوت استلام رسالة وقرأت العنوان وقررت أن أطير نحو المكان.. حلم طفولتي سأحققه وأنا قد بلغت الثلاثين من العمر . كل ما تمنيته أن أصبح خبيراً في علوم الماورائيات .. أن أكون محققاً في الجرائم الغامضة والتي لا تتعلق بالإنس .. تركت البدينة وهي تفترس طبق من البوشار وخرجت من المنزل وصوت حبات البوشار المستغيثة لا تفارقني ..

وصلت للعنوان المذكور بعد ساعة بالضبط .. المكان هادئ تماماً .. لمَ ؟؟ لأننا في حي من أحياء المعادي حيث الهدوء الذي يذكرك بهدووء مساكن الموتى .. وصلت أسفل البناية ووقفت أنظر للأعلى .. الظلام يلتف حول الشقة وكأنه ينقبض وينبسط كالمعدة.. شعرت ببرودة قارسة وبرعشة غريبة أخذت تركض في جسدي.. انتفضت بفزع حينما وضع أحدهم يده على كتفي والتفت كالصاروخ لأراه .. رجل قد تخطى العقد السادس من العمر بشاربه الضخم ووجهه النحيل..

– ما الأمر يا استاذ
– احم… أنا.. لقد جئت .. في الحقيقة أنا صحفي وجئت لأجمع بعض المعلومات حول مقتل نادين علاء الدين

خبا بريق وجه الرجل في لحظة وأصبح وجهه معتما كالليل وعض على شفتيه بعنف حتى كاد أن يمزقها وقال بصوت غاضب يخرج من أعماق القبور :
– لا تقترب من هنا ثانية فيكفينا ما يحدث كل ليلة بسبب هذا الأمر .. ارحل من هنا هيا
قال الجملة الأخيرة صارخا مما جعلني أبتعد ولو قليلاً وأمثل أنني أتصل بأحدهم ..
ثارت التساؤلات في رأسي وراح الفضول يفترسني كتمساح جائع قد تمكن من بطة .. هذا الرجل لا يعرف أنني عنيد وأن بحديثه هذا سيجعلني أمضي قدما أكثر وأكثر …

مضت نصف ساعة حتى اختفى البواب عن ناظري .. سمعت صوتاً عالياً ينادي :
– يا حسنين
هرع البواب إلى الخارج حيث تلك المرأة وراح يحمل عنها الحقائب ويساعدها في إخراجها من السيارة .. لم أتمهل ولو للحظة وركضت نحو البناية ثم الدرج وكالصاروخ رحت أصعد للدور الثاني ثم الثالث حتى وصلت للدور الثامن.. وقفت ألهث بشدة في الظلام وأحاول أن أسيطر على جسدي المنهك .. أشعلت نور الهاتف ووقفت أتأمل هذا الدور .. اقتربت من باب الشقة بكل حذر لأرى رقم 17
إنه رقم شقة القتيلة.. الغريب في الأمر أن هناك قوة عجيبة تدفعني دفعا لأن أمضي قدماً في الأمر.. دفعت الباب بهدوء فلم يفتح.. نظرت للأعلى فرأيت ما تعجبت له.. لوح زجاجي يغطي النصف الأعلى من الباب وكأنه زينة .. رأيت بجواري قالب من الطوب فوقفت عليه وأخذت أنظر لداخل الشقة .. الظلام رهيب أشعر وكأنني أنظر إلى قبر دراكيولا .. وضعت رأسي على اللوح لأفاجأ بسقوطه للداخل وتحطمه بصوت عال .. انتفض جسدي وارتفعت دقات قلبي حتى بلغت ذروتها .. لو قبض علي الآن فأنا سارق لا محالة .. تذكرت كلمات صديقي والتي أرعبتني فانطلقت مبتعدا لأتعثر وأسقط وسط الظلام لتدور الدنيا بي وأسقط في غيبوبة عميقة..

كانت تحوم هنا وهناك كشبح ضل الطريق.. تتجول في صالة الشقة ذهابا وإيابا.. عينيها قد تكحلت بالبياض وجسدها قد أصبح شفافا .. انها هي من رأيت صورتها.. وقفت أتطلع لها في ذهول.. نظرت نحوي بأعين قد ذابت فيها أي نوع من نظرات الحياة ثم أشارت إلى الخزانة .. نظرت للخزانة بعدم فهم فاقتربت مني وقد بلغ مني الرعب مبلغه ثم صرخت صرخة اقتلعت قلبي من مكانه وقالت بصوت قادم من الجحيم :
لقد قتلوووووووووونيييييييييييييي
فزعت من غفوتي المؤقتة وأنا أرتعب فزعاً.. سمعت أصوات قادمة من الأسفل.. هرولت نحو باب الشقة ومررت بجسدي من أعلى الباب لأسقط بالداخل حيث شقة العاهرة القتيلة …

***

ستشعر بأن جسدك ليس ملكك وستشعر أنه ما من توبة تتسع ذنبك حينما يرى الناس ذنوبك .. فالناس لا ترحم ، وسترى في نظراتهم ما يجعلك توقن أنه ليس هناك توبة لك مع أن الله لم يقل ذلك .. فلو حاسبنا بشري ما سلم أحدنا من الجحيم ولكنه الله الذي لم أدرك رحمته حتى الآن ..

إمضاء : عاهرة
صفحة من مذكرات نادين

**

فارقني شعور الجماعة وغزا كياني شعور الوحدة بمجرد أن لامس جسدي أرضية تلك الشقة.. شعرت في لحظة أنني انتقلت لعالم آخر لا يتواجد به بشر وكأنني آخر البشر في هذا العالم.. جسدي يتألم جراء السقوط ولكنه ليست المشكلة الوحيدة في هذا المكان..
الظلام وما أدراك ما الظلام ؟؟!
إنه هذا الكائن الأسطوري الذي يحيا منذ قديم الأزل وسيحيى في جهنم ولن يموت .. وهنا في تلك الشقة يخيل إليك أن تلك الشقة قد شهدت ميلاد الظلام نفسه.. وقفت أرتجف كطير فقد عشه وأنا أحاول أن أخترق الظلام ببصري.. أخرجت هاتفي ونظرت هنا وهناك لعلي أرى شيئاً يخبرني أنني في شقة ولست في قبر ، وقد واراني التراب.. تقدمت بخطوات من الهلام للأمام.. في تلك اللحظة شعرت بتيار بارد يقتحم قلبي وجسدي.. شعرت ببرودة شديدة وحاولت أن التمس الدفء بأي طريقة .. 

هناك أمر غريب .. المكان مألوف لي بشدة وكأنني رأيته من قبل .. إنه الحلم لقد تذكرته .. وجهت الضوء نحو الصالة وبدأت أتفقد محتوياتها.. أنظر هنا وهناك حتى لمحته ظل أسود مر كالبرق من أمام شعاع الضوء.. تراجعت سريعاً وأنا مذعور وكدت أن أفقد توازني وأسقط.. شعرت بطيف يدور من حولي وكأنه شبح .. وجهت الضوء سريعاً لليمين واليسار وأنا مرتعب حتى رأيتها.. نفس الخزانة التي أشار عليها الشبح في الحلم.. تقدمت خطوة لأرى فجأة وجه الشبح أمام وجهي لا يفصلني عنه سنتيمترات.. شهقت شهقة جعلت صدري ينقبض ولا ينبسط.. اضطرب قلبي وتراقص فزعاً.. تراجعت وتراجعت حتى لاصقت الحائط بظهري..
الشبح يتقدم نحوي وأنا أرتجف بجسدي فزعاً حتى لامست زر الإضاءة فاشتعل نور الصالة واختفى الشبح في نفس اللحظة.. سقطت أرضاً ألتقط أنفاسي وأمسح عرقي الذي تصبب رغم برودة المكان..

بعد دقائق كنت قد سيطرت على نفسي وهرولت نحو الخزانة أتفقدها.. الكثير من الملابس .. ألقيتها في كل مكان من حولي وحاولت تفقد الأدراج.. لا شيء .. أدوات ميكياج وطقم أسنان.. كدت أن أبتسم على هذا ولكنه ليس بالوقت المناسب..
فقدت الأمل في أن أجد شيئاً يخص القتيلة.. قررت الهرب بأي ثمن.. وقبل أن أنفذ الفكرة بلحظة لمحتها.. سقطت على الأرض حينما كنت ألقي بالملابس أرضا.. مجموعة من الأوراق.. حملتها بين يدي.. لأرى نقاط من الدماء على الغلاف والذي كتب عليه ” مذكرات نادين “
اضطرب جسدي بأكمله وشعرت بالحماس الشديد.. تصفحت الأوراق سريعا ولاحظت شيئا غريبا.. كل صفحة عليها بقعة من الدماء وكأن أحدهم قد أسقط قطرة دماء عليها.. لا يهم .. الأهم هو حصولي على تلك المذكرات .. فزعت حينما انطفأت الإضاءة ولكني لم أتمهل ولو للحظة وركضت نحو الباب وتعلق به وخرجت من مكان دخولي..

لحسن حظي أو لسوئه لم أجد حسنين البواب فاستطعت الخروج من البناية بسهولة.. لربما لو كان رآني ما كنت سأعود بالمذكرات ووقتها كنت سأنجو من الأمر بأكمله.. وصلت المنزل وأنا اتحاشى الصراع مع البدينة وهربت إلى غرفة جانبية بعيدا عنها وفتحت الكنز وبدأت اقرأ..
” أنا إنسانة ولست بآلة .. أنا أبكي .. أنا اتألم .. لماذا ينظر المجتمع للمطلقة على أنها داء ويستحق أن يستأصل من جذوته .. لا أحد يحبني .. الكل يدّعي الشهامة ولكن نظرات الذئاب التي تطل من أعينهم تفضحهم “

الصفحة التالية ..
” دموعي جفت وأصاب عيناي الجفاف.. يحاول بشتى الطرق الوصول لجسدي .. من يذود عني ؟! من ؟!

الصفحة التالية :
” سمية تلك اللعينة لقد فهمت مغزاها جيدا .. أشعر بالضعف الشديد .. أخشى على نفسي أن أنصاع لها وأذهب معها حيث مكان اللاعودة .. “

توقفت عن القراءة وبدأت أتعمق في محيط التفكير .. لحظات تمر وأنا أفكر .. بريق عيناي كاد أن يضيء الغرفة حينما وصلت للحل ..
أخرجت هاتفي سريعا وطلبت رقم علي صديقي الصحفي ..
– ” هل يتصل أحدهم في مثل هذا الوقت يا آسر “
– ” أسف يا صديقي ولكنه أمر طارئ “
– ” زوجتك انفجرت من كثرة الأكل ؟؟!
-” اخرس يا ….. واسمعني جيدا .. أريد منك خدمة في غاية الأهمية ..
– انجز
– أريد أن أرى شهادة الشهود في محضر الشرطة الخاص بقضية فتاة الليل المقتولة وخاصة امرأة تدعى سمية
– الله يحرقك الازلت مهتم بهذا الأمر .. اتركه يا آسر لمصلحتك
– أرجوك يا صديقي أنا على يقين أنك ستصل لمحضر الشرطة
– ومن أدراك أن هناك امرأة اسمها سمية ستكون ضمن الشهود
– أشعر بهذا كثيرا
– وماذا تريد من تلك المرأة
– فقط أريد عنوانها من المحضر
– ولكني لن أستطيع فعلها
– عزومة على بيتزا وشاورما .. هااا ؟!
– سأتصل حالا بضابط صديق وسأرسل لك العنوان خلال ساعات ولكن لو لم تفي بوعدك ستموت يا ماجن
– الله يسامحك انا محترم ولن أرد

***

ما أصعب أوقات الانتظار .. وصدق من قال وقوع البلاء ولا انتظاره .. ترقبت وترقبت وترقبت حتى الصباح .. شعرت بالنعاس يقتلني وسقطت في غيبوبة .. الكثير من الكوابيس والهلاوس تطاردني حتى استيقظت عصرا على صوت ملائكي يقول :
– استيقظ لتجلب لنا الغذاء من السوق
نظرت لها بغل وقلت في نفسي :
– لو أمتلك الجرأة لقتلتك والتهمتك التهاما ..
أمسكت هاتفي بشرود كعادتي لأفاجأ بتلك الرسالة
” العنوان ……………………… أنت متزوج وانا أفكر أن أخبر زوجتك أنك على موعد غرامي اليوم ولا أدري كيف علمت بوجود سمية تلك وللعلم هي الصديقة الوحيدة للقتيلة “
ابتسمت بشدة مما جعل زوجتي تطل برقبتها التي امتدت كرقبة الزرافة .. نظرت لها باستخفاف وقلت :
” لقد احترقت بنت عمي التي تعيش في اليابان ” عقبالك “
ارتجفت خوفا وركضت نحو المطبخ ..

في السابعة مساءً كنت أقف أمام منزل سمية مشدود القامة أحاول رسم علامات الحزم والشدة على وجهي .. طرقت الباب وانتظرت .. صوت خطوات أعقبه خروج امرأة يظهر على وجهها كل علامات المجون .. نظرت لي ببرود من خلف مساحيق التجميل أو الدقيق الذي على وجهها وقالت :
– نعم
– أنا الرائد آسر البغدادي
تحول البرود لخوف شديد وقالت :
– اؤمر
سأتحدث معك قليلاً ، هل تريدين أن يتم الأمر هنا أم في القسم
– أنا لم أفعل شيئا و……
وضعت هاتفي على أذني وقلت :
– أرسل لي ثلاثة من العساكر يا حسن
أمسكت يدي وجذبتها للداخل وقالت :
– آسفة يا باشا لك ما تريد ولكن لا أقسام أرجوك
نظرت لها ببرود وقلت :
– خلاص يا حسن انتظر أسفل البناية ولا ترسل أحدا ..

دلفت إلى الشقة وأنا أحاول نفخ صدري قدر المستطاع.. جلست على الأريكة بدون إذن فجلس قبالتي وهي تتحاشى النظر بينما أنا أتفحص جسدها بأكمله .. نظرت لي بطرف عيناها وقالت :
– خير يا باشا
– أولا وقبل أي شيء أنا معي هنا نصف كيلو جرام من الهيروين يمكنني أن أقبض عليك متلبسة بعد أن أضعه على المقعد المجاور وسيكون عقابك وقتها السجن لسبع سنوات على الأقل..
– سوف أنصاع لكل أوامرك
– متأكدة ؟
– أقسم لك سيحدث
– نادين ؟!
– ما بها
– أريد أن أعرف قصتها من البداية وحتى النهاية دون حذف حرف واحد ، وأريد أن أعرف مدى تورطك بالأمر وصدقيني أنا أعرف أنك كنت سببا في أمر ما ..

ارتجفت يديها بطريقة غريبة وقالت :
– سأخبرك بكل شيء من البداية وحتى مقتل نادين ولكنك لن تجد عندي حلول فقط خيوط للقضية .. أمر آخر عدني أن لا تضرني بأي شيء
– لو اخبرتني بالحقيقة فسأتركك وسأرحل ..

وبدأت تقص ما جعلني في قمة ذهولي ..

***

اليوم فقط شعرت بشعور تلك التي تعبد المال.. المال هنا هو الآمر الناهي.. من أجله تهتز السموات ويغضب الرب وتتساقط الأقنعة .. اليوم أنا من عبيد المال …

إمضاء : عاهرة
صفحة من مذكرات نادين

**

على لسان سمية :

نادين تلك المرأة التي لم تفارقها ملامح الطفولة .. حتى بعد أن نضج الجسد ظل الوجه كما هو وتمرد على هرمونات البلوغ .. طلقها زوجها دون أسباب واضحة ولكن الخطأ الأكبر كان منه .. انتقلت لتعيش في شقة أخرى وظلت بها قرابة الشهرين تعمل في مصنع لتجهيز الملابس .. كنت صديقتها الوحيدة ولكني لم أكن بالصديقة الوفية.. كنت أغار منها كثيرا لأنها تحافظ على كنزها الخاص ” جسدها ” بينما أنا كنت أعرض جسدي للبيع كقطع القماش رخيصة الثمن ..

بدأ التطاول بعد فترة من الذكور ولا يمكن أن نسميهم بالرجال .. امرأة جميلة مطلقة في مجتمعنا وعلى حسب فهم البعض فهذا يعني انها سلعة متاحة للجميع .. كانت تأتيني منهارة كثيرا بسبب تطاول عطوة البلطجي عليها وتحرشه بها .. عانت الكثير والكثير في تلك الفترة .. حتى جاء هذا اليوم ..
كانت تسير في الحارة ليلا حينما خرج عطوة واعترض طريقها.. حاولت الهرب دون جدوى .. كان هذا البلطجي قد ثار ثورته الكبرى بسبب تجاهله طوال تلك الفترة وأقسم أن ينال منها .. انقض عليها كالليث الجائع وكاد أن يصل لما يريد لولا أن ظهر هذا الشاب وقرر أن يموت في سبيل نجاة الفتاة .. دافع عنها بكل قوته حتى أنه تلقى طعنة من مطواة عطوة ولكنه استطاع أن يخلص نادين في النهاية ثم سقط صريعا .. أيام وأيام من التحقيقات وخرجت نادين كالمجذوبة .. 

تمر الأيام تلو الأيام وأنا اشتعل غضبا .. أريد أن أستدرجها بأي طريقة .. هدأت الأمور تماما بعد أن تم القبض على عطوة ولم يجرؤ أحد على مضايقتها ثانية وانتهى الأمر وعادت حياتها هادئة ولكني كنت قد رسمت خطتي الخاصة ..
أنا على معرفة خاصة بصاحب المصنع الذي تعمل به نادين .. ليلة واحدة معه ووافق على طردها والتي خرجت ذليلة من عملها تترقب لقيمات صغيرة ناهيك عن ثمن إيجار شقتها .. هناك مثل قديم يقول ” الذن على الودان أقوى من السحر ” بدأت اقنعها بكل روية أن تأتي وتعمل معي نادلة في بار من بارات شارع الكرم .. وما أدراك ما شارع الكرم ؟!
كانت تقول لي وقتها ” هذا اختبار من الرب لي وقد نجاني مسبقا فكيف أقبل بتلك المهنة “

وقتها كانت ثورتي عليها وقلت :
أنت غبية لعينة من أدراك فقد يخرج من بين هؤلاء من يضايقك ثانية .. وهل سيقبل المستأجر بتأخير ايجارك ؟؟!
ثانيا ستحصلين على المال الوفير من هذا العمل والذي سيمكنك من شراء شقة والعيش بطريقة سوية .. ثالثا صاحب البار له نفوذ كبير بين قيادات الشرطة ولن يجرؤ أحد على المساس بك طالما تعملين معه ..

توقفت سمية عن الحديث حينما طرق أحدهم باب الشقة .. تركتني لترى القادم بينما أنا فتحت المذكرات وبدأت اقرأ ..
” سمية تلك اللعينة لقد فهمت مغزاها جيدا .. أشعر بالضعف الشديد .. أخشى على نفسي أن أنصاع لها وأذهب معها حيث مكان اللاعودة .. “
لقد قرأت هذا من قبل وعلمت الآن لما كتبت تلك الكلمات .. شعرت بالحزن الشديد لما وقع لتلك الفتاة ..
تصفحت الأوراق سريعا حتى وصلت لتلك الصفحة ..
” اليوم قد دنست كنزي ” جسدي ” للمرة الأولى وأنا على يقين أنها لن تكون الأخيرة ولكن ماذا أفعل ؟؟!
يااااارب ..
قلبت الصفحات سريعا لأصل لتلك الصفحة
” مندور أبو الدهب هو أقذر من لمس الأرض بقدميه .. يعتبر نفسه إلها يحكم .. يحيي ويميت .. يعذب ويرحم ..
لا نجاة من أفكاري سوى أن أسلك طريق الجحيم الثاني ” اليوم سوف أتعاطى أول جرام من الهيروين “

عادت المرأة فوضعت الأوراق في حقيبتي سريعا وبدأت تستكمل حديثها ..

” اقتنعت نادين في النهاية وبدأت رحلة العمل في البار .. وصدق من قال خطوة واحدة في طريق الشيطان تسحبك نحو الهاوية في أيام .. شربت الخمر واستحسنت مذاقه .. بدأ الكثير من رواد المكان يبدون الإعجاب بها ويتمنون أن يحصلوا عليها بأي ثمن .. الضغط عليها قد وصل لحد القتل حتى تنازلت ووافقت وأصبحت تخرج مع الزبائن وتتقاضى المال الوفير .. أصبحت تتعاطى الهيروين بنهم .. تستيقظ صباحا لتستنشق شطر من الهيروين لتظل غارقة في غيبوبة ناظرة للسقف حتى المغرب ثم تفيق لتستنشق مثله وتذهب لتمارس الفجور وتعود لتتعاطى وتسكر .. كان تفيق أوقاتا لتقول لي ” ألن ينتهي هذا اليوم الأليم ، الأيام كلها عندي كأنها يوم لا ينتهي “

اضطربت علاقتنا قليلا وعلمت بعدها بما حدث .. واقسم لك انني لا أعرف شيئا آخر ..

نظرت لها بغضب وقلت :
– أهذا كل شيء .. يبدو أنك تريدين السجن .. من يكون مندور أبو الدهب “
اضطربت بشدة وكادت أن تبكي وقالت :
– هو الآمر الناهي في البار له نفوذ كبير ويمكنه أن يقتل كل من يعارضه ..
– هل هذا كل شيء ..
-نعم
أخرجت هاتفي وقلت :
– يا حسن ……
صرخت بشدة وقالت :
-انتظر أرجووووك والله ما أعرف سوى هذا ولكن هناك أمر أخير
– وما هو
– هناك غرفة سرية في شقة نادين خلف الخزانة هناك لوحة بها أرقام .. لو استطعت فتحها فقد تصل لأدلة كثيرة فنادين كانت تمنعني دائما من أقترب من تلك الغرفة
– وماذا لو لم يكن حديثك صحيح
– وقتها أفعل بي ما تشاء ولكني أقسم لك انها الحقيقة
– ولماذا لم تقولي هذا للشرطة ؟
– خشيت على نفسي فربما يجدوا ما يدينني في قضايا الشرف في تلك الغرفة ..
– حسنا هناك أمر أخير
– ما هو

نهضت من مجلسي ووقفت أمام النافذة وأشرت للسماء وقلت :
– تخيلي أن الرب يقف هناك وينظر لنا صفي لي شعورك لو كنت ترينه
اضطربت كثيرا ونظرت أرضا فتابعت :
– أنت تهزين عرش ربك كل يوم بأفعالك القذرة تلك وتخيلي أنه يراك وأنت تفعلين أفعالك تلك .. أصبحت سلعة رخيصة يمكن للأوغاد أن يشتروها مقابل حفنة من الأوراق .. إن لم يكن لك دين فأين كرامتك يا امرأة .. ألا تحبين جسدك ؟؟! ألا تغارين عليه ؟؟! أنت حقا لا تستحقين الحياة ..

هبطت أدمعها الحارة ببطء وارتجفت شفتاها ولكنها لم تستطع النطق فتابعت :
– عودي لمن خلقك فحياتك هنا لا تقارن بحياتك في قبرك .. لا تلوثي جسدك فهو أمانة من الله ..

لم تنطق وإنما نظرت أرضا وأجهشت بالبكاء .. أدركت بحدثي أنها على وشك التوبة فقلت :
– سأراقبك كل يوم ولو عدت لعملك هذا فسوف أعتقلك بتهمة الدعارة .. اتركيه لله وسوف يعوضك عنه لو علم حقا صدق نيتك .. سلام

تركت المرأة وأنا أشعر بشعور غريب .. أنا أترك صلاتي أحيانا ولم أكن أدرك انني سأنصح أحدهم يوما ولكني فعلتها .. فعلت ولو خير بسيط وها أنا أشعر بتلك السعادة المصاحبة لأعمال الخير .. قررت أن أعود لتلك الشقة وأحاول بشتى الطرق فتح الغرفة السرية أو حتى المحاولة ..

في اليوم التالي كنت منتفخ العينين مرهق .. احتسيت من القهوة الكثير والكثير .. رأسي كاد أن ينفجر من التفكير .. نادين كلما تذكرت اسمها انقبض قلبي .. هل تستحق فعلا تلك الميتة أم انها مظلومة .. سأعرف كل شيء مهما كان ولو كان الموت ضريبة المعرفة .. هبط الليل بحزنه وشجنه وتجهزت للخروج ..خرجت من شقتي وزوجتي تنادي
” هات حلويات وانت عائد “
تركتها قبل أن اقتلها وذهبت ..

وصلت لتلك البناية وكنت قد أعددت ما سأفعله لحسنين حارس البناية .. هبطت من سيارة صديق لي بالقرب من البناية ودار صديقي حولها ثم حاول المرور من جراج البناية .. هرع له حسنين وهو يهتف ” يا باشا ماذا تفعل ؟؟ “
فسمعت صديقي يهتف ” افتح الباب “
– ولكنك لست من قاطني البناية
– ولكني …….
لم أسمع باقي الحوار لأني كنت قد صعدت الدرج حتى شقة نادين ..

لم أكن خائفا كالمرة الأولى بقدر ما كنت غاضبا لموت نادين وغاضبا أكثر لعدم معرفتي بالحقيقة حتى الآن .. رأيت الزجاج كما هو محطم .. لم يصعد أحدهم إلى هذا الدور حتى الآن .. مررت بجسدي عبر الباب وهبطت إلى الشقة .. أنرت الكشاف الذي جلبته معي وبدأت أبحث عن الخزانة ..
رأيتها مكانها .. هرعت لها حتى ابحث عن اللوحة الرقمية ولكن شاب شعري من هول ما رأيت

انزاحت الخزانة لتكشف عن باب سري خلفها وإذ بامرأة تخرج من الباب لتفاجأ بوجودي .. لم يكن من الصعب أبدا معرفتها لأنها كانت نادين والتي رأيت صورتها في الجريدة من قبل …

***

” ستترقب الخلاص لروحك كل يوم ولكنك ستظل عاجزا طالما أنك لم تخرج من تلك العوالم القذرة وستدنس روحك أكثر وأكثر.. الخلاص يتلخص في ترك الفجور “

إمضاء : عاهرة
صفحة من مذكرات نادين

**

في تلك اللحظات يتوقف العقل عن العمل ويرتجف القلب وتهرب الروح ويتصلب الجسد وتكون أقرب للصدمة حينئذٍ.. كيف هذا ؟؟
تمنيت لو كانت تلك المرأة مجرد شبح آخر .. سيكون هذا أفضل بالنسبة لي من أن تكون نادين نفسها .. وقفت أنتفض كطفلٍ رأى إحدى ذراعيه مقطوعة وقلت بلسان أوشك على الموت :
– من أنتِ
نظرت لي وعلى ضوء كشافي الصغير رأيت الغضب يتبدى عيانا من عينيها وقالت :
-السؤال لك أنت لماذا اقتحمت المكان هكذا
– لقد جئت بحثاً عن الحقيقة
– وهل وجدتها حقاً
– يبدو كذلك فهي تقف أمامي

وجمت المرأة وقالت بغضب أشد :
– ماذا تقصد ؟؟
– أنتِ نادين أليس كذلك ؟؟
– هل تعرفني
– نعم أعرفك

أخرجت من حقيبتها خنجر حاد ولوحت به نحوي وقالت :
– ما أنت سوى بلص حقير قد اقتحم مكاني
– أقسم لكِ أنا لست بلص وما جئت سوى للبحث عن حقيقة مقتلك
– أنت تستحق الموت
– حتى لو كنت أستحقه فمن حقي قبل أن أموت أن أعرف الحقيقة كاملة خاصةً وأني قد وجدتها صدفة بعدما بحثت عنها كثيراً
– هل جئت لهنا من قبل ؟
– نعم
– إذاً أنت من أخذ مذكراتي
– نعم إنها معي ، أخبريني بالحقيقة وبعدها سأعطيكِ إياها

اقتربت مني بخطوات من لا يخشى شيئا وكأن الموت أصبح صديقاً له وجلست على الأريكة في الظلام وقالت :
– ولماذا أخبرك بالحقيقة؟
– لأني سأدفع حياتي مقابلاً لها .. هل هذا يكفي ؟؟!
– نعم يكفي في الوقت الحالي
– لا أفهمك
-لا يهم ، والآن أنصت جيداً فأنا فعلاً في حاجة لأن أخرج ما بداخلي لعلها تكون لحظاتي الأخيرة في تلك الحياة ..

” لن أخبرك عن ما جعلني عاهرة أو فتاة ليل فربما كنت تعرف هذا أو لا ولكني سأخبرك عن ما حدث بعدها .. في البداية حينما تدلف بقدميك إلى البار.. ترى بعين الحقيقة قذارة النفس البشرية وقبحها .. ترى رجال من مراكز رفيعة جداً يتمايلون على أنغام الموسيقى كأبرع العاهرات .. ترى فتيات قد بعن أجسادهن لأجل اللاشيء فقط لأن نفسها أرادت هذا .. ترى الصراخ والعويل .. ترى الفجور والمجون .. ترى الزنا في كل مكان .. تشعر أنك قد دلفت إلى أرض الشيطان نفسها.. هكذا كان شعوري حينما دلفت . 

وقفت وقتها أمام باب هذا العالم وكنت أعرف انه قراري المصيري .. فمن يدلف من هذا الباب غالباً ما يخرج منه إلى جحيم الرب .. قلة قليلة جدا من تستطع النجاة ولكنهم في النهاية يموتون ببشاعة بسبب هذا الرجل .. ” مندور أبو الدهب ” مالك بار السعادة في شارع الكرم رجل له نفوذ جبار وله كلمة على أصحاب الدولة العليا.. ربما كان شيطان من شياطين الجن قد تنكر في هيئة بشر .. عبقري لأقصى درجة .. كل ما يفعله هو أنه يبتكر أشياء يخجل إبليس نفسه من فعلها ويجعل رواده يفعلونها ..

حينما ولجت للمكان نظر لي وقال .. ” مرحبا بك في حلف الشيطان ” ومنذ أن قال لي تلك الكلمة وأنا عاهرة بارعة لا يمكنني أن أتغيب يوما عن المكان أو أرفض طلب زبون ” أوردر ” فعلت كل ما كان يُطلب مني دون نقاش.. وما علمته لاحقاً أن مندور هذا هو من القلة التي تمارس السحر الأسود ولهم علاقة وثيقة بالشياطين .. مارست الفجور وحضرت معهم جلسات تعبدية للشيطان ومارست طقوس للسحر وأدمنت الخمر والهيروين .. لم أترك شيئا لم أفعله حتى جاءت تلك الليلة .. طلب مني أن أخرج في أوردر مع فتاة .. علمت بعدها أنني سأمارس الشذوذ مع فتاة مثلي .. شعرت بالنفور الشديد وأفرغت ما بداخلي أمامه .. صرخت فيه يومها ورفضت .. لم أكد أفعلها حتى كنت مقيدة في غرفة مظلمة بعد أن نزفت الدماء من جسدي بأكمله جراء ضررب مبرح .. سمعته من وسط الظلام وقتها يقول :
لقد رفضتي ممارسة المجون مع البشر فاليوم ستفعلينها مع الشياطين .. 

تخيل أنك مقيد بالسلاسل وفجأة ترى وجوهاً قبيحة ملتهبة ورائحة بشعة تزكم أنفك .. ثم ………… ثم تشعر بالنيران الملتهبة تحرق جسدك بأكمله .. هذا ما حدث وما علمته لاحقاً أن هناك علاقات تحدث بين الإنس والجن .. كان هذا هو عقابي الأول ولو رفضت ثانيةً سيكون الموت هو العقاب الثاني فهو لا يعطي سوى فرصة واحدة .. 

تمر الأيام تلو الأيام وأنا أستنشق الهيروين كالأكسجين حتى أستطيع أن أحيا في هذا العالم .. كل يوم يعبث من يشاء بجسدي وكأنني دمية ليس لها روح وليس له حق في الاعتراض حتى وصلت لهذا الحفل .. كان هذا الحفل في قاعة صغيرة أسفل البار .. قدموا فيها فتاة كانت ستترك العمل وتتوب إلى الله وكانت تلك الفتاة هي الأقرب لي .. لم يمهلوها ولو لحظة وتقدمت كريستينا وهي زميلة معنا وقامت بنحرها فوق المنصة وخلعت ملابسها تماما واغتسلت بدماء التائبة.. يومها كدت أن أموت حزناً وقهراً على صديقتي .. عدت لمنزلي وأنا في حالة انهيار عصبي .. دلفت إلى غرفتي الطاهرة في الشقة كلها والتي لم أدخلها مرة وانا سكيرة أو مدمنة أو حتى نجسة .. وظللت أصرخ وأبكي وأصرخ وأبكي .. حتى تناهى إلى مسامعي صوت قادم من سيارة أحدهم بالأسفل يقول :
” إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ” لا أعلم ما حدث لي وقتها ولكني أفقت وأنا نائمة على سجادة الصلاة بعد ليلة كاملة من الاستغفار والبكاء لله ..

ومن هنا بدأ اختبار الله لي ليعرف صدق توبتي .. فكل ذنب حتى تتوب منه له اختبار .. فالزاني بعد توبته يتعرض لأن يزني ثانية ليرى الله هل سيصدق في توبته أم لا .. وكلما كان الذنب المتاب منه أعظم كلما كان اختبار الرب أكبر ، كتلك الممثلة التي تابت فهاج عليها المجتمع كله ولم يكن هذا سوى اختبار الله لها ليرى أهي حقاً تريده أم تخشى على نفسها من المجتمع بعدها .. ومنذ تلك الليلة قررت أنني سأموت لو اضطررت لهذا ولكني لم أفعل هذا مجدداً ..
ولكن قبل التوبة يجب أن يكون هناك ثأراً .. كل من أخطأ يجب أن يموت وخاصةً في حق تلك المسكينة التي ذبحوها فقط لأنها أرادت أن تتوب لله ..

قررت أن أستخدم عقلي الذي كاد أن تموت خلاياه .. استعنت بمن خلقني وكل ما قلته هو تلك الكلمات ” يا من خلقت الكون بأكمله بحق كلمتك ورحمتك وفقني في ما سأفعله وبعدها تب علي ” .. وصلت للبار واستطعت أن أضع مسجل صوتي في غرفة مندور أبو الدهب .. لا تسألني كيف فقد فعلتها في النهاية رغماً عن شياطينه .. ذهبت سريعا لكيريستينا وقلت لها :
– أريد منك خدمة مقابل عشرة ألاف دولار
– وما هي
– هناك زائر ثقيل سيزورني في شقتي وأنا غير مستعدة له .. ستفعلينها بدلاً مني وأنا قد جهزت قناع سترتدينه لأظهر وكأني أنا وحينما يسكر لن يميز بيننا وستفعلينها بدلاً مني ..

وافقت في النهاية وتساءلت عن الموعد فقلت لها سأتصل بكِ قريباً ..

في اليوم التالي اتصلت بمندور وقلت له صراحةً ..
لن أعود لأعمل معك ثانيةً وافعل ما شئت فأنا لا أهابك
أغلقت الهاتف وعلى الفور وضعت السماعة على أذني لأسمع ما يقوله في مكتبه عن طريق المسجل .. كان يتصل بحراسه ويطلب منهم الذهاب لقتلي الليلة ..
اتصلت على الفور بكريستينا وأخبرتها بالموعد الذي ستحضر فيه وكان قبل وصول رجال مندور بساعة .. جاءتني كريستينا وارتدت القناع وانتظرت في شقتي بينما أنا اختبأت في غرفتي خلف الخزانة وراقبت ما يحدث من خلال شاشات كاميرات المراقبة المتواجدة في شقتي.. 

وصل الرجال ولم يمنعهم حسنين الذي كان يأخذ مني المال الوفير ليترك أي زبون يصعد لي كيفما يشاء..
دلفوا خلسة من الباب وهجموا على كريستينا في غرفة النوم وقتلوها بالخناجر قبل أن تعي الأمر وذهبوا .. على الفور خرجت من مخبأي وأخرجت أكياس الدم من الثلاجة ونثرتها في كل مكان ثم وضعت طلاسم كثيرة على الجدران وقمت بتشويه وجه كريستينا ونزع عظامها عن جسدها ليستحيل على الشرطة معرفتها ويظن الجميع انني أنا القتيلة .. وتم الأمر كما خططت له تماماً .. وقد جئت اليوم لأحصل على مذكراتي التي نسيتها ووجدتك هنا .

شعرت بأن رأسي يذوب من فرط التفكير وأصابني دوار حاد وكدت أن أفقد اتزاني .. قلت لها :
– هل يحدث كل هذا حقاً في هذا البار
– يحدث هذا وأكثر .. أسفل البار تتواجد غرف لممارسة الشذوذ بين الرجال والنساء .. غرف لعبادة الشيطان وغرف للزنا .. بل وهناك غرف للقتل .. حيث يدفع الزبون ويهبط للأسفل فيعذب الضحية ويقتلها كيفما شاء وكل هذا يكون خلال بث مباشر على الدارك ويب لجني المال .. وهناك غرف لممارسة السحر وتعلم فنونه.. إنه عالم اللاعودة
والآن لقد عرفت الحقيقة كاملة .. ولكن ما لا تعرفه أن مندور قادم بعد نصف ساعة وسأقتله ثم أرحل من البلد بأكملها لأحاول أن أحيا حياة مع الله لعله يغفر لي كل ما فعلته ..

-وكيف أقنعتيه أن يأتي إلى هنا

– لقد أرسلت له رسالة من هاتف كريستينا وأخبرته أن شقة نادين بها غرفة سرية تحتوي على الكثير من أوراق تدينه ويجب أن يحصل عليها بأي ثمن .. وأخبرته انني علمت هذا بعدما حصلت على مذكرات نادين وأنني أنتظره في العاشرة مساءً في شقة نادين وأنني امتلك نسخة من مفتاح شقتها ولكني لا أملك شفرة الغرفة ..

– ومن أدراكِ أنه سيأتي بنفسه فربما أرسل رجاله يوم قتل شبيهتك

– أنت لا تعرف مندور فهو في تلك الأمور يذهب بنفسه لأنه لا يثق بأي أحد في تلك المسائل وأنا على يقين أنه سيأتي بنفسه ..

– حسنا أنا سأساعدك في قتل هذا الرجل

– لا لا أنت لن تدخل أبداً في هذا الأمر فقط أريد منك أن تأخذ مذكراتي وتكتب ما قصصته لك كاملاً وتنشره في كل مكان تحت مسمى وهمي لك حتى لا تضر نفسك .. ولكن انشره بعد يومين فلو حدث وقتلته فسأكون وقتها خارج البلاد ويمكنك النشر ولو قُتلت فوقتها سأكون قدمت عملاً صالحاً في حياتي ووضحت الحقيقة للناس ..

– لا لن أتركك

– أقسمت عليك أن تذهب فقد اقترب الموعد الأخير

– هل كل ما تريدينه أن يصل ما قلتيه للناس

– نعم وبأي طريقة

– حسنا ..

أخرجت هاتفي وبدأت أعبث به بكل سرعة

– ماذا تفعل ؟؟
– لا تقلقي لقد سجلت كل ما قلتيه منذ بداية الحديث وأرسلت الملف لصديقي علي وهو صحفي بالمناسبة وطلبت منه نشر هذا الملف على الانترنت وأنا على يقين أنه سيفعل ..

– حسنا اذهب من هنا الآن

في تلك اللحظة سمعنا صوت سيارة تقف أسفل البناية نظرت نادين من النافذة وهتفت بخوف :
– إنه هو

نظرت من النافذة فرأيت ثلاثة من الرجال ومعهم رابع يرتدي حلة سوداء بالكامل ..
– هل هو معهم
– نعم انه صاحب الحلة السوداء ..

انطلقت نحو باب الشقة وفتحته
ثم جذبتني سريعاً وفتحت غرفتها الخاصة عن طريق تلك الشفرة التي رأيتها ” 333456 “
ثم دفعتني للداخل وأغلقت الباب وسمعت صوت الخزانة وهي تُدفع لتغطي الباب ..
نظرت بداخل الغرفة بعدما اشتعلت الإضاءة بها تلقائياً فرأيت مصحف وسجادة صلاة وسبحة .. يا الله .. هل تابت المرأة فعلاً ..

شعرت بالرعب على تركها وحدها تواجه هؤلاء الشياطين ..
وضعت أذني على الباب لأسمع صوت خطوات الرجال وهم يسيرون في صالة الشقة وأحدهم يغلق باب الخروج .. أدركت أنها صارت حبيسة معهم .. لا لا لن أتركها مهما كان .. انتفضت حينما سمعت صوت طلقة رصاص مكتومة خرجت من مكانٍ ما أعقبها صوت سقوط .. صوت اضطراب ثم طلقة ثانية ثم صوت ارتطام .. صوت جلبة شديدة ثم صوت ارتطام ثالث .. ثم فزعت على صوت نادين وهي تصرخ وأحدهم يسبها .. 

هرعت نحو الباب وكتبت 333456 أزحت الخزانة بهدوء شديد ونظرت من خلالها وعبر الظلام رأيته إنه مندور .. يمسكها من شعرها ويضربها بقبضة يديه في وجهها .. تسللت من خلفه بهدوء ولفت نظري الخنجر الذي كانت تمسكه .. كان على الأريكة .. لم أتمهل وقبل أن يطعنها هو بخنجره الذي أخرجه من ملابسه طعنته بكل قوتي في ظهره .. شهق الرجل وتركها والتفت لي وهو ينزف دماً.. فزعت من لون عينيه الذي تحول إلى اللون الأبيض وتراجعت للخلف وهو يسير نحو ببطء حاملاً خنجره .. لامس ظهري الحائط وأدركت أنني هالك لا محالة .. رفع الرجل خنجره و …..
صوت طلقة مكتومة ثم تناثر جمجمة الرجل على وجهي وسقوطه أرضاً بلا حراك .. نظرت لنادين والتي كانت تنزف من أنفها وهي تحمل السلاح وابتسمت ..

في السيارة كنت أنظر لنادين وأنا أقول ..
– هل انتهى الأمر عند هذا الحد ؟
– أعتقد بالنسبة لي قد انتهى فقد وجدت عملاً خارج البلاد وسأظل مع الله حتى الموت .. ولكن بالنسبة لكم الأمر لم ينتهِ ، فتلك الأمور متواجدة هنا بكثرة ويجب القضاء عليها بأي ثمن ولكن عدني أن تنشر الأمر في كل مكان ..
– لا تقلقي سأنتظر رسالتك بأنكِ أصبحت خارج البلاد وسأنشر الأمر في كل مكان .. ولكن عندي سؤالين
– ما هم ؟؟
– بما أن مندور هذا ساحر كيف لم يعرف بما تخططين له؟ 
– حقيقةً أنا نفسي لا أعرف ولكن يبدو أن الله كان معي وأن كيد الشيطان كان ضعيفاً فعلاً وقد تغلب كيدي على كيده ..
– لقد رأيت شبحاً يشبهك تماماً حينما وصلت للشقة أول مرة كيف هذا وأنت لم تموتي ..
– هذا أمر طبيعي .. فقرين القتيلة يهيم في مكان القتل كل يوم بحثاً عن من قتل صاحبه .. ولكني لا أعرف هل هو حقاً كان يشبهني أم لا .. فهل هو كان قريني أنا أم قرين كريستينا ولكن ليس هناك فارق فقريني وقرين كريستينا كانوا يبحثون عن آخذ الثأر ..

بعد أن تم نشر قصة نادين في كل مكان تلك الفترة وصلتني رسالة غريبة من صديقي علي ..
” صديقي العزيز آسر لقد نشرت القصة كما طلبت مني ولكني جئت اليوم لأخبرك أنني قد وجدت ملف خطير بالصدفة بين ملفات الشرطة بعنوان ” جرائم غامضة لم تستطع الشرطة فك طلاسمها وقد أرسلت لك هنا نسخة من هذا الملف أتمنى أن يفيدك “

وها هي قصة ومذكرات نادين بين يديك عزيزي القارئ بعد أن سافرت خارج البلاد .. أتمنى أن تفطن لحقيقة تلك الأفعال القذرة والتي تحدث في مجتمعاتنا كل يوم …
انتظروني أنا آسر لنكمل مسيرتنا مع ملف الشرطة الغامض ..

تمت بحمد الله

* القصة منشورة لنفس الكاتب في موقع آخر 

تاريخ النشر : 2018-11-22

guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى