طوائف و معتقدات

ساتي .. عادة هندية ترسل الأرامل إلى المحرقة مع جثث أزواجهن

بقلم : اياد العطار

التضحية بالنساء عند موت أزواجهن أو أسيادهن هي عادة قديمة مارستها معظم شعوب الأرض في فترة ما من ‏تاريخها , و ارتبطت هذه العادة المخيفة بالجوانب الروحية المتعلقة بمعتقدات ما بعد الموت حيث ان النساء كن ‏غالبا ما يرسلن إلى حتفهن لمرافقة أزواجهن أثناء الرحلة إلى عالم الأبدية , ربما من اجل إمتاع الزوج و تسليته ‏خلال الرحلة إذ ان الرجال سريعو الضجر!. في حين إذا ماتت الزوجة أولا فليس من واجب الزوج طبعا ‏مرافقتها إلى العالم الآخر لا بل إن معظم الأزواج سيجدونها فرصة ذهبية للزواج من امرأة أخرى .. و إذا ‏احتجت المرأة و طالبت بالمساواة فسيخبرها “رجال” الدين بأنها إرادة الآلهة وعليها التسليم والقبول بها!.‏

يتم تقييد الارملة و تجبر على الاحتراق مع جنازة زوجها

ساتي .. عادة هندية ترسل الأرامل إلى المحرقة مع جثث أزواجهن
صورة لجنازة حقيقية تظهر النار و هي تشتعل في المحرقة التي يستعملها الهندوس لحرق جثث موتاهم

اغلب الحضارات القديمة مارست التضحية البشرية , و منذ البداية ارتبطت هذه الأضاحي بالطقوس الدينية و معتقدات ما بعد الموت. ففي مدينة أور (1) السومرية مثلا تم اكتشاف عشرات الهياكل العظمية البشرية في المدافن الملكية لرجال و نساء يرتدون كامل ملابسهم الرسمية و قد وضعت إلى جانب بعضهم  قيثارات و آلات موسيقية مما يدل على أن هؤلاء كانوا مغنيين و موسيقيين فيما كان الآخرون من سائسي الخيول و الحرس و الجواري , و قد تم قتل الجميع بالسم ثم حملت جثثهم إلى داخل القبر حيث رصت حول الغرفة المخصصة لدفن الملك و التي تقع في مركز المدفن. و هناك أيضا إشارات على ممارسة التضحية البشرية في الحضارة الفرعونية خلال حكم السلالة الأولى لكن يعتقد على نحو واسع أن الأشخاص الذين رافقوا الفرعون إلى قبره لم يقتلوا بل قاموا بالانتحار طوعا عن طريق تناول السم. الأوربيين أيضا مارسوا التضحية البشرية بأشكال مختلفة ذبحا و حرقا و غرقا , و قد وصف الرحالة العربي ابن فضلان أثناء رحلته إلى ارض الرس (الفايكنغ) في القرن العاشر للميلاد كيف أنهم كانوا يقتلون الجواري ليرافقن أسيادهن في رحلة ما بعد الموت (راجع رحلة ابن فضلان و حديثه عن ساحرة الموت التي كانت تقتل الجواري) , أما حضارات أمريكا القديمة (الميسوامريكا) فقد كانت في طليعة الأمم من حيث عدد الأضاحي البشرية و التفنن في قتلها و سلخها و حتى التهام أجزاء منها , و كانت قلوب هذه الأضاحي تقدم للآلهة في طقوس دموية تقام على مدار السنة (راجع موضوع الازتك و الأضاحي البشرية).

الحديث حول الأضحية البشرية في العالم القديم قد يطول و يحتاج إلى عدة مقالات للإحاطة به لكننا ذكرنا هذه المقدمة القصيرة لكي تعلم عزيزي القارئ أن عادة التضحية بالبشر لم تختص بها أمة دون أخرى بل إن اغلب شعوب الأرض مارستها و حتى الكتب السماوية احتوت على إشارات عنها مثل قصة نبي الله إبراهيم عندما أراد ذبح ابنه ليثبت إيمانه القوي و طاعته لأوامر الله و قد كاد أن يفعل ذلك لولا أن فداه ربه بقربان عظيم.

في الهند , عادة التضحية بالمرأة الأرملة مع زوجها هي عادة قديمة يقال أن الاسكندر المقدوني شاهدها و حاول منعها عند احتلاله للهند في القرن الرابع قبل الميلاد , كما ورد ذكرها في بعض كتب التراث العربي القديمة إذ ذكر لنا الرحالة ابن بطوطة بأنه شاهدها بنفسه أثناء زيارته للهند و انه اغشي عليه لبشاعة المنظر فحمله الناس بعيدا. و هذه العادة يطلق عليها تسمية ساتي (Sati ) و تعني بالهندية “المرأة الطاهرة أو المقدسة” و يعتقد أن جذورها تعود إلى بعض المعتقدات الهندوسية القديمة حيث ورد أن زوجة الإله شيفا أحرقت نفسها أمام الحاضرين احتجاجا على أبيها الإله داكشا عندما تجاهل زوجها و لم يدعه إلى وليمة كبيرة أقامها لكبار الآلهة. و هناك عادة أخرى في تاريخ الهند تسمى جوهر قد يكون لها ارتباط وثيق بأصل و جذور الساتي , فعندما كان المحاربين الهندوس القدماء يخسرون معركة ما , كانت زوجاتهم يقمن بالانتحار جماعيا لإثبات إخلاصهن لأزواجهن المقتولين في ساحات الوغى و للحفاظ على شرفهن من أن يدنسه العدو. و يؤمن الهندوس بأن المرأة “الصالحة” التي تلحق بزوجها الميت إلى النار سوف تحرر نفسها و عائلتها من معاناة عملية البعث و الولادة من جديد أي عملية التناسخ (2).

لا توافق جميع الطوائف الهندوسية على نظام الساتي فهناك بعضها يحرمه لأنه يعتبر الانتحار حرقا فداءا لشخص آخر هو عملية مرفوضة و غير مقبولة , لكن هناك في نفس الوقت طوائف متشددة خصوصا في منطقة راجستان و في بعض مناطق غرب الهند لازالت تحترم الساتي و تعتبره دليلا على إخلاص المرأة و طهارتها و شرفها , و هناك من يعتقد بان من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ترسيخ الساتي هو الفقر المدقع لبعض طبقات المجتمع الهندي , فالمرأة التي يموت زوجها لن تجد من يعيلها لذلك تخلص نفسها بالانتحار. و المفروض أن الساتي هو عملية اختيارية أي إن الأرملة ليست مجبورة على القيام به لكن للأسف في بعض المناطق لا تعطى الأرملة خيار الرفض و تجبر على الانتحار حرقا مع زوجها الميت. و حتى الزوجات الصغيرات اللواتي قد لا يتجاوز عمرهن العاشرة غير مستثنيات من تطبيق الساتي.

sati
لوحة رسمها فنان انكليزي تظهر احدى الارامل و هي ترافق زوجها الميت داخل المحرقة

في العادة تقام المحرقة (Pyre ) لموتى الهندوس خلال يوم من مفارقتهم الحياة , أي إن الزوجة لديها ليلة واحدة لتقرر تطبيق الساتي أم لا , و تلعب العوامل النفسية دورا كبيرا في هذا الاختيار فعادة ما يتوقع منها الأقارب و الجيران القيام بذلك و هذا يؤثر على قرارها بشكل كبير , طبعا هذا على فرض أنها تملك الخيار حقا في الموافقة أو الرفض. و في حال وافقت الأرملة على تطبيق الساتي فأنها تتعطر و تلبس أفضل ما عندها من ثياب أي الثياب التي لبستها في يوم عرسها لأن الساتي بحد ذاته يعني تجديد عهد الزواج بين الزوج و زوجته. و بعد أن تهيئ الأرملة نفسها تؤخذ إلى المحرقة و غالبا ما تدخل إليها بمحض إرادتها و تجلس إلى جوار زوجها قبل إشعال النار و أحيانا أخرى تقوم بالقفز إلى داخل المحرقة بعد أن تضطرم فيها النيران و في حالات نادرة تدخل إلى المحرقة و تجلس إلى جوار جثة زوجها ثم تقوم هي بنفسها بإشعال النار. وقد تسأل عزيزي القارئ ماذا لو دخلت الزوجة إلى المحرقة ثم حاولت الفرار بعد أن نشبت النيران في جسدها و أصابها الألم و الجزع؟ و هذه الحالة ممكن أن تحدث فكلنا نعلم كيف إن الإنسان يناضل من اجل حياته بكل ما أوتي من عزم و قوة خصوصا عن الحريق و الغريق , لذلك و تحسبا لهذه الحالة فأن الأرملة تربط أحيانا بالسلاسل لكي لا تتمكن من الفرار و هناك قصص عن نساء حاولن الفرار فقام الرجال المتجمعين حول المحرقة بدفعهن و ضربهن بواسطة العصي الطويلة حتى تمكنوا من إرجاعهن إلى النار و في بعض الحوادث قام الجمهور بإمساك الأرملة التي تمكنت من الإفلات و الخروج من المحرقة ثم أعادوها و رموها مرة أخرى إلى داخل النار. و غالبا ما يكون العنف مصاحبا للحالات التي تكون الأرملة فيها مجبرة على تطبيق الساتي , فبعضهن يتم سحلهن إلى المحرقة بالقوة من دون الالتفات إلى صراخهن و استنجادهن و توسلهن بالجمهور و يتم تقيد أطرافهن لكي لا يستطعن الفرار ثم تضرم النار , طبعا غالبا ما تموت الأرملة خلال فترة قصيرة لأنها ستختنق و تفقد وعيها بسبب الدخان حتى قبل أن تصل النار إلى جسدها , أما سيئة الحظ فستتلوى كالخروف المشوي حتى الرمق الأخير.

كما أسلفنا فليس جميع مناطق الهند تطبق الساتي بل إن هناك مناطق تمنع المرأة من تطبيق الساتي حتى لو أرادت هي ذلك و أحيانا يقوم الرجال بإخراجها من النار بالقوة قبل احتراقها عندما تفاجئ الجميع و تقفز إلى المحرقة على حين غرة. كما ان هناك ما يسمى بالساتي الرمزي , أي أن الأرملة تلبس ثياب العروس و تجلس قرب جثة زوجها الميت لكنها تغادر المحرقة قبل إضرام النار فيها.

منذ القرن السادس عشر حاول أباطرة المغول المسلمين حظر هذه العادة و كذلك قام الانكليز بمحاولة القضاء عليها عندما احتلوا الهند , و اليوم فأن الساتي ممنوعة في كل أرجاء الهند بموجب القانون و يعاقب أي شخص يساعد الأرملة على تطبيق هذه العادة أو يجبرها على القيام بها , و بسبب المنع فأن حالات تطبيق الساتي أصبحت نادرة جدا لكن تحدث مع ذلك فأحيانا تقوم بعض الأرامل بالقفز إلى داخل نار فجأة قبل أن يتمكن الناس من منعهن و أحيانا يلاقي هذا الانتحار استحسانا كبيرا من الجمهور باعتباره تجسدا لأخلاق الزوجة الهندوسية الطاهرة و المخلصة. ففي عام 2006 قامت عجوز هندية بالقفز إلى النار أثناء جنازة زوجها و احترقت حتى الموت و قبلها بعدة أشهر رمت أرملة شابة بنفسها إلى داخل محرقة زوجها المشتعلة لكن أسرتها و أقاربها تمكنوا من إنقاذها قبل أن تحترق و تموت , و عام 1987 قامت زوجة شابة بالقفز إلى محرقة زوجها وسط صيحات التشجيع و الاستحسان من آلاف المشاهدين الذين تجمعوا لمشاهدة الجنازة و هو الأمر الذي دفع السلطات الهندية إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات المشددة للقضاء على هذه العادة. و هناك حوادث أخرى تحدث بين الحين و الآخر و أحيانا نسمع قصصا عجيبة عن أرامل يعتصمن عن الطعام احتجاجا على منعهن من تطبيق الساتي.

1- أور : إحدى أقدم المدن السومرية و أقدسها , تقع في جنوب العراق و بلغت أوج عظمتها في الألف الثالث قبل الميلاد و يعتقد على نحو واسع أنها كانت موطن نبي الله إبراهيم (ع) الذي تنسب إليه الأديان السماوية الثلاثة و من هنا جاءت أهميتها و شهرتها في الغرب , و هناك بعض المنقبين مثل الانكليزي ليونارد وولي , المؤمن بحرفية نصوص التوراة , نبشوا أور نبشا بحثا عن أي دليل ذي صلة بإبراهيم الخليل و لكنهم خرجوا منها خالين الوفاض مثلما نبش المنقبين قبلها الآثار الفرعونية بحثا عن أي دليل عن النبي موسى (ع) و النبي يوسف (ع) و لكنهم لم يجدوا شيئا و مع هذا يخرج علينا بين الحين و الآخر بعض الحالمين ليقولوا بأن بني إسرائيل هم من شيدوا الأهرام للفراعنة !.

2 – عقيدة التناسخ : الهندوس يؤمنون بأن الروح خالدة لا تموت و لا تولد و لكنها ببساطة تنتقل من جسد إلى آخر و هذه العملية تتحكم فيها الكارما (Karma) أي أعمال و أقوال الإنسان في حياته السابقة (السيئات و الحسنات) و على أساسها يتحدد الشكل الجديد الذي سيولدون به فالرجل الميت يمكن أن يولد كامرأة في حياته القادمة أو كحيوان أو طير , و يؤمن الهندوس بأن السبب الذي يجعل الأرواح تنتقل من جسد إلى آخر هو الرغبة في الحصول على الملذات و المتع الدنيوية , و رغم إن الهندوس لا يعتبرون الملذات الدنيوية إثما بحد ذاتها لكنهم يعتقدون بأن هذه الملذات سطحية لا تحقق السعادة و السلام للنفوس. لذلك بعد عدة مرات من الموت و الولادة الجديدة تبدأ الروح تدرك محدودية السعادة التي توفرها الملذات الدنيوية و تبدأ تبحث عن السعادة عن طريق التمرينات الروحية (مثل اليوغا) حتى تصل إلى مرحلة عليا تنتهي فيها كل رغبة بالملذات الدنيوية و عند الوصول إلى هذه المرحلة الروحية السامية فأن الروح لن ترغب في الحياة مجددا و لن تنتقل إلى جسد جديد و لن تولد مرة أخرى و ستتخلص من معاناة التناسخ و تذهب إلى الجنة الأبدية مع الآلهة. (هذه الكلمات هي تبسيط كبير لمعتقدات الهندوس حول التناسخ و عقائد حياة ما بعد الموت و الغرض منها هو مجرد إعطاء فكرة عن الموضوع).

ملاحظة : هذه المقالة لا تهدف إلى انتقاد الثقافة و الديانة الهندوسية أو السخرية منها فكل الأديان تحمل في طياتها بعض الطقوس التي لو جردناها من قيمها الروحية لوجدناها مدعاة للسخرية كما إن كاتب المقال يكن احتراما كبيرا لبعض الجوانب الروحية الجميلة و السامية في الثقافة الهندية مثل (اليوغا) لذا ارجوا و أتمنى أن لا يتم نقل هذا المقال إلى المنتديات لغرض السخرية و الاستهزاء من الآخرين.

هذه القصة نشرت بتاريخ 19 /11 /2009

guest
66 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى