أدب الرعب والعام

أفعى الغروب

بقلم : زينب رزق – مصر

أفعى الغروب
تبدأ في إصدار فحيح تقشعر لسماعه الأبدان ..

ترررن ترررن ترررن … (منبه يرن)

يعلو صوت المنبه شيئا فشيئا في اذنها .. تقاوم لئلا تستيقظ فهي منهكة القوى , و لكن اشعة الشمس تخترق زجاج النافذة معلنة عن سطوعها لتتطفل على جفونها و توقظها .. تحاول فتح عينيها بصعوبة شديدة محاولة النهوظ و لكنها تشعر بوخز فى قدميها كما تشعر بالم شديد في ظهرها (و كانها كانت تهد جبلا ليلة امس) .. تحاول جاهدة ان تتخطى كل ذلك فتنهظ من سريرها بمضض مودعة وسادتها الناعمة و سريرها الدافئ واضعة قدميها على الارض , و لكنها تشعر بشيء خشن الملمس تحت قدميها فتمد يدها لتتحسسه , يا الهي ما هذا انها قشور .. تنظر لها بقرف متمتمة بكلمات شبه مسموعة _ تبا لتلك الخادمة لا تستحق ما ادفعه لها _ ..

تتحرك بكسل اتجاه الحمام لتغسل وجهها و تنفض اثار النوم عنها , ثم ترتدى ملابسها لتذهب للعمل فهي تعمل معلمة في مدرسة تبعد بضعة امتار من منزلها .. هي معروفة باناقتها و هدوء طبعها و دماثة خلقها , يحبها جميع العاملين بالمدرسة فهي جميلة و قليلة الكلام , حتى في فترات الراحة تظل شاردة الى حين انتهاء دوامها , و عند الانصراف تلقي تحية الوداع على الجميع ثم تذهب لمنزلها . تعود للمنزل و الذي تعده ملاذها و ملجئها ثم تلقي بنفسها على الاريكة و لا تشعر بشيء , و مع غروب الشمس ينتشر الوخز في اطرافها و تعترى جسدها حكة شديدة ثم تبدا فى التلوي و يتغير لون جسدها شيئا فشيئا فتتجرد من ملابسها كما تتجرد ايضا من كل معنى يمت الانسانية بصلة .. و من ثم يتحول لون جسدها الى الاسود المائل الى الخضرة و تمزق لسانها معلنة عن ظهور نابين حادين , و تتحول عيناها لتصبح كعيني الافعى كما تبدا فى اصدار فحيح تقشعر لسماعه الابدان .. تنظر فى المراة تتامل نفسها لبرهة فيترائى الى سمعها صوت انين .. تشيح بوجهها ناحية الصوت راسمة على فمها ابتسامة خبيثة مع نظره شنيعة تؤكد دنو الاجل .. فلا مفر ولا مهرب .. فتبداء فى التحرك ناحيه الصوت مصوبة نظرها لعينى ضحيتها معلنة بذلك بدء ازهاق الروح .

يتلصص القمر بضوئه على الاحداث من نافذة قريبة و كانه متفرج ابكم اصم لن يحرك ساكنا .. و يظهر داخل ذلك الضوء الخافت رجل في العقد الخامس من عمره مكبل بالحبال , فمه مكمم , قد جمد الدم في عروقه من هول ما رآه , تعتري وجهه نظره رعب , تملك البرد من اوصاله , يرتعد يبكى ينوح محاولا اصدار أي صوت , يطلب النجدة الف مرة فى سره يحاول الصراخ و لكن دون جدوى فقد وضعه حظه العاثر في طريقها .. لا يحرك كل هذا فيها شيئا فهي لا تعبأ بكل ذلك , هي فقط تريد كبت جوعها و ارضاء غاية في نفسها لا يعلمها سواها .

تتجه نحوه بثبات مكشرة عن انيابها معلنة عن بدء وليمتها , و كعادتها تبدأ الوليمة بفقئ عيني ضحيتها بنابيها غير مهتمة لتوسلاته , و من ثم ترشق نابيها فى وريده لتروي ظمئها بدمائه , و بعد ذلك تبدأ في سلخ جلده كاملا من فروة راسه حتى اخمص قدميه دون ان يتمزق فهي بارعة فى ذلك , ثم تشعل فى جلده النيران مستلذة باستنشاق رائحة الشواء تلك .. و من ثم تلتهم اللحم دون رحمة مخلفة ورائها العظام , و بعدان تنتهي من وليمتها تلك تخفي العظام فى مكان يستحيل على انسان ان يكتشف مكانه فهي ماهرة , ثم تلقي بنفسها على الاريكة لتعاود تذكر ما حدث في تلك الليلة …

ترررن ترررن ترررن … (منبه يرن)

يعلو صوت المنبه شيئا فشيئا في اذنها .. تقاوم لئلا تستيقظ و لكن اشعة الشمس تخترق النافذة لتتطفل على احلامها .. تحاول فتح عينيها بصعوبة شديدة محاولة النهوظ و لكنها تشعر بوخز في جسدها (و كانها كانت تهد جبلا ليلة امس) تحاول ان تتخطى الوخز و آلام الظهر و تنهض على مضض واضعة قدميها على الارض فتشعر بشئ خشن الملمس , فتدقق النظر لتجد بعض القشور او شيء يشبه بقايا جلد فتتمتم لاعنة الخادمة المهملة و تذهب للحمام لتمحي اثار النوم عن وجهها , و ترتدى ملابسها لتذهب للمدرسة .. و في اثناء استراحة الغداء تقترب منها زميلة لها محاولة قطع حبال الصمت بالكلام قائلة : لم لا تتحدثين او تتشاركين الطعام معنا ؟ .. لا افهم لماذا و لكني اشعر بان هناك ما يزعجك .

(صمت يصحبه ابتسامة خفيفة مع نظرة شرود) .. اخرجت الزميلة من حقيبتها ورقة مطوية قائلة : ستجدين في هذه الورقة عنوان طبيب النفس خاصتي , ان اردتي ان تتحدثي لاحد يستطيع مساعدتك مع ابقاء اسرارك طي الكتمان .. انصحك بذلك الطبيب , ناولتها الورقة فمدت يدها و اخذتها منها واضعة اياها في حقيبتها شاكرة اياها بابتسامة .

و لظروف خاصة بالصيانة تقدم موعد الانصراف من المدرسة .. فغادرت مودعة زملاءها , و في طريق عودتها فكرت في ان تزور ذلك الطبيب النفسى , و بالفعل لم تتردد لحظة و توجهت مباشرة اليه .. و عندما وصلت الى عيادته استقبلها الطبيب بابتسامة , فلقد كان رجلا سمح الوجه كث اللحية ينتشر الشيب في راسه و كان تقريبا في العقد الخامس من العمر , و نتيجة لحسن استقباله لها ساعدها ذلك على المضي قدما فى الحديث معه .. فاخبرته بانها طفلة وحيدة لام جميلة هادئة الطباع و اب عصبى متقلب المزاج كثيرا ما كان يسب امها و يضربها حتى انه كاد ان يؤدي بحياتها نتيجة لضربه المبرح لها في يوم ما و خرج ذلك اليوم غاضبا و عاد قبل الغروب بوقت قليل , اخبرته انها تجهل تماما ما حدث في ذلك الوقت فلقد كانت فى التاسعة من عمرها و لكن ما تتذكره جيدا ان تلك هي المرة الاخيرة التي راته فيها بعد ان اختفى تماما و لم يره احد من يومها .. كما اخبرته انه عند استيقاظها صباحا من النوم تجد ان حلقة من يومها مفقودة تماما من ذاكرتها و تشعر بتعب شديد و وخز في اطرافها … وانتهى حديثهما .

ترررن ترررن ترررن (منبه يرن)

يعلو صوت المنبه في اذنها شيئا فشيئا ..اشعة الشمس تحاول افاقتها متطفلة على جفونها فتستيقظ على مضض لتذهب الى عملها .. و عند وصولها قابلت زميلتها فاخبرتها انها حاولت الاتصال بطبيبها النفسي لتوصيه عليها و لكنها لم تجد اية استجابة من قبله …

تاريخ النشر : 2015-05-21

guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى