اكلي لحوم البشر

قصة للأطفال عن اكل لحوم البشر!!

بقلم : اياد العطار

استوقفني في احد المواقع الاجنبية تحليل ادبي و تاريخي لقصة المانية قديمة و مشهورة في كل العالم ، انها قصة ممتعة للأطفال و لكنها تخفي حقيقة مرعبة عن فصول بشعة من تاريخ البشرية قلما ننتبه لها و نتوقف عندها ، و قد ذكرتني بجدتي رحمها الله ، كان من عادتها جمع الخبز المتبقي من مائدة الطعام و تجفيفه و خزنه في كيس كبير تحت سريرها النحاسي القديم و عندما كنا نضحك من فعلها هذا كانت تهز رأسها و تجيبنا مبتسمة : “من حقكم ان تضحكوا فأنتم لم تجربوا المجاعة”. تعال معي عزيزي القاريء لنسبر معا جزءا حالكا و منسيا من تاريخ الاجيال البشرية.

عندما يستنفذ الغذاء في المجاعة لا يبقى سوى اكل لحم البشر

قصة للأطفال عن اكل لحوم البشر

الى اليمين صورة لمنحوتة ايطالية من عصر النهضة تصور امرأة تلتهم لحم بشري و الى اليسار صورة لنسخة قديمة من حكاية هانزل و غريتل

قصة هانزل و غريتل

ربما يكون اغلبنا قد قرأ او سمع او حتى شاهد عبر التلفزيون قصة هانزل و غريتل ، و لمن لم يسمع بالقصة فهذه نبذة سريعة لها ، هانزل و غريتل قصة نشرت ضمن مجموعة قصص للأطفال في المانيا عام 1812 و هي تتحدث عن صبي و فتاة كان والدهما حطابا فقيرا جدا ، و لأن الاب لم يكن بأمكانه توفير الطعام للعائلة فقد طلبت منه زوجته (احيانا تظهر على انها زوجة ابيهم و احيانا اخرى امهم الحقيقية) ان يأخذ الاولاد الى الغابة و ان يتركهم و يهجرهم هناك ، من حسن الحظ ان الاطفال سمعوا خطة زوجة ابيهم (او امهم) لذلك قرروا ان يجمعوا حصاة بيضاء و ينثروها خلفهم بينما والدهم يسير بهم في الغابة لكي يستدلوا بها على الرجوع الى البيت عندما يتركهم والدهم في الغابة ، و بالفعل نجحت خطة الاطفال فبعد ان اختفى والدهم و تركهم وحيدين قاموا بتتبع الحصاة التي نثروها و تمكنوا من العودة الى البيت ، لكن بعد فترة من الزمن اصبح وضع الاب اكثر صعوبة و لم يكن هناك طعام يسد رمق العائلة لذلك طلبت زوجته مرة اخرى بأن يذهب بالاطفال الى الغابة و يتركهم هناك و هذه المرة ايضا سمع الاطفال بما ينوي والدهم فعله فقاموا بتكرار خطتهم السابقة و لكن هذه المرة لم يتسنى لهم الوقت لجمع الحصى لذلك استعملوا قطع صغيرة من الخبز لينثروها خلفهم و لسوء حظهم فقد اكلت الطيور و الحيوانات قطع الخبز لذلك لم يستطع الاطفال العودة الى المنزل و تاهوا في الغابة حتى وصلوا مع حلول الظلام الى بيت جميل مصنوع من الحلوى و قطع السكر فأخذوا يأكلون من جدرانه و شبابيكه حتى خرجت منه عجوز شمطاء و دعتهم للدخول الى المنزل لتناول المزيد من الحلوى و ما ان دخلوا الى البيت حتى اكتشفوا ان العجوز هي ساحرة تقوم بخداع الاطفال بالحلويات لأستدراجهم و اكلهم و قد قامت العجوز الساحرة بحبس هانزل حتى يسمن لكي تأكله و استخدمت اخته غريتل كخادمة ، و في اليوم الذي قررت فيه طبخ و اكل هانزل طلبت من غريتل الدخول الى الفرن للتأكد من انه جاهز للشوي و لكن غيرتل خدعت العجوز و اقنعتها بأن تدخل هي الى الفرن و ما ان فعلت ذلك حتى اغلقت باب الفرن عليها و حررت اخيها هانزل و هرب الاثنين من منزل الساحرة بعد ان قاما بسرقة مجوهراتها و عادا الى بيت ابيهم ليعيشوا بعد ذلك حياة سعيدة و هانئة و الى هنا انتهت القصة.

جذور حقيقية للقصة

العصور الوسطى عرفت الكثير من المجاعات و حدثت فيها الكثير من الامور الفظيعة التي حولت بعض الاشخاص الى وحوش بشرية لا تعرف الرحمة ، انها طبيعة الانسان و غريزة البقاء ، كانت المجاعات تحصد ارواح الملايين في العالم و حتى في ايام الرخاء كانت الاكثرية من عامة الشعب تعيش في فقر مدقع بحيث من النادر ان ينام الشخص و هو ممتليء البطن و لم يكن شيئا غريبا ان ترى الكثير من الاطفال المشردين في الشوارع في ذلك الزمان ممن مات والديهم ، فمتوسط عمر الانسان في العصور الوسطى لم يكن يتجاوز في احسن الاحوال الـ 40 عاما و تهبط هذه النسبة لتصل زمن الحروب و الطاعون الى 18 عاما ، و لك يكن عجيبا في زمن المجاعات ان يهجر الوالدين اطفالهم ليتدبروا غذائهم لوحدهم او ببساطة ليموتوا بعيدا عن اعينهم ، و كان افضل مكان لهجرهم هو خارج المدينة او القرية في البرية او الغابة بحيث لا يستطيعوا العودة الى المنزل و لا يجدهم شخص يساعدهم على العودة الى المنزل ، هناك كان الاطفال يموتون جوعا او يقعون فريسة للحيوانات و من النادر ان ينجوا من الموت بأن يجدهم شخص ما و ينقذهم.
في زمن المجاعات و عندما تصل المجاعة الى ذروتها بحيث لا يبقى شيء ليؤكل و عندما تستنفذ الاعشاب البرية و اوراق الاشجار و الفئران و الحشرات فلا يبقى خيار سوى اكل لحوم البشر ، نعم عزيزي القاريء ، البشر يصبحون طعاما للبشر ، انها ليست وحشية بقدر ما هي غريزة البقاء ، في اوربا و في احدى المجاعات تروى قصة حول خلاف نشب بين امرأتين و السبب هو ان الاثنين اتفقتا على ان يقوما بأكل اطفالهما و جرى الاتفاق ان يبدءا بأكل اطفال احداهما و في المرة المقبلة يأكلن اطفال الاخرى و بالفعل قاما بذبح و طبخ و اكل اطفال المرأة الاولى و عندما اتى الدور على المرأة الثانية رفضت القيام بقتل و اكل اطفالها ، ربما تضحك عزيزي القاريء و تظنها اسطورة و لكن مثل هذه القصص كانت تحدث في المجاعات و قد حدثت مثل هذه البشاعات في اخر و افضع مجاعة كبرى عرفها العرب في جبل لبنان عام 1919 عندما كانت الجثث تغطي شوارع و ازقة بيروت و كان الناس يخفون اطفالهم خوفا عليهم من الخطف و هناك تقارير حول اكل لحوم البشر بسبب الجوع في مجاعة اوكرانيا عام 1930 و كذلك هناك تقارير للأمم المتحدة تشير الى اكل لحوم البشر بسبب المجاعة في كوريا الشمالية بين عامي 1995 – 1997 .
اذن اكل البشر في المجاعات ليس امرا غريبا و مؤلف قصة هانزل و غريتل استوحى قصته من هذا التاريخ الدموي ، انها قصة ممتعة للأطفال و لكنها في الحقيقة تحكي عن حقيقة مخيفة حدثت و تكررت عبر تاريخ المجاعات الطويل ، في مجاعة القاهرة عام 1065 و التي استمرت لسبع سنوات اصبح سعر رغيف الخبز 15 دينار ذهبا و تداول المؤرخون الكثير من القصص حول اكل لحوم البشر و في مجاعة اوربا الكبرى عام 1317 اصبح اكل البشر امرا عاديا و اصبحت سرقة الاطفال من اجل قتلهم و اكلهم متداولا و كثيرا ما تقوم به نساء يقمن بخداع الاطفال و استدراجهم و خطفهم ، و قد وثقت كتب المؤرخين الكثير من هذه القصص عن عصابات لسرقة البشر و الاطفال بصورة خاصة لأكلهم و ذلك لأن الاطفال من السهل خداعهم و اسكاتهم ، اذن العجوز الشمطاء في قصة هانزل و غريتل ليست شخصية خيالية بل هي من صميم الحقيقة و القصة ككل مستوحاة من الواقع ، هجر الاباء لأطفالهم بسبب الفقر و الجوع ، خداع و سرقة الاطفال و اكلهم و معروف لدينا جميعا ان اسهل طريقة لخداع الطفل هي عن طريق اغواءه بقطعة من الحلوى و اكثرنا يتذكر عندما كنا اطفال كيف كان اهلنا يحذرونا من الغرباء و كيف كانوا يخيفونا احيانا بالسعلاة او الساحرة الشريرة التي ستخطفنا و تأكلنا اذا لم نلتزم الهدوء او نخلد الى النوم و في الحقيقة ان اهلنا لم يروا في حياتهم السعلاة او الساحرة الشريرة و لكنهم سمعوا بها من اهلهم و الذين بدورهم تناقلوها عن اجدادهم و هكذا دواليك و ربما تظن عزيزي القاريء انها حكايات عجائز لا اساس لها من الصحة و لكن كن على ثقة بأنها جزء من تاريخ شفهي منسي و مخزون في ذاكرة الاجيال لأيام سوداء لا اعادها الله.

هذه القصة نشرت لأول مرة بالعربية في موقع مملكة الخوف بتاريخ 31 /07 /2008

guest
77 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى